المشير عبدالغني الجمسي لـ(البيان): (الحورية المتمكنة) موجهه حتما ضد العرب:
التاريخ: 20 يناير 1998
كعادته... وفي اجابات (موجزة) رد المشير محمد عبدالغني الجمسي على اسئلة (البيان) عن الموقف العربي الراهن وعلاقته بقضايا السلام
والعلاقات مع ايران وما بعد حرب الخليج.
اكد المشير الجمسي الذي قاد الجيش المصري في انتصارات اكتوبر المجيدة ان الصراع مع اسرائيل صراع وجود لا حدود
وحذر الدول العربية من اضاعة الوقت في عملية السلام..
ولان شوكة العرب الحالية تتمثل في النتائج التي تركتها حرب الخليج، فقد بدأت (البيان) معه حوارها متسائلة:
مع بداية عام جديد.. هل يمكننا القضاء على تداعيات حرب الخليج؟ وكيف؟
حرب الخليج كان لها اثرها السيء على الدول العربية وخاصة التضامن العربي.. وعلينا ان نتدراك ذلك تدريجيا حتى يتم لم الشمل العربي مرة اخرى،
لانه الضمانة الاكيدة لمواجهة اسرائيل باعتبارها العدو الدائم للدول العربية.. ومما يؤسف له ان اثر هذه الحرب على الكويت والمنطقة سيستغرق وقتا طويلا،
وينبغي على العراق ان تنفذ جميع القرارات التي صدرت من مجلس الامن.
ما تقويمكم لسير عملية السلام من دخول بنيامين نتانياهو للحكم في اسرائيل؟
ان سياسة اسرائيل منذ ان تولى بنيامين نتانياهو الحكم تجعلني اتشاءم من احراز اية نتائج في مفاوضات السلام، فإسرائيل ليست جادة في ذلك
بالاضافة الى ان سياستها واستراتيجيتها منذ انشائها عام 1948 بل منذ مؤتمر بازل 1897 توضح ان النوايا واحدة في استمرار احتلال فلسطين
وعدم اقامة دولة فلسطينية مهما كانت الاسباب بل ان (الاسرائيليين) يرفضون تماما اعادة الجولان الى سوريا مما يجعلني اقرر ان السلام مازال بعيدا جدا.
ما هو رأيك في عدم احترام اسرائيل لقرارات الامم المتحدة منذ عام 1948، في الوقت الذي يحترم فيه العرب كل ما يفرض عليهم من اتفاقيات؟
هذه حقيقة.. وقد ساعد اسرائيل على تنفيذ هذه السياسة ارتباطها القوي بالدول الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الامريكية.. التي اعترفت بقيام دولة (اسرائيل)
بعد دقائق من بحث هذا الموضوع في مجلس الامن، بالاضافة للدول الاخرى التي ساعدتها في مواقفها المختلفة وبصفة خاصة في اعتداءاتها على الدول العربية
منذ انشائها وحتى اليوم، بداية من حرب 1948 مرورا بالعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وحرب يونيو 1967....
(وقد اذيع مؤخرا تقرير يؤكد امداد بريطانيا لاسرائيل بالمساعدات العسكرية اثناء الحرب مع مصر رغم اعلانها انها اتخذت موقفا حياديا..
واستمرت مساعدات تلك الدول لاسرائيل في حرب الاستنزاف وحرب اكتوبر 1973.
بعد مرور 25 عاما على حرب اكتوبر 73 ماتقويكم للتوازن العسكري بين العرب واسرائيل الآن؟
التوازن العسكري يمكن معرفته والوصول الى حقائقه من تقارير مراكز الدراسات الاستراتيجية الدولية.. وكلها تؤكد ان (اسرائيل) لها التفوق العسكري
على الدول العربية مجتمعة.. ويكفي ان تكون الدولة الوحيدة في المنطقة التي تمتلك اسلحة الدمار الشامل وعلى رأسها الاسلحة الذرية
ووسائل نقلها الى اي مكان في الدول العربية.
في مواجهة امتلاك اسرائيل للاسلحة النووية واصرارها على عدم احترام معاهدة منع انتشار السلاح النووي.. ماذا ينبغي على العرب ان يفعلوه؟
لا استطيع ان ادعو الى امتلاك السلاح النووي.. ولكن لابد من استمرارية الدعوة لجعل منطقة الشرق الاوسط خالية من اسلحة الدمار الشامل..
وبذل المزيد من الجهد السياسي واستخدام جميع الضغوط والاوراق لاجبار اسرائيل على الانضمام للمعاهدة.. وهذا ما في ايدينا.
ما رأيكم في القول بأن عملية السلام القائمة على مقررات مدريد لاتحقق السلام العادل والشامل في الشرق الاوسط؟
اذا تم تنفيذ قرارات مؤتمر مدريد بنصها وروحها يمكن ان تحقق سلاما شاملا في المنطقة، ولكن المشكلة تتمثل في غياب الآلية الدولية
التي تضمن تنفيذ هذه القرارات وبالتالي تتاح الفرصة حاليا لنتانياهو ان يتخذ مواقف معادية للسلام ومخالفة لنصوص الاتفاقيات
التي تم التوقيع عليها في مدريد مستندا على انه ليس لها نصوص في اتفاقية السلام.. والمشكلة ليست في النصوص،
ولكن مستقبل عملية السلام في المنطقة ليس واضحا، وهناك امثلة تؤكد ذلك منها ان (اسرائيل) لاتسمح بوجود دولة فلسطين،
ولاتوجد حدود واضحة بين اسرائيل ودولة فلسطين وحتى الآن مازال مستقبل القدس غامضا، وكثير من القضايا التي لم تحسم حتى الآن،
مما يعطي انطباعا واضحا ان السلام في المنطقة مشكوك فيه.
في ظل التوتر الذي يسود المنطقة هناك بعض التحليلات السياسية التي تتوقع توجيه ضربة محدودة لسوريا لاجبارها على عقد معاهدة مع اسرائيل.. فما توقعاتك؟
لا اتوقع حدوث مثل هذه الضربة.. لان سوريا بقوتها السياسية والعسكرية اقوى من هذا بكثير واكاد اجزم ان اسرائيل تعلم ذلك،
وتعمل الف حساب لعدم الوقوع في مثل هذا الخطأ العسكري، ولابد ان نتوقع ان سوريا مستعدة لمواجهة هذه الاحتمالات سواء في الاراضي اللبنانية أو على اراضيها.
ولكن اسرائيل ترفض اعادة الجولان، بينما تصر سوريا على عدم التنازل عن شبر من الجولان.. فما تقديركم لحل هذه القضية؟
هذه هي المشكلة الرئيسية التي تثيرها اسرائيل، لان لها نوايا توسعية في الجولان، وترى ان استيلاءها عليها يحقق لها الامن،
ولذلك سوف تستغرق الجهود السياسية لتحقيق السلام بينهما وقتا طويلا، ولكن في النهاية حتما ستعود الجولان الى سوريا،
واتوقع ان المشكلة التي ستنشأ في ذلك الوقت عند تحقيق السلام هي تحديد القدرة العسكرية لسوريا في الجولان.
ولكن هل تتوقع تحقيق مثل هذا الاتفاق في ظل حكومة الليكود المتشددة بزعامة نتانياهو؟
لا اتوقع ان يحدث اي اتفاق او تقدم في عملية السلام عموما في ظل حكومة الليكود بزعامة نتانياهو.. ولكن قد يحدث في ظل حكومة اخرى.
هل تعتقد انه يمكن تحقيق الامن قبل السلام كما يدعي بنيامين نتانياهو؟
هذا كلام غير صحيح، واعتقد انه يقول هذا الكلام كغطاء سياسي لتبرير عدوانهم المتكرر على الفلسطينيين واللبنانيين،
كما ان كلام نتانياهو هذا جزء من نظرية الامن التي اخترعها الاسرائيليون للتوسع وستارا لمخططاتهم التوسعية،
ولقد قالها الرئيس مبارك واتفق معه على ان السلام هو الذي يحقق الامن وليس العكس.
بعض الخبراء العسكريون يؤكدون ان الحرب القادمة في الشرق الاوسط سيكون سببها اعادة توزيع حصص المياه في المنطقة.. فما رأيكم؟
موضوع المياه شائك جدا، ومهم بالنسبة للعالم العربي واسرائيل وتركيا لان هناك منابع كثيرة في تركيا تؤثر في سوريا،
وقد تكون المياه سببا من اسباب الحرب في المستقبل، ولو اني اعتقد انه من الممكن معالجة مشاكل المياه في العالم العربي والافريقي بالطرق السلمية، الدبلوماسية.
سيادة المشير.. هل ترى ان الصراع بين العرب واسرائيل صراع وجود ام صراع حدود؟
صراعنا مع اسرائيل صراع وجود وليس حدود فمنذ انشائها تقوم على نظرية الامن التي تنادي بالتوسع على حساب الدول العربية المجاورة لها..
بل ان اهدافها المعلنة بأن تتوسع من النيل الى الفرات في نطاق اهدافها ومخططاتها وتعتبر بعض المناطق العربية جزءا من دولة اسرائيل وبالتالي..
لاتوجد حدود.. وتأكيدا لما قلته.. ان بن جوريون مؤسس دولة اسرائيل عندما سئل اين حدود دولة (اسرائيل) قال: ان حدود اسرائيل حيث يقف الجندي الاسرائيلي،
وهناك مثال حي آخر انه بعد العدوان على مصر عام 1956 صدر قرار الكنيست الاسرائيلي بضم سيناء الى اسرائيل كجزء من اراضيها كما يدعون
ولكننا اجبرنا اسرائيل على الانسحاب رغم انفها، ايضا موشى دايان بعد حرب يونيو 1967 عندما وصلت قواته الى سيناء والجولان ونهر الاردن
قال: هذه هي الحدود الآمنة لاسرائيل!
احزاب المعارضة المصرية تقول ان اتفاقيات السلام بيننا وبين اسرائيل تنقص من السيادة الوطنية على سيناء، هل هذا صحيح؟
الصحيح في هذا الموضوع ان هناك منطقة منزوعة السلاح في سيناء طبقا لنص الاتفاقية كما ان هناك منطقة منزوعة السلاح في اسرائيل ينطبق عليها نفس الشيء.
ولكن المنطقة المنزوعة السلاح في سيناء مساحتها 20 كيلومترا اما في اسرائيل فهي كيلومترين فقط! هذا صحيح..
وذلك نتيجة للفارق الشاسع في المساحة بيننا وبينهم، وبالتالي فالمسافة نسبية، ولقد وافق الطرفان على ذلك واقرها مجلس الشعب عندنا والكنيست عندهم
فأصبح امرا واقعا وجاري تنفيذه بوجود قوات الامم المتحدة وبضمان الولايات المتحدة الامريكية والاتفاقية موقعة بالنص بين مصر واسرائيل
وبضمان الولايات المتحدة وقد نصت على اسلوب ونظام تعديلها في اي وقت من الاوقات.
ولكن بعض المحللين السياسيين يقول انها ابدية؟
لا.. هذا غير صحيح فهي ليست ابدية، واذا ما قرر مجلس الشعب غدا انه يريد اعادة النظر في الاتفاقية لأي سبب من الاسباب فهذا من حقه
ولكن المشكلة في اجراءاتها المعقدة وحتى اذا كانت (اسرائيل) تريد اعادة النظر فيها سيكون ذلك رهن موافقة مصر وامريكا..
وهذا سيتوقف على مصلحة كل طرف من من الاطراف.
وماذا عن آخر المستجدات في القضية والمتمثل في ان امريكا ستتوقف عن دفع مبلغ 400 مليون دولار
تكاليف نفقات القوات متعددة الجنسياتفي سيناء كأسلوب للوي ذراع مصر؟
لم تعلن امريكا انها ستتوقف وانما بعض الصحف رددت ان امريكا ستثير الموضوع لانها لاتريد دفع الـ 400 مليون دولار فإذا مادفعت انتهت المشكلة
واذا صممت على عدم الدفع فلابد لمصر واسرائيل ان تجدا حلا او وسيلة لدفع هذا المبلغ.
هل نصر اكتوبر 1973 في رأي المشير الجمسي ينسب للرئيس السادات ام للجيش المصري الذي اعده الرئيس عبدالناصر بعد نكسة 1967 وخلال حرب الاستنزاف؟
هذا الجيش هو جيش مصر وليس جيش السادات ولا عبدالناصر وبعد هزيمة يونيو 1967 وهي هزيمة مريرة اعيد تسليحه من الكتلة الشرقية والاتحاد السوفييتي
سابقا ورفعت كفاءته القتالية وخاصة حرب الاستنزاف واقام حائط صواريخ الدفاع الجوي وكل هذه الاعمال تمت في عهد عبدالناصر وهذا ينسب تاريخيا له،
اما التجهيز لحرب اكتوبر 73 ووضع خطتها واتخاذ قرار الحرب حتى نهايتها فهذا ينسب للرئيس السادات ويكتب له تاريخا
وكلاهما يكمل بعضهما البعض في قيادة مصر.
لكم رأي يقول: نحن مسؤلون عن هزيمة يونيو 1967 ونحن الذين صنعناها نريد توضيحا لهذا وماهي الاسباب السياسية والعسكرية لهزيمة 67 في رأيك؟
ان التقدير السياسي في ذلك الوقت كان خاطئا ومضمونة انه لن تنشب حرب في هذه المنطقة، الامر الذي دعا القيادة السياسية الى اغلاق مضيق العقبة
مما جعل الولايات المتحدة الامريكية تعلن العداء على مصر في عهد الرئيس جونسون
اما الاسباب العسكرية فترجع الى ان القيادة العسكرية برئاسة المشير عبدالحكيم عامر لم تكن على مستوى المسؤولية لقيادة القوات.
يقال ان الخلافات الشخصية والسياسية بين الزعيم جمال عبدالناصر والمشير عبدالحكيم عامر كانت احد اسباب هذه النكسة.. هل هذا صحيح؟
لا.. لان عبدالناصر وعامر في ذلك الوقت كانا على صداقة وثيقة لايرقى اليها الشك
ويكفي ان نتذكر ان تأمين الثورة بعد قيامها تم بتعيين (الرائد) عبدالحكيم عامر في ذلك الوقت ومنحه الرتبه العظيمة التي تولاها بقرار من جمال عبدالناصر.
لكن عند تقييم نكسة يونيو 67، ترى من المسؤول عنها؟
المسؤول عن نتائج الحرب هو جمال عبدالناصر لان القائد السياسي للدولة هو الذي يتحكم في سياستها الخارجية وقواتها العسكرية
وكل القرارات العسكرية الرئيسية التي اتخذت في هذه الحرب كانت تعرض على عبدالناصر بحكم منصبه،
فحشد نصف مليون جندي في سيناء لايستطيع عامر ان يفعله دون موافقة عبدالناصر وطرد قوات الطوارىء الدولية واغلاق المضايق ايضا،
ولاننسى سؤال عبدالناصر الشهير لعبدالحكيم عامر حينها.. هل انت جاهز ياعامر؟ فرد عليه قائلا: (برقبتي ياريس) هذا مجرد كلام مصاطب..
فقرر عبدالناصر بناء على هذا الرد دخول الحرب
كيف اتخذ قرار حرب أكتوبر.. هل اتخذه الرئيس السادات بمفرده أم اشتركتم معه في اتخاذه؟
منذ أن تولى الرئيس السادات الحكم كان يجتمع مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة تباعا بحكم مسؤوليته كرئيس للدولة وقائد أعلى للقوات المسلحة.
وفي هذه اللقاءات كان يشرح لنا أبعاد السياسة المصرية وباقي السياسات الأخرى مثل سياسة اسرائيل والولايات المتحدة،
وأتذكر انه في يوم 24 أكتوبر 1972 في جلسة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة في مكتبه بالجيزة، قال: إن الجهود السياسية تعثرت وتكاد تكون توقفت
ولا بد أن نخطط ونرسم بما لدينا من أسلحة لشن الحرب في أول فرصة ممكنة،
وأتذكر تماما انه قال: (إذا لم نحارب في عام 1973 ستنهار القضية العربية وتتآكل حتى تموت) ..
أما قرار الحرب (فعلا) فقد صدر مكتوبا يوم الأول من أكتوبر سنة 1973 الموافق الخامس من رمضان في اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة
وسلم هذه الوثيقة الرسمية للفريق أول أحمد إسماعيل، ونص القرار على أن القوات المسلحة المصرية عليها أن تتحدى نظرية الأمن الاسرائيلي
وذلك بالقيام بعمل عسكري في حدود قدراتها وامكانياتها لاشعار اسرائيل أن وجودها في سيناء ليس درعا من الفولاذ يحميها في ذلك الوقت أو المستقبل،
ثم أعقبه قرار آخر تكملة للقرار السابق يوم الخامس من أكتوبر الموافق التاسع من رمضان، وبه بعض التفصيلات الأخرى
التي تكمل القرار السابق وهي خاصة بكسر وقف اطلاق النار باعتباره عملا سياسيا وليس عسكريا وأن تقوم القوات المسلحة المصرية بهذا الهجوم على اسرائيل.
هل كانت لديكم أهدافا محددة لهذه الحرب.. أم انها فقط خطوة عسكرية لاجبار اسرائيل على التفاوض.. وهل حققت الحرب أهدافها في رأيك؟
إن تحدي نظرية الأمن الاسرائيلي هي مشكلتنا ومشكلة اسرائيل.. فهي تعتمد على التوسع على حساب الدول العربية وبقائها في سيناء
فوق الأراضي التي احتلتها والأراضي العربية الأخرى.. ولذلك كان لابد أن نقوم بعملية عسكرية اسمها (بدر)
والتي بناء عليها يتحقق الهدف السياسي لأن هزيمة العدو يترتب عليها أن يجنح ويرضخ ويأتي للتفاوض.. فنحن نحاربه منذ أربعين عاما.
هل يمكن للحرب مع اسرائيل أن تحقق ما لم يحققه السلام؟
أبدا.. الحرب مع اسرائيل تحقق الهدف السياسي الذي نسعى إليه فقط وإنما اسرائيل بدون حرب لا يمكن أن تسالم لانها تتبنى التوسع على حساب الدول العربية
المحيطة بها.. وعقيدتها في عملها العسكري تتبنى أن تكون لديها قوات مسلحة تفوق القوات المسلحة لجميع الدول العربية المجاورة لها.
ماذا تذكر من بطولات أكتوبر؟
هناك عقيد يدعى إبراهيم رفاعي من قوات الصاعقة قام بعمليات فدائية كثيرة فترة السنوات العجاف التي مرت بها مصر
بين حرب يونيو 67 وحرب أكتوبر 1973.. وفي حرب أكتوبر كلفه الفريق أول أحمد إسماعيل بمهمة لم يتمكن من تنفيذها فاستشهد في أرض المعركة..
وكان مثالا رائعا في البطولة والفداء بالقوات المسلحة المصرية..
وتكريما لشجاعته ــ عندما كنت وزيرا للحربية ــ أطلقت اسمه على إحدى الدفع التي تخرجت من الكلية الحربية.
أهداف الخطة (بدر) - ما هي الملامح الرئيسية التي وضعتموها كخطة لحرب أكتوبر؟
على ضوء الاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية والاستراتيجية العسكرية المصرية، وضعت مصر خطتها للهجوم في حرب أكتوبر وأيضا سوريا،
وقد تم الاتفاق على تعاون القوات في الجبهتينالمصرية والسورية تحت قيادة قائد عام واحد ــ القائد العام للقوات المصرية ــ وأطلق على الخطة المشتركة اسم (بدر)، وكانت فكرة الخطة تقتضي أن تقوم القوات الجوية في الدولتين بتوجيه ضربة جوية في وقت واحد ضد الأهداف العسكرية المعادية في سيناء والجولان..
وتحت ستر تمهيد نيراني بالمدفعية في كل من الجبهتين, تقوم القوات المصرية بالهجوم مع اقتحام قناة السويس،
وتقوم القوات السورية بالهجوم في الجولان، وكان مقدرا أن القوات السورية يمكنها تحرير الجولان خلال (4 ــ 5) أيام وتستمر في تأمينها
حتى تصل القوات المصرية إلى الأهداف الاستراتيجية المحددة لها في سيناء، وكانت فكرة الخطة المصرية هي اقتحام قناة السويس بالجيش الثاني والثالث
على طول مواجهة القناة (حوالي 175 كيلو مترا) وانشاء رؤوس كباري جيوش تشمل خمس فرق وقوة قطاع بور سعيد بعمق 15ــ20 كيلو مترا
مؤمنة بواسطة قوات الدفاع الجوي وبعد (وقفة تعبوية أو بدونها) يتم تطوير الهجوم شرقا حتى خط المضايق الجبلية لاحتلاله والتشبث به وتأمينه،
وبذلك تصبح القوات الاسرائيلية في أرض مكشوفة في وسط سيناء لا تتمكن من انشاء خطوط دفاعية بها للعوامل الطبوغرافية من جهة
وعدم قدرتها على توفير القوات اللازمة لها لذلك من جهة أخرى.. وتعرضها للهجمات المصرية التالية ــ شرق المضايق ــ حسب تطور الموقف،
وطبقا لفكرة الخطة تقوم القوات البحرية بتأمين سواحلنا البحرية والتعرض لخطوط المواصلات البحرية الاسرائيلية في مضيق باب المندب
لايقاف الملاحة من وإلى إيلات مما يؤثر على اقتصاد اسرائيل وحرمانها من الامداد بالبترول من إيران..
وتنفيذا لهذه الفكرة كان علينا التغلب على كل المشاكل التي تواجه القوات المسلحة تخطيطا وتنفيذا.
ما هي الاجراءات الخداعية التي اتخذتموها كي لا يكتشف العدو الاسرائيلي موعد بداية الحرب؟
لقد كانت قواتنا في منطقة القناة على اتصال بالعدو حيث لا يفصلها عنه سوى حوالي 200 متر وهو عرض القناة،
كما ان القوات في الجبهة السورية تتواجد تحت الملاحظة المستمرة من جانب العدو الذي يحتل المرتفعات السورية،
ومعنى ذلك ان العدو يسهل عليه اكتشاف أي تغيير جوهري في حجم القوات أو استعدادها للحرب في الجبهتين أو إحداهما،
وهذا يوضح صعوبة تحقيق المفاجأة في هذه الحالة، وكانت هناك صعوبة أخرى في تنفيذ الاجراءات الخداعية بحيث تبدو للعدو حقيقية
وبحيث تقتنع القوات أو الجهات التي تقوم بتنفيذها بأنها حقيقية دون أن تعلم انها خداعية،
لذلك فقد وضع خطة المفاجأة عدد محدود جدا من ضباط هيئة عمليات القوات المسلحة وكتبت بخط اليد كخطة العمليات تماما واشتملت على اجراءات وأعمال كثيرة متنوعة بحيث تتكون صورة متكاملة أمام العدو ان قواتنا في مصر وسوريا ليس لديها نية الهجوم، بل نعمل لتقوية دفاعاتنا واستعدادنا ضد هجوم اسرائيلي محتمل،
تمويه وتغرير،
وكانت الخطوة الأولى هي عمل مشروع تدريبي تشترك فيه كل أفرع القوات المسلحة والجيوش والمناطق العسكرية وتحت ستارة تنفيذ اللمسات الأخيرة
استعدادا للهجوم بحيث يتحول المشروع التدريبي إلى حرب حقيقية طبقا لخطة العمليات.. ولم تصدر أي قيود على القوات المسلحة بحيث يبدو انه تدريب عادي
وكان يهمنا أن تعلم اسرائيل بهذا التدريب وهو ما تم فعلا، وقد سبق لقواتنا أن قامت بتدريب واسع في النصف الأول من عام 1973
اضطرت اسرائيل ــ تفاديا للمفاجأة ــ أن تعلن التعبئة الجزئية وتضع قواتها في درجة استعداد عالية الأمر الذي كلفها ملايين الدولارات وقد أسعدنا ذلك
حتى تتعود اسرائيل على ان المشروع التدريبي الذي سيتحول إلى حرب حقيقية إنما هو تكرار لمشروعات تدريبية سابقة ويصبح الأمر عاديا،
وقد ثبت فيما بعد أن تحليل المخابرات الاسرائيلية هو ان ما نقوم به خلال الاسبوع الأول من أكتوبر 1973 هو مجرد مناورة عادية للتدريب،
مفاجأة غير سارة،
التعرض لخطوط المواصلات البحرية الاسرائيلية في مضيق باب المندب بواسطة البحرية المصرية، كان لابد أن تصل المدمرات إلى منطقة عملها
قبل ظهر يوم السادس من أكتوبر.. لذلك قمنا في وقت مبكر خلال عام 73 بالاتصال بإحدى الدول الآسيوية الصديقة لقبول هذه القطع البحرية للاصلاح في ورشها،
وبعد أن وصلتنا الموافقة، تمت الاتصالات مع السودان واليمن الجنوبية للحصول على موافقة كل منهما لتقوم مدمراتنا بزيارة ميناء بورسودان وعدن
زيارة ودية ووضع برنامج الرحلة والزيارات بحيث تتواجد المدمرات في مضيق باب المندب صباح يوم السادس من أكتوبر لتبدأ تنفيذ مهمتها،
وللمحافظة على سرية الهدف من الزيارة ومهمة القتال، فقد تأكدت قيادة القوات البحرية بأن المدمرات أبحرت مستعدة تماما للقتال وعندما حان الوقت المناسب
أثناء الرحلة البحرية فتح قائد القوة مظروفا سريا وجد به تعليمات القتال للتعرض لخطوط المواصلات البحرية الاسرائيلية في المضيق
وهو ما تم تنفيذه بكفاءة، وكانت هذه المهمة الاستراتيجية مفاجأة غير سارة لاسرائيل ولم يكن أمامها إلا أن تقتنع بأن تمسكها بشرم الشيخ
لتأمين الملاحة البحرية في مضيق خليج العقبة إلى إيلات لا قيمة له وسقطت دعواها في هذا الشأن.
الاعلان عن العمرة وقبيل شهر رمضان،
أعلنت وزارة الحربية في الصحف وداخل القوات المسلحة عن فتح باب قبول العسكريين لأداء العمرة، وصدرت التعليمات للقوات بقبول طلبات من يرغب
بنفس الأسلوب الذي يتبع سنويا، ومن المعروف ان اسرائيل تحصل على الصحف المصرية عن طريق أوروبا كما كنا نحصل على الصحف الاسرائيلية،
ولذلك كان الخبر الذي نشر في الصحف المصرية رسالة مفتوحة لاسرائيل والسفارات الأجنبية في مصر ان استعدادنا للهجوم ليس واردا في ذلك الوقت.
الثغرة - لماذا حدثت الثغرة وكيف حدثت؟
لقد كان واجبا علينا أن نعالج موضوع الثغرة شرحا وتوضيحا لها بطريقة موضوعية عن طريق وسائل الاعلام المصرية
أثناء القتال وبعد الحرب مباشرة ولكننا لم نفعل، الأمر الذي أدى إلى اهتمام المواطنين بهذه المعركة وكأن الأمر شيئا غير مطلوب الافصاح عنه،
وبدلا من ذلك أدلى الرئيس السادات بتصريحات عن الثغرة أعطت الانطباع بأن الفريق سعد الدين الشاذلي لم يبذل الجهد الكافي أثناء وجوده في جبهة القناة
خلال فترة الثغرة، فازداد الرأي العام اهتماما بالموضوع، وقد شجع اسرائيل على القيام بتلك المغامرة، المعونات العسكرية التي قدمتها لها أمريكا
منذ يوم السادس من أكتوبر بناء على تقييم للموقف العسكري بواسطة خبراء البنتاجون (وزارة الدفاع الأمريكية) في نفس اليوم
ومساهمة في التخطيط العسكري يوم الثامن من أكتوبر، وجسر جوي أمريكي بطائرات نقل عسكرية ينقل لاسرائيل احتياجاتها من الدبابات والطائرات وكافة الأسلحة
منذ يوم 14 أكتوبر وحتى نهاية الحرب، لكل ذلك كان لابد لاسرائيل أن تثبت لأمريكا قدرتها على العمل العسكري بعد كل هذه المساعدات
حتى لا تفقد دورها في خدمة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط. وفي البداية فشلت محاولات شارون لانشاء معبر حتى مساء يوم 15ــ16 أكتوبر
نتيجة المقاومة الشديدة من الفرقة 16 مشاة.. ثم اشتد القتال صباح يوم 16 واشتعل في ميدان المعركة الرئيسي شرق الدفرسوار في سيناء
وفي معركة المزرعة الصينية شمال شرق الدفرسوار حتى أقيم المعبر يوم 17 بعد اقحام القيادة الاسرائيلية فرقة مدرعة جديدة بقيادة الجنرال آدان
لفتح ممر شمال البحيرات المرة خلف قوات فرقة شارون حتى يمكن توصيل معدات المعبر إلى الضفة الشرقية للقناة بعد أن فشل شارون في تنفيذ هذه المهمة،
وبعد أن تمكن العدو من انشاء كوبري في منطقة الدفرسوار ازداد تدفق قواته المدرعة غربا وأصبحت له المبادأة في القتال واتجهت قوات شارون شمالا
في اتجاه الإسماعيلية في محاولة لدخول المدينة حتى يكون لذلك تأثيره السياسي الكبير وفي نفس الوقت تهديد مؤخرة قوات الجيش الثاني
الذي كان يتولى قيادته في ذلك الوقت اللواء عبدالمنعم خليل، وقد واجهت قوات الجيش هذا الهجوم وأمكنها ايقاف تقدم شارون
وحرمته من تحقيق هدفه السياسي العسكري، ولكن خلال يومي 19، 20 أكتوبر تقدمت قوات العدو المدرعة غربا وجنوبا
في اتجاه فايد في ظل تفوق جوي اسرائيلي، ونظرا لهذا التفوق البري والجوي الذي أصبح للعدو في غرب القناة كما ان المبادأة أصبحت من جانبه،
كان من الضروري وضع الفرقة الرابعة المدرعة تحت القيادة المباشرة للقيادة العامة
حتى يمكن استخدامها ــ باعتبارها القوة الرئيسية ــ اما في قطاع الجيش الثاني أو الثالث حسب تطور الموقف.
السادات والخلاف مع الشاذلي؟
على ضوء هذه التطورات حضر السادات إلى مركز العمليات، وبعد أن استمع إلى تقرير عن الموقف من الفريق أول إسماعيل
تقرر إيفاد الفريق الشاذلي إلى قيادة الجيش الثاني للعمل على منع تدهور الموقف وذلك باتخاذ الاجراءات للقضاء على قوة العدو غرب القناة
ومحاولة غلق الثغرة في شرق القناة وهي كلها في قطاع الجيش الثاني،
وماذا عن الخلاف الذي نشب بين الفريق الشاذلي وبينكم حول كيفية القضاء على الثغرة؟
كان الفريق الشاذلي في قيادة الجيش الثاني بعد ظهر يوم 18 أكتوبر وكنت على اتصال مستمر معه لتبادل المعلومات والآراء..
وبعد أن ألم بالموقف تماما كان رأيه هو ضرورة سحب أربعة لواءات مدرعة من الشرق إلى الغرب خلال الـ 24 ساعة التالية للدخول في معركة ضد قوات العدو
وان ذلك من وجهة نظره لا يؤثر على كفاءة دفاعاتنا في الشرق، كما كان يرى ان الموقف خطير ويجب طلب حضور رئيس الجمهورية لشرح الموقف أمامه،
اتصل وزير الحربية أحمد إسماعيل بالسادات فجاء إلى مركز العمليات الساعة العاشرة والنصف مساء يوم 20 أكتوبر،
كان الفريق الشاذلي واللواء حسني مبارك (حينها) واللواء علي فهمي وأنا واللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية واللواء سعيد الماحي مدير المدفعية
مجتمعين في غرفة المؤتمرات داخل مركز العمليات، واجتمع السادات مع الفريق أول أحمد إسماعيل على انفراد لمدة ساعة قبل بدء الاجتماع الموسع،
ثم دخل ومعه الوزير أحمد إسماعيل والمهندس عبدالفتاح عبدالله وزير الدولة لشؤون رئاسة الجمهورية غرفة المؤمرات،
وطلب الرئيس رأي المجتمعين واحدا بعد الآخر، وبعد أن استمع الرئيس لرأي باقي القادة لاحظت ان الفريق الشاذلي لم يتكلم
وقرر الرئيس (عدم سحب أي قوات من الشرق مع احتواء قوات العدو في الغرب).
وماذا كان تعليق الفريق الشاذلي؟
لقد فسر الشاذلي الموقف الذي اتخذه بعدم ابداء رأيه في المؤتمر ــ كما جاء في مذكراته ــ بقوله:
(طلب الرئيس الكلمة من المجتمعين واحدا بعد الآخر وقد قام كل منهم بشرح موقف القوات بأمانة تامة، وبعد أن استمع إليهم جميعا لم يطلب مني الكلمة وعلق قائلا:
"لن نقوم بسحب أي جندي من الشرق"، لم أتكلم ولم أعلق.. غمزني المهندس عبدالفتاح عبدالله وهمس في أذنى "قل شيئا"
ولكني تجاهلت نصيحته ــ ماذا أتكلم وقد اتخذ الرئيس القرار ولا يريد أن يسمعني ــ انني أريد أن أسحب أربعة ألوية مدرعة من الشرق،
وهو يعارض سحب جندي واحد.. انه لم يتخذ هذا القرار عن جهل بل عن معرفة تامة بالموقف، وهذا هو قراره)
وما زلت أقول ان القرار من وجهة نظري ــ كان صحيحا وسليما.
لقد وصف السادات الفريق سعد الشاذلي عند عودته من الجبهة يوم 20 أكتوبر (بعد الثغرة) بأنه كان منهارا في كتابه البحث عن الذات.. فهل هذا صحيح؟
هذا الكلام ليس صحيحا، فلقد عاصرت الفريق الشاذلي خلال الحرب، وقام بزيارة الجبهة أكثر من مرة.. وكان بين القوات في سيناء
وأكرر انه عندما عاد من الجبهة يوم 20 أكتوبر لم يكن منهارا كما وصفه الرئيس السادات في مذكراته.. ولا أقول ذلك دفاعا عن الفريق الشاذلي،
ولا مضادا للرئيس السادات ولكنها الحقيقة أقولها للتاريخ، فلقد كان هناك خلاف في فكر رئيس الأركان وفكر القائد العام
على الطريقة التي نواجه بها موقفا عسكريا أمامنا وهذا واجب وحق لكل مسؤول في جهاز القيادة أن يبدي رأيه واقتراحه في الموقف..
ولكن القرار في النهاية الذي يتحتم على الجميع الالتزام به هو قرار القائد العام المسؤول عن إدارة العمليات.
هل صحيح انك بكيت عند توقيع اتفاقية فض الاشتباك بسبب تخفيض عدد قواتنا في سيناء كما جاء في كتاب الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل؟
لم أبك ولكن أغرورقت عيناي بالدموع.. فأثناء مفاوضات فض الاشتباك بين مصر واسرائيل كان هنري كيسنجر وزير خارجية الولايات المتحدة حينها
يعمل بسياسة (المكوك) وأثناء المفاوضات المصرية ــ الأمريكية في أسوان وكان الوفد المصري برئاسة المرحوم إسماعيل فهمي وزير الخارجية الأسبق...
ودار الحديث بيني وبين كيسنجر عن تخفيض القوات المصرية في الضفة الشرقية للقناة بعد إيقاف اطلاق النار فرفضت رأي كيسنجر..
ولم أوافق على تخفيض عدد قواتنا.. ففاجأني بأنه اتفق مسبقا قبل المؤتمر مع الرئيس السادات على هذا التخفيض فشعرت بالضيق الشديد وأصرّيت على رفضي..
وبعد انتهاء المؤتمر توجهت إلى السادات لسؤاله عن حقيقة الاتفاق الذي أبرمه مع كيسنجر عن تخفيض القوات المصرية..
ففاجأني بأنه وافق على هذا التخفيض.. فأبديت له وجهة نظري من الناحية العسكرية ان هذا يهدد موقف قواتنا في الضفة الشرقية إذا ما استؤنف القتال مرة أخرى
وطلبت منه استدعاء الفريق أول أحمد إسماعيل وزير الحربية حينها والقائد العام للقوات المسلحة ــ وكنت أنا رئيس الأركان ــ للحضور وأخذ رأيه في هذا الموضوع فرفض السادات وصمم على تنفيذ رأيه مع كيسنجر وهذا ما تم.. وكنت قد تركت المؤتمر دون استئذان وتوجهت ناحية الحمام في حالة ضيق شديد
عبر عنها الكاتب الكبير حسنين هيكل بأنني بكيت ولكن الحقيقة انني لم أبك ولكني كنت حزينا جدا من هذا القرار.
هل كان من حق الرئيس السادات أن يتخذ مثل هذا القرار رغم رفضكم كعسكريين.. وما تقييمك لهذا القرار؟
هذا قرار خطأ عسكريا.. ولكنه كان قد اتفق مع كيسنجر على عمل سياسي في منطقة الشرق الأوسط لتقريب وجهات النظر السياسية بين مصر واسرائيل..
وهو ما تبلور في النهاية في صورة اتفاق سياسي نهائي مع اسرائيل عن طريق أمريكا.
هل تتوقع حربا قادمة مع اسرائيل؟
هذا السؤال يحتاج إلى معلومات دقيقة كي تكون الاجابة صحيحة.. وهي غير متوفرة لدي.
لقد قلت للسادات ان تخفيض قواتنا خطر علينا إذا ما استؤنفت الحرب.. فهل هذا يعني انك متوقع استئنافها مرة أخرى؟
أنا متوقع استئناف القتال بين اسرائيل ومصر في كل وقت منذ انشاء دولة اسرائيل حتى اليوم وغدا..
ولا أصدق اطلاقا ان هناك سلاما سيتم بين بنيامين نتانياهو والدول العربية.
ولكنك في بداية عملية السلام.. كنت من المؤيدين لها الآن أنت من المتشائمين تجاهها.. لماذا؟
أنا لم أقل انني متفائل أبدا ومنذ بداية عملية السلام.. وأصبحت من المتشائمين بنتائج محادثات السلام لان بنيامين نتانياهو منذ أن أصبح رئيسا للوزراء في اسرائيل.. صرح كثيرا بسياسته التي تعتمد على اللاءات الثلاثة: لا للدولة الفلسطينية, ولا اعادة للجولان لسوريا, والثالثة تظل القدس موحدة عاصمة أبدية لاسرائيل
فإذا ما كانت هذه هي سياسته.. على ماذا يتفاوض نتانياهو وعلى ماذا يتفاوض الفلسطينيون حاليا! لا أفهم!
هل يمكن تحقيق سلام عادل في ظل عدم وجود توازن استراتيجي في المنطقة؟
لا يمكن .. ولكن اسرائيل تتمنى أن يكون هناك سلام في المنطقة بشرط أن يكون لديها الأسلحة الذرية والتفوق العسكري على الدول العربية (مجتمعة)
هذا هو هدفها في المنطقة وبالتالي يمكنها السيطرة على الدول العربية والمنطقة وهنا ستكون السيطرة سياسية وعسكرية و(اقتصادية) وهي الأهم.
يرى الكاتب الكبير نجيب محفوظ ان حرب الاستنزاف كانت إحدى (الايجابيات السلبية) لعهد عبدالناصر.. ما رأيك في هذه المقولة؟
هي جزء من السنوات الست العجاف التي مرت بين حرب يونيو 1967 وأكتوبر 1973 وهذه الفترة التي بدأت بمرحلة الدفاع،
ثم مرحلة الدفاع النشط ثم مرحلة الاستنزاف التي كان الغرض منها (تطعيم) قواتنا المسلحة واعدادها للمعركة.. فلقد كانت جزءا من بناء القوات المسلحة،
وتعتبر أطول حرب نشبت بين مصر واسرائيل فقد استمرت لمدة عام ونصف.. من مارس 1969 حتى أغسطس 1970
استخدمت فيها القوات البرية والجوية والبحرية والدفاع الجوي، وكان لهذه الحرب هدفها السياسي واستراتيجيتها العسكرية وعملياتها ذات الطابع الخاص
وتكتيكات تنفيذها كمرحلة من مراحل الصراع المسلح بين مصر واسرائيل في فترة ما بعد هزيمة يونيو وهي تختلف عن الحرب الشاملة،
ومن المعروف ان استراتيجية حرب الاستنزاف من الاستراتيجيات المعترف بها في العلم العسكري، ففي بعض الظروف السياسية والاستراتيجية
عندما لا تتوفر القدرة على الحركة السريعة أو يتأخر توفرها مع وجود عوامل أخرى قد تسبب تأخير العمل العسكري المباشر
وتصبح استراتيجية (الصراع طويل الأمد) هي استراتيجية ملائمة في مثل هذه الظروف، وبرغم ان بعض الآراء اعتبرت حرب الاستنزاف عملا ضارا
لم يحقق الفائدة إلا انني أرى ان هذه الحرب كانت ذات فائدة عظيمة،
وان وقوعها كان هو التمهيد العملي الضروري الذي ساعد على أن يصبح قرار حرب أكتوبر 1973 أمرا ممكنا.
ماذا تعني لك حرب أكتوبر بعد مرور ربع قرن عليها؟
تعني مرحلة من مراحل الصراع العربي الاسرائيلي الذي بدأ في عام 1948 حتى اليوم وما زال باقيا رغم ما يقولونه عن السلام بين مصر واسرائيل،
وحرب أكتوبر بالنسبة لي هي الحرب الأولى التي انتصر فيها العرب وحققت هدفا سياسيا واستراتيجيا رئيسيا وهو تحطيم نظرية الأمن الاسرائيلي في هذه الحرب..
وكما قال وزير الدفاع الأمريكي جيمس شلزنجر تعليقا على حرب أكتوبر: (لقد سقطت نظرية الأمن الاسرائيلي وأصبحت هالة الدولة التي