معارك السنـة الأخيرة ، سورياعقد البريطانيين الأمال علي إنهيار القوات العثمانية بعد هزائمها المتلاحقة في فلسطين والعراق بهجوم قوي يعدون له ، إلا أن ظروف هجوم الربيع علي الجبهة الألمانية الذي عرف بإسم عملية مايكـل أجل شن هجومهم المرتقب لمدة 9 شهور ، وتم إعادة جيش الجنرال اللنبي الذي قدم معه إلي فرنسا للمشاركة في صد الهجوم الألماني ، وتم إستعاضة تلك القوات بفرق جديدة جلبت من الهند وإستغرق تدريبها ربيع وصيف العام 1918.
ونظراً للسيطرة الساحقة للبريطانيين في الجو لم يكن لدي الأتراك أو قائدهم ليمان فون ساندرز أدني فكرة أو تصور أين سيهجم البريطانيين ، وما زاد الأمر سوءاً سحب وزير الحرب العثماني "إسماعيل أنور" كثير من القوات العثمانية علي تلك الجبهة ليعمل علي إنشاء جيش الإسلام وترك القوات الغير جيدة لتكتوي بجحيم المعـركة .
أما علي الجانب التركي فبعد هزيمتهم في غزة ، إنسحبوا إلي الخلف وحاولوا بناء خط دفاعي عند وادي Sarar لكن تم إحباط المحاولة من قبل البريطـانيين بهجوم قاموا به في 13 نوفمــبر 1917 ، وحاول الجنرال Falkenhayn بناء خط دفاعي جديد يمتد من بيت لحم إلي مدينة القدس حتي يافا ، ونجح في الصمود أمـام أولي الهجمات البريطانية عليه ولكن مع توالي وصول فرق المشاة البريطانية إلي المنطقة نجحوا في تحطيم الخط الدفاعي والإستيلاء علي مدينة القدس يوم 9 ديسمبر 1917 ، الذي إعتبرته الحكومة البريطانية برئاسة لويد جورج إحدي أهــم المكاسب بعد 3 سنوات دامــية من الحرب ، وحدث تغيير في القيادة التركية فتم إستدعاء أحمد جمال باشا إلي إسطنبول وإعطاء المسئولية إلي القادة الألمــان أمثال Kressenstein و Falkenhayn ..
الموقف بعد سقوط القدس :بعد سقوط القدس ، عانت القوات البريطانية من نقص بقوات المشاة نظراً لسحب عدد كبير منها بالإضافة إلي قوة الدبابات التي قدم بها اللنبي من فرنسا لدعم القوات البريطانية علي الجبهة الألمانية بعد قيامهم بشن هجوم الربيع "عملــية مايكل" ، ورغم ذلك حاول اللنبي إبقاء الضغط علي الأتراك فقام بإرسال قوة من سلاح الفرسان للإستيلاء علي مدينتي عمان والسلط بالأردن ولكنه فشل في تحقيق ذلك .
وتم إستبدال القائد الألماني Falkenhayn الذي كان يريد إتمام عملية الإنسحاب لتقصير خطوط مواصلاته بألماني اخر هو الجنرال von Sanders الذي كان يري بأن مواصلة التراجع يعمل علي إهباط معنويات القوات العثمانية ويعطي الفرصة أمام ثورة العرب للإنتقال شمالاً إلي حيث خطوطهم وعزل باقي قواته بالحجاز ، فقام بإيقاف الإنسحاب وإستعاد بعض الأراضي القريبة من الأردن.
وكانت قوات النبي خلال صيف العام 1918 معتمدة علي فرقتان من المشاة هنديتان تم جلبهما من حملة الرافدين لإستعاضة فرقتي المشاة اللتان تم إرسالهما إلي الجبهة الغربية ، وتم نقل فرقتان جبليتان هنديتان من فلسطين إلي الجبهة الغربية ، وتم إعادة تنظيم فرقة Yeomanry ، وبالتالي أصبحت القوات الهندية ثمثل غالبية قوات اللنبي فكان كل 3 كتائب هندية تقابلها كتيبة بريطانية ..
وبعد إعادة تنظيم قواته ، نقل معظم عملياته لشمال الأردن حيث كانت قوات الثورة العربية بقيادة الأمير فيصل ، وكان بعض من جنود الثورة العربية تحت قيادة جعفر باشا الذي قام بحصار الحامية العثمانية بمعان ، وكان لورانس يقود بعض القوات العربية تجاه مدينة العقبة لتخريب سكة حديد الحجاز التركية ، وحاول الأتراك شن هجوم بمنطقة أبوطلال بالأردن ولكنها هزمت علي يد قوات الفرسان الإستراليـة ، وعملت أسراب الطائرات البريطانية علي تحقيق السيطرة المطلقة بالجو ضد فصيل الطائرات الألماني المتواجد بفلسطين ..
خطة الحلفاء:كانت خطة اللنبي ترتكز علي تحقيق إختراق بالجهة الغربية من الجبهة القريبة من شواطئ المتوسط ، وفي سبيل تحقيق قاموا بالإستيلاء علي موقع دفاعي قريب من نهر العوجة وذلك خلال المعارك نهاية عام 1917 ، وبعد تحقيق الإختراق ، يتم دفع فيلق الصحراء الجبلي البريطاني تجاه الثغرة التي حدثت بخطوط القوات العثمانية ويقوموا بالإستيلاء علي الممرات بجبل الكرمل قبل إنتباه القوات العثمانية والسيطرة علي مراكز الإتصال بالفوله وبيسان مما يؤدي إلي حصار القوات العثمانية غربي الأردن .
ولإنجاز ما خططه اللنبي كان عليه بذل جهود كبيرة لإلهاء العثمانيين عن نواياه الحقيقة كما سبق وفعل بمعركة غزة الثالـثة ، ولهذا حرك فرقة Anzac الجبليـة لوادي الأردن بالنهار في حين كـان يقوم بسحبهم ليلاً بالعربات وذلك لتكرار تلك العملية في اليوم التالي ، وعلي طول الطريق كانت مركباتهم وخيالتهم تقوم بإثارة الغبار لمحاكاة حركة القوات وبنيت حصون ومعسكرات خداعية .
وأثناء ذلك ، إنضم فيلق الإبل البريطاني إلي القوات العربية لشن غارة علي مدينة عمان ، وخلال مسيرهم كان يقومون ببعثرة معلبات الطعـام وعلف الحيوانات علي طول الطريق لخداع الأتراك بالمنطقة، فيما تم نشر مقالات بالصحف البريطانية تتحدث عن عقد سباق بغزة يوم 19 سبتمبر"يوم الهجوم المرتقب" وذلك زيادة في خداع الأتـراك.
معركة مجيدو:وأخيرا في 19 سبتمبر 1918، أطلق الجنرال أدموند اللنبي هجومه المرتقب وأطلق علي ذلك الهجوم معركة مجيدو Megiddo بينما سميت بالغرب بإسم Armageddon المعركة الفاصـلة ..
ميـــزان القوي:كان يقود جيوش البريطانيين التي عرفت بإسم قوات الحملة المصرية EEF الجنرال ادموند اللنبي وقد إجتمع تحت يديه الفيلق XXI ويضم 5 فرق والجحفل الفرنسي الأرمني ، والفيلق XX ويضم فرقتين ، وقوات الجنرال Chaytor التي تضم فيلق الصحراء الجبلي وفرقة Anzac الجبلية ولواء مشاة هندي بالإضافة إلي الجحفل اليهودي بالإضافة إلي فرقتان جبليتان هنديتان وفرقة إسترالية جبلية وفوج سيارات خفيفة ، بالإضافة إلي قوات الثورة العربية التي كانت تضم لواء مشاة نظامي بقيادة جعفر باشا وفيلق الإبل المصري والشريفي بقيادة لوارنس ورجال قبائل الحويطات وروالة
أما الأترك فكان يقود مجموعة جيوشهم"الصاعقة Yilderim" بالمنطقة ليمان فون ساندرز ويضم الجيش الثامن بقيادة Jevad Pasha مسئول عن الدفاع عن سهل شارون ويحتوي علي فيلقين ، وهما الفيلق XXII ويضم 3 فرق والفيلق الأسيوي ويضم فرقتين بالإضافة إلي فصيل ألماني ،بالإضافة إلي الجيش السابـع الذي يقوده مصطفي كمال ومسئول عن الدفاع عن وادي الأردن ووصحراء فلسطين ويشتمل علي فيلقين ، وهما ، الفيلق III ويضم فرقتين والفيلق XX ويضم فرقتين والفوج 146 مشاة ألماني ، والجيش الرابع الذي يقوده جمال Kuchuk ويشتمل علي فيلقين ، وهما ، الفيلق VIII ويدافع عن نهر الأردن بقوة فرقتين والفيلق II ويضم فرقتين ويدافع عن الأردن .
الهجوم الأولي :قامت القوات العربية التي يقودها لوارنس ونوري السعيد بتخريب سكك الحديد التركية حول منطقة درعا Deraa الهامة وإنضم إليهم لاحقا رجال قبائل الحويطات ورواله بالإضافة إلي بعض الثوار المحليين ..
ولجذب إنتباه الأتراك ، جعلت قوات Chetwode تقوم بهجمات نحو تلال الأردن ، وقبل الهجوم بفترة قصيرة ، قام أحد الجنود البيطانيين من الهنود المسلمين بتحذير الأتراك من الهجوم الوشيك الأمر الذي جعل قائد الفيلق XXII يستعد لإحباط الهجوم البريطاني إلا أن تعليمات قائده الاعلي "قائد الجيش الثامن" منعته من القيـام بذلك .
وفي الساعة 4.30 فجراً إنطلق الهجوم البريطاني المرتقب ، وذلك بوابل من قذائف 400 مدفع التي سببت مفأجاة كامـلة للمدافعين ، وقامت فرق المشاة بإختراق الخطوط التركية بسرعة ملحوظة ، وفي خلال ساعات كانت فرق الفرسان تتحرك بجوار الساحل بينما قامت طائرة بريطانية يقصف مقر العمليات الرئيس للأتراك التي قطعت الإتصالات بينهم وبين القادة الأخرين ، مما سبب إنهيار كامل للقوات التركية التي قامت بإنسحاب غيـر منظم وفرار قائد الجيش الثامن Jevad Pasha من الميدان ولم يستطع مصطفي كمال السيطرة علي قوات الجيش الثامن المنسحبة .
تحطيم الجيوش العثمــانية:خلال الساعات الأولي من صباح يوم 20 سبتمبر ، قامت فيلق الصحراء الجبلي بالسيطرة علي جبل الكرمل وفي اليوم التالي إستولوا علي الفوله وبيسان ، وقام لواء من الفرقة 5 الجبلية بمهاجمة مدينة الناصرة مقر القائد العام ليمان فون ساندرز الذي هرب قبل وصولهم له وسيطروا علي ميناء حيفا الحيوي ..
معدات تركية مدمرة بفعل غارات للطائرات البريطانيةقامت بقايا الجيش السابع التركي بالإنسحاب مباشرة نحو الأردن ، فيما قامت الطائرات البريطانية بملاحقتهم وإيقاع خسائر كبيرة بهـم ، وعلي مدار الأيام الأربعة التالية قامت الفرقة الرابعة الإسترالية بمحاصرة قوات تركية بوادي Jezreel .
فيما حاول القائد الألماني ليمان فون ساندرز بنشر عدة فصائل في محاولة لإبقاء خط الأردن - نهراليرموك متماسكا ولكن قوة من لواء فرسان إسترالي قضت علي أماله بإستيلائها علي مدينة سمخ محطمة للخط الذي كان يريده.
تطوير الهجوم:وأراد الجنرال النبي إستغلال ما حققه من إنتصارات فأمر سلاح فرسانه بالتقدم وعبور نهر الأردن والإستيلاء علي مدن عمـان ودرعا والزحف نحو دمشق ، وأثناء ذلك ، كانت فرقة المشاة 3 الهندية تتقدم شمالاً بجوار الساحـل نحو بيروت ، والفرقة الهندية السابعة تزحف نحو بعلبك بوادي البقـاع حيث توجد أخر المعسكرات التركية ..
وبدأ الجيش الرابع التركي بالتراجع يوم 22 سبتمبر ، فيما قامت قوات الجنرال Chaytor بإستغلال الموقف فقامت فرقة Anzac الجبلية بالإستيلاء علي عمان يوم 26 سبتمبر ، فيما وجدت القوات التركية بمدينة معان نفسها محاصرة بين فرقة Anzac وبين الثوار العرب ففضل قائدهم الإستسلام .
وبعد ذلك ، قامت الفرقة الجبلية الرابعة بالتقدم نحو درعا Deraa التي إستولت عليها القوات العربية ثم زحفت شمالاً تجاه دمشق ، وقامت القوات التركية المنسحبة بإرتكاب اعمال وحشية ضد القري العربية بالمنطقة ..
وتقدمت فرقتان جبليتان بريطانية عبر مرتفعات الجولان للزحف نحو دمشق خاضوا خلالها معارك ببنات يعقوب والقنيطرة وSasa وKatana ، ووصلوا إلي الحدود الشمالية لمدينة دمشق يوم 29 سبتمبر ، وفي اليوم التلي قام الإستراليون بالدوران حول المدينة واجبروا حاميتها علي التراجع لداخل المدينة وسقطت دمشق في اليوم التالي ..
أما حلب فزحفت نحوها الفرقة الجبلية الخامسة البريطانية بالإشتراك مع فصيل عربي وإستولوا عليها يوم 26 سبتمبر ، ثم واصلوا تقدمهم نحو ميسلون حيث حشد مصطفي كمال بعض قواته ووقفوا قبالتهم حتي توقيع هدنة مدروز في 30 أكتوبر 1918.
خسائر الطرفين :قتل من البريطانيين قرابة 800 جندي وأصيب 4100 جندي فيما فقد 400 جندي ، أما العثمانيين فلا يعرف عدد قتلاهم ولكن المحصلة تدمير مجموعة جيوش الصاعقة وأسر قرابة 75000 جندي ..
............................
تـــم بحــمد الله