عندما يكون الوباء في خدمة اللوبيات
مع ظهور فيروس كورونا و سرعة انتشاره في العالم عاد الحديث عن النظام العالمي الجديد، وإمكانية استمراره من تراجعه و إذا ما سيظل هذا الأخير يشكل قوة و بيده مصير الشعوب، و معاقبة كل من يخرج عن الخط الذي رسمته أمريكا، التي تصف نفسها اليوم بالأب الحنون لأنها تسعى إلى إنقاذ العالم من الوباء، فأمريكا لا تلجأ إلى الصدام المباشر و إنما إلى أسلوب الزحف الوئيد و خطب ودّ الشعوب لزيادة نفوذها، ما أجمع عليه محللون سياسيون هو غياب التخطيط العربي في مواجهة الكوارث و الأوبئة، من أجل تسجيل خسائر تكون أقل من حجم الخسائر التي سجلها العالم، فيما راحت أصابع الإتهام توجه أساسا لجامعة الدول العربية
و النظام الدولي الجديد كما هو معروف هو اتفاق بين دول لها مصالح مشتركة على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي تسعى إلى الإنفراد بالسلطة و الهيمنة على العالم، و هو في نظر خبراء سياسيون استعمار قديم يتجدّد ، و يسعى إلى تحقيق اغراض فشل في تحقيقها سابقا أو التي كان يسعى إليها الإستعمار القديم باسم الحداثة و العصرنة و التطور العلمي و التكنولوجي، و من له العقل المدبر و المبدع يمكنه من التحكم في العنصر الضعيف الذي يعتمد على الإستراد و استهلاك ما ينتجه العنصر القوي، و كما جاء في بعض التقارير فإن النظام العالمي الجديد ظهر إلى العيان في الإجتماعات و المؤتمرات التي تعقدها الدول صاحبة القرار، لحماية أمنها العسكري و السياسي و الإقتصادي و ليس لحماية الشعوب الأخرى، و من المؤتمرات التي سبقت هذه التحولات مؤتمر هلسينكي للأمن الأوروبي الذي انعقد في فرلندا سنة 1975 نظمته منظمة الأمن و التعاون في أوروبا OSCE، حضره ممثلو 35 دولة غربية و شرقية، بهدف تعزيز حقوق الإنسان و فك النزاعات و إدارة الأزمات.
و قد لعب هذا المؤتمر دورا جليا في الحوار بين الشرق و الغرب خلال فترة الحرب الباردة، برزت فيه الولايات المتحدة الأمريكية كأقوى دول العالم، تدير شؤون العالم، إذ كانت لها قوة القرار و التحكم في مصائر الدول الضعيفة و هي دول العالم الثالث خاصة في ما تعلق باقتصاد السوق، و منذ أن تمت السيطرة على هذه الدول تعرضت منظمات و جامعات كان لها دور هام قبل ظهور النظام الجديد إلى الفشل و التراجع، على غرار منظمة الوحدة الإفريقية ، حركة عدم الإنحياز و معها المؤتمر الإسلامي وكذلك جامعة الدول العربية التي كانت بفضلها تتحرك الشعوب المستضعفة، التي هي اليوم تتخبط في حالة اضطرابات و حروب أهلية ، هي في الواقع ناتجة عن مخطط أمريكي صهيوني للهيمنة على العالم كله و لكي تنسب لنفسها الشرعية العالمية، هكذا يكون الوباء في خدمة اللوبيات، في وقت يغيب فيه التحدي العربي في مواجهة الأزمات، ما أجمع عليه محللون سياسيون هو غياب التخطيط العربي في مواجهة الكوارث و الأوبئة، الذي به يمكن تسجيل خسائر تكون أقل من حجم الخسائر التي سجلها العالم، فيما راحت أصابع الإتهام توجه أساسا لجامعة الدول العربية الغائب الأكبر في هذا الظرف بالذات؟
تشير تقارير أن الولايات المتحدة تدرك متى ينقضي الفيروس و يَعُمُّ السّلام الصحي من جديد، كما انقضت فيروسات من قبل، و لذا هي تركز حربها على النفط و الموارد المائية في الوقت الذي تواصل الأنظمة العربية في محاربتها الوباء عن طريق الحجر الصحي و التعقيم، و لم تنظم صفوفها لما هو آت في المستقبل القريب أو لمرحلة ما بعد كورونا، حيث أهملت قطاعات ذات سيادة تواجه بها المستقبل، و كأنها تعيش فراغا سياسيا، و الولايات المتحدة اليوم بقيادة ترامب تريد باستخدامها الوباء إمّا بإدخال دولا جديدة في المدار الأمريكي كما أدخلت من قبل أنظمة عربية ، و إمّا عزلها عن سائر العالم، و لا شك من أنها ستحدث في المستقبل تغييرات منظومية في سياساتها تجاه العالم كله، و هذا في إطار حركتها المتنامية لعولمة الأسواق من خلال التكتلات الإقتصادية و التجارية بالشكل الذي يلائم مصالحها و يحافظ على وجودها.
و لإستكمال مشروع النظام العالمي الجديد، فأمريكا كما يراها الملاحظون لا تستغني عن الماضي في سياستها مع الآخر ( العرب)، و هي تحرق كل الأوراق لتحقيق مصالحها، أي أنها تعتمد على أخطائهم، كما حدث مع أبناء الساحل الموجودون في دمشق لما رفعوا عريضتهم إلى اللجنة الأمريكية للنظر في فرض الحماية الفرنسية على سوريا و لبنان و طالبوا فيها باستقلال سوريا و لبنان، و عندما عرض الوفد المصري القضية المصرية على الرأي العام الأمريكي، و حتى في الجزائر والقضية المعروفة بلقاء روما لوقف الحرب الأهلية، فالولايات المتحدة تحرص على حماية مواردها و تجعلها موضع اهتمامها الكبير، لأنها تدرك أن العالم كما يقول ميخائيل غورباتشوف سيتحوّل إلى برازيل كبيرة، أي إلى دول تسودها اللامساواة مع وجود أحياء مقفلة تسكنها النخب الثرية، و سوف تضمر الطبقة الوسطى، و هذا ما يحدث الآن مع انتشار وباء كورونا .
علجية عيش