Fawzy
خبير استراتيجي
الـبلد : العمر : 45 المهنة : الادارة المزاج : Rothmans التسجيل : 19/08/2007 عدد المساهمات : 2069 معدل النشاط : 684 التقييم : 116 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: بعد تقرير فينوجراد : تحليل استراتيجى لحرب لبنان .. 2008-02-03, 02:49 | | | نظرية الاستراتيجيات المتنافسة (Competitive Strategies) يعتبر وزير الدفاع الأمريكى الأسبق ماكنمارا هو صاحب نظرية الاستراتيجيات المتنافسة (Competitive Strategies) التى استخدمها فى إدارة استراتيجية الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتى السابق آنذاك.
فبجانب ما تستهدفه هذه النظرية من استغلال نقاط ضعف عند الخصم والعمل عليها، وأضعاف نقاط القوة عنده وحرمانه من استثمارها، فأنها تستهدف أيضا توجيه الخصم بأساليب غير مباشرة نحو اتخاذ قرارات سياسية وعسكرية تقلل من حجم المخاطر والتهديدات التى تتعرض لها الدولة، وحيث تصب فى النهاية فى صالحها وتخدم أهدافها الاستراتيجية. وقد طبقت إسرائيل هذه النظرية جيدا فى خوضها حروب الصراع العربى - الإسرائيلي، حيث سعت إلى توجيه طاقات الدول العربية المادية والبشرية بعيدا عن الاستخدام فى اتجاهات بناء القوة التى تعرقل تنفيذ إسرائيل لأهدافها، وتشكل تنافسا يمكن أن يحيد عناصر القوة الإسرائيلية - وأبرزها التفوق النووى والقوة الجوية والقوة المدرعة، وبحيث تستنزف طاقات الدول العربية وتهدر فى اتجاهات لا تؤثر على إسرائيل، أو يكون تأثيرها ضعيفا. وقد أنشأت إسرائيل منذ منتصف التسعينيات لجنة خاصة أسمتها (لجنة الاستراتيجيات المتنافسة) تحددت مهمتها فى التخطيط لخلق ظروف فى المنطقة يسعى العرب بناء عليها للعمل كرد فعل لمواجهتها، وعندئذ تكون إسرائيل قد خلقت ظروفا جديدة أخرى يتطلب الأمر رد فعل عربى جديد لمواجهتها. وهكذا تبقى المبادرة والتوجيه دائما فى يد إسرائيل. وفى إطار هذه النظرية، ومع بروز مخاطر البرنامج النووى الإيرانى على إسرائيل منذ عام 2005، وإدراكا منها لخطورة الأوراق الإقليمية التى يعتمد عليها النظام الإيرانى فى صراعه مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل، وفى مقدمة هذه الأوراق ورقة حزب الله فى لبنان، واتفاق واشنطن وتل أبيب على ضرورة تجريد طهران من هذه الورقة، لاسيما بعد أن نجحا بقرار مجلس الأمن 1559 فى إجبار سوريا على سحب قواتها من لبنان وإزالة النفوذ السورى من هناك. لذلك كان المخطط الأمريكى الإسرائيلى بشن حملة قصف جوى فى خريف هذا العام، تقوم بها القوات الجوية الإسرائيلية ضد مستودعات صواريخ حزب الله ومواقع ميليشياته ومراكز قياداته ومناطقه اللوجستية ومؤسساته الأمنية والإعلامية والاقتصادية،بما يقوض ركائز بنيته الأساسية العسكرية والسياسية والاقتصادية، لاسيما فى جنوب لبنان والبقاع وجبال لبنان الغربية والضاحية الجنوبية لبيروت. وبذلك - طبقا للرؤية الإسرائيلية الأمريكية المشتركة - يمكن القضاء على نفوذ حزب الله فى لبنان، ويحرم كل من سوريا وإيران من ورقة مهمة يراهنان عليها لتعزيز نفوذهما فى المنطقة، ويساعد أيضا على تمهيد الطريق أمام الولايات المتحدة لشن هجومها الجوى والصاروخى المخطط سلفا ضد المنشآت النووية الصاروخية فى إيران. وقد كشف الكاتب الأمريكى المشهور سيمور هيرش عن هذا المخطط الأمريكى - الإسرائيلى المشترك تفصيلا فى تحقيق الذى نشره فى مجلة نيويوركر فى 21 أغسطس الماضي.
استراتيجية حزب الله باتخاذه المبادأة:
-عندما أعلن أمين حزب الله حسن نصر الله عن نجاح مقاتلين بمهاجمة موقع للجيش الإسرائيلى فى (زراعيت) صباح يوم 12 يوليو الماضي، وقتل 8 جنود إسرائيليين وخطف اثنان وإصابة 21 آخرين، إلى جانب تدمير دبابتين كان يستهدف فى الواقع إحراز المبادأة على إسرائيل وإجبارها على الدخول فى معركة مبكرا وهى غير مستعدة لها.وحدد آنذاك هدفه فى استبدال الأسيرين الإسرائيليين بالأسرى اللبنانيين فى السجون الإسرائيلية، ووضع معادلة ردعية مفادها العمق بالعمق، بمعنى أنه إذا قصفت الطائرات الإسرائيلية البلدات والقرى اللبنانية فى الجنوب، فإنه سيقوم بقصف المستعمرات المتواجدة بشمال إسرائيل، وإذا ما صعدت إسرائيل قصفها الجوى فى عمق لبنان، فإنه سيقصف حيفا وما وراء حيفا، وفى مرحلة متقدمة من الحرب هدد بقصف تل أبيب إذا ما قصفت إسرائيل بيروت. وقد حرص نصر الله فعلا على توفير مصداقية لتصريحاته، فنفذها فعلا رغم التهديدات الإسرائيلية. وفى تصريح سابق له لم يخف أن حزبه يملك عدة آلاف من الصواريخ. ورغم أن نصر الله فوجئ بعنف وحجم رد الفعل الإسرائيلى وشموله والذى تمثل فى قصف معظم المدن والبلدات والقرى وأهداف البنى التحتية على كل الساحة اللبنانية، وهو ما اعترف به لاحقا بعد الحرب، إلا أن الهدف الاستراتيجى الذى وضعه حزب الله هو المحافظة على الوضع المسيطر فيه الحزب فى الجنوب، وتحسين هذا الوضع سياسيا واستراتيجيا فى ضوء المنجزات التى سيحققها مقاتلو الحزب أثناء الحرب، والالتزام برد الفعل المتدرج والمرن والمحسوب جيدا فى ضوء الأفعال الإسرائيلية، مدركا انه لا يستطيع هزيمة القوة المسلحة الإسرائيلية للفارق الكبير فى الميزان الاستراتيجى بينه وبين إسرائيل ولكن باستطاعته إجهادها. لذلك رسم حزب الله استراتيجية فى التخطيط لهذه الحرب وإدارتها على أساس أربع توجهات:
التوجه الأول: إجبار إسرائيل على الدخول فى هجمات برية مكلفة ضد تحصينات دفاعية مجهزة جيدا، وبما يكبدها خسائر بشرية جسيمة. التوجه الثاني: جر القوات الإسرائيلية إلى أقصى عمق ممكن داخل الأراضى اللبنانية وإجبارها على القتال عبر خطوط أمداد طويلة، يمكن بتدميرها إرباك حركة وعمليات قتال هذه القوات. التوجه الثالث: التحول نحو أسلوب هجوم انقضاضى بإتباع أساليب حرب العصابات الذى تمارسه الميلشيات فى العراق وأفغانستان ضد القوات الأمريكية، ولا تستطيع نتيجته أن تنسحب، ليس فقط خوفا من استئناف الهجمات الصاروخية ضدها، ولكن أيضا لعدم قدرتها على تحمل خسائر كبيرة ممتدة فى المدى الطويل. التوجه الرابع: استغلال الهجمات الصاروخية المكثفة التى يطلقها باستمرار على المدن والأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية لإثارة الذعر فى صفوف الإسرائيليين،وبما يؤدى إلى ثورتهم ضد الحكومة الإسرائيلية وإرباكها واضطرارها إلى طلب وقف إطلاق النار.
وخلال الست سنوات الماضية منذ انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني، عمل حزب الله بجهد كبير من أجل التخطيط والأعداد لهذه الحرب وتنفيذها طبقا للتوجهات الاستراتيجية المشار إليها، معتمدا بدرجة كبيرة على كل من إيران وسوريا لإمداده باحتياجاته التسليحية والمادية. فبواسطة الأموال الإيرانية أقام بمساعدة شركات من كوريا الشمالية شبكة من الإنفاق بطول وعرض منطقة الجنوب تحت عمق يصل إلى 20 متر بعيدا عن انفجارات القنابل الأمريكية GBU28 المخصصة لتدمير التحصينات تحت الأرض وتتكون من أنابيب ضخمة تتراوح أقطارها بين 3 - 5 أمتار تربط بين ثلاث مدن عسكرية صغيرة منها اثنتان جنوب الليطانى وواحدة شمال الليطاني، لتكون مواقع محصنة لإخفاء وحماية مقاتلين، ولتخزين الصواريخ والأسلحة والاحتياجات اللوجستية، وبعضها كمراكز قيادة وسيطرة، كما ساعدت عدة شركات ألمانية (Off Shore) فى تجهيزها بوسائل الاتصالات اللازمة. وقد جهزت هذه الشبكة من التحصينات بمخارج على هيئة حفر برميلية يخرج منها مقاتلوا حزب الله إلى مواقع مختارة ومخططة مسبقا على الطرق والمدقات المتوقع تحرك القوات الإسرائيلية عليها، لإعداد كمائن ضدها. كما تتواجد مخارج أيضا بجوار مواقع إطلاق الصواريخ مجاورة لمستودعات تخزينها، وبما يكفل سرعة إعادة المقذوفات إلى ملاجئها عقب انتهاء القصف وقد ثبت من الحرب أن هذه الشبكة من الأنفاق المقامة تحت الأرض قد وفرت درجة عالية من الحماية والمناورة وخفة الحركة المخفية للمقاتلين، حيث كانوا يظهروا فجأة لمقاتلة القوات الإسرائيلية فى أماكن من اختيار حزب الله، ثم يختفون أيضا فجأة داخل هذه التحصينات احتماءً من النيران الإسرائيلية، الأمر الذى كبد الإسرائيليين خسائر بشرية ومادية جسيمة وأربك تحركاتهم وخطط هجومهم البري. كما جهز حزب الله مواقع لإطلاق الصواريخ فى الأحراش والبساتين المنتشرة بكثرة فى جنوب لبنان، خاصة شرق صور وشمال الليطاني. بالإضافة إلى لمراكز إستطلاع ومناطق قتل الدبابات وكمائن داخل القرى والبلدات وفوق وحول التلال والتباب المرتفعة والمسيطرة، إلى جانب تلغيم طرق تقدم المركبات الإسرائيلية. كما قام حزب الله بتقسيم ترسانته الصاروخية إلى أربعة مستويات:
المستوى الأول: ويشمل الصواريخ الكاتيوشا ذات المدى القصير 10 - 15 كم، ولها مستودعاتها وملاجئها ومواقع إطلاقها القريبة من الحدود على مسافة 1 - 3 كم للاستفادة من أقصى مدى لها فى قصف المستعمرات والأهداف الإسرائيلية القريبة حتى عمق 10 كم جنوب الحدود بشمال الجليل. المستوى الثانى: يشمل الصواريخ رعد 2، ورعد 3 ذات المدى 40 - 70 كم ولها أيضا مستودعات ومواقع إطلاق قريبة من الليطانى وفى سهل الخيام بوادى البقاع جنوب مرجعيون وقنطرة بالقطاع الشرقى من الجنوب، وشرق صور والغندورية فى القطاع الغربي. المستوى الثالث: صواريخ حزب الله الصواريخ (خيبر - 1) ذات المدى حتى 100 كم، وكانت مواقع إطلاقها على مسافة 15 كم لتتمكن من قصف حيفا وما وراءها. المستوى الرابع: ويشمل الصواريخ ثقيلة الوزن ذات المدى البعيد 200 كم (زلزال 1،2) والتى لم تستخدم فى الحرب حيث يتحكم القرار الإيرانى فى استخدامها، وتشير المعلومات إلى أن أطقمها إيرانيين ويتلقون تعليماتهم من طهران وليس من حزب الله، ويقدر عددها بحوالى 100 صاروخ، فقد جهزت لها مواقع شمال الليطانى وفى عمق البقاع قريبا من الحدود السورية، وتفيد مصادر المخابرات الإسرائيلية أن الطيران الإسرائيلى دمر 18 قاذف من هذا النوع.
وفى إطار التدريب على أعمال القتال المتوقعة فى الحرب، تم تدريب مقاتلى حزب الله على تكتيكات حرب العصابات وذلك فى مناطق البقاع، كما أجرى تدريب لعناصر خاصة فى سوريا وإيران لاسيما فيما يتعلق باستخدام الصواريخ أرض أرض والصواريخ المضادة للدبابات. وفى إطار التدريب على حرب العصابات أجاد مقاتلو حزب الله الحديث باللغة العبرية لفهم لغة الإسرائيليين والتحدث معهم لخداعهم خلال القتال المتلاحم داخل المناطق المبنية فى القرى والمدن، حيث كان مقاتلو حزب الله فى هذه المناطق يرتدون نفس الملابس الإسرائيلية ويتعارفون فيما بينهم بأرقام ثلاثة، وقد نجح هذا الخداع فى قتل كثير من الجنود الإسرائيليين بعد إيقاعهم فى كمائن مخططة لهم. وإدراكا من حزب الله لصعوبة أمداد مقاتليه باحتياجاتهم اللوجستية أثناء الحرب بوسائل النقل العادية فوق سطح الأرض، بالنظر لحتمية تعرضها لنيران المقاتلات والمدفعية والدبابات الإسرائيلية، وفى إطار استراتيجية التى اختارها لإدارة الحرب وهى (الدفاع الثابت) فقد قام بتوفير اكتفاء ذاتى من الأسلحة والذخائر والوقود والمياه والطعام والخدمة الطبية لوحداته المقاتلة داخل مواقعها، حتى لا تحتاج إلى إمدادات خارجية وبما يكفيها لإدارة عمليات قتال لفترة ثلاثة أشهر. كما قام الحزب بإخلاء قواعده الخلفية المرصودة مسبقا بواسطة المخابرات الإسرائيلية، لاسيما الضاحية الجنوبية من بيروت - من جميع قياداته وكوادره السياسية والعسكرية والمخابراتية والأمنية، ونقلهم إلى مواقع سرية وآمنة تحت الأرض تحسبا لقصف هذه القواعد الخلفية بالمقاتلات الإسرائيلية، وهو ما وقع فعلا أثناء الحرب، حيث نالت الضاحية الجنوبية من بيروت - المعقل الرئيسى لحزب الله - نصيبا وافرا من الغارات الجوية الإسرائيلية، كما نقل الحزب أيضا الأموال التى كان يحتفظ بها هناك إلى أماكن أخرى آمنة، وقد حدث فعلا ما توقعه الحزب عندما تعرضت البنوك الثلاثة التى كان يحتفظ فيها بأمواله لقصف جوى مركز، كذلك قام بتخزين كميات كبيرة من الوقود فى مستودعات تحت الأرض تحسبا لقصف محطات توزيع البنزين التى كانت تحت سيطرته وهو ما وقع فعلا عندما قصفت هذه المحطات مع المصانع التى يملكها الحزب فى بعلبك. وفى مواجهة ما عرف عن قدرة أجهزة المخابرات الإسرائيلية على اختراق صفوف أعدائها على جميع الأصعدة السياسية والعسكرية والاجتماعية بواسطة عملائها وجواسيسها، أحكم حزب الله نطاق السرية حوله تماما وعلى جميع المستويات تأمينا لصفوفه من اختراق عملاء إسرائيل كما حدث مع الفلسطينيين، لاسيما وأنه من المعروف أن عناصر جيش لبنان الجنوبى العميل لإسرائيل بقيادة العميل أنطوان لحد، والذى كان يقاتل فى صفوف الإسرائيليين فى جنوب لبنان قبل الانسحاب الإسرائيلى من هناك عام 2000، قد انسحبت هذه العناصر العميلة مع الجيش الإسرائيلى إلى داخل إسرائيل، وقد تم تجنيدها بالفعل لخدمة هذا الجيش عندما بدأت الحرب فى 12 يوليو الماضي، ونجحت عناصر الأمن اللبنانية والتابعة للحزب فى الإمساك فعلا بحوالى 150 عميل إسرائيلى تابعين لأنطوان لحد. أثناء الحرب، كانوا منتشرين فى جنوب لبنان وفى الضاحية الجنوبية من بيروت، ويضعون ملصقات مغطاة بالليزر على جدران الأهداف الهامة التابعة لحزب الله لجذب نيران الطائرات الإسرائيلية إليها، وفى المقابل أثبتت أحداث الحرب أن جهاز مخابرات حزب الله كان على علم تام بكل ما يجرى على الأرض فى شمال إسرائيل، بل ونجح أيضا فى اختراق شبكة الاتصالات العسكرية والمدنية بشمال إسرائيل، الأمر الذى جعله يقف على الكثير من الخطط والنوايا والتحركات الإسرائيلية، حتى أن مقاتلى الحزب أمكنهم أثناء معركة بنت جبيل رصد أربعة من رجال المخابرات العسكرية الإسرائيلية فى مستعمرة (أفيفيم) داخل الأرضى الإسرائيلية وقتلهم. وفى إطار تحسب حزب الله لأسوأ الاحتمالات فى المراحل الأخيرة من الحرب، وضع ما أطلق عليه خطة (الطلقة الأخيرة) والتى تقضى بتوجيه 24 - 30 طائرة بدون طيار (ايابيل) إيرانية الصنع محملة بحوالى 40 - 50 كجم متفجرات وذات مدى يصل إلى 450 كم، ويتم توجيهها بواسطة جهاز GPS عن طريق الأقمار الصناعية لتدمير المدن الإسرائيلية الرئيسية، وقد تم أطلاق واحدة منها تم إسقاطها بمقاتلة إسرائيلية قبل أن تصل إلى هدفها. وفى مواجهة حرص اسرائيل فى المراحل الأخيرة من الحرب على الاستيلاء على حزام أمنى شمال خط حدودها مع لبنان (الخط الأزرق) بعمق 4 - 6 كم، والتمسك به كغرض أمر واقع قبل وقف إطلاق النار، وبما يجعل من هذه المنطقة ورقة مساومة وضغط فى مفاوضاتها مع الحكومة اللبنانية حتى تلبى شروطها بتجريد حزب الله من سلاحه، وأزاحته إلى ما وراء الليطاني، وضع حزب الله استراتيجية مضادة تتمثل فى عدم ضرورة التمسك بالأرض، ولكن تأمين حرية الحركة لمقاتليه فى جميع أنحاء الأرض بجنوب لبنان، وبما يمكنه من شن هجمات مضادة سريعة وخاطفة ضد القوات الإسرائيلية التى قبلت بالتمسك بمواقعها داخل الأراضى اللبنانية، وبما يكبد هذه القوات خسائر مستمرة تجبرها على ترك هذا المواقع والانسحاب إلى داخل الأراضى الإسرائيلية. فى مواجهة حرص إسرائيل على عدم تكبيد قواتها خسائر بشرية جسيمة، وكذلك المدنيين فى المستعمرات والمدن بشمال إسرائيل، لذلك لم تزج بقواتها البرية فى الحرب طوال الثلاث أسابيع الأولى من الحرب، معتمدة بشكل رئيسى على قواتها الجوية فى تحقيق أهدافها الاستراتيجية، كانت استراتيجية حزب الله فى المقابل تستهدف وتسعى إلى توريط القوات الإسرائيلية فى معارك برية وبما يحقق اكبر قدر من الخسائر البشرية فيها، وكذلك بقصف المناطق السكانية بالمدن الإسرائيلية. وفى مواجهة حرص إسرائيل على سرعة حسم الحرب وإنهائها فى أقل زمن ممكن تجنبا لمزيد من الخسائر المادية والبشرية، لم يكن الزمن عاملا مهما فى استراتيجية حزب الله، حيث اعتبر الوقت مفتوحا أمامه لإدارة حرب طويلة ضد إسرائيل، وبما يكبدها خسائر جسيمة ويولد الخلافات داخل المجتمع الإسرائيلى ويفقده الإجماع الوطنى حول قضية الحرب. أما استراتيجية حزب الله فى مواجهة مطلب إسرائيل بنزع سلاحه، وهو المطلب الذى يتفق عليه الأغلبية اللبنانية ومعظم الحكومات العربية ناهيك عن المجتمع الدولى ممثلا فى قرار مجلس الأمن رقم 1559، وذلك حتى لا يشكل الحزب دولة أخرى داخل الدولة اللبنانية، يستقوى عليها بما يملكه من ترسانة ضخمة من الأسلحة تفوق ما لدى الجيش اللبنانى الوطني، فأن حزب الله رفض الاذعان لهذا المطب بدعوى انه طالما هناك أراضى لبنانية محتلة فى مزارع شبعا، فإنه يحق للمقاومة اللبنانية أن تحتفظ بسلاحها لتحرير هذه الأراضي، وحتى بعد استعادة لبنان لهذه الأراضى ينبغى أن تحتفظ المقاومة أيضا بسلاحها لردع إسرائيل عن تكرار العدوان، خاصة فى ضوء تجربة سابقة عندما احتلت إسرائيل لبنان عام 1982 ونزعت سلاح المقاومة الفلسطينية، ونتج عن ذلك قيام ميلشيات حزب الكتائب اللبنانى بدعم من القوات الإسرائيلية بارتكاب مذابح مخيمات صابرا وشاتيلا التى قتل فيها أكثر من 300 فلسطيني، الأمر الذى يفرض على حزب الله أن يحتفظ بسلاحه دفاعا عن النفس ومما لا شك أنه كان وراء تمسك حزب الله بسلاحه أهدافا أخرى سياسية بعضها داخلية فى لبنان والأخرى إقليمية تتعلق بحليفيه سوريا وإيران، فعلى الصعيد الداخلى يسعى حزب الله إلى تغيير الحكومة اللبنانية التى يرأسها فؤاد السينورة ممثلا لتيار 14 مارس الذى يشكل الأغلبية فى البرلمان، والرافض للنفوذ السورى والإيرانى على لبنان، وبدعوى ضرورة إقامة حكومة قوية تعكس انتصار المقاومة على إسرائيل، بمعنى أن يكون تمثيل حزب الله وحلفائه فيها (حزب ميشيل عون وحركة أمل) أقوى تحت دعوى حكومة ائتلاف وطني. أما البعد الإقليمى فهو أن مثل هذه الحكومة التى يطالب بها حزب الله ستكون بالقطع موالية لسوريا وإيران، وستعمل على استعادة نفوذهما قويا فى لبنان، ربما يؤدى إلى رفض المحكمة الدولية المنتظر تشكيلها لبحث قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريرى والمتهم فيها سوريا، ناهيك عن استمرار تفعيل ورقة حزب الله فى يد المفاوضين الإيرانيين حول قضية الملف النووى الإيراني.
يتبع .......
عدل سابقا من قبل في 2008-02-03, 02:56 عدل 1 مرات |
|
Fawzy
خبير استراتيجي
الـبلد : العمر : 45 المهنة : الادارة المزاج : Rothmans التسجيل : 19/08/2007 عدد المساهمات : 2069 معدل النشاط : 684 التقييم : 116 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: رد: بعد تقرير فينوجراد : تحليل استراتيجى لحرب لبنان .. 2008-02-03, 02:54 | | | استراتيجية إسرائيل فى مواجهة مبادأة حزب الله:
- بعد انتزاع المبادأة ظهرت حكومة أولمرت فى بداية الحرب وكأنها كانت تنتظرها لتصفية حساباتها مع حزب الله بشكل نهائى كما ربطت إسرائيل أهدافها واستراتيجيتها بالأجندة الأمريكية، حيث وجدت كل من واشنطن وتل أبيب فى هذه الحرب فرصة أيضا لنزع ورقة حزب الله من أيدى سوريا وإيران، وتحدد الهدف الاستراتيجى لإسرائيل منذ بداية الحرب فى تدمير حزب الله وإنهاء نفوذه السياسى فى لبنان، وجعل المنطقة جنوب نهر الليطانى بمثابة حزام امن لإسرائيل خالية من كل مظاهر التسلح باستثناء قوات الجيش اللبنانى وقوات دولية رادعة. وبما يضع نهاية للوضع الثابت الذى كان يتمتع به حزب الله فى الجنوب منذ عام. عندما كانت قواته تواجه القوات الإسرائيلية على الحدود مباشرة وبعيده إلى ما وراء الليطاني. إلا أنه مع تتابع أحداث الحرب، وما تعرضت له القوات الإسرائيلية من خسائر ومشاكل، تقلص هذا الهدف إلى إزاحة حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ثم تقلص بعد ذلك إلى إنشاء حزام أمنى بعمق 8 - 10 كم شمال الخط الأزرق، وفى الأيام الأخيرة من الحرب تقلص هذا الهدف أكثر وتحدد فى حزام أمنى بعمق 2 - 3 كم فقط. ثم بعد توقف الأعمال القتالية تمحور الهدف الاستراتيجى فى نزع سلاح حزب الله بمساعدة قوات اليونوفيل، وحتى هذا الهدف لم ينص عليه قرار مجلس الأمن 1701 صراحة لأن فى تنفيذه استحالة مادية حيث يدخل القوات الدولية فى مواجهة عسكرية مع حزب الله سبق أن فشلت فيها القوات الإسرائيلية نفسها، فكيف تقبل الدول التى أرسلت جنودها إلى لبنان ضمن قوة اليونوفيل أن تطلب منهم تنفيذ ما عجزت عنه إسرائيل، وبما يعرضهم لخسائر جسيمة لم تقبل إسرائيل أن تعرض لها قواتها؟واجهت إسرائيل فى بداية الحرب ثلاث تحديات رئيسية على النحو الآتي:
التحدى الأول: أن تضع نهاية وحدا للتهديدات الواقعة على المدن الإسرائيلية بفعل القصف الصاروخى لحزب الله، وبما يؤدى إلى تدمير قدراته الصاروخية جنوب وشمال الليطاني. التحدى الثاني: العمل على تدمير البنية التحتية لحزب الله، ليس فقط فى جنوب لبنان ولكن أيضا فى البقاع والضاحية الجنوبية لبيروت لتدمير مؤسسات الحزب فى كل هذه المناطق. التحدى الثالث: وجوب أن تفعل كل ذلك بطريقة لا تجرها إلى حرب طويلة أو إلى احتلال مناطق لا تستطيع أن تحتفظ بها فى مواجهة هجمات فدائية قوية.
ومن المعروف انه من الناحية التاريخية لا يرغب الإسرائيليون فى القتال ضد مواقع دفاعية ثابتة، حيث تعتمد عقيدتهم العسكرية على عمليات الالتفاف والتطويق حول هذه المواقع وتجنبها والوصول إلى أجنابها ومؤخراتهم ثم حصارها مع تدمر مناطقها وارتالها اللوجستية، وبما يؤدى بعد ذلك إلى سقوطها فى أيديهم كثمرة ناضجة عندما يستسلم العدو. إلا أن هذا الأسلوب لم يكن مجديا فى التعامل مع مواقع حزب الله فى الجنوب، بالنظر لقدرة حزب الله العالية على الصمود، وحتى مع افتراض نجاح إسرائيل فى احتلال المنطقة حتى جنوب الليطاني، فإن ذلك لن يحقق أى من أهداف إسرائيل الاستراتيجية، حيث سيدخلها فى نفس دوامة حرب الاستنزاف التى وقعت فيها لأكثر من عشر سنوات فى هذه المنطقة حتى اضطرت للانسحاب منها عام 2000. وأيضا حتى مع افتراض خسارة حزب الله للمنطقة جنوب الليطاني، فأن مقاتلين فى البقاع والضاحية الجنوبية من بيروت سيظلوا متماسكين فى مواقعهم، قادرين على شن هجمات مضادة ضد الإسرائيليين جنوب الليطاني، ومن ثم فإن معركة برية تركز فقط على جنوب الليطانى لن يكون خيارا مناسبا لإسرائيل، إلا إذا شعر الإسرائيليون بأن هزيمة حزب الله فى الجنوب ستوهن من عزيمته وإرادته على المقاومة، وهو أمر مشكوك فيه. لذلك توصلت المخابرات الإسرائيلية إلى نتيجة وهى أن حزب الله اتخذ بالفعل قرارا استراتيجيا بألا يقاتل فى حرب متحركة، ولذلك يلزم على القوات الإسرائيلية أن تقاتله حيثما اختار حزب الله مكان المعركة وأسلوبها، وهو ما يعنى ضمنيا فقدان إسرائيل المبادرة التى انتزعتها منه مع بداية الحرب. وبذلك تحددت خيارات إسرائيل فى ثلاث خيارات هى:
الخيار الأول: أن تتعامل أولا مع منطقة جنوب الليطانى لتدمير وإزالة مواقع حزب الله منها، ثم بعد ذلك تتعامل مع المناطق الأخرى المتواجد فيها مؤسسات حزب الله ومواقعه. الخيار الثاني: أن تتجنب مواقع حزب الله جنوب الليطانى وتعزلها، ثم تتحرك فى مواقعه الخلفية لمهاجمتها وتدميرها، ثم تعود بعض ذلك لمهاجمة مواقعه فى الجنوب بعد أن يكون القصف الجوى قد أجهدها. الخيار الثالث: أن تهاجم مواقع حزب الله فى الجنوب فى ذات الوقت الذى تهاجم فيه مواقعه الخلفية فى وادى البقاع (تطبيقا لنظرية الحرب الجو برية) بواسطة عمليات التفاف وتطويق واسعة، وأيضا مع مهاجمة أهدافه على الشريط الساحلى وحتى مدينة صور، وطبقا لتطور القتال يمكن أن تصل فى هجومها إلى بيروت، وهو ما يتطلب أحجاما كبيرة من القوات تنتشر فى لبنان على مساحات شاسعة، وهو ما يشكل جهدا مضنيا على قدرات إسرائيل اللوجستية ناهيك عن ضرورة توفير دعم ومساندة جوية قريبة لكل محور من محاور الهجوم البري. ولكن تبقى المشكلة بالنسبة لإسرائيل، ليس فى الوصول إلى هذه المناطق - فهذا فى أمكان وقدرات وحداتها المدرعة - ولكن المشكلة فى قدرتها على البقاء والتمسك بهذه المناطق والدفاع عنها فى مواجهة هجمات مضادة مستمرة من جانب مقاتلى حزب الله - أضف إلى هذا مشكلة أخرى وأن الهجوم الإسرائيلى فى وادى البقاع يتطلب تأمين الجناح الأيمن (الشرقي) من جهة سوريا، وهو ما يتطلب تخصيص قوات إسرائيلية إضافية لهذه المهمة، إن لم يكن مهاجمة سوريا ذاتها وارد فى التخطيط الإسرائيلي. والتى ستكون بالقطع هدفا سهلا وثمينا لمقاتلى حزب الله، كما كانت الارتال اللوجستية الأمريكية فى حرب العراق عام 2003 أهدافا سهلة لمقاتلى (فدائيون صدام) مما أضطر القوات الأمريكية أن تخصص فصائل مدرعة لحماية هذه الارتال، هذا مع الوضع فى الاعتبار أن مثل هذه العمليات البرية العميقة فى لبنان - إلى جانب ما ستحدثه من ارباكات فى الإمدادات اللوجستية للقوات المهاجمة على الثلاث محاور (القطاع الشرقى والقطاع الأوسط والقطاع الساحلي)، فأنها ستطيل زمن الحرب، وبما ينعكس فى استمرار تعرض المدن والمستعمرات والأهداف الاستراتيجية الإسرائيلية لقصف صواريخ حزب الله، وما يترتب على ذلك من ثورة وغضب الشارع الإسرائيلى ضد الحكومة الإسرائيلية، وتفسخ الإجماع الوطنى فى إسرائيل حول الحكومة والجيش الإسرائيلى فى قراراتهم المتعلقة بالحرب، لاسيما لو اضطر حزب الله إلى استخدام صواريخه بعيدة المدى طراز (زلزال) ضد العمق الإسرائيلي.
ولقد اعتمدت الاستراتيجية الإسرائيلية فى الأساس مع بداية الحرب على ما تتمتع به إسرائيل من سيادة جوية على مسرح العمليات فى تدمير مواقع حزب الله وبنيته الأساسية بواسطة القصف الجوى المكثف، مع القيام بعمليات برية محدودة بواسطة مفارز مدرعة ومشاة ميكانيكية بهدف جس نبض مواقع حزب الله فيما يشبه عمليات (الاستطلاع بقوة) إلا أن هذه العمليات باءت بالفشل - حيث تكبدت كتيبة المفرزة المتقدمة من لواء جولانى التى دفعت فى مثلث عتيرون - مارون الرأس - بنت جبيل خسائر بشرية ومادية جسيمة مما اضطر القيادة الإسرائيلية إلى سحبها من ميدان المعركة بعد انهيار الروح المعنوية فى صفوف هذه الكتيبة. وعندما وسعت القوات الإسرائيلية هجومها فى الأسبوع الثالث من الحرب عبر أربعة محاور بدفع لواء ناحال بجانب لواء جولانى تكبدت هذه القوات أيضا خسائر بشرية ومادية جسيمة لم تستطع معها أن تكسب أرضا شمال خط الحدود بأكثر من 2 - 3 كم، وحتى فى هذا العمق المحدود جدا كانت القوات الإسرائيلية غالبا ما تتراجع عن مواقعها تجنبا لمزيد من الخسائر، كما أن جميع علميات الإبرار الجوى التى أجرتها القوات الخاصة الإسرائيلية فى شرق صور وفى تلة مسعود والنبطية وجنوب الليطانى وحتى عملية الإبرار الجوى التى أجريت بقوة لواء مظلى كامل وباستخدام خمسين مروحية فى جنوب مرجعيون ووادى الخيام فى الأيام الأخيرة من الحرب، والأبرار الجوى شرق صور كلها جميعا باءت بالفشل فى تحقيق أهدافها سواء فى تدمير مواقع صواريخ حزب الله أو قتل وخطف كوادر سياسية وعسكرية مهمة فى حزب الله.
يتبع .......
عدل سابقا من قبل في 2008-02-03, 02:56 عدل 1 مرات |
|
Fawzy
خبير استراتيجي
الـبلد : العمر : 45 المهنة : الادارة المزاج : Rothmans التسجيل : 19/08/2007 عدد المساهمات : 2069 معدل النشاط : 684 التقييم : 116 الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
| موضوع: رد: بعد تقرير فينوجراد : تحليل استراتيجى لحرب لبنان .. 2008-02-03, 02:55 | | | وعندما بدت فى الأسبوع الثالث من الحرب مظاهر فشل القوات الإسرائيلية فى تحقيق أهدافها ومهامها الاستراتيجية فى جنوب لبنان - سواء من حيث تدمير البنية الأساسية لحزب الله، أو أزاحته إلى شمال الليطاني، وأيضا منع صواريخه من قصف المدن الإسرائيلية - وتنبيه شيمون بيريز - نائب رئيس الحكومة فى مجلس الوزراء المصغر للسبب الرئيسى فى هذا الفشل، وهو أن إسرائيل لم تستخدم فى هذه الحرب - حتى بعد ثلاث أسابيع من بدءها - سوى 10% فقط من قواتها، وان عليها أن تدفع بالمزيد من قواتها البرية إلى المعركة لإحراز نصر حاسم قبل أن تتدخل التفاعلات السياسية الدولية لإيقاف الحرب، وتطبيقا لمبدأ هام من مبادئ الحرب وهو (الحشد للقوات وفى الاتجاهات الرئيسية للقتال) - قررت القيادة السياسية الدفع بحوالى 20 ألف جندى إضافى إلى المعركة بجانب 10.000 جندى آخرين كانوا مشتبكين فعلا فى القتال، وبما يعنى الزج بفرقتى أضافيتين بجانب لواء جولاني، وتحددت الاستراتيجية الإسرائيلية فى خمس معالم رئيسية على النحو التالي:
الاولى: إقحام قوات محمولة جوا وعمليات جوية متحركة شمال نهر الليطانى لقطع الطريق على قوات حزب الله فى جنوب لبنان، مع استخدام القوات الجوية والمهندسين العسكريين لتدمير تحصيناته والحد من فعاليتها، هذا بالإضافة للاعتماد على المشاة لمهاجمة قوات حزب الله ليس فى مواقع محصنة، ولكن لحصرهم داخل هذه المواقع وتضييق الخناق عليهم فيها، وبالتدريج يجرى تقليل حجم القوات والحد من تعرضها لمقاتلى حزب الله. الثانية: تأمين طرق التحرك على طول الجناح الشرقى تمهيدا لهجوم مدرع يشن بعمق فى وادى البقاع للاشتباك مع القوة الرئيسية لحزب الله وتدمير بنيته الأساسية هناك. ولتحقيق هذا يتحتم التحرك من مستعمرة كريات شمونة شمالا إلى وادى البقاع، مع تجنب مواقع حزب الله عند الليطانى فى الغرب، ومن المحتمل أن يحتاج هذا النوع من الهجوم إلى أجراء عمليات جوية متحركة وإرسال قوات خاصة لتأمين المناطق المرتفعة (فى جبال لبنان الغربية)، كما سيعنى هذا النوع من الهجوم ترك الجانب الأيمن للقوات المهاجمة معرضا من اتجاه سوريا. الثالثة: استخدام القوة الجوية والقوات الخاصة لتقويض قدرات حزب الله فى الضاحية الجنوبية من بيروت، وقد يفكر الإسرائيليون فى التحرك نحو هذه المنطقة لمهاجمتها بقوات برية، وذلك بعد تطهير الطرق التى تؤدى إليها من جنوب لبنان وتأمين وادى البقاع نسبيا، والدخول إلى هذه المنطقة سيكون فقط إذا ما حتمت الضرورة ذلك، وعبر محورين للهجوم. الرابعة: وعندما يتم هزيمة حزب الله بشكل كامل يجرى انسحاب والقوات الإسرائيلية من لبنان فى ظل تسوية سياسية، ملقيا بمسؤولية الدفاع على عاتق الحكومة اللبنانية. الخامسة: ويتم كل ذلك فى ظل استمرار قدرة الولايات المتحدة على توفير الغطاء الكافى فى مواجهة المبادرات الدبلوماسية التى قد تخلق جوا دوليا غير مناسبا لاستمرار العمليات الهجومية الإسرائيلية، بهدف إيقافها، وهو ما يخلق مناخا دوليا متزايد الصعوبة بالنسبة لإسرائيل. وقد توجد اختلافات كثيرة عند تنفيذ ذلك، إلا أن هناك عناصر مهمة لا يمكن تبنيها وهى على النحو التالي:
1 - لا يمكن هزيمة حزب الله دون اقتحام مواقعه فى وادى البقاع على الأقل. 2 - فى بعض الأحيان سيتحتم التعامل مع عناصر المقاومة فى جنوب لبنان، بغض النظر عن كلفة ذلك. 3 - يجب قبول تحدى الهجمات الصاروخية لحزب الله على شمال إسرائيل، وحتى تل أبيب أيضا طالما أن الحملة الهجومية الإسرائيلية ماضية فى طريقها ولم تتوقف. 4 - وسيكون التحدى الحقيقى التى ستواجهه إسرائيل عندما تحاول قواتها الانسحاب من لبنان وهذا التحدى الرابع هو فعلا الحقيقى لان البنية الأساسية لحزب الله لا تسمح بأبادة قواته نهائيا.
فإذا ما انسحبت إسرائيل فإن حزب الله - أو أى منظمة ستخلفه - سيعيد تجميع وبناء نفسه مرة أخرى، وإذا ما بقيت إسرائيل فى جنوب لبنان فانه سينتهى بها الحال إلى الموقف المتورطة فيه القوات الأمريكية فى العراق. وهذا بالضبط ما يسعى إلى تحقيقه حزب الله، ومن ثم يمكن لإسرائيل أن تراهن على الزمن أو تقوم باحتلال جنوب لبنان وتدفع الثمن فى المقابل، وكان عليها أن تقرر أى الخيارين ستنتهجه فى تعاملها مع حزب الله. أما الحل الآخر هو أن تنقل عبء الاحتلال إلى قوة أخرى يهمها منع ظهور قوة عسكرية أخرى مناهضة لإسرائيل - كتلك التى صار إليها حزب الله. وتعتبر الحكومة اللبنانية هى البديل الوحيد الممكن لتحمل هذا العبء، ولكن يعيب هذا البديل أن هذه الحكومة ليست قادرة على ذلك، حيث تعكس فى تكوينها الانقسامات العميقة فى داخل المجتمع اللبناني. كما كان أمام إسرائيل خيار آخر، وهو توسيع نطاق الحملة العسكرية ليشمل الهجوم أيضا سوريا وهزيمة قواتها على أرضيها، وبإمكان إسرائيل فعل ذلك، إلا أن ما يعيب هذا الخيار أن النظام السياسى الذى قد يعقب نظام حكم الرئيس بشار الأسد ربما يكون أسوأ منه بالنسبة لإسرائيل، ويمكن لإسرائيل أن تتخيل إمكانية احتلال سوريا، ولكن ليس بإمكانها فعل ذلك، ذلك لأن مساحة سوريا كبيرة جدا، وقد تعلم العرب من العراقيين كيف يتعاملون بالمقاومة مع قوى الاحتلال، ومن ثم فليس باستطاعة سوريا التعايش مع نظام يخلف نظام الأسد، كما ليس باستطاعتها أيضا السيطرة على سوريا، ولذلك سيتعين عليها التعايش مع نظام الأسد، وهذا يعنى فى المحصلة النهائية أن احتلال إسرائيل لبنان سيجعل من سوريا مأوى للمتمردين ومصدر دعم لهم. لقد أصاب حزب الله إسرائيل فى مقتل، فلقد فكرت إسرائيل مليا أثناء المعركة وكذلك فى المحيط السياسي. وفى كل هذا كان هناك إما فشل فى الاستخبارات الإسرائيلية أو فشل سياسى فى الاستماع وتقييم تقديرات المخابرات حول الموقف ببعديه السياسى والعسكري، مما أدى بالقيادة العسكرية الإسرائيلية إلى دفع قواتها إلى ميدان المعركة بحذر شديد تخوفا من الخسائر البشرية التى تثير الرأى العام الإسرائيلي. وعندما قررت القيادة الإسرائيلية متأخرا جدا مع بداية الأسبوع الرابع القتال توسيع نطاق الحرب بشن هجوم شامل عبر أربعة محاور مركزة المجهود الرئيس للهجوم فى الشرق من كريات شمونة وعبر (اصبع الجليل) فى اتجاه الطيبة ووادى الخيام ثم شمال غرب وغرب شمال الليطانى وبحذاء النهر غربا فى اتجاه الساحل شمال صور، كان ذلك قبل صدور قرار مجلس الأمن بثلاث أيام فقط وهو ما لم يتح لهذه القوات أن تحقق أهدافها، خاصة بعد أن تكبدت خسائر جسيمة فى الناقورة وبياضة ولبونة وعلما الشعب ويارين وراس منصورى على المحور الغربى الساحلي، وفى عيتا الشعب وبنت جبيل وياردن ومارون الرأس على المحور الأوسط، وفى مرجعيون والخيام وكفر كلا وعدلة و بلاط والطيبة وقنطرة ومركبا وميس الجبل على المحور الشرقى الرئيسي. وكانت إسرائيل قد دفعت بعناصر مهندسين عسكريين قاموا بإزالة الألغام وإصلاح الطرق المدمرة، ومشاة للقيام بتدمير مواقع الصواريخ ارض / ارض والمضادة لدبابات وتطهير الطرق أمام تقدم المدرعات التى تستهدف تطويق جميع مواقع حزب الله فى الجنوب وذلك من شمال الليطانى لعزل مواقع الحزب فى الجنوب، وقد استخدمت إسرائيل نيران كثيفة جدا من الطيران والمدفعية للتمهيد لهذا الهجوم الذى بدأ فى اتجاهين: الأول فى اتجاه الغرب بالتوازى مع الليطاني، والآخر فى اتجاه الشمال داخل وادى البقاع حيث البنية الأساسية لحزب الله - وكنت فرقة (ناحال) هى المكلفة بمسؤولية الهجوم فى القطاع الشرقي، أما فرقة (جاليلي) فقد كلفت بمسؤولية الهجوم فى القطاع الغربي، على أن تكون مدينة (قانا) هى هدف الهجوم النهائى لفرقة ناحال بعد أن تنجح فى تطويق مواقع حزب الله شمال الليطانى وتتجه غربا فى اتجاه قانا، وذلك بعد أن تستولى على مدينة (طيبة) ذات الأهمية الاستراتيجية لقربها من الليطاني، وبذلك يمكن لإسرائيل أن تعلن للرأى العام أن قواتها وصلت إلى الليطاني، فى حين أن هذه النقطة لا تبعد عن الحدود بأكثر من 5 كم، بينما يبعد نهر الليطانى فى القطاع الغربى عن الحدود بحوالى 25 كم، كما تعتبر طيبة قاعدة لوجستية هامة للقوات المدرعة الإسرائيلية التى ستنطلق شمالا فى اتجاه البقاع، وعندما هاجمت القوات الجوية الإسرائيلية الطرق والكبارى والجسور على طول الحدود مع سوريا أعطت انطباعا بان ليس لديها نوايا للهجوم ضدها. إلا أن هذا المخطط الهجومى الموسع لإسرائيل ضد مواقع وقواعد حزب الله وبنيته الأساسية فى جنوب لبنان والبقاع والشريط الساحلي، لم يحقق أهدافه الاستراتيجية المنشودة من قبل القيادة الإسرائيلية لثلاث أسباب رئيسية:
السبب الأول: أنه جاء متأخرا جدا بعد أن أجهدت القوات الإسرائيلية، سواء العاملة التى قاتلت طوال ثلاث أسابيع فى معارك جادة فى عمق لا يتجاوز 2 - 3 كم أو قوات الاحتياط التى استمرت معبأة دون عمل لمدة ثلاث أسابيع وكانت تفتقر إلى احتياجات معيشية رئيسية مثل المياه والطعام مما اثر بالسلب فى الروح المعنوية لها وهو ما انعكس فى المذكرة الاحتجاجية التى قدمها ضباط وجنود الاحتياط إلى رئيس الوزراء ونشرتها الصحف الإسرائيلية. السبب الثاني: الخسائر الجسيمة التى تكبدتها هذه القوات فى عملياتها الأولية لتطوير الهجوم، خاصة لواء المظلات الذى تم أبراره فى وادى الخيام ومرجعيون، أضف إلى ذلك استمرار حزب الله فى قصف المدن الإسرائيلية بمعدلات عالية من الصواريخ 200 - 300 صاروخ فى اليوم وما أحدثه من ذعر وإرباك وانهيار للروح المعنوية بين الإسرائيليين وثورتهم على الحكومة. السبب الثالث: تدافع الضغوط الدولية على الولايات المتحدة - لاسيما من جانب فرنسا - بسرعة استصدار قرار من مجلس الأمن لوقف العمليات القتالية على الفور بعد الخسائر الجسيمة التى تكبدها اللبنانيون فى كل أنحاء لبنان من جراء القصف الجوى الإسرائيلى المكثف، الأمر الذى أدى إلى صدور القرار 1701 من مجلس الأمن والذى لم ينص صراحة على نزع سلاح حزب الله. انتهى ........................ http://acpss.ahram.org.eg |
|