ولما بعث النبي صلى الله عليه وسلم في العامين السابع والثامن الهجريين ، الوفود إلى التخوم للدعوة إلى الإسلام ، يحملون رسائله عليه الصلاة والسلام إلى أصحاب الأمور والسلطان في أقطار جزيرة العرب وخارجها ، يدعوهم فيها إلى حظيرة الدين الحنيف ، عرفت الدعوة الإسلامية طريقها إلى الثغور الشرقية والجنوبية ، وأخذت تنتشر بين العجم ، ومنهم الهنود المستوطنون الساكنون في هذه المناطق ، فلبى عدد منهم نداء الدعوة الجديدة .
ومن ناحية أخرى ، فإنه من الطبيعي أن يحاول التاجر العربي المسلم التحدث عن الدعوة الجديدة التي ظهرت في بلده إلى أصدقائه ومعارفه في موانئ الهند ومراكزها التجارية التي يرتادها لأغراض تجارية بل ويحاول نشرها بين أهل الهند الذين شاهد نزعتهم الدينية وحبهم للعرب ، ويشير التاريخ أيضا إلى أن بعض حكام الهند ، حينما سمعوا عن ظهور نبي جديد في جزيرة العرب ودعوته ، حاولوا إنشاء رابطة بينهم وبين النبي العربي مباشرة ليروه وليستمعوا إليه وليفهموا رسالته وتعاليمه .
وذكر بعض المؤرخين – مع وجود احتمال تاريخي وطبيعي كبيرين – أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، قد بعث رسالة – من ضمن الرسائل التي بعثها إلى ملوك وحكام آسيا وأفريقيا إلى ملك "مليبار" (في مقاطعة كيرالا بجنوب الهند) الواقعة في ساحل بحر العرب المواجهة لجزيرة العرب ، كما قالوا إن ملكا من ملوك هذه المناطق وهو "جيرمان برومال" ملك (كرانغلور) قد سافر إلى جزيرة العرب لمقابلة النبي عليه الصلاة والسلام ، هذا في السابع والخمسين من عمره صلى الله عليه وسلم .
والذي يفهم من هذا البيان أن تاريخ الدعوة الإسلامية في الهند قد مر عليه حتى الآن 14 قرنا من الزمن ، بينما مر 13 قرنا على قيام أول دولة عربية في السند ، وظلت الهند كلها تحت حكم المسلمين أكثر من ثمانية قرون ونصف القرن ، أي من قيام الدولة الغزنوية في سنة 392 هـ 1274 هـ (1001م – 1857 م) ، ثم استمر حكم الانجليز في شبه القارة الهندية لمدة قرن من الزمان .
طوال هذه الفترات الممتدة ، من تاريخ الإسلام والمسلمين في الهند لم تقم هيئة أو منظمة تستهدف نشر الدعوة الإسلامية وتبليغها حسب خطة مرسومة ومنهج مدروس بل وتعرضت الدعوة ودعاتها لاضطهادات جمة من جانب الحكام الانجليز – ومما هو جدير بالذكر أيضا ، مع الأسف الشديد ، أن بعض الحكام المسلمين المستبدين قد وضعوا العراقيل أمام الدعاة المصلحين .
ومن بواعث الدهشة والإعجاب للعقول العادية – إن صح هذا التعبير – أن الدعوة الإسلامية قد فاقت في انتشارها في أوساط الشعب الهندي – برغم هذا كله – جميع الدعوات الأخرى ، وتركت ملامح واضحة عديدة تشير إلى المدى الواسع الذي حققته هذه الدعوة في شبه القارة الهندية .
وكانت شبه القارة الهندية ، وقت استقلالها عن حكم الانجليز سنة 1947م أولى دول العالم في عدد المسلمين ، حيث كانت تضم أكثر من 120 مليون مسلم ، ثم قامت تقسيم شبه القارة إلى دولتين – الهند وباكستان – وصارت الهند دولة مستقلة ذات أغلبية هندوكية وأقلية مسلمة وصارت الباكستان دولة مستقلة ذات أغلبية مسلمة وأقلية هندوكية وكان عدد المسلمين في الباكستان وقت التقسيم – حوالي 80 مليونا وعدد المسلمين في الهند نحو 40 مليونا .
واليوم تعتبر الهند وحدها ثانية دول العالم في عدد المسلمين ، حيث تضم أكبر جالية إسلامية ، بعد أندونيسيا ، إذ يبلغ عدد المسلمين فيها الآن أكثر من مائة مليون نسمة ، وتليها بنجلاديش فباكستان ، وهو يشكلون أكبر طائفة في الهند بعد طائفة الهندوس ، ومن ثم لا تزال الهند جزء حيا هاما من جسم العالم الإسلامي الكبير الواسع الذي يربط بين أجزائه رباط وثيق من الرابطة الروحية والأخوة الإسلامية ، فإذا ألقينا نظرة على شبه القارة الهندية فلا نجد فيها ، مع اتساع رقعتها وتعدد مقاطعاتها ومناخها بقعة إلا ودخلها صوت الإسلام ووطئتها أقدام الدعاة وظلت الدعوة الإسلامية متمكنة في هذا البلد المترامي الأطراف ، على رغم تقلبات العصر ، ولم تستطع التيارات الخارجية أو الداخلية أن تحد من تقدمها وتطورها كما لم تفلح المحاولات العديدة التي بذلها مناهضو الدعوة الإسلامية لمنع استمرارها واستقرارها وتطورها .
فهل دخل الأسلام الهند في عهد الرسول ؟