«حمل السلاح ليس دليلاً على القوة»، هكذا قال المهاتما غاندى عندما قال له أحد الأشخاص إن السلاح هو القوة، غير أن العالم لا يعرف إلى الآن إلا لغة السلاح، فهى اللغة التى تسيطر على العلاقات المتبادلة ومن يملك السلاح يتحكم فى العالم والدول النامية والفقيرة على وجه الخصوص، خاصة أن هذه الدول هى المستورد الأكبر للسلاح فى العالم.
وكان احتياج مصر للسلاح قد مر بمحطات تاريخية مهمة بدأت بخضوع سياسات التسليح فى مصر للاحتلال البريطانى لمصر ثم لمقتضيات الصراع العربى الإسرائيلى وأخيرا لقضية الامن القومي وحسبما انفردت «المصرى اليوم» فى فبراير 2014 أن مصر تجاوزت هذا وتمكنت من كسر احتكار السلاح الذى كان وسيلة تحكم للغرب فى المنطقة طويلاً وقد أكد تجاوز مصر لسياسة الاحتكار والتحكم على استقلاليتها واستقلالية قراراتها كما مثل هذا للدول أخرى فى المنطقة أسلوبا مغايرا للحصول على السلاح من مصادر بديلة، مما يكسر احتكار وتحكم الغرب
أما عن الفصول المبكرة لحصول مصر على السلاح بشروط وأساليب مهينة فقد كان أثناء الاحتلال البريطانى لمصر، حيث كان الجيش المصرى طيلة الاحتلال يحصل على السلاح من بريطانيا وكانت الحكومة البريطانية هى التى تحدد الكمية والنوع اللذين تراهما كافيين فى نظرها لتسليحه، وكانت الكمية ضئيلة والنوع تقليديا قديما ولذلك ظل الجيش ضعيفاً طوال مدة الاحتلال والحماية ولما عقدت معاهدة 1936 حرصت الحكومة البريطانية على أن تتضمن المعاهدة فى ملحقاتها أن تكون أسلحة الجيش المصرى ومعداته من طراز أسلحة القوات البريطانية وأن تستورد مصر الأسلحة والمعدات من بريطانيا واستطاع الإنجليز أن يسيطروا على الجيش المصرى، خاصة فى إدارته وتسليحه.
ولما دخل الجيش حرب فلسطين سنة 1948 امتنعت بريطانيا عن تزويده بالسلاح والذخيرة مما شكل سببا من الأسباب الرئيسية لهزيمة الجيش فى فلسطين، فضلا عما أشيع عن وجود أسلحة فاسدة.
وقد مرت مطالبة مصر للغرب لبيعها السلاح بمراحل متعددة فبعد أن رفع مجلس الأمن الحظر على تصدير الأسلحة للمنطقة والذى كان قد فرضه عقب حرب فلسطين.
ووضح هذا الاتجاه منذ أن تولت حكومة الوفد فى 1950 الحكم غير أن الغرب رفض كل ما تقدمت به مصر من طلبات للحصول على السلاح، وقادت الولايات المتحدة الأمريكية عملية الرفض، وأعلنت الحكومة المصرية وقتها أنها لا ترى غضاضة فى شراء الأسلحة من الاتحاد السوفيتى أو من المصانع العالمية الأخرى كمصانع سكودا فى تشيكوسلوفاكيا، وكان الرأى السائد لدى المسؤولين فى الخارجية المصرية، حسبما ذكر الدكتور فؤاد المرسى، فى كتابه «العلاقات المصرية السوفيتية»، أن أمريكا وبريطانيا تخوفتا من تسليح مصر حتى لا يدفعها هذا إلى الاعتداء على إسرائيل، حتى إن بريطانيا ساومت مصر وأرسلت لها خطابا يفيد بأن تعطيها السلاح مقابل الاعتراف بدولة إسرائيل، إلا أن مصر رفضت العرض.
وفى 23 يناير 1952 التقى وزير الخارجية المصرى الدكتور محمد صلاح الدين مع نظيره السوفيتى «فيشنسكس» وسلمه طلبا من مصر برغبتها فى شراء كميات كبيرة من الأسلحة المتقدمة والدبابات من الاتحاد السوفيتى مقابل قطن مصرى، إلا أن حريق القاهرة فى 25 يناير من نفس العام أطاح بحكومة الوفد وتعطلت صفقة الأسلحة.وبعد قيام ثورة 23 يوليو 1952، عاودت حكومة الثورة طلب شراء السلاح من الدول الغربية (بريطانيا وفرنسا وأمريكا ) وقوبل الطلب بالمراوغة حينا وبفرض شروط مجحفة حينا آخر ولم تستجب مصر.
وفى خطاب لجمال عبدالناصر فى ديسمبر 1953 أكد فيه أن بريطانيا وقفت أمام صفقة سلاح دفعت مصر ثمنها عشرة ملايين جنيه.
واستمرت عملية المراوغة من دول الغرب لمصر فى صفقات السلاح واشتدت الضغوط الغربية، خاصة الأمريكية على مصر، حتى بدأ توطيد العلاقات مع السوفييت.وفى مؤتمر «باندونج» فى إبريل 1955، كان أول لقاء دولى بين عبدالناصر وقيادات 29 دولة، طلب عبدالناصر أن يتحقق السلام العالمى وتنظيم التسليح وتحديد القوات المسلحة وتحويل فائض نفقاتها إلى رفع مستوى المعيشة وبعد هذا المؤتمر بشهور اتجهت مصر لشراء السلاح من الكتلة الشرقية، فكان حدثا مهماً من أحداث التاريخ وجاءت صفقة الأسلحة عام 1955 لتشكل بداية ذلك الاهتمام، ومنذ ذلك التاريخ والعلاقات المصرية السوفيتية لا تغيب عن بؤرة اهتمام العالم.
وقال السير «همفرى تريفيليان»، المندوب السامى البريطانى فى كتابه «The Middle east in revolution»، إنه مع منتصف 1956 تلقت مصر صفقة أسلحة تشيكية مكونة من معدات حربية هى 150 طائرة و300 دبابة متوسطة وثقيلة وأكثر من 100 مدفع ذاتى الحركة و200 عربة مصفحة حاملة جنود ومدرعتين و4 كاسحات ألغام و20 زورق طوربيد و500 قطعة مدفعية ومدافع بازوكا وألغام وأسلحة صغيرة ورادار ومعدات لاسلكية، وبلغت قيمة هذه الصفقة 80 مليون جنية إسترلينى ويكون الدفع بالقطن المصرى ورغم أن الأسلحة سلمت عن طريق تشيكوسلوفاكيا إلا أنها كانت روسية الصنع، وجاءت هذه الصفقة لتشكل نصرا للسياسة المصرية على طريق حرية الإرادة المصرية وقوبلت الصفقة بانزعاج شديد من الغرب وخاصة الولايات المتحدة، وشنت الصحف الأمريكية حملة عنيفة ضد مصر، وبدأت حركة نشطة فى العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتى فى مختلف المجالات، منها تمويل مشروع السد العالى.
وفى نوفمبر 1964 سافر المشير عبدالحكيم عامر لحضور احتفالات العيد السابع والأربعين للثورة السوفيتية، وهناك قدم قائمة أسلحة تريدها مصر وكانت من ستة صفحات، ووافق الاتحاد السوفيتى على إبرام هذه الصفقة وقرر أيضا التنازل عن خمسمائة مليون روبل من الديون على مصر وقال «أليكسى كوسيجين» رئيس وزراء الاتحاد السوفيتى آنذاك «أن الاتحاد السوفيتى يتنازل عن الديون تقديرا للأعباء التى تتحملها مصر فى دعم حركة التحرر الوطنى».
ومع استمرار العلاقات السوفيتية المصرية كان الغرب يخطط لتدمير هذه العلاقات وضرب الدولة العربية المتمثلة فى مصر وسوريا والعراق، حتى قامت القوات الإسرائيلية بتوجيه ضربة جوية لمصر صباح 5 يونيو 1967، أدت إلى تردى الأوضاع العسكرية المصرية والسورية والأردنية وانتهى الأمر بهزيمة عسكرية فادحة تركت أراضى شاسعة تحت الاحتلال الإسرائيلى من الدول الثلاث.
ولم يستطع الاتحاد السوفيتى خلال حرب النكسة إمداد العرب بأى أسلحة إلا أنه أهتم بالضغط لوقف أطلاق النار حيث قال فى بيان له يوم 10 يونيو 1967 «إذا لم ترضخ إسرائيل لوقف إطلاق النار فإن الاتحاد السوفيتى مضطر للقيام بكل إجراء ضرورى شاملا العمل العسكرى».
وبدأت القوات المسلحة المصرية بناء وتنظيم الصفوف من جديد ونجحت فى زيادة تدفق الأسلحة السوفيتية الجديدة حتى بلغ ذروته فى 1969 حيث وصل فى هذا العام وحده معدات تعادل مجموع ما تسلمته مصر من السوفييت من أسلحة خلال أثنى عشر عاما (من 1955 إلى 1967)، ومدت مصر بـ 300 طائرة نفاثة مقاتلة حلت محل 365 فقدت فى الحرب، و50 طائرة قاذفة بدلا من 69 فقدت، و420 دبابة بدلا من 550 فقدت فى الحرب كما مد مصر بأسلحة جديدة تجعلها أقوى تسليحا من إسرائيل هى صواريخ مضادة للسفن وصواريخ أرض أرض، مداها 50 ميلا ووصل قيمة ما تسلمته مصر من الأسلحة من الاتحاد السوفيتى منذ الحرب إلى 3.5 مليار دولار.
وبحلول إبريل 1970 كانت الوحدات السوفيتية تشارك الوحدات المصرية فى مهامها القتالية فى الدفاع الجوى مستخدمة معدات حديثة لم يسبق لمصر الحصول عليها من قبل، منها طائرات «ميج 25» وصواريخ «سام 6» وبلغ عدد الأفراد السوفييت المشتركين فى هذه العمليات نحو ستة آلاف شخص.
واستمرت العلاقات بين مصر والسوفييت فى التنامى حتى وفاة الرئيس عبدالناصر وواصل السادات العلاقات الطيبة بين البلدين واعتمدت مصر على المعدات الروسية من الصواريخ والدبابات فى حرب 1973 وبعد الحرب بدأ السادات فى جذب دول الغرب وطلب منهم السلاح.
وفى عام 1977 ألغى الرئيس السادات جميع العقود العسكرية مع الاتحاد السوفيتى لصالح الشراكة مع واشنطن، ومنذ ذلك الحين ومصر تتلقى مساعدات من أمريكا تصل لأكثر من 49 مليار دولار وسعت أمريكا لإبعاد الاتحاد السوفيتى عن الشؤون الإقليمية فى الشرق الأوسط، وفى مارس 1979 أعلن السادات أن مصر وقعت مع أمريكا صفقة أسلحة جديدة سوف تدعم القوات المسلحة.
إلى أن بدأت العلاقات المصرية الروسية فى التحسن التدريجى مجددا بدءا من نوفمبر 1982 عندما أرسل الرئيس الأسبق مبارك وفداً رفيع المستوى لتشييع جنازة الرئيس السوفيتى «بريجينيف».
وبعد ثورة 25 يناير 2011 بدأت أمريكا تستخدم نفس سياستها مع مصر وتلوح بإعادة النظر فى المساعدات والتى يشكل السلاح جزءا منها فاتجهت الأنظار مجددا للمعسكر الشرقى بخطى فعلية تكسر الاحتكار الأمريكى الجديد.
المصدر