بقلم : توم كوبر .
الطريق الي الحرب :
ترجع جذور ازمة السويس الي ان الانجليز والفرنسيين كانوا يرغبون في ابقاء قناة السويس تحت ايديهم ، بالاضافة الي العداء الذي طال بين اسرائيل من جانب وبين العرب من جانب اخر ، والذين كانوا قد اصيبوا بخيبة امل من نتائج حرب فلسطين عام 1948 ، بالاضافة الي ان الاسرائيليين ارادو تأمين موقف دولتهم الوليدة بشكل اكبر لكونها محاطه بالاعداء من جميع الجهات .
وعلي الرغم من وجود معاهدتين ، واحدة من العام 1936 ، والاخري يرجع تاريخها الي العام 1946 ، والتي كان من نتائجها انسحاب بريطانيا الكامل من مصر عام 1949 ، الا ان القوات البريطانية ظلت متمركزه بشكل جيد في قناة السويس في الخمسينات ، علي الرغم من المشاكل المتزايده بين انجلترا وبين حكومة الضباط الثورية الجديدة في مصر ، والذين وصلوا للسلطة عقب ثورة الثالث والعشرين من يوليو من العام 1952 ، ووقعت هذه الحكومة المصرية الجديدة معاهدة جديدة مع بريطانيا ، نصت علي جلاء جميع القوات البريطانية المتبقيه من مصر مع حلول العام 1956 ، وفي المقابل سيتولي الجيش المصري مسئولية الدفاع عن قناة السويس ، والتي يعتبرها البريطانيين من المصالح الحيوية بالنسبة لهم لان القناة هي الطريق التجاري للشرق الاوسط والشرق الاقصي ، ولذا كانت بريطانيا بطبيعة الحال هي مورد السلاح الوحيد للجيش المصري ، ولكنها أجلت اكثر من مرة شحنات أسلحة الي مصر وخصوصا الطائرات من طراز Vampire القاذفة و Gloster Meteor المقاتلة والتي كانت القوات الجوية المصرية قد طلبتها وتعاقدت عليها ، وكان البريطانيين يعطون الاوامر للمدربين الانجليز في سلاح الجو المصري بأن لايقدموا للطياريين المصريين سوي مهارات القتال الرئيسية فقط لا غير ، وفي هذه الاوقات كان التوتر يتزايد يوما بعد يوم بين مصر واسرائيل ، وكان البريطانيين يرون ان بهذا الشكل سيكون المصريين مضطرين للاعتماد علي مساعدتهم ، ولكن المصريين وعلي العكس من ذلك كان لديهم افكار اخري لتطوير قدراتهم العسكرية .
القاذفة Vampire المصنوعه في شركة FIAT الايطالية ، وصوره لها بعد وصولها الي مصر في محاولة مصرية للتهرب من حظر الاسلحة التي تفرضه بريطانيا عليها ، حيث اشتري المصريين هذه الطائرة من الايطاليين سرا ، وللتضليل تم رسم علامات سلاح الجو السوري عليها ، وحملت الثلاث طائرات الاولي ارقام 1524 و 1529 و 1540 ، وكتبت في البداية باللغة اللاتينية ثم بدلت الي العربية ، بينما لم يعرف الارقام التي منحت لباقي الطائرات ، والعلامة الرئيسية التي يمكن التعرف علي Vampire الايطالية من خلالها هي الطلاء الاسود في مقدمة الطائرة عند قمرة القيادة ، وهذا الطلاء لم تتم ازالته خلال الخدمة القصيرة التي قضتها الطائرة في الخدمة لدي المصريين ، فالمصريين اعتبروها قديمة في العام 1955 وارسلوها للكلية الجوية في بلبيس وقتها ، ودمرت بقيتها بسبب الغارات الجوية الانجلو-فرنسية في العدوان الثلاثي ، وجزء اخر اهداه المشير عبد الحكيم عامر للاردن بنفسه عشية العدوان الثلاثي علي مصر .
وفي سبتمبر من العام 1955 وفي الوقت الذي كانت مصر قد بدأت فعليا في استلام اعداد كبيرة من طائرات Vampire FB.52 المقاتلة من كل من ايطاليا وانجلترا ، كانت التوترات المتزايده بين مصر واسرائيل قد ادت الي قيام مصر بفرض حصار بحري علي مضيق تيران ومنعت جميع السفن المتجهه الي اسرائيل عبر البحر الاحمر من الوصول ، وكان هذا امرا خطيرا بالنسبة لاسرائيل ، فميناء ايلات هو موقع استراتيجي بالنسبة لها بتم استيراد النفط من خلاله ، ولهذا السبب بدأ الجيش الاسرائيلي في استعداده لشن هجوم ضد القوات المصرية في سيناء ، ومع ذلك فأن مع مرور بعض الوقت اتضح للاسرائيليين انهم بمفردهم لن يكون في مقدورهم ان ينتصروا في هذه الحرب بسبب افتقادهم الي لطائرات مقاتلة حديثة ، والمصريين كذلك كانوا يرون انهم غير جاهزين للحرب ، مع وجود رغبة لديهم ليس فقط في زيادة قوتهم ولكن ايضا من اجل " تطويرها " ، وطل البريطانيين في عادتهم في تسليم الاسلحة بصورة متقطعه ، فقام الرئيس جمال عبد الناصر بطلب المساعدة والسلاح من الولايات المتحدة الامريكية ، وفي نهاية الامر وجد المصريين أنفسهم علي الجانب الاخر تماما مع تشيكوسلوفاكيا والاتحاد السوفيتي .
وفي 27 سبتمبر من العام 1955 ، أعلنت القاهرة عن ابرام عقد مع براغ للحصول علي 86 مقاتلة اعتراضية من نوع ميج-15 وميج-15 UTI ، و 39 قاذفة اليوشن Il-28 ، و 20 طائرة نقل اليوشن Il-14 ، و20 طائرة تدريب Avia C-11 ، بالاضافة الي 200 دبابة من طراز تي-34 ، وأسلحة ومعدات اخري ، وبعد مرور بضعة ايام فقط بدأ المدربين التشيكيين والسوفييت في الوصول الي مصر ، ولم يستغرق الامر وقتا طويلا حتي طلبت مصر طلبية جديدة رفعت بها اعداد الميج-15 المطلوبه الي 100 مقاتلة ، وطلبت لاول مرة طائرات MiG-17s .
صورة للعرض الذي أقيم علي الارجح في سبتمبر 1956 في مطار ألماظة ، وعرض فيه جميع انواع الطائرات الجديدة التي تم شرؤاها من التشيك والاتحاد السوفيتي ، ونجد في اتجاة عقارب الساعة 12 ، طائرة MiG-17F وبجوارها مقاتلة MiG-15bis ثم القاذفة Il-28 ، فطائرة التدريب Yak-11 ثم Zlin 226 وطائرتين مروحيتين مي-1 .
وكان وصول الميج-15 لمصر قد بدأ يغير الوضع الاستراتيجي في المنطقة بشكل كبير ، بعدما كانت القوة الغربية تحاول ان تبقي هناك نوع من التوازن العسكري في الشرق الاوسط بين كل من العرب واسرائيل من خلال تقديم اسلحة قديمة لكلا الطرفين ، ولكن الان اصبح هناك جوانب اضافية مهمة جدا فالمصريين يدعمون المقاومة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي وبالتالي فأن القاهرة تكسب عداء باريس ، وبالتالي لم يستغرق الامر وقتا طويلا حتي تأسست علاقة جيدة بين فرنسا واسرائيل ، وفي غضون اسابيع قليلة وصل وفد اسرائيلي الي فرنسا لاختبار عدد من المقاتلات ، والتي كانت في خطوط انتاج شركة " داسو " الشهيرة " ، والتي كانت وقتها تنتج مقاتلة تسمي Ouragan ، وتعمل علي تطوير طائرات الميستير للطراز Mystére II ، طائرات الميستير لم تكن جاهزة ، كما ان الاسرائيليين اعتبروها غير مرضيه لهم ، ولذا تم اتخاذ قرار بالحصول علي 12 مقاتلة Ouragan ، ولم تكن هذه المقاتلة تضاهي مقاتلات MiG-15s ، ولكن الاسرائيليين اعتبروها فرصه لكي يتدربون علي مقاتلات فرنسية انتظارا للحصول علي أفضل المقاتلات الفرنسية قريبا .
صف من طائرات Ouragan الاسرائيلية ، يبدو فيه بعض الطائرات قد تم تمويهها وطائرات اخري لم يتم اضافة التموية اليها ، ولقد اعجبت الطائرة الاسرائيليين بفضل قدرة المناورة الممتازة التي اثبتتها وكذلك لكونها منصة جيدة لاطلاق النيران ، مما دفعهم لعقد صفقة للحصول علي 24 طائرة اضافية بعد الحرب .
وفي وقت سابق علي ذلك ، قامت بريطانيا باعادة تسليم مقاتلات Meteor التي أخرتها الي مصر في محاولة يائسة لجلب مصر الي جانبها مرة اخري ، ففي مطلع العام 1955 كانت بريطانيا قد سلمت 6 مقاتلات جديدة لمصر ، وهذه المقاتلات مكنت مصر من انشاء سرب ليلي ، وايضا عدلت الاوامر للمدربين الانجليز الذين بقوا في مصر بأن يتم تحسين تدريب الطياريين المصريين ، ومع ذلك كانت كل هذه الجهود متأخره ، ووصلت اول مقاتلات الميج-15 الي مصر في اكتوبر من العام 1955 ، ودخلت الميج-15 الخدمة في سرب 1 وسرب 30 في القوات الجوية المصرية بقاعدة الماظة الجوية بالقرب من العاصمة القاهرة ، في نفس الوقت الذي بدأ السرب 9 في تسلم قاذفات Il-28 .
تشكيل من خمسة قاذفات مصرية Il-28 ، شوهدت وهي تحلق علي ارتفاع منخفض فوق القاهرة في احتفال في سبتمبر من العام 1956 ، وكما يبدو فأن هذه القاذفات لم تكن اعطيت ارقام مسلسله وقتها ولكن كان يرمز اليها بحروف مثل E, F, N .
ولكن هذا التدفق للميج والاليوشن سبب العديد من المشاكل بالنسبة للمصريين ، فلسنوات ظلت تدريبات الطياريين المصريين متخلفة ، وكان هناك عدم علم بكيفية استخدام الطائرات الجديدة عمليا ، وتدريب الافراد عليها ، وكانت القيادة العليا للجيش المصري علي بينة من هذه المشاكل ، ولكنها كانت مؤمنه بالقدرة علي حلها فقط اذا توفر الوقت الكافي لذلك ، ولكن علي مايبدو كان المصريين علي موعد مع قلة الوقت الذي كان يحتاجونه بشده ، فمع مطلع العام 1956 كانت العلاقة بين فرنسا واسرائيل قد وصلت الي نقاط ستجعل فرنسا تزيد من قوة الجيش الاسرائيلي بالكامل وبشكل كبير جدا ، وفي 18 من شهر مايو حصل الاسرائيليين اخيرا علي احدث نسخ الميستير Mystére IV ، وبدأت القوات الجوية الاسرائيلية في تأهيل طياري طائرات Ouragan ليكونوا هم قادة الميستير الجدد .
وفي غضون أشهر قليلة لم يبقي التعاون بين فرنسا واسرائيل في حدود دولة تصدر افضل مالديها من سلاح لدولة اخري ، بل بدأ الاثنين في التخطيط لحملة لغزو قناة السويس المصرية ، ولم تمر سوي ايام قليلة حتي وصلنا لشهر أغسطس وارتفع عدد طائرات الميستير مع 36 طائرة اضافية بخلاف الصفقة الاولي ، وست طائرات Ouragan ، كما تم شراء ثلاث طائرات انجليزية Gloster Meteor .
Mystére IVA من السرب 101 في القوات الجوية الاسرائيلية ، وصورة قبل فترة قصيرة من العدوان الثلاثي ، او " حملة السويس " كما يسميها الاسرائيليين ، ومع دخول هذه المقاتلات الي سلاح الجو الاسرائيلي ، نجحوا اخيرا في التساوي مع القوات الجوية المصرية ، وربما تفوقوا عليها بفارق
ضئيل .
في يونية 1956 غادر اخر جندي انجليزي ارض مصر ، ولم تكن الحكومة الانجليزية في لندن راضيه علي هذا الوضع ، ولكن ماحدث بعد ذلك ان مصر وجهت ضربات قوية متتابعة للجميع بعد هذا الجلاء عنها ، فبعد شهر واحد علي الغاء الدعم الامريكي لمشروع بناء " السد العالي " في اسوان ، قام الرئيس المصري " جمال عبد الناصر " بالرد بتأميم شركة قناة السوس والتي تسيطر علي هذا الممر المائي المهم من الناحية الاستراتيجية ، وتسبب هذا القرار المصري في صدمة لبريطانيا ، وعلي الفور بدأت الاستعدادات لغزو مصر مجددا ، وكانت فرنسا مهتمه جدا بأن تكون شريكة في هذا الغزو ، وهكذا خرج الي حيز الوجود العملية المشتركة لغزو مصر والتي سميت في البداية بأسم " عربة القطار " ، واستدعي للقيام بها 80 الف مقاتل ، وفي البداية تم التخطيط للعملية بأن يتم اولا الاستيلاء علي الاسكندرية ومن ثم تنزل القوات وتسير الي العاصمة القاهرة وتدخلها ، ولكن هذه الخطة تم تعديلها وتم الاتجاة الي ان يتم الغزو في منطقة القناة ، مع فرض سيادة جوية فوق سماء مصر بالكامل .
وكان الهدف النهائي من وراء هذا الغزو هو ازالة حكومة " جمال عبد الناصر " نهائيا ، وبعد العديد من التغييرات علي الخطة ، ظهرت الخطة الجديدة والتي حملت أسم " الفارس " ، والتي كانت تتكون من مرحلتين ، فما هي هذه المراحل ؟ وماهي كيفية تنفيذها ؟ وماذا حدث بعد ذلك ؟ هذا ما سنعرضه في الجزء الثاني من الملحمة ، ويرجي الالتزام في التعليقات بحدود الجزء الذي وصلنا اليه كي لايحدث تضارب بينها وبين ماسيتم ذكره في الاجزاء القادمة باذن الله ، اعول علي تفهمكم .
acig