إسقاط طائرة الركاب الماليزية فوق أوكرانيا منذ ساعات، هو أحد أخطر الأعمال الإرهابية التي تجري في وضح النهار، منذ حادثة تدمير البرجين النيويوركيين في اعتداء 11/9 المشهور.
الضحايا كانوا في حدود الـ 300 شخص من مسافرين وأفراد طاقم، جميعهم كانوا من المدنيين، ولم يكن بينهم أوكراني واحد ولا أيّ روسي.
الطائرة أُسقطت بصاروخ أرض- جو ولم تسقط لعطل فني أو لحادث طيران. هذه الحقيقة المرعبة هي التي أثارت العالم. شبكة CNN التلفزيونية الأميركية ذكرت على لسان مسؤول أميركي بأن “الولايات المتحدة استنتجت أن الطائرة الماليزية التي سقطت فوق الأراضي الأوكرانية، تم إسقاطها”، وهو أبلغ الصحافية “باربرا ستار” من الشبكة التلفزيونية المذكورة “أن راداراً رصد إطلاق صاروخ أرض جو على الطائرة، وتتبّع المسار الذي كانت تسلكه قبل أن يسقطها”.
وبينما كان الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” يأمر بالتحقيق في المأساة وكشف ظروفها، بعد أن قام بتقديم تعازيه إلى الرئيس الماليزي، كان الرئيس الأميركي “باراك أوباما” يصرّح واصفاً الحادثة بـ”الفاجعة الرهيبة”. بينما وجد الرئيس الفرنسي الوقت الكافي للقول إن بلاده تطلب “فعل كل شيء لتوضيح الظروف التي أدت الى تحطم البوينغ الماليزية”.
كل هذا بينما الرئيس الإنقلابي في العاصمة الأوكرانية كييف، يردّ على الأصابع التي تشير نحوه بالمسؤولية، محاولاً التبرؤ من التهمة الثقيلة ورميها على أخصامه المطالبين بالإستقلال. لكن الـ CNN نقلت عن مسؤول أميركي أنه “ليس لدى الولايات المتحدة ما يثبت الادعاء الأوكراني بأن الانفصاليين الموالين لروسيا هم من أسقط الطائرة”.
كل هذا من دون أن يسأل أحد من الباكين أو من المتباكين عمّا إذا كانت الفاجعة برمّتها، مقصودة، وأنها ربما نُفّذت عن سابق تصميم وترصّد، وحدثت ضمن تسلسل خطأ كارثي في التقدير… المسؤول مباشرة عنه هو الطرف الذي يحرّك الهبّة اليمينية الفاشية المتطرّفة في أوكرانيا .
والخطأ الكارثي المشار إليه هنا لم ينتج عن مجرّد ضغط زر إطلاق الصاروخ بطريقة غير مقصودة، بل بإطلاقه عن سابق تصوّر وتصميم ضد الطائرة التي “ظنّ” مطلقو الصاروخ أنها الطائرة الرئاسية الروسية التي تقلّ الرئيس “بوتين” في رحلة عودته من البرازيل.
والحقيقة أن سوء تقدير الجهة التي أطلقت الصاروخ، كان له ما يبرره، سواء من حيث حجم الطائرة وشكلها العام وألوان هيكلها الخارجي، إذ أن ثمة تشابهاً على هذه المستويات الثلاثة، بين الطائرة المدنية التابعة للخطوط الجوية الماليزية، والطائرة الرئاسية الروسية. إضافة إلى ذلك فالطائرة الماليزية التي جرى إسقاطها، كان تحليقها في الأجواء البولونية قد تزامن مع تحليق طائرة الرئيس الروسي في رحلة عودته إلى موسكو. والحقيقة التي تناقلتها مصادر مختلفة قريبة من الأحداث تشير إلى أن المسافة بين الطائرتين خلال تحليقهما، كانت في بعض الأحيان ضئيلة جداً (حوالى 60 متراً). ثم لم تلبثا أن افترقتا وتباعدتا واحدتهما عن الأخرى، قبل الوصول إلى الأجواء الأوكرانية، حيث استدارت طائرة بوتين متجنّبة المرور في أجواء أوكرانيا، ودخلت أجواء بيلاروسيا ومنها الى الأجواء الروسية. هذا بينما تابعت الطائرة المنكوبة خطّ سيرها لتدخل الأجواء الأوكرانية غير مدركة من كان يتربّص بطائرة بمواصفات ظاهرية مشابهة.
وإذا صدقت الأنباء الصحفية التي تتحدث عن العثور على الصندوق الأسود للطائرة المنكوبة، فلا شك أن المعلومات التي فيه ستُلقي بعضاً من الضوء على حقيقة ما جرى. أما استعادة مسار الصاروخ الذي استهدف الطائرة، من ذاكرة أجهزة التتبع والرصد، ومتابعته منذ انطلاقه، ومن نقطة هذا الإنطلاق، وهو الأمر الممكن علمياً والمتوقع، حتى اصطدامه بالطائرة وإسقاطها، فسوف يقطع الشك باليقين، ويضع النقاط واضحة على حروف اللغز- الفاجعة التي ذهب ضحيتها ركاب الطائرة وأعضاء طاقمها، وشكّلت تهديداً خطيراً لأمان المواصلات الجوية على مستوى العالم برمته.
يبقى أنه إذا ثبت أن طائرة الرئيس الروسي كانت هي المقصودة، فلا شك أن هذا سيكون مثابة النقطة التي ستفيض بها كوب صبر الرئيس بوتين. وعندها لن يكون ما بعد ذلك مثل ما قبله بالنسبة لكييف وحكومتها الإنقلابية. ولعل هذا ما استدعى دخول الرؤساء الغربيين الكبار مباشرة على خطوط توصيف الحادثة بالكارثة والتظاهر بالاهتمام بكشف مستورها.
وعلى كل حال فالطائرة سقطت على أراضي أوكرانيا. وعادة، لا تسقط التفاحة بعيداً عن الشجرة…