يميل الناس في العادة الى التفكير بحرب فيتنام كاهم كوابيس العسكرية الامريكية المعاصرة. و لكن بين صناع القرار في حرب عام 1991 كانت حرب كوريا هي السيناريو الذي يجب تجنبه باي ثمن ممكن. حيث انقلبت الحرب بفعل اخطاء السياسيين و العسكريين من نصر سياسي و عسكري الى تعادل تدفع كلفته واشنطن الى اليوم.
1- اخطأت واشنطن و البنتاغون بتوسيع اهداف الحرب في اثناء المعركة.
2- الحرب انتهت بدون نصر حاسم. و بقيت الوف القوات الامريكية و الكورية في الخنادق لما يقرب الاربعين عاما (و قتها - الان صرنا في العقد السادس من "الهدنة").
و كانت مهمة "الفريق الصغير" من مستشاري الرئيس و الخارجية و الدفاع و المخابرات ان يصوغوا اهداف الحرب لتنتهي بشكل مناسب للسياسة الامريكية داخليا و خارجيا.
السؤال الذي وجب على الخلية الاجابة عنه هو ببساطة: ماذا تأمل ان تحقق الولايات المتحدة من هذه الحرب؟ و كيف يجب تعريف النصر في هذه الحرب؟
على المستوى السياسي، حدد الرئيس بوش اهداف الحرب السياسية منذ الاسبوع الاول للاحداث:
1- انسحاب العراق بشكل غير مشروط من الكويت.
2- اعادة حكومة الكويت الشرعية.
3- تعزيز امن المواطنين الامريكيين في الخارج.
4- تعزيز امن و استقرار دول الخليج العربي.
و كان السؤال هو عن حجم الانتصار العسكري المطلوب لتحقيق هذه الاهداف. هل يمكن ضمان امن الخليج طالما بقي البعث في الحكم؟
و مع النجاح الساحق للحرب الجوية، كانت غرفة المستشارين تدرس ما اذا كان الفكير في تدمير نظام صدام حسين بدل فقط التوقف عند الحدود الدولية. و لكن كان هناك عوامل يجب توضيحها:
1- معظم الحلفاء - باستثناء بريطانيا - حددوا مشاركتهم بالحرب على اساس اخراج العراق من الكويت.
2- قرار الامم المتحدة حدد المهمة باخراج العراق من الكويت.
3- مجلس الشيوخ الامريكي بالكاد وافق على حرب تحرير الكويت.
بالنسبة للجيش، كان الدرس الاهم هو تحديد الهدف بدقة و ان تكون ضمن القوات المتاحة. و ترجم شوارتزكوف خطاب بوش بهدف عسكري:
1- تدمير قدرات العراق على انتاج اسلحة الدمار الشامل
2- تدمير الحرس الجمهوري كقوة قتال هجومي مؤثر للجيش العراقي مما كان يمكن صدام من تهديد الجيران.
اي اندفاع شمال نهر الفرات كان سيحول الرسالة السياسية للمعركة بشكل ضد التحالف. و سيصير الجندي العراق يدافع عن بلده بدلا من الدفاع عن سياسة صدام حسين. و كان النهر يوفر حاجزا معقولا ضد اي عمل عسكري معاد.
اضافة لذلك كان هناك قلق من ان سقوط البعث سيؤدي لحرب اهلية في العراق و يتم تقسيم البلد بين دول مثل سوريا و تركيا و ايران. و بسبب عدم وجود بديل يميل للنظرة الغربية لحكم العراق بشكل جاهز.
حسنا، فليبق صدام على رأس بلده المحطم و جيشه المهزوم، لكن كيف سيتم تسويق ذلك للشعب الامريكي بينما الميديا و خطابات الرئيس بدأت تقارن صدام بهتلر! و كان الحل هو ان صدام يمثل نسخة مصغرة من السفاح الالماني، اي انه هتلر ايام الثلاثينات و يجب وقفه عند حده قبل ان يصير وحش الحرب العالمية الثانية. و المبدأ الثاني كان ان احتمال الاطاحة بالرئيس في انقلاب عسكري كان عاليا جدا في حسابات الامريكان.
و بالتالي اصبح الموضوع ان الجيش الامريكي قادر على كسب الحرب و حتى احتلال العراق، لكن ثمن ذلك - بناء البلد على الصورة الغربية و التوهان في النزاعات السياسية المحلية - سيكون غاليا جدا و يجب عدم التورط فيه.
و في بلد الصورة الاعلامية فيه مهمة جدا. كان من المهم ان تنتهي الحرب على صورة انتصار شامل: مثل ما حضرت اليابان لتوقيع صك الاستسلام على السفينة ميزوري في الحرب العالمية الثانية. و لكن القلق كان ان العراق يرفض ان يستسلم بشكل رسمي و يقوم العراقيون بالمشاغبة عبر خط وقف اطلاق النار. فهل يظهر العراق العناد الكافي ان تحتاج امريكا ان تبقي 40 الف مقاتل لزمن مفتوح مثلما هو الحال في كوريا الجنوبية؟ هذا هو الكابوس الذي اقض مضاجع الامريكان و الانجليز.
السناريو الاخر المقلق جدا للخلية المصغرة كان المناورة السياسية العراقية: ان ينسحب العراق من معظم الكويت و ان يبقى جزيرة بوبيان و منطقة حقل الرميلة. هذا السيناريو الكابوس كان كفيلا بتدمير التحالف المعد لقتال العراق. فقليل من قوات الدول المشاركة مستعدة ان تخوض حربا برية من اجل اجلاء جزيرة خالية و التدخل في نزاح حدودي. و قد امضت خلية العمل اسابيع في التفكير في اجراءات لاذلال العراق و اظهارة كمهزوم فيما لو اعلن العراق الانسحاب من الكويت قبل بدء الحرب. و كان التفكير في ان العراق لو طلب وقف الحرب قبل بدء العمل البري، فسيتم اعطاؤه 48 ساعة فقط لاخلاء كل الكويت من قطعاته. و تم عمل جداول مفصلة لتحرك كل قطعاته خلال هذه المدة و الا فالحرب قائمة. و حتى هذه الخطة - التي ستحرم العراق من المعدات الثقيلة لجيشه - ستبقى الحرس الجمهوري (ألموجود خارج الكويت تقريبا) بخير. و عليه يمكن التفكير بحركة الخطاف و الهجوم العسكري الامريكي على انه صمم لا لضرب الجيش العراقي في الكويت. بل اصلا لتعجيل القتال مع الحرس الجمهوري خلفه.
و عليه يوم 14 فبراير، عندما ابرقت موسكو لواشنطن ان بغداد بدأت تغير حساباتها و ان عزيز قادم لموسكو للتشاور. شعر المطبخ السياسي الامريكي بالرعب. و بعدها بيوم اعلن راديو بغداد ان المجلس الثوري بدأ يعرض على صدام خيارات تشمل الانسحاب من الكويت. و عمت موجة التفاؤل في العالم. و لبث بوش مع مستشاريه ساعات يدرس العرض العراقي قبل ان يتنفسوا الصعداء. فالعرض يشترط وقف الحرب الجوية، و سحب القوات الاجنبية من المنطقة خلال شهر، و انسحاب اسرائيل من الضفة و الجولان، و الغاء قرارات مجلس الامن السابقة. و بالتالي اعطى العراق امريكا كل الذرائع لرفض العرض.
ٌR. Atkinson - Crusade