نعود الي المعارك من جديد في حلقة اليوم ، كنا قد اشرنا في بداية الموضوع الي ان فرنسا ارسلت قوة جوية الي اسرائيل بهدف حماية سماء اسرائيل من القوات الجوية المصرية ، والتي كان الاسرائيليين يخشون مواجهتها بشكل منفرد ، واشرنا في الحلقة الماضية ان القوات الجوية الاسرائيلية حاولت ضرب الكتائب المصرية التي صدر لها امر الانسحاب من مواقعها في سيناء اثناء تنفيذ أمر الانسحاب ، وان المدفعية المصرية المضادة للطائرات المصاحبه لهذه القوات جعلت مهمتها صعبة ولم تترك القوات لقمة سائغة لها ، ومن ثم صدر امر للقوة الجوية الفرنسية الموجوده في اسرائيل بالقيام بطلعات جوية ، وبالفعل اقلعت طائرات الميستير و F-84F وقامت ب 62 طلعة قتالية في هذا اليوم .
الفرنسيين يدعوا في ارقامهم ان طائراتهم دمرت 38 دبابة من نوع تي-34 ، وأنهم لم يفقدوا اي طائرة ، ولكن المدفعية المصرية المضادة للطائرات اوقعت بطائرتهم اصابات عدة ، وان اثنين من الطائرات التي تضررت من جراء هذه النيران لم تستطيعا الهبوط بشكل صحيح وانفجرت اثناء الهبوط ، وفي هذه الاثناء كان سلاح الجو الاسرائيلي يقصف مناطق " ممر متلا ، بير جعفبة ، بير سالم " لمنع القوات المصرية من اقامة خط دفاع ثاني في هذه المناطق ، ومع حلول الظهر كان اللواء 27 مشاة ميكانيكي من الجيش الاسرائيلي قد احتل العريش التي لم يعد متواجد بها اي قوات مصرية ، ولكن تم اسر بقايا هذه القوات والتي تمثلت في ذخائر ، 20 دبابة تي-34 ، 6 دبابات su-100 ، وطائرتين تدريب من نوع Mraz .
في الليلة التالية كرر سلاح الجو الملكي البريطاني سلسلة من الغارات بواسطة قاذفات Valiant والكانبيرا لضرب مضارات " غرب القاهرة ، كسفريت ، فايد ، الاقصر " ، وقامت قاذفات الكانبيرا من السرب الخامس عشر بتدمير 4 قاذفات ايل-28 في مطار الاقصر ، كما ايضا ضرب الممرات وتقطيعها الي عدة قطع ، ومع اشراق صباح الثاني من نوفمبر لم يعد للقوات الجوية المصرية اي وجود في المعركة ، فمعظم الطائرات المتبقية لم تكن صالحة للاستعمال وسيتم تدميرها اثناء الاغارات القادمة علي مختلف المطارات ، اما ماتبقي من طائرات الميج-15 واعداد صغيرة من الايل-28 ، وبعض من طائرات الميج-15 السورية ، والتي كانت متواجده في مصر لان الطياريين المصريين كانوا يقومون بتدريب الطياريين السوريين علي قيادتها ، فلقد تم ارسال هذه الطائرات الي خارج البلاد ، ومع وضوح الموقف امام القيادة الانجلو-فرنسية صدرت الاوامر لبدء المرحلة الثانية من خطتهم " الفارس " ، والتي تهدف الي تدمير معسكرات وقواعد الجيش المصري ونظم الامداد الخاصة به واضعاف معنويات السكان المدنيين .
وبدأ تنفيذ الجزء الثاني من الخطة بضرب " الاذاعة المصرية " في القاهرة والتي كانت تذيع بيانات واغاني المقاومة وتلهب العرب من المحيط الي الخليج ، 18 قاذفة طراز كانبيرا من الاسراب 27 ، 44 ، 61 كلفت بهذه المهمة وأنطلقت من قواعدها في نيقوسيا ، ولنا ان نعلم مدي الاحترام الذي ابداه قادة التحالف للطيران المصري اذا عرفنا ان هذه الهجمة التي تمت بعد تدمير معظم سلاح الطيران علي الارض تمت حمايتها ب 12 طائرة فرنسية من طراز F-84F .
كان نجاح العملية مهم للغزاة جدا لذا خططوا له جيدا وارسلوا له قوة معتبرة ، وعند التنفيذ قامت طائرتين كانبيرا من السرب 18 بتحديد الهدف لباقي القاذفات ، وأسقطت القاذفات قنابلها من علي ارتفاع 1000 متر فقط ، اصابت القنابل البريطانية المبني وتم تدمير صاري هوائي الاذاعة الرئيسي ، وكان من نتيجة هذه الضربة ، انه ولليومين التاليين قامت اذاعة " الشرق الادني " البريطانية ببث برامجها علي نفس التردد دون اي عائق ، وشمل بدء الجزء الثاني من الخطة قصف من جديد لمطارات " الماظة ، غرب القاهرة " ، وكذلك تم قصف معسكرات الجيش القريبة من هذه المطارات ومستودع ذخيرة ضخم في منطقة " الهايكستب " ، وفي خلال بدء الجزء الثاني من العملية لم يقل نشاط البحرية الامريكية علي الاطلاق بل تطور الامر الي حد ان قاذفتين من سلاح الجو الملكي الانجليزي من طراز Venom من مقاتلات البحرية الامريكية التي كانت علي متن الحاملة USS Randolph عندما كانت القاذفتين البريطاني في طريقهما لضرب مطار كبريت .
وفي البحر قامت طائرات فرنسية من طراز Corsair و Avenger بأغراق زورق دورية مصري ، ولكنهما في الغالب اشتبكا ايضا مع مدمرتين من الاسطول الامريكي عن طريق الخطأ ايضا ، وقامت طائرات فرنسية ايضا من طراز سي هوك وسي فينوم بضربة جديدة لمطارات " غرب القاهرة ، بلبيس ، الدقهلية ، انشاص ، والماظة " ، وفي هذا الوقت ونتيجة القصف الذي لم ينقطع اصبحت المدفعية المصرية المضادة للطائرات عند هذه المطارات ضعيفة ، ومع ذلك فعند مطار الماظة فأن احدي طائرات فينوم تمت اصابتها بشدة بواسطة هذه المدفعية ، مما اضطر قائدها لتنفيذ هبوط اضطراري علي متن الحاملة الانجليزية HMS Eagle ، وحتي نهاية ذلك اليوم انتقل الانجليز والفرنسيين بكل قوتهم لضرب مستودع الهايكستب باستخدام قاذفات الفينوم الانجليزية و طائرات F-84F والعديد من الطائرات التي اتت من حاملات الطائرات ، ونجح هذا القصف الشديد والمتواصل في تدمير مئات العربات والمدرعات التي كانت في هذه المنطقة ، علي الرغم من ان رجال المدفعية المضادة للطائرات قتالوا بشراسة وشجاعة ، وسمح عدم تواجد القوات الجوية المصرية باقلاع طائرات بطيئة السرعة مثل Wyvren الانجليزية و Corsair الفرنسية ، ومع ذلك فلقد تضررت احداها بشكل كارثي اثناء ضرب مطار الدقهلية ، ولم يجد الطيار حل سوي القفز منها ، الطيار الذي كان برتبة الملازم تم استدعاته بمروحية بحث وانقاذ .اما في سيناء ، فقد هاجم اللواء 37 الاسرائيلي منطقة " ام قطيف " في صباح الثاني من نوفمبر مدعما بغطاء جوي من طائرات Mustang ، واخيرا نجحت هذه القوة من اختراق هذه المنطقة بعد ان تركتها القوات المصرية اساسا ، ثم بدأ اللواء في التحرك غربا ، حيث يتواجد اللواء السابع المدرع ، واخطأ القائد الاسرائيلي وظن ان اللواء المدرع مصري وليس اسرائيلي ، وبدأت القوات الاسرائيلية تقاتل بعضها البعض ، واسفرت هذه المعركة عن سقوط الكثير من افراد اللواء 37 قتلي ومن بينهم القائد الذي اخطأ فكلفه الخطأ حياته .
وفي غضون ذلك كانت القوات الجوية الاسرائيلية والقوات البرية ايضا قد حولت اهتمامها الرئيسي الي جنوب سيناء لدعم اللواء التاسع الذي يتحرك للسيطرة علي شرم الشيخ ، وبالتالي تحقيق هدف استراتيجي من خلال فتح مضيق " تيران " للملاحة الاسرائيلية ، ولكن مع صغر حجم القوة المصرية المدافعة عن شرم الشيخ وقتها عاني الاسرائيليين من اجل السيطرة عليها ، وفي خلال الهجمات الاولي التي قامت بها 30 طائرة كان أغلبها من الطرازات القديمة مثل Mosquitoe ، Mustang وكذلك البي-17 ، مع دعم من بعض الطائرات الحديثة مثل الميستير ، والاخيرة أسقط منها طائرة كان يقودها " الميجور / بيليد " بواسطة الدفاعات المصرية ، وقام الاسرائيليين باستعادة الطيار في الليلة التالية بواسطة طائرة من نوع L-18 ، ونجحت الدفاعات المصرية ايضا في اصابة العديد من الطائرات الاسرائيلية اصابات شديدة جدا واجبرتها علي انهاء مهمتها وبالكاد كانت تستطيع الهبوط الاضطراري في اسرائيل .
وعلي أرض الواقع فأن هذه الضربات الجوية جاءت مبكرا جدا فاللواء التاسع كان يتحرك داخل طرق ضيقة بصعوبة وببطء ، ولم يتمكن من الوصول الي شرم الشيخ الا بعد يومين ، ولكن يبدو ان الاسرائيليين كانوا مندفعين وقتها ، لذا فلقد حركوا طائرات النقل طراز سي-47 Dakota من السرب 103 ، في مهمة انزال قوات في منطقة " الطور " وهي مدينة صغيرة في سيناء تقع جنوب بورسعيد ، وفي حوالي الخامسة مساء كان قد تم انزال 175 مظلي في هذه المنطقة فعليا ، وكما فعل الاسرائيليين في بداية الحرب في ممر متلا قامت هذه القوات بعمل شريط صغير يسمح بهبوط الطائرات لتوفير التعزيزات والامدادات ، تشمل المركبات حتي ، مما جعل من الممكن تطوير الهجوم باتجاة شرم الشيخ .
خسائر الحلفاء :
في ليلة الثالث من نوفمبر ارسلت القوات الجوية الملكية البريطانية 22 قاذفة طراز " كانبيرا " أقلعت من قبرص في مهمة لضرب مطار الاقصر مجددا لانزال خسائر جديدة في المطار الذي ضرب من قبل اكثر من مرة ، وارسلت موجتين اضافيتين من الكانبيرا و Valiant لضرب منطقة الهايكستب ايضا ، قبل ان يحول سوء الاحوال الجوية من ارسال اي طائرات اضافية من مالطا ، وفي هذا الوقت كانت الخسائر التي تتعرض لها مصر نتيجة القصف الجوي الذي لم تشهد مثله من قبل في تاريخها الطويل كارثية ، حتي ان العقيد / صلاح سالم اقترح علي الرئيس عبد الناصر ان يقوم بالاستسلام ، فهل وافق عبد الناصر ؟ وهل سلمت مصر ؟ هذا ما سنعرف اجابته في الحلقة القادمة باذن الله .