أولي معارك حملة القوقاز " معركة سيراكماس"الأسباب المباشرة للمعركة:في 30 أكتوبر 1914 ، أعلمت القيادة العـليا بإسطنبول قيادة الجيش الثالث العثماني المتواجدة بمدينة Erzurum الذي يقوده حسن عزت باشا ، بحدوث إطلاق للنار أثناء إبحار سفينتين ألمانيتين في البحر الأسود ، وتوقعت القيـادة العليا حدوث هجوم روسي عبر الحدود العثمانية في أي وقت ..
ميـــدان المعركة :كانت المساحة الكلية لميدان الحرب ما بين 1250 و 1500 كلم ، من منطقة البحر الأسود حتي بحيرة فان Van ، وتتوسطها هضبة يترواح إرتفاعها ما بين 1500 إلي 2000 متر ، وكانت المشكلة الرئيسية بالمنطقة تتمثل في الطرق ..
حيث كان مواصلات العثمانيين بعيدة عن ميدان المعركة ، فيما كانت الطرق ميزة للروس حيث كان يتواجد سكة حديد Kars وفي طريقها كانت توجد محطة في سيراكماس وكانت تبعد حوالي 24 كلم عن الحدود الروسية ، وكان الطريق الوحيد لتحرك أي جيش عثماني خلال المرتفعات القوقازية يمر عبر الممرات الجبلية الشاهقة والتي تخترق مدن Kars وSarikamish..
قوي الطرفين:كان لدي العثمانيين بالمنطقة جيشهم الثالث الذي كان يتكون من 3 فيالق ويقودهم إسماعيل أنور باشا ( الذي تولي قيادة الجيش بعد معارضة حسن عزت له أثناء هجوم Bergmann) ، وكان مركز قيادة الجيش الثالث والفيلق IX في مدينة Erzurum والفيلق X في منطقة سيفاس ، فيما كان الفيلق XI بمنطقة Elazig ، ووحدة مستقلة تم تشكيلها من فرقة المشاة الثالثة تحت قيادة مقدم ألماني لتتمركز في قلعة Erzurum للتعزيز ضد إحتمال تفوق روسي ، وكانت الوحدة تتكون من كتيبتن من لواء المشاة الثامن بالإضافة إلي كتيبتن من المدفعية ، وبالإجمال ، كان يمكن القول أن لدي العثمانيين قوة مقاتلة تصل عديده إلي 83 ألف جندي نظـامي وإحتياطي وترتفع مع الوحدة المستقلة إلي 118 ألف ، والعدد الكلي مع عناصر الدعم والنقل والتموين والشرطة العسكرية... وخلافه ، يصل إلي 150 ألف) ، وكان مع تلك القوات 73 قطعة رشاش آلي و 218 قطعة مدفعية ، وكان إستعداد القوات العثمانية للحملة سيئاً ، ومثال علي ذلك ، فرقتين من الفيلق IX قطعت رحلة طويلة بدون ملابس شتوية مناسبة والطعام كان خبز وزيتون فقط .!!
كان جيش القوقاز الروسي يتكون من 100 ألف جندي مجهزين بشكل جيد ، وأعاد الروس نصف ذلك الجيش إلي الجبهة البروسية بسبب هزائمهم في معارك Tannenberg بحيرة Masurian التي حدثت في شهر سبتمبر 1914 ، وتركت 65 ألف جندي فقط علي جبهة القوقاز ، بالإضافة إلي وحدات كبيرة من المتطوعين الارمن ..
بداية المعركة:كان حافظ حقي باشا في الجناح الأيسر ويقود الفيلق X ، وقد رأي بأن يتحرك الفيلقين X و IX تجاه مدينتي Sarikamish وKars ، وكانت خطته تقوم علي خطوتين ، هجوم مفأجي أولي "هجوم رئيسي" وهجوم ثانوي من الفيلقين X و IX بأقصي سرعة للوصول إلي Oltu ..
وتوقع بدء الهجوم إنطلاقا من مدينة نارمان أو "أي دي حاليا" يوم 22 ديسمبر 1914 ، وبعد ذلك يتم تحريك الفيالق مسافة 30 كلم لكي تصل إلي خط Kars-Sarikamish بحلول 25 ديسمبر ، وبعد التحرك النهائي تم ترك فرقتين كانتا قد أسلت عن طريق البحر من كونستنتابلي إلي طرابزون .
وبالفعل أمر حافظ حقي باشا قواته في 22 ديسمبر1914 بالمسير إلي الأمام وواجهوا أثناء مسيرهم مناوشة صغيرة من قبل لواء روسي يقوده الجنرال Istomin وواصلوا تقدمهم حتي دخلوا مدينة Oltu ، وأسفرت المناوشات عن الإستيلاء علي 4 قطع مدفعية و 4 قطع رشاش آلي و أسر 1000 جندي روسي ، وفي 23 ديسمبر ترك الجنرال Istomin موقعه إلي القائد العام لمنطقة أدراهان ، وأرسل حافظ حقي فرقتين لمتابعة تحركات الجنرال Istomin ، وفي أقصي الجناح الأيسر كان علي فوج Stange الذي أنزل في طرابزون قطع نهر كورح والصعود لمسافة 8000 قدم للوصول إلي أدراهان ، وفي 24 ديسمبر واصل حافظ حقي باشا تقدمه الجيد لما بعد مدينة Oltu فقطع مسافة 75 كلم في 3 أيام فقط ، ولكن علي الرغم من ذلك لم يصل إلي خط Kars-Sarikamish كما كان مخططاً سلفاً..
وفي 25 ديسمبر ، زحف الجنود العثمانيين لمدة 14 ساعة متواصلة تحت الثلوج الكثيفة المتساقطة ، وأنهك الجنود تماما وشعروا بالجوع والتعب ، لدرجة أن الخوف من رشاشات الروس والثلوج بدأ يتلاشي لما كانوا يشعرون به من جوع وتعب ..
وفي 26 ديسمبر ، وبعد 18 ساعة من الزحف ، تعرض الفوج 91 من الفيلق X لنيران مضادة روسية ، وبعد ساعتين ، ترك الروس المنطقة ليواصل الفوج 91 تقدمه ( لأن عاصفة ثلجية كانت علي ما يبدو علي وشك الهبوب) ، وفي ظل تلك الظروف وصل الفوج 91 إلي منطقة Kosor بعد 21 ساعة من تركهم لـ Penek ، المسافة كانت 8 كلم فقط !! ، ووصلت باقي القوات في توقيتات مماثلة ..
وطلب إسماعيل أنور باشا من الفيلق X شن هجوم ليلي عبر قري Kosor, Arsenik , Patsik التي تبعد مسافة 30 و 35 و 40 كلم علي التوالي من سيراكماس ، وكان عليهم تجاوز جبال Allahuekber "الله أكبر" مما يجعل امامهم يومان للوصول إلي سيراكماس ..
وعاني الفيلق X من تأخير مقداره 24 ساعة في الوصول إلي ممرBarduz مما سبب إنحراف في تنفيذ خطـة إسماعيل أنور للهجوم ، وفي الصراع حول ممر Barduz فقدت الكتيبة الرابعة للمتطوعين الأرمن قرابة 600 متطوع بين صفوفهم ، وبدأ فوج Stange في النزول إلي منطقة أدراهان ..
وعندما وصل القائد الروسي Malyshevsky إلي خط الجبهة الامامي أحس بالقلق الشديد ، فأصدر أوامره بالتراجع العــام علي ان تبدأ عملية الإنســحاب في 25 و 26 ديسمبر ، وأخلي الروس سيراكماس إلا من قوة صغيرة من سلاح الفرسان و 1000 عامل من موظفي السكة الحديد للدفاع عن محطة سيراكماس ، ولم يكن كل القادة الروس علي نفس حالة Malyshevsky من القلق الشديد ، وتسلم الجنرال Yudenich قيادة الفيلق الثاني Turkestan الذي رفع شعار المقاومة .
وفي 28 ديسمبر كان في مواجهة الروس، الفيلق XI بمنطقة Khorasan والفيلق IX بسيراكماس ، والفيلق X الذي كان يهدد بإختراق للجبهة الروسية علي طول خط سكة حديد Kars علي الجانب الشرقي ، وكان فوج Stange ما زال ينحدر لمسافة 60 ميلاً في الشمال الشرقي لمنطقة أدراهان ..
وفي ضوء ما سبق ، كانت خطة إسماعيل أنور باشا علي الخريطة ناجحة إلي حد كبير ، ولكن علي الأرض نجد ان حالة القوات العثمانية يرثي لها ، فنصفهم جائع والأخر بلا سلاح او ذخيرة بعد نفاذها ، ولا توجد وسائل للنقل لحل تلك المشكلة ، وإعتقد أنور باشا أن الروس يتراجعون إلي Kars لكنهم في الحقيقة كانوا يقومون بحركـة تطويق ..
الهجوم علي سيراكماس :في 29 ديسمبر ، قـام الفيلقين IX و XI بهجوم قوامه 12 ألف رجل علي سيراكماس ، ودار قتال شرس تمكن خلاله 300 رجل فقط من النجاح الدخول إلي المدينة ، وخسر العثمانيين 6000 رجل بنهاية ذلك اليوم ، وتغير مزاج أسماعيل أنور باشا الإيجابي ليصبح محبطاً بعد تلقيه معلومات عن إستعداد الروس لمحاصرة جنوده بـقوة تصل إلي 5 أفواج ، تلك الأنباء التي صدمته جعلته يدرك أخيراً الحقيقة ...
في 31 ديسمبر ، تم محاصرة الفيلق XI بغابات سيراكماس وسقط بها 2500 رجل و14 قطعة مدفعية ورشاش آلي ، وفي الليلة ذاتها وصلت انباء غير سارة من ممر Barduz لمركز قيادة أسماعيل انور باشا تفيد بأن الفرقة 32 قد أخلت مواقعها أمام الروس ، مما يعني بأن العثمانيين داخل نصف دائرة نظراً لإمتلاك الروس ممر Barduz و طرق Kizilkilise ، مما يضع العثمانيين أمام خيار التراجع حتي لا يسد عليهم طريق العودة ويقعوا في دائرة الروس ، إلا أن ذلك الرأي الحكيم ، ضرب به إسماعيل أنور باشا عرض الحائط وأمر قواته بالإستمرار بالخطــة ..
وفي 1 يناير ، كان قائد الفيلق XI يضغط بقوة علي سيراكماس لمدة 4 أيام متتالية ، وبعد ذلك القتال العنيف بدأ الهجوم يفقد زخمه ، حيث أعاق تساقط الثلوج وصول الإمدادات الضرورية ، وفقد الفيلق XI مقدرته القتالية ، فخسرت إحدي فرقه حوالي 40% من قوته خلال عاصفة ثلجية ولم تمد يد النجدة إليهم ! ، وتركت 90 % من قوة الفيلق X علي منحدرات جبــال Allahuekber ، اما الفيلق IX فكان يقاتل في منطقة Aras التي لم يدخل إلي Cerkezkoy إلا ليكون أسري في يد الروس ، وكان الروس علي وشك إستكمال تطويق باقي القوات العثمانية .
الحصار في نصف دائرة:وفي 2 يناير ، تسببت نيران للمدفعية الروسية في حدوث إصابات عديدة ، وتسلم إسماعيل باشا تقريران ، أحدهما من رئيس هيئة أركان الفيلق IX المقدم شريف والأخر من العقيد حافظ حقي باشا ، وكان كلا التقريران يفيدان بان ليس في قدرة أي من قواتهما شن أي هجوم ، وكان كلامهما صحيحاً ، إلا أن إسماعيل انور باشا رد عليهما قائلاً " بأن علي القوات أن تستمر في الهجوم بكامل قوتها !" ، وبعد فترة أدرك إسماعيل انور الحقيقة ببطء وركز علي تأمين الطرق أولاً للتراجع بدلاً من إصدار أوامر بشن هجمات علي سيراكماس ، وقام بدمج فيلقين في جيش أطلق عليه " جيش الجناح الأيسر" وتم ترقية حافظ حقي لرتبة عميد وتولي قيادة الجيش المدمج ..
وفي 3 يناير تم إبعاد الفيلق IX إلي قرية Choruk وهو نفس الإتجاه الذي كان الفيلق X يتراجع إليه أيضا ، ووضع حافظ حقي" الذي رقي إلي رتبة باشا" أمله علي قدوم تعزيزات تعيد التوازن إلي الوضع القائم ، ولهذا لم يطلب من "جيش الجناح الأيسر " لإعتقاده بانه من الممكن الإستيلاء علي سيراكماس ، وإلي 40 كلم عن سيراكماس كان الفيلق XI بقيادة Galip باشا يشن هجمات علي القوات الروسية علي أمل تخفيف الضغط علي جيش الجناح الأيسر الموجود امام سيراكماس ، إلا أن الروس تقدموا وأصبحت الدائرة علي وشك الإكتــمال..
وفي 4 يناير ، وبينما كان حافظ حقي باشا يتجول مع إحسان باشا ، قال له بأن الأمر قد إنتهي ، وأنه يتمني بقاء بعض من القوات التي تركت علي جبال Allahuekber علي قيد الحياة.
الإنســحاب العـام:وفي 6 يناير ، أصبح مركز قيادة الجيش الثالث نفسه في مرمي النيران الروسية ، وأسر الروس جنود الفرق 28 و 17 و 29 ، بالإضافة إلي 8 ضباط رفيعي المستوي من بينهم إحسان باشا الذي إستسلم للروس ونقل 108 جندي وقرابة الـ80ضابط إلي سيراكماس.
فيما تمكن حافظ حقي باشا من النجاة ووصل إلي مركز قيادة الفيلق X وعلم عندها أن قيادة الفيلق IX قد سقطت بأيدي الروس ، فأعلن الإنسحاب العام ، وفي 7 يناير بددأ مسير القوات المتبقية إلي Erzurum ، وفي 11 يناير بعد وصول اسماعيل انور والضباط الالمان إلي Erzurum رأوا بأنه من المكن نقل بقايا الجيش الثالث خلال يومين ، حيث تبحر سفن النقل من كونستنتابلي لإنزال القوات في طرابزون إلا أنه تم إغراقها بواسطة سرب البحر الأسود الروسي .
وفي 17 يناير ، تم تجميع بقايا القوات العثمانية المتواجدة حول غابات سيراكماس كإشارة إلي إنتهاء القتال في تلك المنطقة ، وعلي الجانب الأخر أخلي الروس قرية Choruk ، وبعد 3 أسابيع من الكفاح المستميت ، إنتهي مشروع أنور بالفشل التام وسط الجبال الشاهقة وتحت الثلوج المتساقطة ..