روى الإمام البخارى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال عن معاملة الشهداء :
” لا تغسلوهم فإن كل جرح أو كل دم يفوح مسكا يوم القيامة ”
وأمر عليه الصلاة والسلام بدفن شهداء غزوة ( أحد ) في دمائهم ولم يغسلوا ولم يصل عليهم
ولد اللواء / أحمد عبود الزمر في شهر أكتوبر 1928 بالقاهرة ونال الشهادة في التاسع عشر من نفس الشهر عام 1973 ، وكأنه على موعد مع القدر في هذا الشهر .
يعد البطل من نجوم العسكرية المصرية على إمتداد سبعة عسر عاما ، خاض خلالها كل حروب مصر ، فقد شارك في صد العدوان الثلاثي عام 1956 ، وأشترك في حرب يونيو 67 ونجح في أن يكبد العدو خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات في معركة ( رأس العش ) ……
ففي الأول من يوليو 1967 ، في منطقة ( رأس العش ) حيث موقع الشهيد وفرقته المكونة من ثلاثين مقاتلا ، بدأت معركة شرسة في محاولة من إحدى قوات العدو الإسرائيلي المدرعة إحكام السيطرة على الضفة الشرقية للقناة من خلال القضاء على فرقة الشهيد .
وعلى الفور أصدر البطل / أحمد عبود الزمر أوامره للرجال بالتصدي لمدرعات العدو ومنعها مهما كان الثمن ، فتشتعل نيران الغيرة والحماسة في نفوس الرجال وينطلق الجميع في بسالة نادرة رغم عدم التكافؤ الواضح بين عدو يزهو بقوته ونصره الزائف وبين رجال لا يمتلكون إلا أسلحة خفيفة وصدور ممتلئة بالإيمان بنصر الله .
ولإن الله لا ينسى عباده المؤمنين المجاهدين ، فما هى إلا ساعات حتى أرتدت قوات العدو الإسرائيلي مذعورة ، بعد أن تكبدت خسائر هائلة من القتال مع أسود الصاعقة المصرية .
ولكن العدو الإسرائيلي لم يستسلم ، وقرر الإنتقام من هذا الموقع وتدميره ليكون بمثابة إنذار أخير للقوات المصرية التى تحاول التصدي لقواته المدرعة ، ومع النسمات الأولى لفجر الثاني من يوليو 1967 تقدمت المدرعات الإسرائيلية مدعمة بنيران المدفعية والطيران .
إلا أن رجال الفرقة المصرية بقيادة البطل / أحمد عبود الزمر لم ينهاروا وتواثبوا في خفة النمور وجرأة الأسود بين قذائف المدفعية وهدير الدبابات ليحولوا المنطقة إلى كتلة مشتعلة من الحديد الملتهب ، وتتعاظم خسائر العدو وتبوء كل محاولاته للسيطرة على الموقع بالفشل ، فينسحب شرقا بعد أن تلقى درسا قاسيا في فنون القتال الحقيق على أيدي أبناء مصر الأوفياء
ومع بداية معارك أكتوبر المجيدة ، ومثله مثل كل أبناء مصر ، كان الشهيد / أحمد عبود الزمر متعطشا لقتال العدو الإسرائيلي ، وكانت مهمة فرقته ( الفرقة 23 مشاة ميكانيكي ) بمنطقة ثغرة الأختراق بالدفرسوار ، هى العمل كاحتياطي تعبوي للجيش الثاني الميداني .
وفي النصف الثاني من شهر أكتوبر ، دارت معارك رهيبة قاسية لم تشهد سيناء مثيلا لها ، حيث هاجم اللواء ( 14 ) مدرع الإسرائيلي _ في الساعة الثانية بعد منتصف الليل _ قواتنا غرب القناة ، فصدرت الأوامر للبطل / أحمد عبود الزمر بتنفيذ مجموعة من الضربات والهجمات المضادة ضد قوات العدو في ثغرة الإختراق بالدفرسوار .
ومع أول ضوء لفجر اليوم التالي ، يتسابق الجميع قادة وضباط وجنود لتدمير دبابات العدو الإسرائيلي ، ومع تطور القتال وأشتعاله يدفع العدو الإسرائيلي بالمزيد من قواته داخل الثغرة ، فيصبح أجمالي قواته ( ثلاثة ألوية مدرعة .. لواء مشاة ميكانيكي .. بالإضافة إلى لواء مظلات ) ، وعلى الرغم من التفوق الصارخ لقوات العدو مقارنة بالقوات المصرية ، إلا أن رجال مصر الأبطال نجحوا في إيقاف تقدم العدو ومحاصرته تماما .
ولمدة تزيد على 36 ساعة متصلة ، أستمر الموقع والقوة المصرية الحامية له بقيادة البطل / أحمد عبود الزمر صامدًا ، رغم الحصار ونيران الطيران والمدفعية والهجمات المستمرة من دبابات العدو .
ولكن هذا الصمود لم يخدع قائد محنك مثل بطلنا / أحمد عبود الزمر ، فالفرقة التى يقودها لن تتحمل أكثر ، ولأن مصلحة الوطن أغلى من أى أعتبار فقد أراد البطل المناورةبقواته لوضعها في موقف أفضل ، فأمر بتكوين مجموعات سيطرة تنسحب لموقع خلفي وتركز الدفاعات عليه بدلا مما ستتعرض له تلك القوات مع الهجوم الكبير المتوقع من قوات العدو الإسرائيلي .
وهكذا أشرف لواء أركان حرب / أحمد عبود الزمر بنفسه على خروج مجموعات الجنود أثناء الليل شارحا لقادتها أسلوب السير وكيفية تركيز الدفاعات في الموقع الجديد .
وظل البطل / أحمد عبود الزمر مع من تبقى من قواته للعمل كموقع تعطيلي لإيقاف العدو حتى تُستكمل الدفاعات في الموقع الخلفي الجديد ، ضاربا أروع الأمثلة في المساواة بين القائد ورجاله ، رابطا مصيره بمصير جنوده ، موجها كل جهده لإنجاح المعركة ، رافضا أن يعيش هو ويموت أحد رجاله الذين أبقاهم في الموقع التعطيلي .
لقد فضل البطل الموت على الإرتداد ، ظل يقاتل بسلاحه الشخصي ويواجه نيران العدو مع رجاله الشجعان أكثر من أربع ساعات في معركة غير متكافئة ، حتى نجحت سرية دبابات معادية في الوصول إلى مركز قيادة البطل ، وتنطلق القذائف ليصاب البطل لواء أركان حرب / أحمد عبود الزمر وبعض من رجاله .
فيلقى ربه شهيدا ، ضاربا المثل في التضحية والفداء نحو الوطن الغالي .. مصر.