[rtl]المجد- خاص
فاجأت أحداث الربيع العربي معظم دول العالم بما فيها أجهزة المخابرات التابعة لها, سرّعت هذه المفاجأة الدراسات العلمية التي كانت تجري على قدم وساق للتنبؤ بالأحداث قبل وقوعها من خلال عقول إلكترونية حديثة ومتطورة, فأصحاب القرار السياسي يحتاجون إلى إجابات مسبقة حول أسئلة تتعلق باحتمال وقوع انتفاضات شعبية هنا، أو انقلاب عسكري هناك، أو فتنة دينية أو مذهبية هنالك, فالمعرفة المسبقة تمهد لاتخاذ قرارات صائبة.
TNDM
أول هذه الأجهزة الحديثة كان من إنتاج مؤسسة ديبوي في واشنطن، ومهمة هذا الجهاز، ويرمز إليه بـ TNDM أن يتنبأ في حالة وقوع حرب أهلية أو اضطرابات عنصرية أو حرب تقليدية بين دولتين أو أكثر، بمن سيكون الرابح، وكم ستكون الخسائر، وكذلك التنبؤ بالوقت الذي يستغرقه الصراع أو الحرب. ويقوم هذا الجهاز بهذه المهمة بعد تزويده بمعلومات عن عدد القوات المتقاتلة، ونوعية الأسلحة التي يحملها كل فريق، ومواقع المسلحين، ومستوى تدريباتهم ومعنوياتهم، وحتى عن حالة الطقس وطبيعة أرض المعركة.
ومن خلال رصد الرسائل المتبادلة على "فيسبوك" و"تويتر" وكذلك الرسائل الهاتفية يمكن رصد حتى "حرارة المشاعر" أثناء الانتفاضات الأهلية، وهو أمر يلعب دوراً أساسياً في تأجيج أو إخماد الاضطرابات.
SCARE
وهناك جهاز آخر أكثر تطوراً قامت بإنتاجه الأكاديمية الحربية الأميركية (ويست بوينت) بإشراف عالِم الإلكترونيات الجنرال "باولو باكاريان"، ويُعرف برمز SCARE، ومهمة هذا الجهاز تتركز على التنبؤ بحروب العصابات من خلال تحليل المصادر الداخلية لأسباب الصراعات, ويتركز التصويب في هذه المرحلة بالذات على ثلاثة مسارح هي أفغانستان والعراق وسوريا، وكان قد بدأ العمل الأولي بالمشروع باتخاذ فيتنام نموذجاً للدراسة.
من مهام هذا الجهاز التنبؤ بمواقع مخازن الأسلحة التي تحتفظ بها الفصائل المتقاتلة, وقد وصل في قدرته على تحديد هذه المواقع إلى مدار 700 متر فقط من مكان وجودها الفعلي، واستند في ذلك إلى أن زرع العبوات الناسفة ينطلق من أرض تسيطر عليها طائفة زارع العبوة، وان التخزين يكون عادة في هذه الأرض.
Rift Land
ولقد طورت البحرية الأميركية جهازاً يحمل رمز "ريفت لاند" Rift Land يستند أساساً إلى معلومات يتم جمعها من الجمعيات الدولية التي تقدم المساعدات الخيرية، ومن الجمعيات الأهلية المتعاونة معها، وكذلك من المؤسسات الحكومية ومن الأكاديميين والإعلاميين لتحديد حركة السكان وردود أفعالهم أثناء الصراعات المحلية، وحتى أثناء الجفاف والمجاعات. ولقد أثبت هذا الجهاز نجاحه في تنبؤات أسدت خدمات جليلة إلى صاحب القرار الأميركي حول أحداث القرن الأفريقي (الصومال- إثيوبيا - أوغندة - رواندا ـ الكونغو).
CONDOR
أما فيما يتعلق بالشرق الأوسط، فإن معهد التكنولوجيا في ماساتشوتس بالولايات المتحدة أنتج بإشراف الدكتور بيتر غلور جهازاً إلكترونياً جديداً يعرف برمز "كوندور" CONDOR، ويتلقى هذا الجهاز المعلومات عن رسائل فيسبوك وتويتر والمصادر الإعلامية الأخرى، ومهمته التنبؤ بكيفية تطور حركة الاحتجاج الشعبي وتوجهاتها عن طريق تحليل المعلومات عن المشاعر العامة.
وبذلك يرسم الجهاز مسار الأحداث قبل وقوعها، الأمر الذي يقضي على عنصر المفاجأة الذي عانت منه الإدارة الأميركية والدوائر السياسية الأخرى في دول العالم المختلفة.
MEME
وتعمل الآن مؤسسة "أوبتيما" في ماساتشوتس أيضاً على إنتاج جهاز أكثر تطوراً يعرف برمز MEME ، وتتعدى مهمة هذا الجهاز الجديد تحليل المعلومات إلى تحليل المشاعر، ذلك أن كثيراً من المواقف تبنى على المشاعر وليس على الوقائع، وتشمل هذه العملية المعقدة عامة الناس وليس الناشطين فقط، ولذلك فإن الجهاز الجديد يعتمد أساساً على المعلومات المتداولة في "تويتر" والبلوك و"أون لاين" والاستجوابات المباشرة واللقاءات الإعلامية. وفي اعتقاد مدير هذا المشروع ،" روبرت ماك كورميك"، فإن الجهاز أصبح الآن قادراً على أن يحدد المنطقة المصرية، أو المدينة المصرية الأكثر اهتماماً بوقوع حادث حدودي مع دولة الكيان، كما أن باستطاعته أن يحدد الحاجات الاقتصادية أو الاجتماعية الأشد إلحاحاً في أي منطقة من مصر.
ICEWS
ولعل أكثر هذه الأجهزة تقدماً جهاز تنتجه -أو أنتجته بالفعل – شركة "لوكهيد" لإنتاج الأسلحة، وهذا الجهاز الذي يرمز إليه بـ ICEWS هو عبارة عن إنذار مبكر حول احتمال انفجار أزمة مقبلة في أي دولة من دول الشرق الأوسط أو غيرها، وذلك قبل حدوث الانفجار الفعلي. وتتولى إدارة هذا المشروع الهام الكولونيل "ماريندا مورجن"، وهي تابعة مباشرة لوزير الدفاع الأميركي. وبموجب هذا المشروع يتم جمع المعلومات من المصادر الإلكترونية والإعلامية، إضافة إلى المعلومات المتوفرة من المصادر الدبلوماسية والاستخباراتية الأميركية، بما يمكن الجهاز من التنبؤ بوقوع الاضطرابات قبل أشهر عديدة من وقوعها الفعلي. وسواء كانت هذه الاضطرابات انتفاضات شعبية، أو ثورات، أو انقلابات أو أزمات اقتصادية أو حتى انهيارات حكومية، فإن هذا "الرادار الاجتماعي" يضع صاحب القرار الأميركي في صورة ما سيحدث لاتخاذ قراره .. بعد أن كان يتخذ قراره في ضوء ما يحدث.
واستكمالاً لعمل هذا الجهاز المتطور، بدأت مؤسسة تقنية حكومية "لخدمات التجسس" برنامجاً جديداً منذ الصيف الماضي (أغسطس – آب 2011) لتقديم أحداث الحروب الأهلية أو الاضطرابات الداخلية، أو عمليات التمرد العسكري أو الاجتماعي كشاهد عيان، وليس كشاهد عن بُعد أو بالواسطة. ويفسر مدير البرنامج "جيسون ماثني" ذلك بمراقبة الاتصالات بكل أنواعها، وبمراقبة حتى حركة السير في شوارع المدن. ويشمل هذا البرنامج الذي يرمز إليه بأحرف O.S.I.P كل دول العالم، باستثناء أميركا باعتبار أن القانون الأميركي لا يسمح لوكالة المخابرات المركزية بأي نشاط تجسسي داخل الولايات المتحدة.
ورغم خطورة كل هذه الأجهزة، فإنها مجرد أجهزة تنبؤ وتوقع ورصد ومعرفة، إلا أن ثمة ما يتعدى ذلك إلى "صناعة" المستقبل وليس التنبؤ به فقط.
ويعمل مهندس إلكترونيات أميركي من أصل هندي هو "سوبرا هامانيان" على إنتاج هذا الجهاز الجديد في جامعة مريلاند الأميركية وبتمويل من وزارة الدفاع.
وكانت الوزارة قد رصدت 600 ألف دولار لإنتاج جهاز بإشراف "هامانيان" للتنبؤ بالهجمات التي يقوم بها -أو سيقوم بها- المجاهدون الكشميريون أو حركة "طالبان" في باكستان، وذلك من خلال توظيف 770 مؤشراً اجتماعياً وسياسياً عن أوضاع الحركات الإسلامية في كشمير.
وكان الرئيس أوباما قد خصص جائزة قدرها عشرة ملايين دولار ثمن رأس قائد مجموعة "طالبان" الباكستانية, ولقد شكل نجاح عمل "هامانيان" أساساً لمشروعه في صناعة المستقبل، وهو مشروع يقوم على تغيير المعلومات والمعطيات بما يؤدي إلى عكس مسار التطورات، ويرمز إلى هذا الجهاز بأحرف W-ICEWS .
ولعل أخطر ما في كل هذه الصناعات العلمية الجديدة هو أن دولة الكيان ليست غائبة عنها. فبموجب معاهدة التعاون الاستراتيجي بين الولايات المتحدة ودولة الكيان (وضعت المعاهدة في عام 1982 أثناء اجتياح لبنان) تحصل دولة الكيان على كل المعلومات الاستخباراتية التي تتعلق بأمنها وسلامتها من المصادر الأميركية, وهذا يعني أن ما تجمعه الأجهزة الإلكترونية الأميركية الجديدة، يصب في عقل صاحب القرار في دولة الكيان أيضاً، ولن يكون مستغرباً أن تكون دولة الكيان قد حصلت على هذه الأجهزة لتعمل لحسابها مباشرة, وهي -على كل حال- تعتبر نفسها متطورة جداً في الصناعة الإلكترونية.. أما الدول العربية فقد لا تكون على معرفة بكل هذه التطورات في وسائل المعرفة وصناعة القرار، وحتى صناعة أحداث الغد!
[/rtl]