وفى حين يعتقد البعض أن أزمة أوكرانيا هى الشرارة الأولى للحرب العالمية، فإن البعض الآخر يعتقد أن الشرارة الأولى انطلقت من منطقة الشرق
الأوسط، لكنهم يختلفون على تحديد تاريخها، فالبعض يعتقد أن مارس 2011 (تاريخ انتفاضة سوريا البريئة التى تحولت لحرب أهلية ستنتهى
على وجه اليقين بنهاية دولة سوريا التى عرفناها منذ نهاية الحرب العالمية الأولى) هو البداية استناداً إلى حالة الاستقطاب الدولى التى خلقها
الصراع فى سوريا. ويعتقد آخرون أن الحرب بدأت فعلياً فى مايو 2006 عندما ضربت إسرائيل، بمباركة غربية كاملة، لبنان استناداً إلى إعلان
واشنطن وتل أبيب وقتها أن هذه الضربة تمهد لميلاد الشرق الأوسط الجديد. ووفقاً لدراسة لمركز «الدراسات الدولية» فإن غزو العراق كان
البداية الفعلية للحرب، وتوقع فى 2006 أن تشتعل الحرب عندما تقوم الولايات المتحدة وإسرائيل بمهاجمة إيران بعد التخلص من سوريا، وهو ما
يحدث الآن على الأرض.
وفى كل الأحوال، فإن تحديد بدايات الحروب غالباً ما يكون أمراً صعباً. وعلى سبيل المثال، يعتقد بعض المؤرخين أن الحرب العالمية الثانية بدأت
فى عام 1939 مع الغزو الألمانى لبولندا. وآخرون يقولون إن غزو اليابان لمنشوريا 1931 كان البداية، ويؤمن آخرون أن حريقاً فى مبنى
البوندستاج (مقر البرلمان الألمانى) فى عام 1933 كان البداية الفعلية للحرب.
كلام المركز البحثى يتطابق مع نبوءة قديمة لأحد مؤسسى وكالة الاستخبارات المركزية (CIA)، مايلز كوبلاند، الذى توقع فى عام 1989 أن تبدأ
الحرب العالمية الثالثة عندما تُورط روسيا الولايات المتحدة وإسرائيل فى حرب مع العالم الإسلامى، وقال نصاً فى كتابه «صانع ألعاب.. اعترافات
عميل الاستخبارات المركزية الحقيقى»: «لن نستطيع حتى بمساعدة الإسرائيليين -أو بالأحرى بسبب مساعدة الإسرائيليين- هزيمة الإيرانيين،
والعرب، والعالم الإسلامى، أى العالم الثالث كله، إذا انقلب علينا. نحن وكالة المخابرات المركزية لدينا سبب للاعتقاد بأن صناع الاستراتيجيات
الروس يفهمون ذلك جيداً، والحرب العالمية الثالثة التى يتصورونها ستبدأ عندما نتورط فى حرب ضد قوى غير محددة الملامح فى دول العالم
الثالث، تقف فيها روسيا ظاهرياً على الحياد. وحسب المعلومات المتاحة بسهولة للحكومة الأمريكية ودون اللجوء إلى التجسس، فإن روسيا قد
أوضحت بما فيه الكفاية أن الحرب العالمية الثالثة ستبدأ عندما تضطر الولايات المتحدة للدخول فى مجموعة من المواجهات للعب دور القوة
العظمى ولكن، كما سيرى العالم على شاشات التليفزيون، فإنها فى واقع الأمر، ستكون دولة تكون عاجزة ومستنزفة».
ويتفق رئيس المخابرات الباكستانى الأسبق، الجنرال حميد جول، مع «كوبلاند» فى أن التوتر الذى يتصاعد فى المنطقة قد يشعل الحرب العالمية
الثالثة. وقال فى حوار تليفزيونى فى أكتوبر 2010 تداولته كثير من الموقع مضمونه «إسرائيل مصرة على استدراج الولايات المتحدة فى حرب
واسعة بضرب إيران، وإذا وجهت تل أبيب ضربات إلى طهران، فإن المنطقة ستشتعل وتتورط أمريكا وقد يتحول الصراع وقتها لحرب عالمية
ثالثة، تنضم إليها روسيا والصين وهذا هو الجحيم الذى سيلتهم كل شىء». «جول» وضع سيناريو آخر للحرب العالمية الثالثة وهو الضغط
الشديد على باكستان الملتهبة ما قد يدعوها لإعلان الجهاد -فى إطار صراعها مع الهند- وإذا حدث هذا، فسيلبى النداء جهاديون من كل مكان، ما
قد يغير تاريخ العالم. وفى هذه الحالة ستتورط واشنطن فى «حرب ضد قوى غير محددة الملامح فى دول العالم الثالث»، وتتحقق توقعات «مايلز
كوبلاند». ويعتقد حميد جول أن واشنطن ليست إلا «عملاقاً تقوده المخابرات البريطانية والإسرائيلية والهندية من أنفه.. ويعتمد بشكل كبير على
مقاولى الحروب (شركات الأمن الخاصة) سواء فى العمليات العسكرية وفى المعلومات الاستخباراتية وهذه الشركات لديها حافز كبير لتوسيع دوائر
الحروب لتحقيق المزيد من الأرباح».
- اقتباس :
15 أبريل الماضى شهد الشرارة الأولى للحرب.. و«بريجنسكى»: هزيمة روسيا تبدأ بإخضاع آسيا الوسطى وإيران
فى كتابه «رقعة الشطرنج الكبرى: التفوق الأمريكى وضروراته الجيواستراتيجية»، أكد مستشار الأمن القومى الأمريكى الأسبق، زبيجنيو
بريجنسكى، أن «الشرق الأوسط الجديد أداة للسيطرة على منطقة القوقاز (جورجيا وجمهورية أذربيجان، وأرمينيا) وآسيا الوسطى (كازاخستان
وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان وأفغانستان) وإلى حد ما إيران وتركيا. ولذلك فإن إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط على
النحو الذى يتم الآن هو ضرورة لخدمة المشروع الأمريكى فى السيطرة على العالم وتطويق منافسيها الأكبر وهما الصين وروسيا. وهذان لا يمكن
احتواؤهما إلا بالسيطرة العسكرية على منطقة الشرق الأوسط والسيطرة لن تتحقق إلا بسحق ما كان يسمى بدول الممانعة التى تصادف أنها تمثل
الهلال الشيعى (إيران وسوريا وحزب الله اللبنانى).
اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين فى أوكرانيا
ويشرح المفكر المصرى البارز الدكتور سمير أمين المشروع الأمريكى على النحو التالى «مشروع الولايات المتحدة، هو أن تقيم سيطرة عسكرية
فوق كامل الكوكب. ولتحقيق هذا الهدف لا بد من السيطرة الكاملة على منطقة الشرق الأوسط التى تلعب حجر الزاوية فى هذا المشروع لأربعة
أسباب؛ أولها وفرة النفط، وثانيها وقوع المنطقة على تقاطع الطرق فى العالم القديم، ما يتيح لأمريكا تهديد الصين -منافسها الأبرز مستقبلاً.
وثالثها ضعف بلدان المنطقة مما يُسهل السيطرة عليها. ورابعها وجود إسرائيل، الحليف الأبدى لواشنطن، فى المنطقة. وفى إطار هذا المشروع
نستطيع أن نفهم أحداثاً كثيرة منها ضرب العراق وأفغانستان فى 2001 والتربص بإيران. فالعدوان على هذه الدول يأتى فى إطار استراتيجية
أمريكا الراغبة فى السيطرة الكاملة على المنطقة لاحتواء الصين بالدرجة الأولى والهند وروسيا بالدرجة الثانية. والصين مدركة لهذا، وتعلم -
مثلاً- أن الوجود الكثيف فى أفغانستان ومحاولة تفتيت سوريا الآن يستهدفها مستقبلاً، ولذلك عارضت التدخل العسكرى فى سوريا تماماً مثل
روسيا».
وجماعة الإخوان وحلفاؤها من جماعات الإسلام السياسى جزء من المشروع الأمريكى، فقد عولت واشنطن على صعود الإخوان فى مصر ليُكونوا
مع قطر وتركيا محوراً سنياً فى مواجهة دول الهلال الشيعية. وفى هذا السياق نستطيع أن نفهم قرار الرئيس السابق محمد مرسى الصادم بقطع
العلاقات مع سوريا وفتح باب الجهاد هناك فى يونيو الماضى. لكن سقوط نظام الإخوان مثّل مفاجأة غير سارة لواشنطن التى ما زالت تسعى
لمخططها الذى رسمه صناع القرار هناك منذ سنوات بعيدة.. ويوضح السفير حسين هريدى، مساعد وزير الخارجية الأسبق «أن تمكين الإخوان
مرتبط بمخطط كبير وضعته وكالة المخابرات الأمريكية CIA أثناء حكم الرئيس الأمريكى السابق جورج بوش الأب، واطلع عليه الرئيس الحالى
باراك أوباما فى جلسة سرية فى ديسمبر 2008، قبل أن يدخل البيت الأبيض. ويهدف هذا المخطط لتغيير عدد من الأنظمة فى منطقة الشرق
الأوسط تحت إشراف المخابرات الأمريكية، لتطمئن واشنطن أن السلطة ستنتقل من جيل رؤساء مثل حسنى مبارك، وبشار الأسد، إلى جيل آخر
تأمن فيه الولايات المتحدة على مصالحها فى المنطقة. وأشار إلى أن جوهر هذا التغيير الذى بدأ مع ثورات الربيع العربى يتمثل فى تهيئة المنطقة
لقيام دولة إسرائيل الكبرى، وشرعنة استيلائها على الأراضى العربية بتمكين قيادات تقبل بهذا العرض الذى لم يكن من الممكن أن يقبل به الجيل
الذى أطيح به مثل مبارك. وتابع: «الإخوان قبلوا بهذا المخطط فى إطار صفقة فحواها تمكينهم من بناء مشروعهم الإسلامى فى هذين البلدين
المحوريين (مصر وسوريا) فى مقابل دولة يهودية على أساس دينى أيضاً».
الحرب الأهلية دمرت البنية الأساسية فى سوريا
ومع تعافى الدب الروسى وتقاربه المقلق من العملاق الصينى، سارعت واشنطن فى تنفيذ مخططاتها التى تقضى بتفتيت منطقة الشرق الأوسط
لإحكام سيطرتها عليها، وهو ما يتضح الآن فى محاولة تقسيم اليمن والإجهاز على سوريا ولبنان وقبلهما العراق. هدف تحويل كل دول المنطقة
إلى كانتونات صغيرة يتحقق بالفعل، وتسللت للخريطة السياسية العربية أسماء دويلات جديدة فرضت نفسها على الواقع السياسى المستقر منذ
نهاية الحرب العالمية الأولى، مثل دويلة حماس فى غزة، ودويلة فتح فى الضفة الغربية، ودويلة حزب الله الشيعى فى جنوب لبنان.
ووفقاً لرئيس تحرير «ذا ويكلى ستنادرد»، لى سميث، فإن خطأ الدول الأوروبية (بريطانيا وفرنسا) هى أنها لم تقسم الشرق الأوسط بما فيه
الكفاية، أى أن الحدود التى رسمتها فى اتفاقية «سايكس بيكو» عام 1916 بعد نهاية الحرب العالمية لم تأخذ فى اعتبارها الخلافات الطائفية
والقبلية والعرقية فى المنطقة، وبالتالى قد نشهد ظهور دويلات وكانتونات مستقلة أو شبه مستقلة أصغر، خصوصاً فى سوريا والعراق. ومهمة
الحرب المقبلة أن تنجز ما بدأته «سايكس بيكو» وتصلح مساوئها. ويرى «سميث» أن العالم العربى الآن بعد ثورات الربيع العربى، يعود إلى ما
كان عليه تحت حكم العثمانيين.
خبيرة الشئون الروسية الدكتورة نورهان الشيخ، ترى أن الحرب الأهلية الدائرة الآن بين الروس والأوكران تحولت إلى حرب بالوكالة بين
الولايات المتحدة وروسيا، وارتكبت فيها فظائع تصل إلى حد التطهير العرقى من جانب السلطات الأوكرانية وحلفائها من الجماعات القومية
المتطرفة ضد المواطنين الروس. وتضيف أن بوتين يتعرض لضغوط هائلة من جانب المواطنين الروس فى شرق أوكرانيا الذين يطالبونه بالتدخل
لحمايتهم، ومن جانب كل الأحزاب داخل البرلمان الروسى الذين يدفعون أيضاً باتجاه التدخل، خصوصاً أن البرلمان منحه فى وقت سابق تفويضاً
بالتدخل العسكرى إذا لزم الأمر، لكنه يمارس أقصى درجات ضبط النفس فى مواجهة موقف أمريكى يتصف بعدم المسئولية. وترى «الشيخ» أن
الولايات المتحدة كعادتها تسىء تقدير المواقف وتشعل صراعات لا تستطيع التحكم فى مسارها. ورغم قناعتها بأن الخيار العسكرى انتحار لروسيا
وأوكرانيا والولايات المتحدة لكنه ليس مستبعداً تماماً مع التصعيد المستمر من جانب واشنطن؛ لأن أكبر النار من مستصغر الشرر، الذى قد ينطلق
عن عمد أو خطأ كأن تهاجم القوات الأوكرانية بعض وحدات الجيش الروسى ما يدفعها للرد، فتتدخل قوات الناتو، فتبدأ حرب، وتضيف «الشيخ»
أن حرباً مباشرة بين روسيا وأمريكا تصبح احتمالاً أكيداً إذا دخلت قوات الناتو لأوكرانيا، لكنها تؤكد أن الخوف الآن أن تتحول أوكرانيا إلى
يوغسلافيا جديدة، أى حرب طاحنة تؤدى لتقسيمها. وقد أدرك الأوروبيون ذلك الخطر فبدأوا يظهرون مرونة أكبر، ودعا زير الخارجية الفرنسى،
على سبيل المثال، مؤخراً، لتفهم بعض مطالب الروس فى أوكرانيا ورفض الاتحاد الأوروبى توقيع مزيد من العقوبات على روسيا.
عدد آخر من الخبراء يستبعد اندلاع حرب عالمية الآن، لكنهم يرون ما يجرى فى أوروبا والشرق الأوسط تجدداً للحرب الباردة. وأن العالم عاد من
جديد ليتحول إلى رقعة شطرنج يتنافس على تحريك قطعها حلف الأنجلو - أمريكى من جانب، وموسكو وبكين من جانب آخر. وهو ما قد يقود فى
نهاية المطاف إلى حرب ساخنة، لكن ليس فى المستقبل المنظور. ووفقاً لأستاذ التاريخ المعاصر، الدكتور عاصم الدسوقى، فإن الحديث الآن عن
حرب عالمية ثالثة مبالغ فيه؛ لأن الحرب المقبلة ستكون أطرافها قوى نووية، وقيام حرب يعنى نهاية العالم، لكنه يقر بأن ما يحدث تجدد للحرب
الباردة التى بدأت فى عام 1947، وأن ما يجرى فى أوكرانيا هو محاولة أمريكية للقضاء على صحوة روسيا ومحاصرة الصين. وأن الحرب ستبدأ
حقيقة عندما تفكر أمريكا فى ضرب إيران؛ لأن هذا يعنى أن واشنطن باتت على حدود الصين وورسيا فعلياً. وأمريكا ترغب فى ذلك، لكن ما يؤجل
هذه الضربة ليس فقط خوفها من رد فعل موسكو وبكين، ولكن إدراك واشنطن أن إيران قوة نووية بالفعل منذ عام 1959، وهو العام الذى قامت
فيه واشنطن بنقل محطتها النووية من بغداد بعد انسحابها من حلف بغداد، الذى تأسس فى فبراير 1954، لمحاصرة روسيا.. وظلت هذه المحطة
تعمل طوال حكم الشاه وحتى عام 1979، وعندما قامت الثورة لم تستطع واشنطن استردادها وكانت هذه المحطة هى نواة المشروع النووى
الحالى.
ويتابع المؤرخ البارز: «ما يجرى بالمنطقة وفى شرق أوروبا هو تطبيق لما يعرف بالنظام العالمى الجديد الذى أطلقه الرئيس جورج بوش، وأحد
أهم ملامحه السيطرة على العالم بتفتيت الدول القومية إلى كيانات صغيرة على أسس دينية وطائفية وعرقية، كما حدث فى إندونيسيا عندما سلخوا
منها تيمور الشرقية بدعوى حماية الأقباط هناك، واستناداً إلى الخطاب الطائفى للرئيس الإسلامى الأسبق «عبدالرحمن واحد»، ومحاولة تقسيم
نيجيريا إلى 3 دول وذلك بدعم جماعة «بوكو حرام» المتطرفة، ونجح هذا المخطط فى تقسيم السودان بعد تشجيع نظام البشير الإخوانى حتى
يخلقوا مناخاً طائفياً يعطيهم الذريعة بفصل الشمال عن الجنوب وهو ما حدث. ووفقاً لـ«الدسوقى» فإن أحد أسباب حماس واشنطن لدعم الرئيس
المعزول محمد مرسى كان قناعتها أنه سوف يعزز المناخ الطائفى ما يمهد الطريق لتفتيت وحدة مصر أيضاً.
ويتفق أحمد أبوالغيط، وزير الخارجية الأسبق، مع «الدسوقى»، ويقول إن موسكو ستتصدى بقوة لمحاولات الغرب ضم أوكرانيا للناتو، لكنه
يستبعد أن يصل الأمر لحرب عالمية لأن «احتمالات الحرب بين الدول النووية انتهت فى اليوم الذى شهد ضرب الأمريكان لمدينتى هيروشيما
ونجازاكى اليابانيتين.. الحرب ستتم بالوكالة عن الدول النووية».
ما يقوله «أبوالغيط» وكثير من المسئولين والدبلوماسيين الذين يستبعدون اندلاع حرب عالمية ثالثة، هو بالضبط ما كان يعتقده قادة العالم قبيل
الحرب العالمية الأولى.
فى 21 ديسمبر الماضى، جاءت افتتاحية مجلة الإيكونومست البريطانية الرصينة لتحذر من الثقة المفرطة فى عدم إمكانية اندلاع حرب
كونية..وتؤكد أن هذا الشعور ساد العالم فى بداية عام 1914 الذى بلغت فيه العولمة مداها باختراع التليفون والسفن البخارية والقطارات..
واستسلم فيه السياسيون لأفكار كـ«نورمان أنجيل»، الذى كان يؤكد أن اقتصادات أوروبا متداخلة ومتكاملة بشكل يحول دون اندلاع أى حرب. لكن
الحرب اندلعت وراح ضحيتها 9 ملايين وأضعاف هذا الرقم إذا أخذت فى الاعتبار المآسى الأخرى التى ترتبت على هذه الحرب، مثل إنشاء روسيا
السوفيتية، وإعادة رسم حدود الشرق الأوسط، وصعود هتلر. ووفقاً لـ«الإيكونومست» فإن صناع القرار فى لندن وباريس وغيرهما من عواصم
العالم لم يتوقعوا أبداً أن تؤدى تصرفات ألمانيا إلى حرب لأنها كانت أكبر الشركاء التجاريين للندن بعد أمريكا، وبالتالى ليس هناك أى منطق وراء
الصراع الاقتصادى، وترى «الإيكونومست» أن أوجه التشابه بين 1914 و2014 مثيرة للقلق. فالولايات المتحدة تشبه بريطانيا عام 1914،
كقوة عظمى متداعية وعاجزة عن حفظ الأمن العالمى، وشريكها التجارى الرئيسى، الصين، تلعب دور ألمانيا، فهى قوة اقتصادية جديدة وهائلة
تركز على دعم قدراتها العسكرية وتتسم بكثير من مشاعر الغضب القومى. واليابان الحديثة هى فرنسا منذ 100، خائرة القوة. لكن التشابه الأكثر
إثارة للقلق بين العامين هو الغفلة. فرجال الأعمال اليوم مثل رجال الأعمال فى 2014: كانوا وما زالوا منكبين على جمع الأرباح بأى وسيلة
ذاهلين عن أجراس الإنذار، والساسة يلهبون الآن، كما كانوا يفعلون قبل 100 عام، مشاعر التعصب القومى. فقادة الصين يثيرون فوبيا الخوف
من اليابان، ورئيس وزراء اليابان «شينزو آبى»، ينفخ فى النزعة القومية اليابانية الكارهة للصينيين. وفى الهند صعد مؤخراً نجم «نارندرا
مودى»، وهو قومى هندوسى متعصب، قد تؤدى سياساته لنشوب نزاع نووى مع باكستان. وفلاديمير بوتين ينفخ من روحه فى أحلام الروس
بعودة إمبراطوريتهم، والاتحاد الأوروبى يشهد تصاعداً لتوجهات قومية أكثر من أى وقت مضى منذ تأسيسه. وتتهم المجلة أوباما بالجهل بالتاريخ
والإهمال، لأنه تقاعس عن محاولة إدماج القوى الناشئة مثل الهند وإندونيسيا والبرازيل والصين فى النظام العالمى، ما قد يغرى هذه القوى
الإقليمية بتجريب قوتها ضد أحد جيرانها
جريدة الوطن