مع بقاء ايام على بدء الحرب البرية. حصل ما كانت واشنطن تقلق منه: اختراق سياسي للأزمة. فقد وصل طارق عزيز الى موسكو يوم 18 فبراير. و قد عرض عليه غورباتشوف اتفاق نيابة عن التحالف الدولي (و كانت هذه خدعة دبلوماسية، حيث لم يكن للرئيس السوفياتي مثل هذا التفويض). و كان العرض كالتالي:
1- بدء انسحاب العراق الفوري من الكويت (مع مهلة 6 اسابيع لاكمال الانسحاب)
2- ضمانة سوفيتية بنجاة صدام حسين و نظامه
3- عدم دفع العراق اي تعويضات
4- معالجة مشاكل المنطقة العالقة مثل القضية الفلسطينية
"الوقت حساس جدا, و لو كنتم تهتمون لمصير بلدكم و شعبكم فيجب التصرف بدون تأخير" قال الزعيم السوفياتي.
و بدون تأخير، طار عزيز للعراق، و ابرق غورباتشوف 3 صفحات لواشنطن تتضمن تفاصيل الصفقة.
اول ما لفت انتباه مستشاري الرئيس هو المهلة الطويلة لصدام حسين. و جاء الرد يوم 19 فبراير بأن
1- وقف اطلاق النار لن يتم بدون ان يوافق العراق على انسحاب خلال 4 ايام (و هو ما يضمن ان يترك العراق كل ترسانته الثقيلة في الكويت).
2- الافراج عن كل اسرى الحرب
3- اعطاء خرائط الالغام.
و تعمد الرئيس ان يوجه اهانة دبلوماسية بوصف المقترح الروسي بأنه اقل بكثير من المطلوب (في الاعراف الدبلوماسية لا يحق له التكلم بهذا الاسلوب كون المقترح ليس من بنات افكار الامريكان).
مع تعليمات جديدة من بغداد، عاد عزيز لموسكو يوم 21 فبراير. و ذهب للكرملين فور وصوله للمطار. و هناك عرض الموقف العراقي:
1- يقبل العراق بالانسحاب الغير مشروط
2- يقبل العراق بالافراج عن كل الاسرى
3- رفض العراق الجدول الامريكي للانسحاب. و طالب ان ترفع الامم المتحدة العقوبات بعد سحب ثلثي القوات العراقية.
و كان دور بريماكوف في النقاش. حيث اشار الى ان العراق تمكن من احتلال الكويت خلال ساعات! افلا يستطيع الانسحاب بسرعة؟ و رد عزيز ان الكويت احتلت بفرقتين و لكن الامارة تعج بمئات الوف الجنود العراقيين حاليا و اكد ان العراق يحتاج 6 اسابيع لاكمال المهمة. و قال غورباتشوف: الوقت اللازم للانسحاب يجب ان يكون ضمن الحد الادنى المعقول.
بعد انتهاء الاجتماع فجرا خرج فيتالي اغناتوف، المتحدث الرسمي باسم الكرملين على الصحافيين و قال لهم ان نتائج الاجتماع كانت ايجابية للغاية و عدد نقاط الاتفاق مع ابقاء موعد الانسحاب مبهما.
هذا السرور لم ينعكس في واشنطن. حيث كانت المساء في اوله، و بعيد المؤتمر الصحفي في موسكو تلقى بوش اتصالا من غورباتشوف. و الح على بوش ان يتم تنقيح مسودة اتفاق خلال نهاية الاسبوع بدون وضع موعد نهائي امريكي. و قد ظهر موقف عزيز بقبول الانسحاب غير المشروط متناقضا مع خطاب لصدام اذاعه راديو بغداد قبلها بساعات الذي كان مليئا بالتحدي و كلام مثل رفض الظلم و العدوان.
و قال بوش للرئيس السوفياتي ان الاقتراحات لا تزال بعيدة عن قرارات مجلس الامن ال12. حيث ان الانسحاب العراقي الغير مشروط هو بند واحد فقط. و انتهت المكالمة بعد ان وعد غورباتشوف بمزيد من التفاوض مع العراقيين.
نظر بوش الى مستشاريه، و قال لهم: بدأت الامور تفلت عن السيطرة من الناحية السياسية. و خرج للعشاء و حضور مسرحية مع بعض القادة و عاد بعدها ب 3 ساعات ليجتمع مع فريقه الدبلوماسي. مع بقاء اقل من 48 ساعة على المعارك. كان من الضروري وقف كل اشكال المساعي الروسية قبل ان تمنح العراق نصرا سياسي يعمي الابصار على الهزيمة العسكرية المحتمة. و هو ما اسماه فريق الرئيس (الانتصار الناصري - نسبة لعبد الناصر). و لكن الرئيس كان قلقا ان يسبب رد فعل قوي من الطرف الامريكي على المساعي الروسية الى توتير العلاقات مع موسكو. و عليه اقترح حل جديد باعطاء العراق مهلة جديدة خلال اقل من 40 ساعة من وقته (اي 8 ساعات قبيل بدء العمل البري) ليعلن وقف اطلاق النار و يبدأ انسحابا ينتهي خلال 4 ايام. و قالوا لغورباتشوف: اما ان تحصل على نوبل للسلام لو انسحب العراق و اوقفت الحرب، او ان ندمر الجيش العراقي.
خلال ساعات من التشاور مع التحالف كان المقترح في صيغته النهائية:
1- قبول الانسحاب قبل السبت.
2- الانسحاب الكامل خلال اسبوع (الحت بريطانيا و فرنسا على هذا الشرط ليكون معقولا بشكل كاف للعراقيين، و اشارت حسابات البنتاغون انها مهلة كافية لسحب نصف الاليات العراقية الثقيلة فقط و خمس الذخيرة في مسرح عمليات الكويت).
3- الانسحاب من مدينة الكويت و تحرير الاسرى خلال يومين
4- الانسحاب الفوري من الخط الدفاعي على حدود الكويت مع السعودية
5- توفير خرائط الالغام
6- بمجرد ان يعلن العراق قبوله سيتم ايقاف الغارات الجوية لمدة ساعتين للسماح للعراقيين بالبدء بتنفيذ الشروط و هذا الايقاف سيستمر طالما كان العراقيون ينفذون انسحابهم
و قد اعلن بعض المستشارين ان حتى الجدول بهذا الشكل قد يعطي صدام فرصة ان يقول لشعبه: انسحبت بارادتي و نجحت بتحدي الامريكان. و كان رد مستشار اخر انهم كانو سيكنون فرحين بهذا الاتفاق لو تم قبل 6 اسابيع. و سأله سكوكروفت: الست قلقا من الحرب البرية؟
قال: لا. سوف تنتهي الحرب البرية بسرعة. و في نفس الوقت كان بوش يناقش الرئيس الفرنسي ميتران و الذي كان يرى منح العراق 3 ايام لقبول العرض الامريكي. و فيما كان الرئيس يحاول الرد دخل تقرير جديد من المخابرات المركزية ان العراق بدأ باشعال ابار النفط الكويتية في الشعيبة و ميناء الاحمدي و كان التقدير بان هناك 150 بئر نفط يحترق. و كان هذا ما احتاجه بوش ليقنع ميتران بقبول الوقت الاصلي بسبب اتباع بغداد سياسة الارض المحروقة في الكويت. ومرة اخرى ينقذ العراق التحالف من ازمة دبلوماسية! و خلال ساعات اتصل شوارتكوف بقادة الفرق و قال لهم: وصلنا التفويض النهائية.
R. Atkinson - Crusade