لماذا اختارت إيران الإسلامية التعاون الطويل المدى مع الصين الشيوعية؟
كان يوم 27 آذار/ مارس 2021 يوماً صادماً للإيرانيين، ففيه وقّع وزير الخارجية الصيني وانغ يي مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف، أثناء زيارته لطهران، "وثيقة الشراكة الاستراتيجية" التي تتضمّن تعاون البلدين في المجالات الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
وتساءل إيرانيون كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي عن طبيعة هذه الوثيقة وبنودها التي بقيت سرّية، وفرّقت الشرطة محتجين سلميين عليها خرجوا في طهران والكثير من المدن الأخرى. كما تصدّر خبر توقيعها أخبار وسائل الإعلام الدولية، وأثار قلق كثيرين من الخبراء في شؤون الشرق الأوسط
وفقاً للروايات الحكومية الرسمية، فإن الوثيقة الموقّعة هي بمثابة "خارطة طريق" وليست اتفاقاً. وقال المتحدث باسم الحكومة علي ربيعي في مؤتمر صحافي في 30 آذار/ مارس إن "هذه الوثيقة مجرّد خارطة طريق... إنها إطار عام وأرضية يجب استكمالها مع مرور الوقت من خلال اتفاقات في مجالات نجد فيها اهتمامات مشتركة".
وعليه، حسبما قال، لا تُعتبر هذه الوثيقة معاهدة أو اتفاقية أو معاهدة دولية. ووفقاً لهذا التفسير القانوني، لا تحتاج إلى موافقة البرلمان. وأضاف ربيعي أنه "من الواضح أنها ستُعرض على البرلمان إذا شملت لاحقاً جوانب تنفيذية".
وصفُ الوثيقة بـ"خارطة الطريق" مهم للغاية، ويدّل على الرغبة في التعاون الطويل الأمد بين البلدين، وعلى أن اتفاقيات أخرى ستُبرَم في المستقبل، كما أن استخدام هذا الوصف ذريعة لعدم نشر تفاصيلها أو التصويت عليها في البرلمان.
وفقاً لتقارير الرسمية، تتضمن الوثيقة شراكة لمدة 25 عاماً. وأشار البيان الصادر عن وزارة الخارجية الإيرانية إلى محتويات هذه الوثيقة بشكل عام، لكنه تعمّد تجنب ذكر التفاصيل.
لم يتم إعلان تفاصيل الوثيقة رسمياً بعد، وأخفيت عن الرأي العام. ورداً على سؤال حول سبب عدم نشر نص الوثيقة، قال علي ربيعي: "إن نشر النص الكامل يخضع لاتفاق بين الطرفين. ليست لدينا مشكلة في نشرها، لكن ربما يكون للجانب الصيني رأي مختلف"، مضيفاً أنه "لم يكن لدى الحكومة الإيرانية مشكلة في نشر الوثيقة بشكل كامل منذ البداية، ولكن الطرف المقابل (الصين) لم يرغب في نشرها بسبب بعض الملاحظات الخاصة".
تُظهر تصريحات المتحدث باسم الحكومة الإيرانية أن للصينيين اليد العليا في الاتفاق وهم مَن يأمرون وينهون إيران. فإذا كانت لدى إيران إرادة مستقلة، كان بإمكانها نشر محتويات الوثيقة التي تدّعي أنها غير ملزمة والتي لم تدخل مرحلة التنفيذ بعد، حسب تصريحات المسؤولين.
ويبدو أن هناك مخاوفَ لدى كلّ من الصين وإيران في ما يخص العقوبات الأمريكية والأوروبية، وقد يُظهر الكشف عن تفاصيل الوثيقة وجود خروقات لبعض العقوبات الدولية.
وتجدر الإشارة إلى أنه مقارنة بالبيان المشترك الصادر في كانون الثاني/ يناير 2016، تحت عنوان "شراكة استراتيجية شاملة بين جمهورية إيران الإسلامية وجمهورية الصين الشعبية"، جرى الإعلان عن تفاصيل أقل بكثير هذه المرة ما أثار غضب الشارع الإيراني.
يُعتبَر طريق الحرير الحديث، أي مشروع "حزام واحد، طريق واحد"، ممرّ الصين إلى الغرب وجزءاً من استراتيجية التنين الأحمر الزاحف. هو حاجة أساسية للنظام الشيوعي. وهو خطة لربط قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا بشبكات مواصلات تسهّل التبادل التجاري، تضمّ سككاً حديدية وطرقاً برية وبحرية.
في سياق هذا المشروع، تقوم الدول المتعاقدة مع الصين ببناء وتنفيذ مشاريع بنى تحتية مثل الطرق والجسور، والسكك الحديدية والموانئ، وتطوّر خطوط اتصالاتها.
وتُعَدّ إيران من أقصر الطرق البرية من الشرق إلى أوروبا وبالعكس، وهي أفضل طريق لوصول دول آسيا الوسطى إلى المياة المفتوحة. لذلك، هناك فوائد عديدة للجانب الصيني من مشاريع الاستثمار في إيران. وتُظهر تفاصيل طريق الحرير الحديث مدى أهمية إيران لوصول الصين إلى أسواق جديدة، ما يتيح لها منافسة أوروبا وأمريكا بقوة أكبر في السنوات القادمة.
وبغض النظر عن الفوائد الاقتصادية، سيكون التعاون بين البلدين لمدة 25 عاماً مقدّمة لانضمام إيران بشكل دائم إلى منظمة شنغهاي للتعاون التي تضم دولها 25% من أراضي العالم و42% من سكانه، وستوفّر العضوية فيها إمكانية الوصول إلى التكنولوجيا والخدمات البنكية، والأسلحة، والأعتدة، والتعاون الأمني.
وأخذت السلطات الإيرانية مكسب الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون بالنظر عند إسراعها في توقيع وثيقة الشراكة الاستراتيجية، لأن العضوية فيها ستمنحها مظلّة أمنية وسياسية قوية تجاه الولايات المتحدة وأوروبا.
كما وتعتمد إيران بشكل كبير على الصين في الالتفاف على العقوبات الدولية. وتبيع إيران النفط للصين بخصم خاص، وتشير الإحصاءات إلى أن صادرات النفط الخام الإيراني إلى الصين بلغت 856 ألف برميل يومياً في آذار/ مارس 2021، وهو أعلى مستوى خلال العامين الماضيين وأعلى بـ129% من الرقم المسجَّل في الشهر الذي سبقه، حسب موقع "وورد أويل".
اقتصر دور وزير الخارجية محمد جواد ظريف على التوقيع على الوثيقة أمام عدسات الكاميرات. أما المسؤول عن تمهيد الأرضية لها فقد كان مستشار المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران علي خامنئي ورئيس البرلمان علي لاريجاني، وذلك أثناء زيارته للصين في 20 شباط/ فبراير 2019، عندما التقى بالرئيس الصيني شي جينبينغ. حينذاك، غرّد ظريف قائلاً إنه شارك في زيارة لاريجاني بصفته مجرد مرافق.
لكنّ اللاعب الرئيسي في التوصل إلى الوثيقة من خلف الكواليس هو الحرس الثوري الإيراني. زار اللواء محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، على رأس وفد عسكري رفيع المستوى بكين في 11 أيلول/ سبتمبر 2019.
ويُعتبر اللواء باقري من أبرز قادة الحرس الثوري المقربين من خامنئي وهو معروف برؤيته الاستراتيجية تجاه الصين. واعتُبرت زيارة باقري للصين رسالة تأييد من خامنئي لتعاون طويل المدى مع الحزب الشيوعي الصيني.
لقاءات باقري مع القادة الصينيين، وإنشاء لجنة عسكرية مشتركة، وزيارة المراكز الصناعية والعلمية، والمحاضرات التي ألقتها نخب علمية وعسكرية في جامعة الدفاع الوطني الصينية، خير دليل على بناء علاقات وطيدة بين الحرس الثوري الإيراني والحزب الشيوعي الصيني.
يسعى الحرس الثوري إلى تعاون عسكري وأمني مكثف مع الصين، ومن المتوقع عقد اتفاق عسكري ثنائي في المستقبل القريب بين البلدين.
وبحسب تقرير نشره موقع "أويل برايس"، يركّز الحرس الثوري الإيراني على تعزيز أنظمته الدفاعية من خلال اتفاقات مع الصين. كما أن نقل خبرة الصين في مراقبة شبكة الإنترنت وحجب شبكات التواصل الاجتماعي ستكون مضمّنة في العقود التي تتناول تعزيز شبكة الاتصالات في إيران طيلة السنوات القادمة.
ومن الواضح أن الحرس الثوري لن يجد شريكاً أقوى من الصين لتثبيت موقعه العسكري، سواء داخل إيران أو في المنطقة. وعلى الصعيد الدولي، قد يكون حق الفيتو الصيني في مجلس الأمن من أهم فقرات الوثيقة غير المكتوبة.
أجبرت الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية حكام إيران على اللجوء إلى إبرام اتفاق طويل المدى مع الصين، رغم تجربة فخ الديون الصيني في الدول النامية واستيلائها على الثروات والأراضي الزراعية، كما في كينيا وسريلانكا.
ولكن يعتقد كثيرون أن لا الفيتو الصيني في مجلس الأمن ولا التعاون الأمني والعسكري مع بكين سينقذ النظام الإيراني من الأزمات الداخلية والاحتجاجات التي تزداد.
الانتخابات الإيرانية على الأبواب، وعادةً يدفع الصراع على الرئاسة المرشحين إلى النأي بأنفسهم عن أخطاء الحكومة، وفضح بعضهم البعض، ما قد يساعد في الكشف عن تفاصيل جديدة عن الوثيقة الموقّعة المشبوهة.
علي رضا أسدزاده
كاتب وناشط إيراني مقيم في واشنطن.
raseef22