الآن وقد دعم الرئيس الأميركي دونالد ترامب أخيراً المادة 5 من ميثاق «الناتو»، ما بعث بعض الطمأنينة في الأنفس على جانبي الأطلسي، حان الوقت كي ينكب التحالف على العمل. فإضافة إلى الإنفاق على الدفاع، ومحاربة الإرهاب، وتعزيز الردع ضد روسيا، ينبغي على «الناتو»، عندما يلتقي وزير الدفاع الأميركي «جيم ماتيس» ونظراؤه في باريس هذا الأسبوع، أن يحوّل تركيزه إلى منطقة عانت التجاهل والإهمال كثيراً منذ نهاية الحرب الباردة: إنه شمال الأطلسي.
لماذا شمال الأطلسي؟
التحركات والنشاطات الروسية في شمال الأطلسي، وبشكل خاص في المجال الممتد بين جرينلاند وآيسلاند والمملكة المتحدة، ازدادت بشكل مضطرد خلال السنوات القليلة الماضية، وارتفعت إلى مستوى لم يُر له مثيل منذ نهاية الحرب الباردة. بل إن عقيدة روسيا البحرية لعام 2015 تَعتبر المحيط الأطلسي منطقة نزاع ممكن، ولهذا، فإن تركيزهم على هناك لا ينبغي أن يكون مفاجئاً. وفي هذا الإطار، قال قائد البحرية الأميركية السابق في أوروبا الأميرال المتقاعد «مارك فيرغسون» في 2016 إنه لاحظ كثافة دوريات الغواصات الروسية تزداد بـ 50 في المئة خلال العام الماضي، مع تركيز على السرعة والمفاجأة الاستراتيجية.
وإضافة إلى ذلك، أجرت روسيا الخريف الماضي اختباراً لمركبة نووية تحت-مائية غير مأهولة تهدف إلى خلق «مناطق واسعة من التلويث الإشعاعي التي تجعلها غير قابلة للاستعمال في أي نشاط عسكري أو اقتصادي». صحيح أننا قد لا نرى هذا السلاح جاهزاً للاستخدام قبل عشرينيات هذا القرن، ولكن حقيقة أنه خضع للاختبار يجب أن تكون مدعاة قلق وتدق ناقوس الخطر داخل هياكل «الناتو».
غير أن «الناتو»، للأسف، يبدو غير جاهز حالياً للتعاطي مع هذا النوع من التحديات. فمنذ سنوات العقد الأول من هذا القرن، تعاطى حلف «الناتو» بشكل يكاد يكون حصرياً مع نزاعات على الأرض وفي الجو: من الحرب في أفغانستان، إلى خلع القذافي في ليبيا، إلى النزاع الذي بات متجمداً الآن في شرق أوكرانيا. ونتيجة لذلك، ضعفت استراتيجية الحلف البحرية وخبراته وقدراته وتدهورت.
وعلى الرغم من أن بعض الأنشطة البحرية مثل محاربة القرصنة ومساعدة الهجرة في البحر الأبيض المتوسط تقع ضمن اختصاصات «الناتو»، إلا أن هذه المهمات تبهت عند مقارنتها مع مهمات «الناتو» الأخرى خلال الـ 25 عاماً الماضية. ولهذا، فإن استراتيجية بحرية فعالة للناتو تتطلب تحولاً أساسياً في التفكير بالنسبة للتحالف. كما تستدعي تغييراً في الاستراتيجية وسياسة المشتريات بالنسبة للدول الأعضاء في «الناتو»، لاسيما تلك التي تحد شمال الأطلسي.
غير أن العديد من حلفاء «الناتو»، للأسف، سمحوا لقدراتهم البحرية في المنطقة بأن تضعف وتتضاءل على مدى العقدين الماضيين. وفي هذا الصدد، حذّر خمسة ضباط كبار متقاعدين من القوات الجوية الملكية البريطانية من أن افتقار المملكة المتحدة لعدد كاف من الطائرات لمطاردة الغواصات الروسية في شمال الأطلسي يجعل الرادع النووي البريطاني «ترايدنت» عرضة للتجسس الروسي. وعلاوة على ذلك، فإن الدول الأعضاء المواجهة للأطلسي في الناتو باتت اليوم تمتلك قدرات أقل بكثير مما كانت تمتلكه قبل 20 عاماً. ففي 1995، كان لديها نحو 100 فرقاطة، أما اليوم، فإن العدد هو في حدود 50 تقريباً. كما أن الولايات المتحدة، مثلاً، نقلت معظم غواصاتها المهاجمة الـ 52 إلى منطقة آسيا- المحيط الهادي التي تشهد أيضاً تنافساً إقليمياً حاداً.
وتأسيساً على ما تقدم، يتعين على الناتو مراجعة استراتيجيته البحرية التي خضعت للتحديث آخر مرة في 2011. وهو أمر لن يكون سهلاً من دون شك، وسيتطلب موافقة ودعماً من أعضاء قد لا يشعرون بأنهم معنيون بشكل مباشر بالتحديات التي في الشمال. غير أن من شأن استراتيجية محدَّثة أن تعيد توجيه التحالف نحو التحديات البحرية، وتعالج الطيف الكامل من التحديات البحرية بدلاً من الاكتفاء بالعملية المتواضعة التي نجدها في نسخة 2011. كما ينبغي أن تضمن الاستراتيجيةُ الجديدة ألا يتحمل عضو واحد عبء توفير كل الاحتياجات، وأن توافر الوضوح بخصوص أي نوع من الهجمات البحرية يُعتبر تصعيدياً، وأن تشدد على أهمية الدخول في شراكات مع القطاع الخاص لمعالجة التهديدات السيبرانية ونقاط الضعف التي تطرحها الكابلات تحت-بحرية.
غير أنه يجب أن نتذكر أن أي اهتمام استراتيجي جديد بشمال الأطلسي، ينبغي ألا يأتي على حساب استراتيجية شاملة عبر أوروبا. فالحلفاء الجنوبيون والشرقيون سيستمرون في مواجهة تحديات كبيرة خلال المستقبل المنظور، مثل الهجرة الجماعية، وانعدام الاستقرار في الشرق الأوسط، وتهديدات هجينة من روسيا في أوروبا الشرقية. ولذلك، يجب على التحالف أن يكون قادراً على أن يعالج بشكل متزامن وفعال طيفاً واسعاً من التهديدات، من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب، وعلى الجو والبر والبحر. وقد أثبت الناتو قدرته على التكيف منذ إنشائه في 1949، ويجب عليه أن يفعل ذلك من جديد!
الكاتب : جوليان سميث ,زميلة ومديرة «الاستراتيجية والمهارة السياسة» بمركز الأمن الأميركي الجديد في واشنطن
و رايتشل ريتزو ,باحثة في برنامج الأمن عبر الأطلسي بمركز الأمن الأميركي الجديد في واشنطن http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=94893