هل العرب مصابون حقا بقصر الذاكرة؟ !!
يصف الغربيون العرب بقصر الذاكرة، اي سرعان ما ينتابهم النسيان للاحداث التي تمر بهم، وخاصة منها الهامة، مما يفوت عليهم استخلاص العبر والدروس. فما مدي صحة ذلك؟
يبدو ان ذلك صحيح، بدليل انهم يلدغون من الجحر الواحد عديد المرات. الذي دعاني الي طرح هذا السؤال ومحاولة الاجابة عليه، ما تضافرت علي بثه ونشره وسائل الاعلام المختلفة، من دعوة دولة الامارات العربية فرنسا لانشاء قاعدة عسكرية ـ برية بحرية ـ! وهو امر يدعو الي الحيرة، بل والي ما ابعد منها. لان عددا من الدول العربية بذلت من دماء ابنائها بحارا، ومن اموالها انهارا لتصفية تلك القواعد التي ارتبطت ولا تزال بالاستعمار قديمه وحديثه ـ وبالهيمنة والتخريب والتدخل، حصل ذلك في العراق والحبانية، ومصر وقناة السويس وتونس وبنزرت... الخ.
بل لا تزال القوي الاستعمارية تسعي وبجهود حثيثة لانشاء القواعد العسكرية وبكل ثمن، كما تفعل الولايات المتحدة اليوم في العراق وافريقيا. ففي العراق تسعي لبقاء طويل او دائم كما تقول وفي ظل استعمارها له، والبحث في افريقيا لا يزال علي قدم وساق، وقد رفضت الجزائر وغانا قبول قواعد امريكية علي اراضيها. القواعد العسكرية يمكن ان تهدد وفي كل لحضة لا الاقطار التي تقوم علي اراضيها فقط، بل دول الجوار ايضا وحتي البعيدة احيانا، (فقد قصفت المقاتلات الامريكية ليبيا انطلاقا من قواعدها في بريطانيا واسبانيا). وقبل ذلك وبعده هل توفر القواعد العسكرية الاجنبية الحماية لمن دعاها للانتصاب علي ارضه؟ التاريخ القديم والحديث يؤكدان ان الحماية لا تتوفر الا بجهود ذاتية، قوامها علاقة متينة بين الحاكم والمحكوم. فكم من انقلاب حصل في ظل وجود القواعد العسكرية ضد حكم من استدعي تلك القواعد التي تعهدت بحمايته. وحديثا ألم يفكر بوش الابن في قصف قناة الجزيرة بقطر.. قطر التي منحت الولايات المتحدة قاعدة السيلية التي منها ادارت (الكترونيا خاصة) حربها المدمرة علي العراق؟
اما المشاهد والآني فهو ما قامت به فرنسا ورئيسها ساركوزي، من تدخل سافر في شؤون التشاد الداخلية لمناصرة فريق تشادي ضد آخر، وطبعا لذلك التدخل اثمان بعضها عاجل والآخر آجل، بعضها ظاهر وآخر خفي. فالعاجل الظاهر الذي تناولته وسائل الاعلام ـ هو العفو عن مختطفي الاطفال التشاديين، الذين يعلم الله المصير الذي كان سينتظرهم، يقول البعض لتحويلهم لقطع غيار لمرضي فرنسيين، ويقول آخر لبيعهم لشبكات الدعارة، وآخر لاستعبادهم.. الخ.
لو حصل خلاف في دولة الامارات بين اميرين تنازعا علي السلطة ـ لا قدر الله ـ (حصل نزاع علي السلطة داخل الاسرة الحاكمة في سلطنة عمان وفي امارة قطر). فهل سيقف نزلاء القاعدة الفرنسية ـ المدعوة للانتصاب ـ علي الحياد؟ طبعا كلا والف كلا، اذ سيتم التدخل حتما ولفائدة من يقدم الثمن الاعلي، والاشد ضررا للبلاد. ثم هل لدول الغرب عموما ودوله الاستعمارية خصوصا وعلي رأسها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عهد وإل وذمة؟ الجواب القاطع لا والف لا. ألم يكن صدام صديقا حميما لتلك الدول؟ امدوه بكل ما اراد وما لم يرد في حربه مع ايران، لان تقاتل المسلمين واضعافهم هدف دائم عندهم، كان ولا يزال وسيظل، لكن لما تغيرت مصالحهم اصبح صدام عدوهم رقم واحد، وفعلوا به ما فعلوا!
لقد رسمت بريطانيا عندما كانت اكبر قوة استعمارية قاعدة القوي الاستعمارية الذهبية: ليس لبريطانيا صداقة دائمة ولكن لها مصالح دائمة . هذا المبدأ رددته كوندوليزا رايس منذ اسابيع، عندما دعت ايران الي التوقف عن تخصيب اليورانيوم، قائلة: لتصبح صديقة للولايات المتحدة لان الولايات المتحدة ليس لها اعداء دائمون، وهو ما يعني ضمنا ايضا انه ليس لها كذلك اصدقاء دائمون، والدائم لها هو المصلحة.
ومن ناحية اخري أليس في دعوة فرنسا لانشاء قاعدة عسكرية علي الخليج وفي مواجهة ايران استفزاز واضح للدولة الجارة الكبيرة والمسلمة، التي طالما مدت يديها لدول المنطقة لابرام معاهدات امن وسلام وعدم اعتداء، ولا تزال يداها ممدودتان؟ لكن الذي يحول دون ذلك هو الخنوع المذل والمهين من طرف البعض للولايات المتحدة؟
ان ايران ومن خلال الجغرافيا خاصة جار باق ومقيم مهما تغيرت الظروف والاحوال، بينما الولايات المتحدة وفرنسا وغيرهما من القوي الغربية لا تربطها بالمنطقة الا المصالح وبصورة لا تنطلي الا علي الاغبياء. فزيارة ساركوزي للمنطقة وكما اجمعت الانباء غايتها الاولي عقد الصفقات للحصول علي نصيب من كعكة فائض البترو ـ دولار التي تحاول الولايات المتحدة الاستئثار بها: عن طريق شركاتها البترولية العملاقة، وبيع الاسلحة بطريقة اقرب الي الفرض، اذا لم يكن الفرض بعينه، ثم الدعوة الصريحة لضخ بلايين الدولارات في الاقتصاد الامريكي لانقاذه من الانهيار المشرف عليه.
واخيرا وليس آخرا يبشر ساركوزي باستعداد بلاده لبيع دول المنطقة العربية مفاعلات نووية لانتاج الطاقة، لتحل محل البترول والغاز اللذين سينضبان بعد عقدين من الزمن حسب رأيه.. ونذكر هنا قصار الذاكرة بان فرنسا هي التي اقامت مفاعل تموز العراقي في عهد صدام، والذي دمرته اسرائيل قبل اتمامه بقليل بتواطؤ فرنسي كما ظهر ذلك في حينه. وان فرنسا ايضا هي التي انشأت ومنذ خمسينيات القرن الماضي مفاعل ديمونا الاسرائيلي الذي انتجت منه اسرائيل ترسانتها النووية التي تهدد بها وتخيف كل العرب، حتي ان اكبر دولة عربية لا تستطيع ان تحمي حدودها معها.