بقلم: د. محمد السعيد إدريس*لم
يكن يوم الثلاثاء الماضي يوما تقليديا في تاريخ العلاقات الامريكية ـ
العربية، خاصة الجيوش العربية والإدراك الأمريكي لأدوار هذه الجيوش، ففي
هذا اليوم أعلن رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب الأمريكي.النائب الديمقراطي هوارد بيرمان تعليق المساعدات العسكرية الأمريكية المقدمة الي الجيش اللبناني.فقد
صرح بأنه تم تعليق المساعدات المخصصة للبنان والتي تقدر قيمتها بـ100
مليون دولار, وكان من المقرر تقديمها في الثاني من اغسطس الجاري,
وارجع السبب في ذلك القرار الي قلقه من تأثير حزب الله المحتمل في
الجيش, مضيفا ان هذا القلق تعزز بعد الاشتباك الحدودي الذي وقع بين
الجيش اللبناني والجيش الإسرائيلي بالقرب من قرية العديسة اللبنانية
الحدودية قبل اسبوع.اللافت هنا أن هذا الموقف لقي تأييدا من
قيادات اخري في الكونجرس الأمريكي أمثال عضو مجلس النواب النائب
الديمقراطي رون كلاين وعضو مجلس النواب النائب الجمهوري اريك كانتور
اللذين قدما طعونا مماثلة في البيت الابيض للحد من إمدادات الاسلحة للجيش
اللبناني اوضحا فيها ان لبنان لايمكن ان يسير في اتجاهين, واذا كان يريد
ان ينضم الي حزب الله ضد قوي الديمقراطية والاستقرار والاعتدال فسوف تكون
هناك عواقب وخيمة.الربط بين تعليق المساعدات العسكرية الامريكية
للجيش اللبناني وحادثة العديسة مرجعه ان الجيش اللبناني تصدي لما اعتبره
اعتداء إسرائيليا علي السيادة اللبنانية وهو بذلك يخالف القواعد الحاكمة
لفلسفة الدعم الأمريكي لهذا الجيش التي قررها الرئيس الأمريكي السابق جورج
بوش والرئيس الحالي باراك اوباما والتي تحدث عنها بوضوح الجنرال جيمس
ماتيس الذي تولي رئاسة القيادة المركزية الامريكية الوسطي, ففي معرض
اجاباته عن الاسئلة التي طرحها اعضاء لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ
في اطار جلسات التصديق علي تعيينه. اوضح الجنرال ماتيس ان العنصر
الاساسي في علاقة القيادة الوسطي مع الجيش اللبناني هو بناء قدراته من اجل
الحفاظ علي الاستقرار الداخلي وحماية الحدود.والهدف الثاني هو سيادة لبنان التي تواجه تحديا من الأنشطة المقوضة للاستقرار من حزب الله.لكنه
عاد ليؤكد وبوضوح ان المطلوب هو بناء قدرات القوات المسلحة اللبنانية
لتحقيق توازن متساو مع نفوذ سوريا وحزب الله, بشكل مناسب, هكذا وبوضوح
ودون اخفاء تدعم واشنطن جيش لبنان كي يحارب الارهاب الذي يعني المقاومة
وتحقيق توازن داخلي في لبنان مع نفوذ سوريا وحزب الله دون أي إشارة
لإسرائيل ومن هنا بالتحديد جاء رد الفعل الامريكي السريع والمتعجل بوقف
المساعدات العسكرية الامريكية عن الجيش اللبناني عقابا لهذا الجيش علي
قيامه بالرد علي الاعتداءات التي قامت بها القوات الإسرائيلية ردا علي
تصدي حاجز عسكري لبناني لقوات إسرائيلية قامت باقتلاع شجرة علي الجانب
اللبناني من الحدود قرب قرية العديسة لزرع كاميرات مراقبة مما ادي الي
مصرع ضابط إسرائيلي واستشهاد ثلاثة جنود لبنانيين.هذا الموقف
الأمريكي جاء منسجما تماما مع الموقف الإسرائيلي الذي اصيب بـ الصدمة من
رد فعل الجيش اللبناني وجري العمل سريعا في اتجاهين, الاول توجيه
تحذيرات مشددة للجيش اللبناني من ان الجيش الإسرائيلي قرر وبشكل كبير
تغيير نمط تعامله مع الجيش اللبناني, حيث بعث رئيس الوحدة الاسراتيجية
في شعبة التخطيط العميد يوسي هايمان رسالة لنائب رئيس الاركان اللبناني
ولرئيس شعبة العمليات ولقادة القوات الدولية يونيفيل تفيد بأنه من الآن
والي ان يثبت العكس, فإن الجيش الإسرائيلي سيرد بشدة علي اي محاولة
كنشاط هجومي بشكل مضاعف مرات عما كان متبعا حتي وقوع حادثة العديسة, كما
جري الترويج لمعلومات تقول أن إسرائيل كانت تنوي القيام بعملية عسكرية
كبري لتأديب الجيش اللبناني والانتقام لمقتل الضابط الإسرائيلي لولا
تدخلات غربية وعربية اوقفت هذه العملية.أما الاتجاه الثاني فهو
التحذير من خطر ما حدث من تحول في أدوار الجيش اللبناني, اي التحول
لمقاتلة إسرائيل وإرجاع هذا التحول الي تنامي نفوذ حزب الله في هذا
الجيش, والترويج لمعلومات تقول ان الكتيبة التابعة للجيش اللبناني التي
تصدت للقوات الإسرائيلية تخضع لقيادة ضابط شيعي قريب من حزب الله.فقد حذر داني أيالون مساعد وزير الخارجية الإسرائيلي من خطر تصاعد تأثير حزب الله علي الجيش اللبناني.هذه
المواقف الامريكية والإسرائيلية احدثت ردود فعل لبنانية لاتقل اهمية في
مغزاها عما ما يتحدث عنه الامريكيون والإسرائيليون من صدمة التحول في دور
الجيش اللبناني وتوجه الجيش لمقاتلة إسرائيل.
ففي الوقت الذي دعا فيه
الرئيس اللبناني ميشال سليمان الجيش الي ضرورة التصدي لأي محاولة اعتداء
إسرائيلية, توعد حزب الله بقطع يد إسرائيل اذا هي هاجمت الجيش اللبناني
مجددا, ودعم وليد جنبلاط رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي دعوة الرئيس
اللبناني الي وجوب تسليح الجيش دون الخضوع لأي شروط سياسية, منتقدا
اشتراط ما أسماه بـ بعض الدول علي الجيش عدم اطلاق النار علي إسرائيل
مقابل منحه بعض الأسلحة وشدد جنبلاط علي ضرورة ان يسعي الجيش الي الحصول
علي السلاح المناسب من اي مكان ومن اي مصدر متاح في العالم مع وجوب الحفاظ
علي عقيدته القتالية ضد إسرائيل.لكن الرد الأهم جاء علي لسان
نبيه بري رئيس البرلمان اللبناني الذي اكد بدوره حق الجيش في الحصول علي
السلاح من اي مكان في العالم, مضيفا: واذا شاءوا فأنا مستعد ان اساعد
في تسليحه المهم هو الحفاظ علي عقيدته القتالية والوحدة الوطنية.وانتقد
موقف واشنطن الذي يشترط علي لبنان مقابل منحه فتات الاسلحة عدم استخدامها
ضد إسرائيل, في حين انها لم تشترط علي إسرائيل عدم استخدام اسلحتها
المتطورة ضد لبنان, واعتبر ان اصرار واشنطن علي الا يوجه الجيش اللبناني
سلاحه نحو الجيش الإسرائيلي المعتدي يعني بكل بساطة, أنها تريد أن يوظف
هذا السلاح في الداخل ضد بعضنا البعض.هذا الاستنتاج يبدو انه ليس
لبنانيا فقط علي ضوء الفجوة الهائلة بين التسليح الامريكي لإسرائيل بأرقي
أنواع الاسلحة الامريكية التي تضمن لها التفوق النوعي علي كل الجيوش
العربية وبين التسلح الامريكي للجيوش العربية بأنواع من الاسلحة لاتصلح
لمحاربة إسرائيل, ولعل ما هو مثار هذه الايام بشأ صفقة اسلحة طائرات إف
ـ15 الامريكية للمملكة العربية السعودية والشروط الإسرائيلية وليس فقط
الأمريكية لإتمام هذه الصفقة كاف للدلالة علي ذلك, حيث استقر الامر علي
عدم امداد الطائرات التي ستباع للسعودية بأنظمة متطورة بعيدة المدي يمكن
استخدامها في عمليات هجومية علي اهداف بحرية وبرية وهي الانظمة التي جري
تسليمها لإسرائيل, اذا اضفنا الي ذلك الضغوط الامريكية علي كثير من
الدول وخاصة روسيا, لعدم بيع العرب اسلحة متطورة كان ابرزها صواريخ
أس300 الدفاعية المضادة للطائرات لتكشف حقيقة مواقف الولايات المتحدة من
الجيوش العربية, لكن يبقي اخطرها هو التدخل في وظائف هذه الجيوش
وادوارها خاصة ما يتعلق بالسياسة وادارة شئون الحكم داخل الدول العربية.