أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
موضوع: رد: قراءة فى رسائل نابليون فى مصر الثلاثاء 8 نوفمبر 2016 - 19:47
قراءة فى رسائل نابليون في مصر (9): إنشاء مسرح وعروض فنية في القاهرة لإرضاء المصريين
أنتقى من رسائل نابليون هذا الأسبوع الرسائل التى كانت تعكس طريقة إدارته لمصر خلال فترة الاحتلال الفرنسى. وحسب مرسوم أصدره نابليون فقد كان على كل إقليم فى مصر أن يرسل إلى القاهرة وفداً يعينه جنرالات الأقاليم يتكون من ثلاثة فقهاء فى الدين وثلاثة تجار وثلاثة فلاحين من شيوخ البلد وثلاثة من الأعراب. وقد تحدد لاجتماع ممثلى الأقاليم يوم أول أكتوبر 1798، ولكنه تأخر إلى يوم 5 أكتوبر بسبب تأخر وصول بعض الوفود. ونتيجة لذلك كتب نابليون إلى مديرى الديوان العام، حيث مقر الاجتماع، يوم 4 أكتوبر، يقول: إن الهدف من دعوة الديوان العام هو محاولة أن يتعود وجهاء مصر على ثقافة الاجتماعات العامة والحكم. يمكنكما أن تقولا لهم إننى استدعيتهم كى أسترشد بنصحهم، ولأعرف منهم ما يجب عمله لإسعاد الشعب، وما يجب أن يعملوه هم أيضا إذا كان لديهم الحق. وهو حق أن يعطوا لنا فتح مصر. إن مهمة الديوان العام هى معرفة:
1ـ ما هو التنظيم الأمثل الذى يجب أن تكون عليه دواوين الأقاليم، وما هى الرواتب التى يمكن أن تدفع لأعضائه.
2ـ ما هو التنظيم الأمثل لجهاز العدالة المدنية والجنائية.
3ـ ما هى القوانين التى يجدونها أنسب من أجل تنظيم الميراث وإلغاء النظام التعسفى الموجود حاليا.
4ـ ما هى أفضل الأفكار التى يمكن أن يقدموها من أجل إنشاء نظام للملكية وجباية الضرائب.
عليكما (الكلام موجه لمديرى الديوان العام) تعريفهم أننا نريد أن نقوم بكل ما فى استطاعتنا من أجل سعادة هذه البلاد الذى أتعسه وأثقله النظام السيئ للضرائب وما يدفعه الشعب فعلا. وعليكما بتنظيم المجلس بالشكل التالى: رئيس ونائب رئيس وسكرتيران مترجمان وثلاثة مراقبين على أن يجرى تعيينهم جميعا بالتصويت فى جلسة مهيبة. فى كل المناقشات لابد من تسجيل ملاحظات من يتميز منهم، إما بتأثيره على الآخرين أو بمهارته فى العمل. نابليون
وتعكس الرسالة 3410 بتاريخ 7 أكتوبر 1798 اهتمام نابليون بنشر الفن، فيكتب إلى «تاليان»، مدير إدارة العقارات القومية بمصر: بما أننى أعطى أهمية كبرى لإنشاء مسرح وأماكن للترفيه فى القاهرة، أرجو تكليف (ذكر أسماء عديدة) بأن يقوموا ببحث وسائل إنشاء قاعة للعروض الفنية بالقاهرة واستقدام الممثلين ليقدموا العروض، على أن تختار هذه اللجنة حديقة يجرى فيها مرة كل عشرية عرض للألعاب النارية ومرتين كل عشرية يقام فيهما عرض للأضواء. نابليون
وينقل المؤرخ عبدالرحمن الرافعى عن «عبدالرحمن الجبرتى» أن نابليون كان يهدف من هذه الحفلات التى يقيمها إلى جانب كسب قلوب المصريين أن يحجب عن الشعب أثر النكبة التى حلت بأسطوله فى أبوقير، فشارك نابليون المصريين الاحتفال بعيد وفاء النيل والاحتفال بالمولد النبوى. إلا أن تأثير هذه العروض والاحتفالات لم يحقق الغرض الذى كان يهدف إليه نابليون، فظل شعور العداء فى نفوس المصريين متربصاً بنابليون.
وأعود إلى رسائل نابليون فنجده فى الرسالة 3411 بتاريخ 7 أكتوبر 1798 يكتب إلى «الجنرال فيال» قائد دمياط: لقد حان الوقت أيها المواطن الجنرال أن تكون لدمياط إدارة كباقى إدارات الجيش. إنه الإقليم الوحيد الذى لا يصنع فيه الخبز، ولا تنفذ فيه أوامر المدير الإدارى العام وإدارة المالية.
وفى يوم 9 أكتوبر يكتب إلى «الجنرال دوجوا»، قائد إقليمى المنصورة ودمياط: يجب أن توضح فى منشورك الموجه إلى سكان المنزلة والقرى الأخرى بإقليمك أنك ستأخذ رهائن من كل القرى وستنزع السلاح وتصادر ممتلكات حسن طوبار (الذى قاد المقاومة ضد الفرنسيين ثم هرب مع أسرته إلى غزة)، وقم بتعيين شيوخ البلد فى هذه القرى من المعارضين لحسن طوبار. نابليون
ويسجل نابليون اهتمامه بدمياط بالذات فيكتب إلى «الجنرال دوجوا» يوم 15 أكتوبر: عليك أيها الجنرال المواطن أن ترحل إلى دمياط، فهى المدينة التى تضم- بعد القاهرة- أكبر مصدر للدخل. ولذا أرجو أن تجد فرقتك منها المزيد، وأن تستطيع دفع العمل فى التحصينات.
وفى نفس اليوم 15 أكتوبر يكتب نابليون رسالة إلى «الجنرال فوجيه»، قائد إقليم الغربية، رسالة رقم 3467: إنه لمن الضرورى أيها الجنرال المواطن أن تكن أكبر احترام لقرية طنطا، لأنها موضع تبجيل لدى المسلمين، ويجب على وجه الخصوص تجنب كل ما يمكن أن يدفع هؤلاء إلى الشكوى من أننا لا نحترم تقاليدهم ودينهم. نابليون (الاهتمام بطنطا، حيث ضريح السيد البدوى، وكان السكان قد رفضوا دفع أى نوع من الجباية).
ويبدو أن الأحداث تطورت سريعا فى طنطا، فيكتب نابليون إلى «الجنرال فوجيه»: لقد علمت بكل الأسى أيها الجنرال المواطن ما حدث فى طنطا. إننا نريد أن نحترم هذه المدينة، وسوف أعتبر أنه من أعظم الشر أن يتم تخريب هذا المكان المقدس لدى كل الشرق. سأكتب إلى سكان طنطا، وسوف أطلب من الديوان العام أن يكتب إليهم أيضا. نابليون
موضوع: رد: قراءة فى رسائل نابليون فى مصر الثلاثاء 15 نوفمبر 2016 - 18:21
قراءة فى رسائل نابليون من مصر (10) : المصريون يثورون على نابليون.. فيضرب الأزهر
ما كاد نابليون يطمئن إلى توطيد سلطته فى القاهرة، ورغم الاحتفالات التى حاول أن يجذب بها المصريين، إلا أنه فى جانب آخر فرض عليهم ضرائب فادحة وابتكر نظام الجباية مقدما على سبيل «السلفة» من ضرائب مستقبلة. وأخذ خيول وجمال وثيران وسلاح المصريين. وكان جنوده يفتشون المنازل ويكسرون الدكاكين ويأخذون ما يجدون فيها ويُخرجون كثيرا من أصحاب البيوت من بيوتهم بحجة حاجتهم إليها، كما هدموا كثيرا من المبانى والآثار والمساجد بحجة تحصين القاهرة.
لكن أكثر ما أغضب المصريين قيام الفرنسيين بانتهاك نظام سار المصريون طويلا عليه، وهو وجود أبواب للحارات يغلقونها ليلا، فتصير كل حارة فى مأمن من اعتداء اللصوص، فجاء الفرنسيون وهدموا هذه الأبواب وأصبحت الحارات بذلك مفتوحة على بعضها، ما جعل المصريين يشعرون بأنهم ينامون مكشوفين لا يحميهم غطاء.
يُضاف إلى ذلك إسراف الفرنسيين فى قتل الناس لإدخال الرهبة فى قلوب الأهالى وحَملِهم على الخضوع والإذعان. كل هذا زرع فكرة الثورة فى أذهان المصريين، وراحوا يعدون لها حتى انفجرت يوم 21 أكتوبر 1798.
تظهر أخبار هذه الثورة فى رسائل نابليون لأول مرة فى رسالته 3532 بتاريخ 23 أكتوبر من مقر قيادة نابليون فى القاهرة إلى الجنرال «مارمون»، قائد القوات الفرنسية فى البحيرة، الذى يقول له نابليون: «لقد وقع هنا أمس وأمس الأول الكثير من الإزعاج، ولكن كل شىء هادئ اليوم. لقد قُتل الجنرال (دوبوى) فى أحد الشوارع فى بداية الثورة، وقُتل (سولكوفسكى) صباح أمس، واضطررت إلى أن أطلق القنابل والقنابل الحارقة على الجامع الكبير (الجامع الأزهر)، وذلك لإخضاع حى تمترس فيه الأهالى، وكان لهذا تأثير بالغ، فقد سقط على المسجد (يقصد الجامع الأزهر) 15 قنبلة حارقة، وسقط من بيننا من 40 إلى 50 قتيلا. لقد تلقت المدينة درسا لن تنساه على ما أعتقد لزمن طويل.
بونابرت».
وفى نفس اليوم، كتب نابليون رسالته 3533 إلى الجنرال مينو قال له: «لقد ثار عدد من أحياء القاهرة أمس وأمس الأول. وعندما حاول الجنرال (دوبوى) ومعه 7 أو 8 من النود فض مشاجرة، أصيب بضربة رمح، وكنت مضطرا أن أضرب بالقنابل والقنابل الحارقة الحى الذى تمترس فيه السكان. وتم رفع المتاريس واحتل جنودنا المسجد الذى كان نقطة تجمع المتمردين. وكل شىء أصبح هادئا الآن. وقد قُتل ياورى الخاص قائد الكتيبة (سولكوفسكى) عندما ذهب مع بعض الرجال على ظهر خيولهم لمعرفة ماذا يحدث. وقُتل لنا 50 رجلا، ذُبحوا فى نقاط متفرقة، وخسر الأتراك عددا كبيرا من الأفراد، وهو ما سيشكل لهم درسا فى الغالب. بونابرت».
وفى يوم 27 أكتوبر، يكتب نابليون إلى حكومته فى باريس تقريرا عن أحداث الثورة يقول فيه: «فى يوم 21 أكتوبر وعند طلوع النهار، ظهر أن هناك بعض التجمعات فى القاهرة. وعند الساعة السابعة صباحا تجمع جمهور كبير عند باب القاضى إبراهيم أختم أفندى. وهو رجل محترم بفضل حياته المهنية وبفضل أخلاقه. وقد توجه إليه وفد من 20 شخصا بارزين، وأجبروه على الصعود على حصان بغرض أن يتوجه الجميع إلى منزلى لتقديم عريضة شكوى، عندما لفت أحد الرجال النابهين نظره إلى أن العدد الذى يرافقه أكبر مما ينبغى ويضم أناسا مختلفين. وقد صعق القاضى من هذه الملاحظة ونزل من فوق حصانه وعاد إلى منزله، إلا أن الرعاع الغاضبين انهالوا عليه وعلى رجاله ضرباً بالعصى والحجارة. وفى هذه الأثناء وصل الجنرال (ديبوى)، كما وصل قائد كتيبة ملحق بقوات الشرطة، وعندما رأى الفوضى واستحالة إيقافها بالروية أطلق طلقة من (طبنجته) ما أصاب الرعاع بحالة من الغضب العارم. وقد اندفع (الجنرال ديبوى) للهجوم مع حراسته ليفسح الطريق أمامه مسقطا أرضا كل من كان واقفا أمامه. وعندها تلقى ضربة رمح تحت إبطه قطعت شريانه ولم يعش إلا 8 دقائق بعد ذلك. وقد اندلعت معارك بالبنادق فى كل الشوارع، وراح الرعاع ينهبون منازل الأغنياء، وفى المساء كانت المدينة هادئة عدا الحى الذى به الجامع الكبير، حيث كان المجلس الذى يقود الثوار الذين وضعوا المتاريس فى الشوارع.
وقد جاء الفلاحون والأعراب لمساندة الثوار، فهاجم (الجنرال فو) نحو أربعة آلاف فلاح، فروا بسرعة، وكثير منهم هلك غرقا فى الفيضان. وفى الثامنة صباحا أرسلت (الجنرال دوماس) ومعه الفرسان، وقاموا بعبور السهل وطرد الأعراب. وعند الساعة الثانية بعد الظهر كان كل شىء هادئا خارج أسوار المدينة.
وعندما تقدم أعضاء الديوان والشيوخ الرئيسيون ورجال الدين أمام المتاريس بحى الجامع الكبير، رفض الثوار السماح لهم بالدخول واستقبلوهم بطلقات البنادق. وعند الساعة الرابعة أعطيت الأمر بالرد عليهم بطلقات بطاريات الهاون من القلعة وبطاريات المدافع القاذفة لقنابل النار. وبعد 20 دقيقة من القذف رُفعت كل المتاريس وتم إخلاء الحى ووُضع الجامع الكبير بين أيدى قواتنا وعاد الهدوء يسود المدينة.
ويقدر عدد الخسائر لدى الثوار بألفين إلى 2500 رجل، وخسائرنا تصل إلى 16 قتيلا. إن الجيش يشعر بعظم خسارة الجنرال ديبوى بعد أن احترمته ميادين الحروب مائة مرة حتى الآن. أما ياورى (سولكوفسكى) الذى ذهب لاستطلاع الموقف خارج المدينة، فهوجم بمجموعة من الرعاع فى إحدى الضواحى عندما انزلق حصانه وضُرب حتى الموت، ولم تكن جروحه من القتال الذى قام به فى الصالحية قد اندملت بعد. لقد كان ضابطا يمثل آمالا عريضة للمستقبل.
موضوع: رد: قراءة فى رسائل نابليون فى مصر الجمعة 25 نوفمبر 2016 - 11:24
نابليون فى غزة من أجل الاستيلاء على سوريا
نجح نابليون إلى حد كبير فى إخماد ثورة شعب مصر التى قامت ضده احتجاجاً على تصرفاته التى وصل فيها إلى قتل نحو أربعة آلاف مصرى وهو عدد كبير بالقياس إلى تعداد السكان فى ذلك الوقت.
يقول المؤرخ المعاصر لهذه الفترة عبدالرحمن الجبرتى: وبعد هجعة من ليلة الثلاثاء 23 أكتوبر 1798 دخل الإفرنج المدينة (القاهرة) كالسيل ومروا فى الأزقة والشوارع لا يجدون لهم ممانعاً. كأنهم الشياطين أو جند إبليس. وهدموا ما وجدوه من متاريس. ثم دخلوا الجامع الأزهر وهم راكبون الخيول وبينهم المشاة كالوعول. وتفرقوا بصحنه ومقصورته وربطوا خيولهم بقبلته، ودشتوا الكتب والمصاحف وعلى الأرض طرحوها وبأرجلهم ونعالهم داسوها.
ويذهب كبار العلماء إلى نابليون يتوسطون لديه لإعادة الطمأنينة إلى النفوس، فينتهز نابليون الفرصة ويرغمهم على كتابة بيان يوجهونه للأهالى ينكرون فيه ثورتهم فيصدرون يوم 24 أكتوبر 1798 بياناً يقولون فيه كما أورده الجبرتى (تاريخ الحركة القومية فى مصر لعبدالرحمن الرافعى الجزء الأول): نصيحة من كافة علماء الإسلام بمصر المحروسة، نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونبرأ إلى الله من الساعين فى الأرض فساداً، ونعرف أهل مصر أن أشرار الناس حركوا الشرور بين الرعية والعساكر الفرنساوية بعد ما كانوا أصحاباً وأحباباً بالسوية، وترتب على ذلك قتل جملة من المسلمين ونهبت بعض البيوت، ولكن حصلت ألطاف الله الخفية، وسكنت الفتنة بسبب شفاعتنا عند أمير الجيوش بونابرته. وارتفعت هذه البلية لأنه رجل كامل العقل عنده رحمة وشفقة على المسلمين، ولولاه لكانت العسكر أحرقت جميع المدينة ونهبت جميع الأموال وقتلوا كامل أهل مصر، فعليكم ألا تحركوا الفتن، ولا تطيعوا أمر المفسدين، ولا تسمعوا كلام المنافقين، لأجل أن تحفظوا أوطانكم وتطمئنوا على عيالكم وأديانكم. ونخبركم أن كل من تسبب فى تحريك هذه الفتنة قتلوا عن آخرهم وأراح الله منهم العباد والبلاد.
■ ■ ■ ■
كانت مصر محطة لنابليون تهدف إلى احتلال سوريا وجعلها جزءاً من الدولة التى عزم على إنشائها على ضفاف النيل وشواطئ البحر المتوسط. وبعد ذلك يواصل زحفه على الهند، ولذلك كان هدفه رغم ما تعرض له أسطوله فى أبوقير على يد الإنجليز التوجه إلى سوريا عن طريق العريش وغزة براً واحتلالها.
فى 9 نوفمبر 1798 يمهد نابليون بمحاولة الحصول على موافقة الباب العالى فيكتب إلى «يوسف باشا الصدر الأعظم للإمبراطورية العثمانية» قائلاً: لقد كان لى الشرف أن أكتب إلى فخامتكم عند وصولى للإسكندرية كما بعثت إليكم برسالة أخرى على ظهر سفينة أقلعت من دمياط ولم تصلنى أية ردود على هذه الرسائل، وها أنا ذا أرسل رسالة ثالثة لأعرف فخامتك نية حكومة الجمهورية الفرنسية أن تعيش فى وئام مع الباب العالى. إن ضرورة معاقبة المماليك على الإهانات التى وجهوها للتجارة الفرنسية جعلتنا نأتى لمصر تماما كما حدث فى عصور أخرى، وفعلت فرنسا نفس الشىء لمعاقبة تونس والجزائر. إن الجمهورية الفرنسية بطبيعتها وفقا لمصالحها صديقة للسلطان وذلك لأنها عدوة أعدائه. وقد رفضت أن تشارك فى التحالف الذى قام ضد الباب العالى الذى يجب أن يرى الجيش الفرنسى فى الظروف الحالية صديقا مخلصا مستعدا للبذل من أجله والوقوف فى وجه أعدائه. أرجو يا صاحب الفخامة أن تصدق رغبتى الشخصية فى استخدام كل الوسائل وكل قوتى لعمل أى شىء مفيد للسلطان، ولإثبات التقدير والتبجيل اللذين أكنهما لفخامتك. بونابرت
وكما يتضح فإن الصدر الأعظم- وهو ما سيتأكد فى رسائل لاحقة- أهمل الرد على نابليون. وفى يوم 11 فبراير 1799 يبدأ نابليون حملته فيغادر القاهرة إلى بلبيس ثم الصالحية فالعريش فغزة التى يصلها بعد 15 يوما، ويكتب منها يوم 26 فبراير الرسالة 4256 إلى الجنرال بيرتيه، رئيس أركان جيش الشرق، قائلاً: تتكون حامية غزة من 50 رجلاً من الكتيبة المالطية و40 جنديا من جنود سلاح البناء و40 جنديا من سلاح المدفعية... لقد أعطيت الأوامر إلى قائد سلاح المهندسين باستخدام منزل حسن باشا كمقر للقيادة العامة.
يجب إنشاء مستشفيين: واحد للجراحة وواحد للمرضى، على أن يكون كل منهما قادرا على استيعاب 150 سريرا... وأعط الأوامر أن يقوم قائد الكتيبة «ليديه» بقيادة مستودعات سلاح الفرسان وبها كل الخيول المصابة والرجال الذين تم عزلهم من سلاح الفرسان ويشكلون جميعا مستودعا خاصا ويتم اختيار مكان يستخدم كإسطبلات ويتم تخصيص مكان للأطباء البيطريين والفنيين... وأعط الأمر بأن يكون الطريق الذى يسلكه الجيش كما يلى: اليوم الأول بركة الحاجى. اليوم الثانى بلبيس حيث يأخذ منها أطعمة تكفى مدة يومين.
اليوم الثالث كريم. اليوم الرابع والخامس فى الصالحية حيث تأخذ أطعمة لمدة أربعة أيام. اليوم السادس جسر القنطرة. اليوم السابع القاطية حيث تأخذ أطعمة لمدة يومين. اليوم الثامن بئر بركة العدل ومنها يتم الرحيل عند الثانية صباحا، ويتم المبيت فى منتصف الطريق، على أن يأتى سلاح الفرسان للمبيت عند آبار المسعودية، وتبلغ هذه المسافة أربعة فراسخ (نحو 24 كيلومترا)، وفى اليوم التالى اليوم العاشر تأخذ أطعمة لمدة يومين، فى اليوم الحادى عشر عند آبار رفح وهى الحدود بين آسيا وأفريقيا، واليوم الثانى عشر فى غزة. وفى نفس اليوم (26 فبراير) يكتب نابليون إلى «الجنرال كافاريللى» قائد سلاح المهندسين بجيش الشرق الرسالة 4257 يقول له فيها: بما أن قلعة غزة يمكن استخدامها كحصن للدفاع ضد الأتراك فإنه يمكن أن تكون فى وقت من الأوقات محاصرة، ولذا نريد تنفيذ ما يلى: أن تكون القاعدة التى ستبنى عليها الأبراج الثمانية مرتفعة حتى تصل طلقات المدافع من أعلى الفتحات المخصصة لها، إقامة خندق حول هذه القلعة، إنشاء باب تستطيع المدفعية الدخول منه بسهولة، ثم إنشاء كوبرى متحرك أمامه، ويجرى إنشاء (درابزين) على جانبى هذا الكوبرى. أن يتم إنشاء هذه القلعة بمواد بناء قوية ويتم عند ارتفاعاتها إنشاء تعريجات تستطيع المدفعية الضرب منها بحيث تجبر العدو على الابتعاد عند اقترابه من القلعة. وأريد أيضا هدم كل المبانى التى من الممكن أن يستخدمها العدو عند الاقتراب من القلعة مثل القباب والمآذن والبيوت المرتفعة.. إننى لم أدخل فى هذه التفاصيل إلا لأعرفك أن غرضى إنشاء حصن دفاعى على كل هضبة غزة. بونابرت وكما يتضح فإن رسالة نابليون تكشف عن قائد يحدد كل التفاصيل التى على قائد سلاح المهندسين القيام بها حتى يجعل غزة قاعدة ينطلق منها لتحقيق أحلامه فى الوصول إلى سوريا والاستيلاء عليها!
موضوع: رد: قراءة فى رسائل نابليون فى مصر الخميس 1 ديسمبر 2016 - 7:07
قراءة فى رسائل نابليون فى مصر (12): ألوان من الرسائل تكشف شخصية نابليون الطيب والعنيف الواثق من قدرته!
تبدو فى رسائل نابليون التى راح يرسلها إلى مساعديه فى مصر وهو فى طريقه إلى سوريا روح الانضباط التى تميز بها، ومتابعة كل ما يجرى بعيدا عنه ويأمر بعقوبات مشددة للمخالفين، فيقول فى رسالته من يافا يوم 5 مارس 1799 إلى الجنرال بيرتيه، رئيس أركان جيش الشرق: «قم باعتقال الجنرال المساعد (جريزيو) لأنه لم يقم بإرسال الجمال التى لديه مع قافلة مركز القيادة، وعندما أرسلها لاحقا لم يطلب الأمر بذلك. قم أيضا باعتقال قائد كتيبة المدفعية فورا لأنه أرسل فى طلب معدات من مخازن سلاح المهندسين مع مجرد ساعٍ دون أن يخصص له حراسة من أجل هذا الغرض. قم أيضا باعتقال عامل المقصف بكتيبة المرشدين الراكبين، والموسيقيين الثلاثة، لأنهم تركوا خيولهم خارج نطاق المعسكر وسمحوا للأعراب بسرقتها. وسوف يتم خصم ثمن هذه الخيول من رواتبهم. وأعطِ الأمر بأن يتم استقطاع ثمن 7 أحصنة من رواتب الاثنى عشر عاملا بالمدفعية، الذين كانوا يقومون بحراسة عربة مدفع وتركوا هذه الخيول تُسرق منهم من 3 أيام.. قُم أيضا باعتقال الضابط المكلف بالمشتريات بسلاح الفرسان، لأنه لم يرسل الجمال المحملة بالطعام إلى فرقة الجنرال كليبر، وعليك أن تعلّمه القواعد العسكرية، وأهمها ألا يرسل لحراسة قافلة جنودا عاديين وإنما فرقة متمرسة يقودها قائد كتيبة أو رائد».
وفى رسالة أخرى إلى رئيس أركان جيش الشرق بتاريخ 9 مارس 1799 يقول له نابليون: «قُم أيها الجنرال المواطن بإحضار الضابط الكولونيل قائد جنود المدفعية واطلب منه أسماء العشرين ضابطا المتخصصين فى المدفعية، وأودعهم فى القرية التى بها الكتيبة التى سترحل إلى القاهرة، وعند وصولهم القاهرة يجب وضعهم فورا فى سجن القلعة».
وفى نفس اليوم، يكتب نابليون إلى مشايخ وعلماء وسكان أقاليم غزة والرملة ويافا محاولا استرضاءهم، فيقول لهم: «بسم الله الرحمن الرحيم، إننى أكتب لكم هذه الرسالة لأخبركم أننى أتيت إلى فلسطين لأطرد المماليك فى جيش الجزار باشا الذى تمادى فى انتهاكاته لأقاليم يافا والرملة وغزة بغير حق، وهى أقاليم لا تدخل فى نطاق ولايته. كما أنه لا حق له فى إرسال قواته إلى العريش. إنه هو الذى دعانى إلى الحرب وقد نقلت إليه هذه الحرب فى داره. ليس لدىّ أى نوايا لأن تدفعوا أنتم والسكان ثمن هذه البشاعات. ابقوا إذاً آمنين فى بيوتكم، وعلى الذين غادروها خوفا أن يعودوا، وإننى أتعهد بالأمان لهم. سوف أمنح لكل مالك الحق فى الاحتفاظ بما يملكه. إننى أريد أن يستمر القضاة فى عملهم المعتاد، فمهمتهم هى نشر العدل. وإننى أريد على وجه الخصوص حماية الدين واحترامه. وكذلك المساجد التى يرتادها كل المسلمين الصالحين. إن الله هو الذى يمنح الخير كله، وإنه هو الذى يمنح مصر. من المهم معرفة أنّ أى جهد بشرى مهما كان لن يجدى فى مقاومتى، ذلك أن كل ما أقوم به مآله للنجاح. وكل من يعلن صداقته لى سيعيش فى رخاء، وكل من يعلن عداوته لى مصيره الفناء، ولديكم مثال ما حدث فى يافا وغزة، ومنه عرف الجميع أننى عندما أكون باطشا فهذا لأعدائى، وعندما أكون حانيا فهذا لأصدقائى، وإننى على وجه الخصوص عطوف على الفقراء من الشعب: بونابرت».
ويبدو من الرسالة التالية التى بعث بها نابليون إلى أحمد باشا الجزار، حاكم سوريا، أن الأخير أهمل الرد على نابليون، ولم يعط اهتماما لرسائله التى بعثها نابليون من قبل، فيكتب إليه نابليون من مركزه فى يافا رسالة يوم 9 مارس 1799 (الرسالة رقم 4280) يقول فيها: «لقد أخبرتك عدة مرات منذ وصولى إلى مصر أننى لا أنوى أبدا شن الحرب عليك. وإننى لم أكن أريد سوى طرد المماليك. إلا أنك لم ترد على أى من تلك الرسائل. وكنت قد أخبرتك أننى أريد أن تبعد إبراهيم بك عن الحدود مع مصر، ولكنك لم تكتف بعدم الاستجابة، وإنما أرسلت قوات لك إلى غزة، وقمت بإنشاء المخازن الحربية الكبيرة، وأعلنت فى كل مكان أنك سوف تدخل مصر، وأنك ستقوم بهذا الغزو بإرسال ألفى رجل من قواتك إلى حصن العريش، التى توغلت منها إلى عمق عشرة فراسخ فى الأراضى المصرية (الفرسخ حوالى ستة كيلومترات). وكان علىّ أن أغادر القاهرة حاملا إليك الحرب التى سعيت من أجل إشعالها. والآن بعد أن أصبحت أقاليم غزة والرملة ويافا تحت سلطانى، فقد عاملت بكرم قواتك التى استسلمت لى، وكنت قاسيا مع تلك التى انتهكت قوانين الحرب. إننى أزمع الزحف خلال أيام إلى عكا. وبما أن الله يمنحنى النصر دائما فإننى أريد أن أحذوه وأن أكون مثله (رحيما) ليس فقط تجاه الشعب ولكن أيضا تجاه سادته. ليس لديك فى الواقع من أسباب حقيقية تجعلك عدوا لى، لأنك كنت عدوا للمماليك، ولأن إقليمك منفصل عن إقليم مصر، ويفصلنا عن بعضنا ليس فقط أقاليم غزة والرملة، بل صحراء شاسعة أيضا. فكن صديقى إذاً وعدواً للمماليك والإنجليز. إن مقدرتى على منحك الخير لا يعادلها إلا مقدرتى على التسبب فى إيذائك. أرسل لى ردك مع رجل لديه الصلاحيات الكاملة، ولديه فكرة عن نواياك. عليه أن يقدم نفسه فى طليعة الجيش رافعا العلم الأبيض، وسأطلب إلى هيئة أركان جيشى منحك الأمان. إننى سأبدأ زحفى على عكا يوم 24 من هذا الشهر، فيجب إذاً أن تعطينى ردك قبل هذا التاريخ: بونابرت».
موضوع: رد: قراءة فى رسائل نابليون فى مصر الثلاثاء 6 ديسمبر 2016 - 20:15
قراءة فى رسائل نابليون فى مصر (13)
وتحطمت أحلام نابليون على أبواب عكا، وعاد متظاهرا بالفوز يرفع بيارق النصر على عكس ما كان نابليون يتوقعه من «أحمد الجزار» حاكم سوريا فقد جعل الأخير من «عكا» حصنا يقاوم منه نابليون ويرد هجمات جيشه مستعينا من ناحية البحر بالأسطول الإنجليزى.
وصل نابليون بقواته إلى عكا يوم 19 مارس 1799 وبدأ حصارها معتقدا أنها لن تصمد، إلا أن الحصار استمر أكثر من شهرين دون أن يتمكن من اقتحام عكا وبعد 62 يوما انتهى هذا الحصار بالفشل. وتتوالى رسائل نابليون عن جرحى المعارك التى جرت ونقلهم للعلاج فى دمياط والإسكندرية ويافا، وفى يوم 16 مايو 1799 يكتب نابليون إلى ديوان القاهرة رسالته رقم 4354 من أمام عكا التى يقول فيها: أعلن لكم أخيرا عن مغادرتى إلى سوريا وعودتى إلى القاهرة التى أتلهف على الوصول إليها بسرعة. سوف أرحل خلال 3 أيام وأصل خلال 15 يوما. وسوف أجلب معى أسرى كثيرون وبيارق كثيرة. لقد سويت قصر أحمد الجزار بالأرض وكذلك أسوار عكا. وقصفت المدينة بالقنابل بحيث لم يبق منها حجر فوق حجر، وقد فر كل سكان المدينة عن طريق البحر وجرح الجزار وانسحب مع أتباعه فى قلعة جهة البحر وكان جرحهم عميقا. من الـ30 سفينة المحملة بالقوات التى أتت لنجدته غرقت 3 منها بفضل بحريتنا، واستولينا على أربعة أخرى بفضل فرقاطاتنا وعليها مدفعية والباقى فى أسوأ حالة ممكنة وقد دمرت تماما. إننى فى شوق لرؤيتكم وفى شوق للعودة إلى القاهرة وأرى أنه رغم جهدكم فمازال هناك عدد من الأشرار يسعون إلى زعزعة الأمن العام، وسوف يختفى كل هذا كما تختفى السحب عند ظهور الشمس: بونابرت
وفى يوم 24 مايو 1799 وكان نابليون قد انسحب من عكا ووصل إلى يافا يكتب إلى الجنرال برتبة رئيس أركان جيش الشرق: سوف يحمل الجنرال بوابييه الأعلام التركية التى حصلنا عليها وسوف يحرص على أن يظهرها فى كل القرى التى يمر بها كدليل على انتصاراتنا على الأتراك.. وعلى الجنرال بوابييه أن يصطحب معه وتحت حراسة مشددة «عبدالله أغا» الذى عينه الجزار قائدا على يافا ومعه 16 ضابطا من الأسرى والأتراك كانوا فى يافا. وعليه أن يضع الجميع بسجن القلعة بالقاهرة أو أحد حصوننا مع وضع حراسة مشددة عليهم خاصة على الأسير الأول، وعليهم أن يقودوهم كأسرى معلناً أن هؤلاء جزء من عدد كبير من الأسرى. وأخيرا عليه أن يكتب ويقول ويفعل كل شىء من الممكن أن يجعله يدخل القاهرة كمنتصر. وإذا سمحت الظروف بالذهاب إلى القاهرة مباشرة فعليه أن يحرص على أن يدخل أولا أسرة الإسعاف التى تحمل الضباط الأربعة الذين عملوا معى على أيام مختلفة ويحمل معهم سرير الجنرال «لان» ويبقى فى الصالحية «ديروك وكروازييه والريجى» على أن يرحلوا مع أول قوات سوف تمر منها إلى القاهرة: بونابرت
ويصل بونابرت إلى القاهرة يوم 14 يونيو ويبدأ فى إعادة تنظيم قواته فى مصر مع التركيز على قيام حكام الأقاليم بجباية الضرائب المفروضة على هذه الأقاليم. ونتيجة لذلك يكتب بونابرت يوم 19 يونيو تقريرا إلى حكومته فى باريس يشير فيها إلى ثورات بدأت تحدث فى مصر ويواجهها نابليون بالقمع فى بنى سويف والجيزة والشرقية التى يقول نابليون «إن المواطن دورانتو قام على رأس الكتيبة الثالثة للفرقة 32 ميدان بإقليم الشرقية بالزحف على قرية بوردين (يشكك المترجم أنها قد تكون قرية خوربيت) التى كانت قد تمردت وأحرق وذبح سكانها بحد السيف».
ويشير نابليون فى رسالته إلى أمر غريب حدث فى البحيرة التى وصل إليها رجل قادم من أعماق إفريقيا وقد جمع الأعراب وقال إنه المهدى المنتظر الذى يتحدث عنه القرآن والرسول. وفى خلال أيام وصل 200 من المغاربة وكأنها صدفة للانضمام إلى صفوفه. إن هذا الدجال- يقول نابليون فى رسالته لحكومته- يدعى أنه نزل من السماء فى وسط الصحراء وأنه وهو الذى لا يمتلك ما يغطى به جسمه العارى ينفح ذهبا، وأن لديه القدرة على التخفى ويبلل أصابعه كل يوم فى إناء من اللبن، ويمرر كل ذلك على شفتيه وهذا هو كل طعامه. وقد زحف المهدى المنتظر على دمنهور وباغت 60 رجلا من الكتيبة المائية التى أدى عدم الحرص منها إلى البيات فى الهواء الطلق بدلا من أن تنام فى قلعة الرحمانية وقام بذبحهم. وقد ألهب هذا النجاح خيال مريديه، وكان يلقى بحفنة من تراب أمام فوهات مدافعنا فيمنعها من إطلاق النار. وكان قادراً على إيقاف الرصاص المطلق من بنادقنا قبل أن يصل إلى أجسام أتباعه. إن عددا كبيرا من الناس شهدوا على وقوع 100 معجزة من هذا النوع يقوم بها كل يوم. وقد قام قائد الكتيبة «لوفيفر» على رأس جيش من 400 رجل من الرحمانية لمواجهته لكن المهدى المنتظر قضى اليوم فى قتلهم وهو يراهم يتسابقون نحو فوهات المدافع. وعند هبوط الليل كان تعداد القتلى من هؤلاء المتطرفين بالمئات، وكذلك عدد الجرحى. وقد زحف الجنرال «لانوس» بعد أيام وبكل همة إلى كل مكان يتواجد فيه ووصل إلى دمنهور وقام بإعدام 1500 رجل بحد السيف بعد أن أصبحت المدينة كومة من الرماد، أما المهدى المنتظر فقد أصيب بعدة طلقات وشعر أن حماسه قد فتر فاختفى فى أعماق الصحراء، ومازال يحيط به أتباعه لأنه لا مكان للعقل فى هذه الرؤوس المتطرفة!.
موضوع: رد: قراءة فى رسائل نابليون فى مصر الإثنين 12 ديسمبر 2016 - 19:45
قراءة لرسائل نابليون فى مصر (14) : نابليون يقود بنفسه حملة على العثمانيين فى أبوقير ويأسر قائدهم
لم يهنأ نابليون بإقامته فى مصر، فما كاد يسيطر على الثورات التى قام بها الشعب المصرى فى عديد المدن، حتى فوجئ بحملة عثمانية تنزل قواتها فى أبوقير يوم 14 يوليو 1799، قامت بمحاصرة الاستحكامات التى أقامها الفرنسيون واحتلالها وقتل قائدها «جودار»، ثم بعد ذلك أسروا باقى الجنود.
علم نابليون بهذه الحوادث فأدرك خطورة الموقف لكنه أدرك مسؤوليته أمام جيشه، وأيضاً أمام الشعب المصرى الذى كان ينتظر ما يمكنه القيام به، فبادر إلى وضع خطة سريعة تولى بنفسه قيادتها لمواجهة الحملة العثمانية.
يكتب نابليون من الرحمانية إلى ديوان رشيد التى وصل إليها يوم 21 يوليو: أكتب لكم هذه الرسالة لأخبركم أننى وصلت الرحمانية، وأستعد للزحف على الذين يريدون تكدير الهدوء فى مصر. فمنذ زمن بعيد كانت مصر تحت حكم المماليك والعثمانيين الذين هدموا ونهبوا كل شىء فيها، وقد وضعها الله أمانة بين يدى حتى أعيد إليها بريقها، ولإكمال إرادته أعطانى القوة الضرورية لسحق كل أعدائى. وأرجو أن تسجلوا كتابة كل الرجال الذين يسيئون التصرف فى هذه الظروف حتى أستطيع إنزال العقاب المثالى بهم. وأريد أيضاً أن ترسلوا لى مرتين فى اليوم البريد الذى تفيدوننى فيه بما يجرى، وأن ترسلوا إلى أبوقير أناساً أذكياء لمعرفة ما يدور هناك.. بونابرت.
وفى 22 يوليو يكتب نابليون إلى الجنرال ديزيه، قائد الحملة على الصعيد، يقول له: لقد وصلت تعزيزات لأسطول العدو بعدد 30 سفينة وهو ما يجعل الأسطول الموجود أمامنا فى خليج أبوقير تعداده من 120 إلى 130 سفينة. ويسيطر العدو حالياً على البرج الدفاعى وحصن أبوقير. سأذهب اليوم لاستطلاع الموقع الذى يحتله، ولأرى ما إذا كان من الممكن الهجوم عليه والرمى به فى البحر، لأنه يبدو لى أنه لا يريد أن يغامر بمحاصرة الإسكندرية، وأنه ينتظر حتى يعرف تحركات إبراهيم بك ومراد بك، وحتى يتمكن من تعزيز موقعه فى الإسكندرية.. لاشك أن الجنرال «فريان» مازال فى أعقاب مراد بك. وعندما تجتمع قواتكما كونا على استعداد للزحف بسرعة نحو القاهرة. وأريدك أن تتولى أنت بشخصك هذه العملية مع طابورك الثانى، وعندما تصل إلى القاهرة اجمع كل ما تبقى هناك من فرقة «الجنرال رينيه» حتى تتمكن من الزحف على إبراهيم بك إذا ما قرر الدخول إلينا عبر الصحراء متجنباً العريش والقاطية. وهو إذا ما حدث سيكون فى المنطقة الواقعة بين بلبيس والقاهرة. يجب عدم انتظاره والزحف عليه. ستجد حامية القاهرة فى الحصون ملاذاً أكيداً ونقاطاً تنطلق منها للتحكم فى المدينة.
وأقفز إلى رسالة نابليون بتاريخ 26 يوليو الساعة السابعة صباحاً، كما جاء فيها، وفيها يكتب نابليون إلى «الجنرال دوجوا» قائد حامية القاهرة: بالأمس عند السابعة صباحا وجدنا أنفسنا أمام العدو الذى كان قد اتخذ مواقعه على مسافة فرسخ (حوالى ستة كيلومترات) أمام قلعة أبوقير. وقد قمنا بمهاجمته وهزيمته هزيمة نكراء واستولينا على أبراجه الدفاعية وكل حصونه. وأغرقنا فى البحر بين عشرة آلاف و12 ألف رجل (بالغ نابليون فى الأرقام، وصحتها قتل ألفى رجل وغرق أربعة آلاف آخرين).
ويقول نابليون فى رسالته: وقد أسرنا قائد جيش البر والبحر الذى جُرح فى يده، واسمه «حسين سيد مصطفى باشا»، وسوف أقتاده إلى القاهرة. وقد قُتل منا 100 رجل وجُرح 400، ومن هؤلاء الجنرالات «مورا وفوجبير وكريتان» وقائد الكتيبة «مورانجيس». ومن القتلى «الجنرال دوفيفييه» والجنرال المساعد «لوترك» وياورى «جيبر». الحصن مازال يقاومنا، وإن لم يكن هناك جديد من طرفك أوقف التحركات التى كنت طلبتها منك بخصوص الجنرال ديزيه، وليبقى هو بنفسه فى بنى سويف.. بونابرت.
وفى نفس اليوم يرسل نابليون إلى الجنرال «بيرتيه»، رئيس أركان جيش الشرق، رسالة إعلان النصر على الحملة العثمانية إذ يقول فيها: أعط الأمر إلى قائد الرحمانية بأن يجمع ويُبقى لديه كل القوات التى ستأتى من أنحاء مصر المختلفة نظراً لهزيمة العدو، فلم نعد بحاجة إلى هذه القوات، وعليه أن ينتظر فى الرحمانية حتى إشعار آخر.. بونابرت.
عاد نابليون إلى القاهرة منتصراً ومعه الأسير «مصطفى باشا»، قائد الجيش الذى هزمه، إلا أنه أحسن معاملته، وبعد أيام أعاده إلى يوسف باشا الصدر الأعظم ومعه رسالة تاريخية يعرض فيها على السلطان تحقيق الصلح بين تركيا وفرنسا. وقد تميزت رسالته بأسلوب يحمل بين الاستعطاف والاسترحام والقوة والتهديد،
موضوع: رد: قراءة فى رسائل نابليون فى مصر الثلاثاء 20 ديسمبر 2016 - 19:06
قراءة فى رسائل نابليون من مصر (15): رحيل نابليون عن مصر عائداً إلى فرنسا يوم 22 أغسطس
تدهورت الأوضاع فى فرنسا أثناء وجود نابليون فى مصر نتيجة الهزائم التى واجهتها فى أوروبا، وسخط الشعب على الإدارة التى كانت تدير أعمال الحكومة (حكومة الديركتوار كما كانت تسمى)، ووجد نابليون أن وجوده فى فرنسا أهم كثيرا من الحملة التى يقودها فى مصر، خاصة بعد فشله فى سوريا، ويأسه من حصوله على إمدادات من باريس، فقرر أن يغادر مصر بعد أن استقر رأيه على اختيار «الجنرال كليبر»، قائد الإسكندرية، ليخلفه فى قيادة الجيش.
وقبل أن يرحل نابليون عن مصر فى مساء يوم 22 أغسطس 1799 كتب عددا من الرسائل، منها هذه الرسالة إلى الجنرال «دوجوا» قائد حامية القاهرة، يقول له فيها: عندما تصلك هذه الرسالة سأكون فى عرض البحر. إن الظروف تجعل من وجودى هناك أمرا محتما. إن لدى الجنرال كليبر تقديرا وصداقة لك. كن على ثقة أنه خلال الشتاء سوف يصل أسطول البحرية الفرنسية وعندئذ ستتمكن من العودة إلى فرنسا ومزاولة عملك فى الهيئة التشريعية. إذن استخدم موهبتك وحزمك لحفظ الهدوء فى هذه المدينة الكبيرة، وهى مركز مصر ومركز الجيش فى آن واحد. كن على ثقة أنه مهما كان المكان الذى ستضعنى فيه الظروف فإننى سأحتفظ دائما بالتقدير والصداقة اللذين أوحيت لى بهما.
ويكتب نابليون إلى «الجنرال مينو» قائد حامية أبوقير (رسالة 4756 بتاريخ 22 أغسطس 1799) يقول له: عليك الذهاب فورا إلى الإسكندرية وتتولى قيادة الإسكندرية ورشيد والبحيرة (وهى نفس الأقاليم الثلاثة التى كان يتولى قيادتها فى بداية الحملة). سأرحل هذا المساء إلى فرنسا. لابد أن الجنرال كليبر سيصل خلال يومين أو ثلاثة إلى الإسكندرية وعليك تسليمه اللفافة المرفقة، وسأرسل لك نسخة منها بوسيلة أكثر أمنا. سوف يرحل الجنرال مارمون معى، وحتى نمنع الشائعات السيئة أرجو أن ترسل إلى الجنرال كليبر النشرة الخاصة بإبحارنا حتى تختفى الفرقاطات وتنقطع منها الأخبار. أبلغ الجنرال كليبر أن السفينة «الجيرم نابولونيز» فى الرحمانية، وقد تركت 180 حصانا من سلاح المرشدين الراكبين، عليك إرسالها إلى القاهرة لإتمام سلاحى المرشدين والفرسان. لا ترسل الرسالة المرفقة للجنرال دوجوا بالقاهرة إلا بعد 48 ساعة من اختفاء الفرقاطات المسافرة عن الأنظار. بونابرت.
ويودع نابليون «الجنرال جينو»، قائد حامية السويس، برسالة بنفس التاريخ (رسالة 4757) يقول له فيها: عندما تتسلم هذه الرسالة سأكون قد ابتعدت كثيرا عن مصر. لقد أسفت لأننى لن آخذك معى فقد كنت بعيدا جدا عن المكان الذى أبحرنا منه. لقد أعطيت أمرا إلى الجنرال كليبر أن يتركك تعود خلال شهر أكتوبر القادم إذا كانت ظروف المكان الذى سنلتقى فيه مواتية. أرجو أن تعتقد فى مواصلتى بالشعور نحوك بصداقة رقيقة أكتبها لك.
ويوجه نابليون رسالة إلى جيشه فى مصر يوم 22 أغسطس 1799 يشرح فيها سفره قائلا: أيها الجنود، إن الأخبار الواردة من أوروبا تحتم علىّ السفر إلى فرنسا، وقد تركت قيادة الجيش للجنرال كليبر، وسيتلقى الجيش قريبا أخبارى ولا أستطيع أن أقول أكثر من ذلك. يعز علىّ أن أفارق الجنود الذين ارتبطت بهم بأوثق الروابط، لكن هذا الفراق ليس إلا وقتيا والقائد الذى تركته لكم حائز لتمام ثقة الحكومة وثقتى. بونابرت
كانت السفن المعدة لسفر نابليون ورفاقه على أهبة الإقلاع فى العاشرة مساء يوم 22 أغسطس، وقد ركب نابليون الباخرة «لامويرون» التى كانت راسية بالقرب من برج السلسلة بطرف الميناء الشرقية. وقد ضمت رحلة نابليون أربع سفن ظلت تمخر عباب البحر المتوسط والمخاوف تكتنفها 48 يوما (تاريخ الحركة القومية للمؤرخ عبدالرحمن الرافعى الجزء الثانى) إلى أن رست فى خليج «فريجوس» جنوبى فرنسا يوم 9 أكتوبر 1799 فنزل نابليون إلى بر البلاد التى كانت تنتظره ليتولى مقاليدها.
وقبل أن يغادر نابليون مصر، وبعد أن كتب الرسائل العديدة التى وجد من واجبه كتابتها، كتب رسالة مطولة إلى يوسف باشا، الصدر الأعظم، وإلى الجنرال كليبر الذى عهد إليه بخلافته فى مصر، تعدان من أهم رسائله نختتم بهما هذه السلسة من رسائله التى كتبها فى مصر.
موضوع: رد: قراءة فى رسائل نابليون فى مصر الأحد 1 يناير 2017 - 12:56
رسالة تاريخية يطلب فيها نابليون الصلح مع تركيا 16
تعد الرسالة رقم 4742 بتاريخ 17 أغسطس 1799، التى كتبها نابليون إلى يوسف باشا، الصدر الأعظم، رسالة تاريخية إذ قال فيها:
«إلى الوزير الأعظم وموقعه بين أكثر العظماء استنارة وحكمة والمتمتع الوحيد بثقة أكبر السلاطين. أتشرف بأن أكتب إلى فخامتكم عن طريق الأفندى الذى أسر فى (أبوقير)، والذى أرده إليك، بهدف أن أخبرك بحقيقة الوضع فى مصر، وبهدف أن أبدأ بين الباب العالى والجمهورية الفرنسية مباحثات من الممكن أن تضع حدا للحرب بيننا، والتى تسبب التعاسة لكل من دولتينا.
أى قدر هذا الذى يجعل الباب العالى وفرنسا وهما صديقان رغم تباعد الحدود بينهما، ورغم أن فرنسا عدو روسيا وإمبراطور النمسا، وأن الباب العالى عدو لروسيا وللإمبراطور- أن يكون بينهما رغم كل ذلك حالة الحرب هذه؟! كيف لا تشعر فخامتكم أنه كلما قتل فرنسى قل سند للباب العالى؟ كيف تغفل فخامتكم بكل الاستنارة والحنكة السياسية التى تتمتعون بها والمصالح المشتركة للدول أن روسيا وإمبراطور ألمانيا قد تفاهموا عدة مرات، من أجل أن يتشاركوا فى أراضى تركيا ، ولم يمنعهم من ذلك إلا تدخل روسيا.
ولا تجهلون فخامتكم أن العدو الحقيقى للإسلام هو روسيا والإمبراطور بول الأول الذى جعل من نفسه سيداً على فرسان المعبد، أى أنه أقسم على شن الحرب على المسلمين، وبالعكس فإن فرنسا دمرت فرسان مالطة، وحررت الأتراك المساجين بها من العبودية، وتعتقد فى وجود إله واحد تماما كما يأمر الإسلام. وهكذا فإن الباب العالى الذى كان صديقا لفرنسا عندما كانت المسيحية قد أعلن عليها الحرب، رغم أن فرنسا تقاربت مع الدين الإسلامى باسم عقيدتها. وهكذا فإن الباب العالى يعلن الحرب على أصدقائه الحقيقيين ويتحالف مع أعدائه الحقيقيين. لقد خانت روسيا وإنجلترا الباب العالى، واعترضتا طريق القافلة التى أسرناها لإبلاغ السلطان بأننا سنرسل حملة على مصرـ وقد أقنعتا الباب العالى بأن هذه الحملة مقدمة لغزو إمبراطورية الإسلام، وكأننى لم أعلن قط أن نية الحكومة الفرنسية هى تدمير المماليك وليس إعلان الحرب على الباب العالى، وأن رغبتها إلحاق الضرر بالإنجليز، وليس بحليفها المخلص السلطان سليم.
ألم تكن تلك تصرفاتى التى التزمت بها مع كل رعايا الباب العالى الذين كانوا فى مصر، وتجاه سفن السلطان الأعظم وكذلك تجاه السفن التجارية التى تحمل العلم العثمانى ضماناً لحسن نية الجمهورية الفرنسية. لقد أعلن الباب العالى الحرب على الجمهورية الفرنسية فى شهر يناير، وذلك بتسرع غير مسبوق، ودون انتظار وصول السفير الفرنسى «ديكورش» الذى كان قد رحل بالفعل من باريس للذهاب إلى القسطنطينية، وذلك دون أن تطلب منى أى إيضاحات، ولا تجيب عن أى من الرسائل التوددية التى أرسلتها. ومع هذا، فقد كنت آمل رغم حالة الحرب هذه التى كنت أعرفها تماما فى أن تعرض تركيا عن ذلك، وهو ما جعلنى أرسل على السفينة التركية من أجل هذا الغرض المواطن (بوشان) وهو قنصل الجمهورية الفرنسية، وكان الرد الجميل من طرفكم هو اعتقاله. كما كان الرد من طرفكم حشد الجيوش وتجميعها عند غزة وإعطائها الأمر بغزو مصر. وعندها اضطررت لعبور الصحراء لأننى فضلت أن أقوم بالحرب فى سوريا، بدلا من أن تتم الحرب ضدى فى مصر».
ومن لغة الاستعطاف والعتاب الرقيق التى يخاطب بها نابليون السلطان، يغير لغة الخطاب ويقول: «إن جيشى منضبط تمام الانضباط، ومجهز بكل ما يمكنه أن يجعل منه منتصرا على كل الجيوش حتى لو كان عددها بعدد رمال الصحراء. لقد أقمنا القلاع والحصون المنيعة المدججة بالمدافع على السواحل وعند حدود الصحراء. أنا إذن لا أخشى شيئا وأنا هنا (فى مصر) لا أقهر، ومع هذا فإننى بإرسال هذا الخطاب والقيام بهذه الخطوة، فإنه يدفعنى إلى هذا واجبى نحو الإنسانية والسياسة الصحيحة تجاه أصدق وأقدم الحلفاء، وهو الإمبراطور سليم.
إن ما لا يستطيع الباب العالى الحصول عليه بقوة السلاح يستطيع أن يصل إليه بالتفاوض. سوف أهزم كل الجيوش التى تنتوى غزو مصر، ولكننى سأرد بنية متصالحة على كل الدعوات لى لفتح مفاوضات. إن الجمهورية الفرنسية ستفعل كل ما يمكن أن يعيد سياسة التفاهم، وستزيل كل ما يمكن أن يكون عامل تفرقة بين الدولتين، فور أن يكف الباب العالى عن التحالف مع أعدائها، وعن سياسة التسليح المكلفة وغير النافعة، ذلك أن أعداءك ليسوا فى مصر، وإنما فى البوسفور وكورفو (اليونان)، بل إنهم اليوم فى قلب الأرخبيل، بفضل انعدام الحرص الشديد لديك. قم بإعادة تقوية وتسليح سفنك الحربية وإعادة تشكيل أطقم مدفعيتك، وكن جاهزا لرفع راية الرسول، ليس ضد فرنسا، وإنما ضد روسيا وألمانيا اللتين تضحكان الآن من الحرب الغبية التى يقوم بها كل منا ضد الآخر، والتى عندما تنتهى من إضعافك سوف يلتفتون إليك، ويرفعون رؤوسهم للإعلان مسبقا عن مطالبهم.
إنك تريد مصر، كما يقولون، وليس فى نية فرنسا أبدا أن تنتزعها منك. قم بتكليف سفيرك فى باريس وأعطه كافة الصلاحيات أو أرسل مندوباً لديه كافة الصلاحيات منك إلى مصر، ذلك أنه يمكن فى ظرف ساعتين تسوية كل شىء، وهذه هى الوسيلة الوحيدة لإعادة الاستقرار للإمبراطورية المسلمة بإعطائها المنعة ضد أعدائها الحقيقيين بإفساد مشروعهم الغادر الذى للأسف نجح تماما. إن مجرد كلمة تنطق بها سوف نغلق على أثرها البحر الأسود أمام الروس، وتكف عن أن تكون لعبة فى يد هذه القوة التى لدينا الكثير من الموضوعات التى تجعلنا نكرهها. وسوف أقوم بكل ما فى وسعى كى أصل إلى اتفاق معك».
ويختم نابليون رسالته المطولة بقوله: «إن الجيوش الفرنسية لا تحب أن تستعرض تكتيكاتها وشجاعتها ضد المسلمين، بل بالعكس فإنها باتحادها مع المسلمين ستستطيع يوما طرد عدوهما المشترك، كما كان الحال عبر العصور. أعتقد أننى قلت كل شىء لفخامتكم فى هذه الرسالة، ويمكن لفخامتكم أن تأمروا بإحضار المواطن (بوشان) الذى يؤكد لى بعضهم أنه محتجز عند البحر الأسود، أو تجدوا وسيلة أخرى من أجل إبلاغى بموقفكم. أما أنا فسأعتبر اليوم الذى أساهم فيه فى وقف حرب لا غاية سياسية لها، وبلا موضوع هو أجمل يوم فى حياتى. أرجو من فخامتكم أن تعتقدوا فى التقدير والاعتبار المتميز الذى أكنه لكم».
موضوع: رد: قراءة فى رسائل نابليون فى مصر الخميس 5 يناير 2017 - 18:19
قراءة فى رسائل نابليون فى مصر (17) الرسالة الأخيرة إلى كليبر تحمل وصيته وأفكاره عن مصر وفرنسا
كانت رسالة نابليون إلى الجنرال كليبر الذى عهد إليه أن يخلفه فى قيادة القوات الفرنسية بعد أن قرر نابليون الرحيل إلى فرنسا، رسالته الأخيرة من مصر ، وتعد من أهم الرسائل التى تحمل أفكاره تجاه مصر وفرنسا. يقول نابليون فى رسالته التى تحمل رقم 4758 بتاريخ 22 أغسطس 1799: تجد مرفقا أيها الجنرال المواطن الأمر بتولى قيادة الجيش. إن الخوف من عودة الأسطول الإنجليزى إلى الظهور بين لحظة وأخرى قد عجل برحيلى يومين أو ثلاثة قبل الموعد المنتظر. سوف أصطحب معى الجنرالات برتييه (رئيس الأركان) ومورا وأندريوسى ومارمون والمواطنين مونج وبيرتوليه. تجد مرفقا الجرائد الإنجليزية وصحف فرانكفورت حتى 10 يونيو، وستجد فيها أننا فقدنا إيطاليا، وأن مانتو وتورينو وتورتونى محاصرون، وأرجو أن تستطيع المدينة الأولى الصمود حتى آخر نوفمبر، وأتمنى إذا ابتسم الحظ أن أصل إلى أوروبا قبل بداية أكتوبر. كما تجد مرفقا شفرة للتواصل مع الحكومة وأخرى للتواصل معى. وأرجو أن تأمر بعودة «جينو» خلال شهر أكتوبر، وكذلك الأمتعة التى تركتها فى القاهرة والخدم الخاص بى. ومع هذا فإننى لا أجد غضاضة فى أن تحفظ لديك ما قد تجده نافعا لك منها.
ستعود لجنة القانون والعلوم إلى فرنسا خلال شهر نوفمبر على ظهر سفينة مدنية ستطلبها لهذا الغرض وفور الانتهاء من مهمتهم، إنهم الآن مشغولون فيما تبقى من عمل يقومون به فى صعيد مصر، ومع هذا يمكنك أن تحتفظ بأى منهم دون أى صعوبة ممن ترى أنهم مفيدون لك.
لقد رحل «الأفندى» الذى أسر فى أبوقير إلى دمياط (يقصد مصطفى باشا قائد الحملة التركية على أبوقير الذى تم أسره. انظر الحلقة السابقة) وقد كتبت لك أنه تم إرساله إلى قبرص، وأنه يحمل رسالة إلى الصدر الأعظم تجد مرفقا نسخة منها.
إن وصول أسطول بريست إلى طولون والأسطول الإسبانى إلى قرطاج لا يدع أى مجال للشك فى أننا سنتمكن من إرسال البنادق والسيوف والمسدسات والحديد المصبوب الذى تحتاجه مصر، ولدىّ تقرير دقيق موضح به عدد المجندين اللازمين لتعويض خسائرنا، وستقوم الحكومة بنفسها بإخبارك بنواياها، وبصفتى العامة والخاصة سأتخذ أنا الإجراءات لموافاتك دوما بالأخبار.
أما إذا وقعت أحداث لا يمكن معرفة مداها وباءت بالفشل محاولات إرسال تعزيزات ووجدت نفسك فى شهر مايو القادم لم تتلق أى نجدة ولا أخبار من فرنسا، وإذا تفشى وباء الطاعون فى مصر هذا العام رغم كل الاحتياطات وأودى بحياة 1500 شخص يوميا وهى خسارة فادحة تتجاوز تلك التى منينا بها خلال الحرب، فإننى أعتقد أنه فى هذه الحالة يكون من واجبك أن تغامر بمواصلة الحرب، وأصرح لك عندها بعقد سلام مع الباب العالى العثمانى، على أن يكون الجلاء عن مصر شرطه الأساسى. ومع هذا فإنه سيتوجب عليك ببساطة أن تناضل فى تنفيذ هذا الشرط إذا كان ذلك ممكنا حتى التوصل إلى عقد السلام النهائى.
■ ■ ■
أيها الجنرال المواطن أنت تقدر أكثر من أى شخص آخر مدى أهمية امتلاك مصر بالنسبة لفرنسا. وهذه الإمبراطورية التركية التى تهددنا أصبحت خرابا فى كل مكان، وهى تنهار اليوم، وسيكون جلاء فرنسا عن مصر حسرة كبيرة إذا رأينا أن هذا الإقليم الجميل يسقط - ونحن أحياء - فى أيدى قوة أوروبية أخرى. ويجب أن تدخل فى حساباتك وبشكل قوى أخبار النجاح أو الفشل الذى يحدث للجمهورية الفرنسية. وإذا رد الباب العالى على الخطوات الودية التى قمت بها قبل أن تصلك أخبار من فرنسا، فقل له إن لديك كل الصلاحيات التى كانت لدى من أجل بدء المفاوضات. صمم على المقولة التى تمسكت بها، وخلاصتها أنه ليس فى نية فرنسا أبدا أن تنتزع مصر من الباب العالى، وأطلب أن تخرج تركيا من التحالف، وأن تسمح لنا بالتجارة فى البحر الأسود. وأخيرا، أن توافق على تعليق الأعمال العدوانية لمدة 6 أشهر حتى تتمكن خلال هذه الفترة الزمنية من تبادل رسائل التصديق على اتفاقية السلام. وإذا افترضنا أن الظروف دفعتك إلى ضرورة عقد هذا الاتفاق مع الباب العالى فقل لهم إنك لا تستطيع تنفيذه قبل أن يتم التصديق عليه. ذلك أنه يوجد فى عرف الأمم مسافة زمنية بين التوقيع على معاهدة والتصديق عليها، وتعتبر هذه المسافة فترة لوقف الأعمال العدائية.
أنت تعرف أيها الجنرال المواطن أسلوبى فى السياسة الداخلية فى مصر، فأيا كان ما تفعله، فإن المسيحيين سيكونون دائما أصدقاءنا، فقط لابد من منعهم أن يكونوا صلفين insolents حتى لا يأخذ الأتراك علينا ذريعة لتعصبهم ضد المسيحيين، وهو ما يجعل من الصعب أن يكونوا متسامحين. وإذا استطعنا كسب رأى شيوخ القاهرة الكبار، فإننا نكون بذلك قد كسبنا كل مصر وكل وجهاء هذا الشعب. وليس هناك خطر يحدق بنا إذا كان هؤلاء الشيوخ لا يستطيعون القتال وهم مثل كهنتنا يوحون بالتعصب دون أن يكونوا أنفسهم متعصبين.
ويستمر نابليون فى رسالته إلى كليبر قائلا: إننى وبعد أن تعودت أن أرى حصولى على المكافأة بعد المعاناة من الآلام، أغادر اليوم مصر بأكبر شعور من الأسف. ذلك أن مصلحة الوطن ومجده وطاعته والأحداث غير العادية التى حدثت به مؤخرا هى فقط التى تجعلنى أغامر بالإبحار وسط سفن الأعداء من أجل العودة إلى أوروبا، وسوف أكون قلبا وروحا معك، وسيكون نجاحك غاليا عندى حيث سأكون، وسوف أعتبر أحسن أيام عمرى تلك التى أقضيها دون التفكير فى عمل شىء غير هذا الجيش الذى تركت لك قيادته وتدعيم هذا المشروع العظيم الذى أرسينا دعائمه منذ وقت قصير.
وينهى نابليون رسالته التاريخية إلى كليبر بقوله: إن الجيش الذى تركت لك قيادته هو مكون من أبنائى، وقد عبّروا لى فى كل الأوقات وفى عز الآلام الكبيرة والعظيمة عن مشاعرهم تجاهى وعن ارتباطهم بى، وأحتفظ معهم بنفس المشاعر، ولن تستطيع الحصول على ذلك إلا بالتقدير والصداقة اللذين أكنهما لك، وبالارتباط الحقيقى الذى أحمله فى قلبى: بونابرت
وكانت هذه آخر رسالة كتبها نابليون إلى الجنرال كليبر الذى قتل بعد نحو عشرة أشهر من توليه قيادة مصر.