يتجه الجيش المغربي إلى تصدر ميزان القوى ضمن دول شمال إفريقيا من حيث التسليح العسكري. في هذا التحقيق تميط «المساء» اللثام عن
الإستراتيجية العسكرية للقوات المسلحة الملكية وعن تفاصيل أهم صفقات بيع الأسلحة التي أبرمتها الولايات المتحدة مع المغرب. ويكشف هذا التحقيق أيضا أهم الأسلحة التي اقتناها الجيش المغربي من الولايات المتحدة, وكيف تسعى القوات المسلحة الملكية المغربية في إطار إستراتيجية مخطط خماسي انطلق سنة 2006 إلى تحديث المعدات التكنولوجية, التي يتوفر عليها الجيش المغربي وتعزيز قدراته العسكرية.
بعد قرار الحكومة المغربية القاضي بتأجيل مناورات الأسد الإفريقي إلى أجل غير مسمى، إثر عرض الولايات المتحدة الأمريكية لمسودة قرار يقضي بتوسيع صلاحيات المينورسو، أعلنت السفارة الأمريكية بالرباط أن المناورات العسكرية المسماة بالأسد الإفريقي، ستجري بشكل جزئي بعد التوصل إلى تسوية في الأمم المتحدة. القيام بمناورات عسكرية بين المغرب والولايات المتحدة فرضه بروز تحديات كبرى تتمثل في مواجهة الإرهاب الذي ارتفع مستوى خطره بعد ظهور جماعات مسلحة في منطقة الساحل، بسطت سيطرتها على أجزاء من دولة مالي. هذه الجماعات تسعى اليوم إلى التوسع إقليميا عن طريق اختطاف رهائن من دول أجنبية واستخدامهم كورقة للضغط، إلى جانب الهجرة غير الشرعية، وعصابات الجريمة المنظمة وتهريب الأسلحة، التي تنشط بقوة في منطقة الساحل جنوب الصحراء. لكن هذه المناورات تتزامن أيضا وانتهاء المغرب من وضع ملامح المخطط الخماسي للنهوض بالقوات المسلحة الملكية الذي انطلق العام 2006 على أرض الواقع، وتعزز قبل أيام بالدور الذي رسمته الولايات المتحدة الأمريكية للمغرب في الخطاب الذي ألقاه الرئيس الأمريكي باراك اوباما يوم الخميس 5 يناير وأعلن فيه بوضوح عن تغيير الاستراتيجية الامريكية العسكرية من التركيز على عدد أفراد الجيش، إلى الاعتماد على التكنولوجيا وتطوير المعدات العسكرية.
هذا الاتجاه الجديد في السياسة الأمريكية سبقته إشارات أمريكية عديدة، آخرها الرسالة التي وجهها نائب الأميرال وليام انداي الثالث، مدير وكالة التعاون الدفاعي والأمني التابعة لوزارة الدفاع الأمريكية، إلى الكونغرس الأمريكي، تمهيدا لمنح الموافقة لصفقة أسلحة بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المغربية، حيث ركز في رسالته على دعم قدرات المملكة لمواجهة التهديدات الحالية والمستقبلية، وتحقيق هدف المغرب في تحديث قدراته العسكرية وتعزز في الوقت نفسه عملية التوافق العملي ما بين المغرب والولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
قوات «مارينز» مغربية
شكلت مناورات الأسد الإفريقي منذ انطلاقتها، حدثا مفصليا في تاريخ الجيش المغربي، والذي بدأ يتجه أكثر فأكثر إلى خلق ما يشبه «المارينز» وهي عبارة عن قوات برية بقدرات عسكرية متطورة، تركز على التكنولوجيا والقدرات الفردية، من قتال مباشر واستعمال لأحدث التكنولوجيات العسكرية، وهو ما دفع المملكة إلى توقيع اتفاق مع الولايات المتحدة الأمريكية، تكشف عنه وثيقة، حصلت «المساء» على نسخة منها، تمت مناقشتها في الكونغرس الأمريكي في الثامن عشر من يونيو الماضي، في صفقة ضخمة للمغرب تتضمن هبة أمريكية كبيرة قوامها 200 دبابة أبرامز أم1إيه1 (Abrams M1A1) تم إلحاقها بعقد تتعدى قيمته المليار دولار لتحديث هذه الدبابات وإعادة تأهيلها لصالح الجيش المغربي، مع توفير قطع الغيار والمعدات والدعم اللوجيستي والتدريب الخاص المرتبط بذلك.
وتكشف الوثيقة نفسها، عن طلب المملكة تعزيز وتجديد دبابات أبرامز المائتين، التي قدمت كجزء من هبة معدات عسكرية فائضة عن حاجة الدفاع الأمريكية SA، إلى جانب توفير 150 نظام راديو SINCGARS المعدة للتصدير طراز AN/VRC-87E و50 نظاما آخر طرازAN/VRC-89E، وتسليح الدبابات 200 مدفع رشاش بقاعدة طراز كريسلر Chrysler و400 مدفع رشاش عيار 7,62 ملم طرازM240. بالإضافة إلى حوالي 12.5 مليون قذيفة وطلقة بما في ذلك 1400 قذيفة فاصلة للنعل طراز C785 عيار 120 ملم، و1800 قذيفة طراز CA31 HEAT شديدة الانفجار والمضادة للدبابات عيار12 ملم، و5400 طلقة خطاطة ضد الدروع الخفيفة ذات النعل المنفصل AA38 SLAP-T من عيار 12.7 ملم، و200 قاذف للقنابل الدخانية من نوع M250، ناهيك عن معدات الدعم وقطع الغيار والإصلاح وعملية تدريب الأفراد وتوفير معدات التدريب والدعم اللوجستيكي.
هذه الصفقة التي تعد هي الأحدث والأكثر تطورا، تأتي بعد التركيز على الجانب التكنولوجي في الجيش المغربي، وهو ما أشار إليه الملك محمد السادس بصفته القائد الأعلى ورئيس أركان الحرب العامة للقوات المسلحة الملكية، خلال الأمر اليومي الذي وجهه للقوات المسلحة الملكية بمناسبة الذكرى 53 لتأسيسها، حيث ركز على أن العمل العسكري المشترك بين مختلف الأسلحة يظل «هو الدعامة الأساسية لتعميق الخبرة الميدانية لقواتنا المسلحة والرفع من مستوى انسجام مكوناتها وعناصرها. ويتطلب هذا الجهد الإحاطة بكل الوسائل المعرفية العسكرية الحديثة ذات الصلة بفنون القيادة وإدارة العمليات والاتصال والتشبيه والإسناد وكذا توسيع مجال تدبير الدفاع ليشمل جميع التحديات الأمنية الراهنة والمستقبلية».
أقوى جيوش المنطقة
بعد الدراسة الإسرائيلية التي أعدها المعهد الوطني للدراسات الأمنية في جامعة تل أبيب وأعطت المغرب لقب أقوى جيوش المنطقة، عادت شركة رايثون المتخصصة في صناعة الأسلحة، لتعلن عن اقتناء المغرب صواريخ جديدة من الولايات المتحدة الأمريكية موجَّهة بالأشعة تحت الحمراء، ليكون بذلك رابع دولة تحصل على صواريخ «أيم 9 إكس بلوك 2» قصيرة المدى، والتي ستجعل من سلاح الجو المغربي الأقوى في منطقة شمال إفريقيا ضمن صفقة بيع أسلحة أمريكية للمغرب بقيمة تقدر بحوالي 50 مليون دولار، وهي عبارة عن قطع خاصة بسلاح الجو. المؤسسة الأمريكية، فسرت موافقة الكونغرس الأمريكية بأنها تعكس مستوى التحالف الأمريكي المغربي وستعمل على تمكين سلاح الجو المغربي من تعزيز قدراته والرفع من وتيرة عمله التشاركي مع الولايات المتحدة وحلف الشمال الأطلسي، كما ستعزز قيمة المغرب كشريك حيوي واستراتيجي في منطقة المغرب العربي.
هذه الشراكة التي باتت تتعزز سنويا بمناورات الأسد الإفريقي، إلى جانب أهمية المغرب لدى الولايات المتحدة الأمريكية تفسر بالأهمية الإستراتيجية للمغرب الذي يحتل أهمية متزايدة كموقع جيوسياسي وحليف محلي في مدخل حوض البحر الأبيض المتوسط على مستوى الأمن والدفاع، خاصة بالنسبة للولايات المتحدة التي وإن كانت تعتبر المغرب حليفا تقليديا فإن الحرب على «الإرهاب» وتنامي نفوذ القاعدة في منطقة الساحل والصحراء، وتدفق أسلحة القذافي إلى المنطقة، جعلت من المغرب نقطة ارتكاز في استراتيجيتها الأمنية.
مع وجود تحديات كبرى تتمثل في مواجهة الإرهاب، الذي ارتفع مستوى خطره بعد ظهور «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي»، التي تسعى إلى التوسع إقليميا وتلعب ورقة الرهائن للضغط، إلى جانب الهجرة غير الشرعية، وعصابات الجريمة المنظمة وتهريب الأسلحة، التي تنشط بقوة في منطقة الساحل جنوب الصحراء، وخاصة بجنوب الجزائر وشمالي مالي ونيجيريا، تزايدت حاجة أمريكا في التواجد في المنطقة، عن طريق تعاونها مع الجيش المغربي، حيث تشير التقارير الى سعي الولايات المتحدة الأمريكية، إلى تطوير الأداء الجوي لقواتها بشراكة مع الجيش المغربي عن طريق تعزيز قدراته بطائرات بدون طيار، والتي سيتم بناء البنية التحتية الضرورية لها بجنوب المملكة، إلى جانب إجراء مناورات عسكرية جوية، خاصة وأن الجيش المغربي بنى جزء هاما من قوة الردع في المنطقة على الأداء الأسطوري للقوات الجوية الملكية، وما حققته خلال حرب الرمال التي شاركت فيها ثلاث دول عربية هي مصر وليبيا والجزائر.
وكان المغرب قد أبرم مع أمريكا اتفاقا سنة 1982 يتم بموجبه منح تسهيلات للقوات الأمريكية، هذا الاتفاق الذي يعتبر محورا استراتيجيا جديدا بين المغرب وأمريكا، بعدما طلب المغرب من الولايات المتحدة الأمريكية إخلاء القواعد العسكرية التي تم بناؤها قبل الاستقلال. وفي هذا الإطار، من المنتظر أن يتم تزويد المغرب بآخر التكنولوجيات المتعلقة بسلاح الجو عبارة عن مساعدات أمريكية وصفقات مع شركات خاصة، في إطار قيام المملكة بتحديث قواتها المسلحة وتوسيع هندسة دفاعاتها الجوية لمجابهة التهديدات التي تشكلها الهجمات الجوية.
وطلب المغرب في وقت سابق نظم رادار Sentinel الأمريكية النقالة المستخدمة على الجبهات الأمامية، وتشمل الصفقة 8 أجهزة رادار من طراز سانتينيل إيه أن/ أم بي كيو- 64 أف1 والمعدات العائدة لها, بما في ذلك قطع الغيار والتدريب والدعم اللوجيستي. وهو رادار دفاع جوي ثلاثي الأبعاد، يتولى كشف وتتبع وتحديد هوية التهديدات الجوية، ويصنفها ويرسل تقريراً بها.
وقد حقق تحسين أدائه زيادة في مداه تقدر بـ 80%، مصمم لصد الإجراءات الإلكترونيات المضادة بقدرات كبيرة. وهو مركز على منصة متحركة بحيث يمكن وضعه بعيداً عن بقية مكوناته وعن الوحدة العسكرية، كجزء من إجراءات الحماية مثلاً. كما يمكن تكييفه للعمل على أبراج المراقبة والمنصات البحرية، تزامنا مع تعزيز قدرات الجيش المغربي في القتال الجوي قريب المدى بأحدث الأسلحة الأمريكية.