فى مثل هذا اليوم التاسع عشر من رمضان، وقبل 10 سنوات، وتحديدا فى الثانى من نوفمبر 2004 ميلاديًا، غادر دنيانا مؤسس دولة الإمارات العربية المتحدة، والملقب بحكيم العرب المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.. رحل لكن ترك خلفه تاريخًا وإنجازات تحمل اسمه ليس فى بلده فقط وإنما فى بقاع عديدة من العالم، وعلى رأسها الدول العربية الشقيقة ومن بينها بالطبع مصر التى تحمل للشيخ زايد ذكريات خاصة لازالت حديث المصريين.
على مستوى العالم هناك مئات الآلاف يتلقون علاجهم فى مستشفيات أقامها الشيخ زايد أو أقيمت من الدولة الإماراتية بعد رحيله وتحمل اسمه، كما أن ملايين الطلبة تخرجوا أو مازالوا يدرسون فى مدارس بناها زايد، وهى تحمل اسمه، وهناك مئات الآلاف من العائلات تعيش فى بيوت وشقق سكنية بناها زايد.
الشيخ زايد كان صاحب القرار الأول فى اختراق الإمارات عصر النهضة العلمية والاقتصادية والتكنولوجية، فكان صاحب المقولة الشهيرة "إن العلم هو الطريق الوحيد للنهضة والتقدم ومواجهة تحديات العصر وخدمة التنمية فى الدول النامية، ودولة الإمارات حريصة على المشاركة، قولاً وعملاً، فى دعم استراتيجية التنمية ونقل التكنولوجيا إلى دول العالم الثالث" .
واختارت الدولة الإماراتية 19 رمضان يوم زايد للعمل الإنسانى، وهى التسمية التى أتت من السجل الإنسانى الحافل للراحل الكبير الشيخ زايد على الصعيد المحلى والعربى والدولى.
زايد بن سلطان بن زايد بن خليفة بن شخبوط بن ذياب بن عيسى بن نهيان آل نهيان الفلاحى، المولود فى 1918 ميلاديّا، هو أول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة، وحاكم إمارة أبو ظبى، التى ولد بها، بقصر الحصن، وقد سمى على اسم جده الشيخ زايد بن خليفة آل نهيان "زايد الأول"، الذى حكم إمارة أبوظبى منذ عام 1855 حتى عام 1909.
وقد خلفه فى حكم الإمارة ابنه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، وانتخبه المجلس الأعلى للاتحاد رئيسًا للدولة، ويعتبر مؤسس وصانع دولة الإمارات العربية المتحدة.
الشيخ زايد بحكمته عرف أن الاتحاد قوة، فقبْل انسحاب البريطانيين من المنطقة اجتهد هو ومعه الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم لإنشاء الاتحاد التساعى الذى يضم إضافة للإمارات مملكة البحرين ودولة قطر.
كان الشيخ زايد رحمه الله ذا نظر ثاقب، فإمارة أبوظبى هى الأغنى والأكبر بين الإمارات، وكان بالإمكان أن تصبح دولة مستقلة، لكن الشيخ زايد أبصر أمراً غير ذلك، فـ"الاتحاد قوة" شعار نعرفه نحن العرب ونتغنى به، لكن التاريخ المعاصر يؤكد أن زايد هو من طبّقه وعمل على نجاحه رغم كثرة التحديات التى واجهته، وأفشلت كل مشاريع الوحدة العربية الأخرى، لكن لأن القائد فى الإمارات كان الشيخ زايد، فقد نجحت تجربتها الوحدوية نجاحاً لا نظير له.
وعلى نهجه زايد الطيب سار أبناؤه الشيخ خليفة بن زايد، رئيس الدولة، والشيخ محمد بن زايد ولى عهد أبو ظبى، وبقية أبنائه ممن تأكدوا أن طريق الخير والعطاء هو الطريق الصحيح، وعلى مقربة من أبنائه سار الشيخ محمد بن راشد، حاكم دبى ورئيس وزراء الإمارات وكافة حكام الإمارات.. كلهم ساروا على نهج زايد فى اتجاهين رئيسين، اتجاه العمل الإنسانى والخيرى بمساراته المختلفة والمتعددة التى كان يعشقها زايد، ومسار أخر بنقل الإمارات إلى مرحلة متقدمة من التطور الحضارى والبشرى لتحقيق حلم الشيخ زايد الذى بدأ مسيرة التطور، وفى عهده تحددت ملامح الدولة العصرية التى يقوم عليها ألان الشيخ خليفة والشيخ محمد بن زايد ممن عملوا على نقل الدولة إلى منعطف التفوق والتميز، وأعلنوا فى ذكرى وفاته دخول الإمارات عالم الفضاء، بعد أن نجحت فى الدخول إلى عالم المفاعلات النووية، وفى ذلك إشارة واضحة إلى تصميم الأبناء على استكمال وتحقيق حلم الوالد والأب .
زايد ومصر.. علاقة حب لم تنته
للشيخ زايد بن سلطان مكانة خاصة جدا فى نفوس المصريين، فيكفى أن يذكر اسم الشيخ زايد أمام أحد منهم فسرعان ما ستجده يترحم على فقيد الأمة العربية ويحدثك عن المواقف التاريخية للقائد العربى الأصيل، فقد ترك الشيخ زايد أثراً طيباً فى مصر، حيث تعددت على ضفاف النيل مشاريع كثيرة منها، بناء عدد من المدن السكنية واستصلاح عشرات الآلاف من الأراضى الزراعية، وإقامة العديد من القرى السياحية وتقديم الدعم المادى للمراكز والمستشفيات الطبية، إلى جانب الكثير من الأعمال منها "مدينة الشيخ زايد، ومستشفى الشيخ زايد، وغيرهما الكثير من المنشآت المهمة بالقاهرة"، وفى العام 1990 تبرع فى الاحتفال التاريخى العالمى الذى أقيم فى أسوان بعشرين مليون دولار لإحياء مكتبة الإسكندرية القديمة التى أصبحت ألان منارة الثقافة على عروس البحر المتوسط.
كانت لزايد وقفاته التى لا تنسى مع مصر والمصريين على مدى عقود طويلة من الزمن، فهو من قال "ما تقوم به الإمارات نحو مصر هو نقطة ماء فى بحر مما قامت به مصر نحو العرب "، وأيضا من رسخ لدى العرب قاعدة أن " نهضة مصر نهضة للعرب كلهم ".
وعلاقة الشيخ زايد بمصر توطدت بقوة عام 1973، فهو العام الذى شهد الموقف التاريخ لحاكم الإمارات الذى لن يمحى من الذاكرة العربية، حين قال: "النفط العربى ليس أغلى من الدم العربى" وهو شعار كثيراً ما ردده العرب حرفياً على لسان صاحبه ولأكثر من ثلث قرن.
وفى حرب أكتوبر 1973 كان الشيخ زايد فى زيارة إلى بريطانيا، لم يتردد فى إعلان دعمه الكامل، ووقوفه فى الخندق الأمامى، قرر دعم الحرب بكل ما يملك، قدم ما فى خزينة بلاده، ثم اقترض ملايين الجنيهات الإسترلينى من البنوك الأجنبية ليقوم بإرسالها على الفور إلى مصر وسوريا، وبعد حرب أكتوبر كانت وقفة الشيخ زايد التى لا تنسى لمساعدة مصر على إعادة أعمار مدن قناة السويس (السويس- الإسماعيلية- بور سعيد) التى دُمرت فى العدوان الإسرائيلى عليها عام 67 .
كان الشيخ زايد منحازاً دوماً إلى مصر، حتى عندما قاطعها الأشقاء العرب بعد توقيع الرئيس الراحل محمد أنور السادات اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل عام 1978، قال الشيخ زايد مقولته الشهير " لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود بدون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأى حال أن تستغنى عن الأمة العربية " .
من أقواله الشهيرة التى لا تنسى " أوصيت أبنائى بأن يكونوا دائما إلى جانب مصر، وهذه هى وصيتى أكررها لهم أمامكم، فهذا هو الطريق لتحقيق العزة للعرب كلهم".. وبالفعل حفظ الأبناء الوصية وكانوا أكثر الداعمين العرب لمصر خاصة بعد ثورة 30 يونيو، فالإمارات كانت أول الداعمين للثورة ماليا ومعنويا وسياسيا واقتصاديا، ووقعت الإمارات بعد الثورة اتفاقية مع مصر لدعم البرنامج التنموى المصري، تقدم بموجبها الإمارات 4 مليار و900 مليون دولار لتنفيذ عدد من المشاريع لتطوير القطاعات والمرافق الخدمية والارتقاء بالأوضاع المعيشية والحياتية والتنمية البشرية للشعب المصري، بالإضافة لنحو مليارى دولار كان قد تم الاتفاق عليها سابقا، ويشمل هذا الدعم منحة مالية قدرها مليار دولار تمت إجراءات تحويلها إلى مصر فى يوليو 2013، إضافة إلى تخصيص أكثر من مليار دولار للمساهمة فى توفير جزء من كميات الوقود والمحروقات التى تحتاجها مصر بما يضمن سير عجلة الاقتصاد والصناعة والتجارة والمواصلات على نحو طبيعى، وتم تخصيص المبلغ المتبقى لتنفيذ حزمة من المشاريع التنموية التى تشمل مختلف القطاعات الحيوية.
وعلى نهج الأب سار الابن، وقال الفريق أول محمد بن زايد آل نهيان ولى عهد أبوظبى نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أن دعم ومساندة الإمارات لمصر الشقيقة هو مبدأ "إن الإمارات ستظل على عهدها وفية لمصر وسندا قويا لها"، مشيرا إلى أن "العلاقات مع مصر علاقة تاريخية وإستراتيجية وتحظى بدعم ومتابعة من قبل الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، وفق النهج الذى أسس الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فى الوقوف بجانب الأشقاء فى مصر فى مختلف الأوقات وكافة الظروف ".