صرَّح ابن حزمٍ رحمه الله بأن السريانية والعبرانية والعربية لها أصلٌ واحدٌ تفرعت عنه - وهو ماقاله اللغويون المعاصرون بعد ذلك بمئات السنين- قال رحمه الله في (الإحكام في أصول الأحكام 1/30): "إلا أن الذي وقفنا عليه وعلمناه يقينا أن السريانية والعبرانية والعربية التي هي لغة مضر لا لغة حمير لغة واحدة تبدلت بتبدل بمساكن أهلها، فحدث فيها جَرش كالذي يحدث من الأندلسي إذا رام نغمة أهل القيروان، ومن القيروانيِّ إذا رام نغمة الأندلسي، ومن الخراساني إذا رام نغمتهما. ونحن نجدُ من إذا سمع لغة فَحْصِ البَلُّوط، وهي على مسافة ليلة واحدة من قرطبة، كاد أن يقول إنها غير لغة أهل قرطبة. وهكذا في كثير من البلاد فإنه بمجاورة أهل البلدة بأمة أخرى تتبدل لغتها تبدلاً لا يخفى على من تأمله ... فمن تدبرَ العربية والعبرانية والسريانية أيقنَ أن اختلافها إنما هو من نحو ما ذكرنا من تبديل ألفاظ الناس على طول الأزمان واختلاف البلدان ومجاورة الأمم، وأنها لغة واحدة في الأصل".
فقد أقرّ بالأصل والاشتراك والتشابه، ولكنه أقر بالاختلاف والتباين وأن كل واحدةٍ صارت لغة مستقلة، ولم يبلغ به الأمر أن يقحم معجم إحداها أو نحوَها أو صرفها على الأخرى؛ لأنه رحمه الله أعلم وأجلُّ وأفقه من ذلك.
إذنْ ليست مشكلتنا في القول بتأثر اللغاتِ ببعضها، ولا في كون العربية والآرامية ترجعان إلى جذرٍ واحدٍ أو أصلٍ واحدٍ، فهذا كلامٌ قديمٌ متداول.
قضيتنا ومشكلتنا والذي لم يقل به عالمٌ معتبرٌ، ولا تجرأ على تسطيره من له حظٌّ من النظر، إنما هو القول الثاني وهو ما نحا كاتبنا نحوه وهو وأن في القرآن ألفاظاً لها معانٍ غير التي يعرفها العربُ، وأن هذه المعاني غير العربية هي مرادُ الله تعالى ومقصود خطابه
ما أحسن أن يتلبث الإنسان، ويراجع فكرته، ويعرضها على ذوي الاختصاص، ويمحصها بإيراد كافة الردود عليها، ولاسيما إذا كان قد خالف الجمهور أو الإجماع فإنَّ ذلك مما لاتجوز الاستهانة به.