تعد أولوية إيران الآن بعد رفع الحظر الدولي عنها لشراء الأسلحة هي زيادة كفاءة قدراتها الصاروخية قصيرة ومتوسطة المدى. ورغم حاجتها إلى قوة جوية منافسة لجيرانها، تدرك طهران أن إدخال أنظمة القتال الجوي مثل “جي 10” الصينية أو مقاتلات “أس.يو 30” الروسية لن تسد فجوة المنافسة مع جاراتيها السعودية والإمارات، وأيضا القوات الجوية والبحرية للولايات المتحدة في المنطقة.
ومن وجهة النظر الروسية والصينية تمثل إيران أكبر عامل يرهق الولايات المتحدة في الشرق الأوسط من حيث الاستنزاف السياسي والعسكري والأخلاقي.
وتؤكد أغنيس حلو، وهي كاتبة لبنانية متخصصة في الشؤون العسكرية للشرق الأوسط في تقرير نشره موقع “ديفنس نيوز”، أن إيران أبدت في السابق اهتماما بطائرات “أس.يو 30″ و”ياك 130” و”دبابة تي 90″، ونظام الدفاع الجوي “أس – 400” الروسية، لكنها مُنعت من شراء تلك المعدات العسكرية بموجب اتفاق نووي دولي.
ويعتقد عبدالله الجنيد، الخبير الاستراتيجي البحريني والباحث السياسي، أن صاروخ إسكندر الروسي “9 كي 720” سيكون على رأس تلك القائمة. ويتوقع أن تحاول طهران شراء تكنولوجيا نظام توجيه الصواريخ للتطبيقات المدنية والعسكرية وأجهزة الاستشعار وأنظمة مراقبة الفضاء وأنظمة الاتصالات الرقمية وتكنولوجيا الأمن السيبراني، وأما في ما يتعلق بتطوير قدرات قوتها البحرية، فلديها طموحات كبيرة في هذا الصدد، لكن الغواصات ستكون من أولوياتها.
ويبدو أن إيران، التي أشاد وزير خارجيتها محمد جواد ظريف عقب انتهاء الحظر المفروض على بلاده بـ”تطبيع التعاون الدفاعي الإيراني مع العالم” باعتباره “انتصارا لقضية التعدّدية والسلام والأمن في منطقتنا”، ستتجه إلى أقرب حلفائها من أجل تعزيز ترسانتها العسكرية.
ويقول دوغلاس باري، الزميل البارز المتخصص في الفضاء العسكري في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن “الصينيين والروس سينظرون إلى إيران كسوق يريدون التعامل معه. وفي ما يتعلق بالأنظمة التقليدية، فإن كل من الحرس الثوري الإسلامي والجيش، لاسيما في سلاح الجو على سبيل المثال لا الحصر، لديهما أنظمة قديمة تم تسليمها في سبعينات وتسعينات القرن الماضي”.
وتريد إيران، وفق باري، تعزيز قدراتها الدفاعية من حيث صد الضربات الجوية والهجمات، لذلك ستسعى إلى الحصول على صواريخ أرض – جو أكثر قدرة، وطائرات مقاتلة، وأسلحة جو – أرض بعيدة المدى، وأسلحة مضادة للسفن.
ويعتقد محمد كيناني، الباحث في الشؤون العسكرية والمحلل الدفاعي في المنتدى العربي لتحليل السياسات الإيرانية، ومقره القاهرة، أن إيران مهتمة بشكل أساسي بمقاتلات “أس.يو 30” الروسية وخاصة الإصدار الأخير “أس 30 أس.أم.إي”، والطائرة الهجومية من طراز “ياك 130″، وقد تطلب مقاتلات تكتيكية متوسطة مثل “أم.آي.جي 35″، جنبا إلى جنب مع دبابات القتال “تي 90 أم.أس”، وأنظمة دفاع جوي بعيدة المدى من طراز “أس – 400”.
وكان الكرملين قد أعلن في 2016 أنه سيزوّد طهران بقدرات على تصنيع دبابات “تي 90” عند انتهاء الحظر. ومن هنا ربط باري زيارة وزير الدفاع الإيراني أمير حاتمي موسكو في أواخر أغسطس الماضي لحضور معرض الدفاع “جيش 2020” ولأجل إجراء محادثات مع مسؤولي الدفاع الروس، بخطط طهران لإعادة رسملة المعدات الروسية.
وفي ظل محدودية الموارد المالية، قد تحاول إيران ترقية أنظمتها الحالية عبر تحسين أداء الأسلحة لسد الثغرات قصيرة المدى، ولكن على المدى المتوسط، وفق باري، سيكون عليها البدء في التفكير في استبدال الكثير من المنصات.
ويرى الجنيد أنه في غضون ذلك سيتعين على الصين أن تخطو بحذر إذا قررت تزويد إيران بقدرات دفاعية كبيرة، حيث تدرك بكين أن مصالحها قد تكون في خطر إذا فقدت قدرتها على الحفاظ على التوازن في علاقتها مع طهران وشركائها التجاريين الإقليميين وهما السعودية والإمارات.
وأوضح الجنيد أنه من خلال إعلان الصين عن التشريع الجديد للحد من التسلح، فإنها بعثت برسالة إلى الولايات المتحدة مفادها أنها تدرك مسؤوليتها الدولية وأن الاتفاقية الاستراتيجية مع إيران لن تضر بالأمن الدولي.
وأعلن ظريف مطلع هذا العام أن بلاده تقترب من استكمال اتفاقية شراكة استراتيجية طويلة الأمد مع الصين، وفي أغسطس الماضي، أشارت وثيقة مسربة بين الدولتين إلى دخولهما في شراكة أمنية واقتصادية لمدة 25 عاما، وبعد 10 أيام من رفع حظر الأسلحة المفروض على إيران، سنت بكين قانون مراقبة الصادرات لتعزيز تنظيم الصادرات العسكرية.
ويقول كيناني إن اهتمام إيران بشراء طائرات كاميكازي ذاتية القيادة، وقوارب مسلحة ذاتية القيادة تعني أن الصين ستوفر على الأرجح التقنيات الحديثة لمساعدة الدولة الشرق أوسطية على تطوير سفن بحرية ذاتية القيادة وطائرات ذاتية القيادة.
وتراقب دول الخليج القدرات الدفاعية لإيران، لكن ليس بسبب الفرص الصناعية. ويؤكد الجنيد أن سباق التسلح الإقليمي مستمر، مشيرا إلى أن إيران تبني قوتها العسكرية لأغراض توسعية بينما تعمل الدول المجاورة على تعزيز قدراتها لمنع الصراع في المستقبل.
وبينما أوضح الجنيد أنه حتى لو كانت إيران تمتلك بعض القدرات النوعية في جميع قطاعاتها، فإن وصولها إلى الكفاءة الميدانية التشغيلية والقدرة البشرية سيتطلب أكثر من عقدين، فيما رجح كيناني إمكانية إحياء التحالف الاستراتيجي للشرق الأوسط المعروف بحلف “الناتو العربي”.
وقال كيناني “من الممكن إحياء الناتو العربي، لكنه سيخضع للعديد من الظروف الإقليمية والدولية والاعتبارات السياسية لكل دولة، وهناك بالفعل قوات درع الجزيرة، وهو مشروع عسكري مشترك في إطار مجلس دول التعاون الخليجي، التي بدأت منذ فترة في تعزيز قدراتها العسكرية خاصة في مجال الدفاع الصاروخي والقوات الجوية والبحرية وأنظمة القيادة والسيطرة مع الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا وغيرها”.
ومع ذلك، يشك باري في إحياء التحالف بسبب الخلافات متعددة الأطراف، مشيرا إلى أن رد الفعل سيكون على المستوى الوطني وليس على المستوى التعاوني في المنطقة.
ويتيح انتهاء حظر الأسلحة على إيران الفرصة لتصدير أنظمة دفاع. وتوقع كيناني أن تصدر معدات عسكرية مثل طائرات ذاتية القيادة وأنظمة صواريخ أرض – أرض وصواريخ مضادة للسفن وصواريخ مضادة للدبابات وأنظمة دفاع جوي قصيرة المدى ومتوسطة المدى.
وفي خضم ما يحصل في القوقاز، استبعد كيناني أن تقدم إيران على تصدير أي أنظمة أسلحة إلى أرمينيا لتجنب إزعاج الحليف الأذري، تركيا، وللحفاظ على توازن القوى، وما يدعم ذلك أن المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي من أصول أذرية.
مصدر