من تابع التقارير و التصاريح الصحفية لقوات التحالف قبيل حرب 1991 كان يجد نبرة احترام كبيرة جدا للجيش العراقي. و انه عددا و عدة من اكبر جيوش العالم. و قواته متمرسة بالحروب. و لكن لو سألت عن عدد قوات الجيش المتوقع ان تحارب لوجدت عدة اجابات! و لم يكن اي منها الجواب الصحيح حتى بعد نهاية المعارك البرية. نناقش ادناه بعض جوانب تقدير قوات العدو.
يعود اخر تقدير موثوق للامريكان عن تشكيلات الجيش العراقي و عدد قوات كل تشكيل الى حرب عام 1988. و من فم العراقيين وقتها. و كان التقدير ان جيش العراق بدأ من 12 فرقة بعدد 350 الف مقاتل عام 1982 ليصير 56 فرقة بعدد 1.1 مليون بعيد انتهاء تلك الحرب الطاحنة.
في العامين بين 1988 و 1990 انشغلت المخابرات الامريكية عن هذا الجيش بأمور اخرى. و لغاية اول شهرين من الغزو كانت ارقام عام 1988 تستخدم في الحسابات العسكرية.
تبين في ما بعد ان الجيش العراقي اعيد تشكيله و تنظيمه. فالفرقة التي كانت تحوي 20 الف مقاتل لحرب الخطوط و المواضع الثابته مع ايران صارت تحوي نصف العدد. و قد زاد العراقيون من حيرة الامريكان عندما غيروا مواضع الحرس الجمهوري و ارجعوه للخلف تاركين مكانه قوات الجيش على الخط الاول.
و قليلا قليلا، بدأت الصورة تتضح اكثر لدى الجيش الامريكي، من صور الاقمار الصناعية الى القليل من الاتصالات اللاسلكية التي تم رصدها. مثلا بدل 8 قطع مدفعية في الكتيبة لا حظ الامريكان انها تقتصر على 6 فقط. و السبع دبابات في السرية تم تخفيضها الى 4.
و لكن صور الاقمار الصناعية لم تساعد كثيرا في حال حركة القطع او اعادة انتشارها، اضافة الى الحاجة للاقمار الصناعية لتصوير اضرار القصف. مما ادى لفقدان المحللين الامريكيين لأثر وحدات كاملة من الجيش العراقي!! اضافة لذلك، منعت واشنطن تحليق طائرات التجسس قبل يناير 17. و مرة اخرى تحسر الامريكان على احالة الطائرة SR-71 على التقاعد. تلك الطائرة التي كانت قادرة على مسح ممر طوله 50 كم اثناء طيرانها.
في منتصف يناير، كان تقدير البنتاغون ان مسرح عمليات الكويت يحوي 43 فرقة بمجموع 540000 جندي. و باقي 24 فرقة معظمها مجندين و ليست على نفس المستوى القتالي موجودة شمال نهر الفرات. اما تقدير الجيش فكان حوالي 450 الف جندي الى نصف مليون.
حتى اثناء القتال، كان هناك مشكلة في فهم تركيبة فرق المشاة للحرس الجمهوري. حيث كان الفيلق السابع يظن ان هناك فرقتان مشاة امامه (31 و 47) و لكن تبين فيما بعد ان الفرقتين غير موجودتين في الكويت! اضافة الى اخطاء في تسمية 4 فرق مدرعة عراقية.
و حتى بعد نهاية الحرب كان شوارتزكوف يعلن ان قواته تواجه تفوقا عدديا بنسبة 2:3 و كان يصر على ان عدد القوات العراقية في الكويت تجاوز 600 الف!
و كان من الواضح ان الولايات المتحدة فشلت في اختراق العراق امنيا. و لم يكن لديها شبكة جواسيس على الارض بحيث لم تدرك اجهزتها ان معظم وحدات الجيش العراقي لم تكن كاملة العدد. و ازداد الامر سوءا بعد 5 اسابيع من القصف.
اما الاقمار الصناعية التجسسية و طائرات التجسس فقد كانت مفيدة لمعرفة المعدات الموجودة للقوات العراقية. و لكن الصور تعطي انطباع بوجود معدات سليمة بنسبة 25% اكثر مما هو موجود. و الصورة التي تظهر كتيبة مدفعية لا تظهر ان الجنود قد تسربوا من الخدمة!
اضافة لذلك كانت الهالة التي احيط بها الجيش العراقي مصدرا اخر لزيادة الحيطة و الحذر، حتى لجيش بمستوى الجيش الامريكي كان يتدرب لقتال جيش بمستوى الجيش الاحمر، و هو عدو اعلى سوية من الجيش الايراني. و بالتالي كان هناك خطأ مزدوج في تقدير العدو، العراق استهان (او على الاقل صدام حسين، و هو صاحب اهم رأي في البلد كلها) بالجيش الامريكي، و الجيش الامريكي استهاب مواجهة الجيش العراقي.
ماذا كان تأثير هذا الافراط في الحذر؟ كان له اثر مادي و سياسي و اعلامي كبير. كمثال على الاثر المادي، فقد بالغ شوارتزكوف في طلب القوات بشكل انعكس عليه لوما و تقريعا بعد نهاية الحرب. و مثال ذلك طلب مضاعفة عدد القوات، و كذلك احضار 220 الف قذيفة دبابات (لم يصرف منها اكثر من 2%).
اما الجواب النهائي عن عدد القوات العراقية في مسرح الكويت؟ فقد بينت الحسابات النهائية ان العدد الاصلي كان 362 الف اصيب او قتل منهم 26 الف و هرب 153 الف ليصفي امام الجيش الامريكي 183 الف مقاتل عراقي. فهل كان يحتاج اخراج هذا العدد الى 700 الف مقاتل من التحالف؟
و كانت السهولة التي حسمت بها الحرب عاملا كبيرا في اطفاء حماس الامريكيين للحرب. فقد تم شحن الشعب تحضيرا للملحمة و في النهاية كانت لاشيء. و كان هذا احراجا كبيرا للمخابرات الامريكية.
كانت هذه هي عقلية الجنرال شوارتزكوف اثناء الايام الاخيرة قبل الحرب البرية. و بعد تحديد يوم 24 بدأت طلبات قادة الجيوش بالتأجيل تتوالى. فالجيش يريد وقتا لاكمال تحركه الاستراتيجي غرب الكويت و شمال السعودية، و قادة المارينز يريدون المزيد من الوقت للتمرن لخرق خط الدفاع العراقي. و الطيران طلب يومين مهلة قبل ساعة الصفر ليضرب العراقيين مرة اخرى لكن تقارير الجو تنبئ بجو عاصف يوم 24. و عليه اتصل شوارتزكوف بكولن باول طالبا منه مهلة اضافية بضعة ايام لحل هذه المشاكل.
تضايق كولن باول، و هو يعرف بحكم خبرته ان اي طلب تاجيل سوف تتبعه طلبات اخرى. فببساطة لا يوجد يوم مثالي للقتال. و هناك دائما حاجات و متطلبات لسدادها. و وجد صعوبة كبيرة في اقناع مستشار الرئيس ديك تشيني في الموضوع. الذي كان يريد بدء العمليات العسكرية قبل ان يسنح الوقت للعراق بقبول قرار الامم المتحدة او البدء بالانسحاب. و هنا يظهر تباين الاهداف. فالجنرال الامريكي يريد حماية قواته و السياسي الامريكي ينظر للهدف الاكبر من الحرب: تدمير قدرات العراق الهجومية. و نشبت عراك لفظي بين شواتزكوف و باول الذي لم يكن الطرف الهادئ هذه المرة و بادل شواتزكوف صياحا بصياح قبل ان يهدأ الجنرال الامريكي و يعتذر و يظهر ما يبدو انه بدأ يتعب فعلا تحت ضغوط العملية. و قال له شواتزكوف، ستحصل على التأجيل لو اصررت عليه، لكني اريد اسبابا مقنعة. و ماهي الا ساعات حتى ابلغ شواتزكوف باول ان التنبوء الجوي تغير و صار الجو مناسبا للاسناد الجوي القريب. بقي امر اخير: طلب شواتزكوف ابعاد المخابرات الامريكية عن سير العمليات تماما. و السبب ان تقديراتهم لحجم الدمار اقل بكثير مما حسب الجيش الامريكي. و بدأت اخبار التضارب في الارقام تصل الصحافة. و تم عمل لقاء مشترك بين الطرفين لم يصل لنتيجة. و في النهاية اعلن تشيني انه يقف الى جانب تقديرات الجيش و ان على المخابرات الامريكية ترك هذا الملف نهائيا.
حسم الملف العسكري و بقيت ساعة الصفر يوم 24 فبراير و جلس العسكريون في خنادقهم و غرف عملياتهم ينتظرون قدرهم. لكن كان هناك في الافق بوادر حل سياسي للازمة مما كان سيقوض الحملة العسكرية كاملة. و هو ما شد انتباه العالم الى زيارة طارق عزيز لموسكو فقد كانت فعلا اللعب في الوقت بدل الضائع، و الامل الزائف الذي تمسك به محبو السلام و محبو العراق و اصدقاؤه على امل ان تحصل المعجزة.فماذا حصل في موسكو؟
R. Atkinson