عمليات "Nato" الجوية في المسرح الليبي بدأ تدخل قوات "Nato" في مسرح العمليات الليبي يوم 19 آذار مارس الماضي بعد يومين من تصويت مجلس الأمن الدولي على القرار الرقم 1973 الذي سمح باستخدام القوة لحماية المدنيين الليبيين.
دشنت العمليات العسكرية على الأرض عندما قامت مقاتلات فرنسية من نوع Rafale وMirage 2000-D
بقصف القوات الحكومية المدرعة التي وصلت الى ضواحي مدينة بنغازي التي تعتبر معقل المعارضة. وقد أدت الضربة الجوية التي استخدمت فيها صواريخ من نوع "إيه إيه أس أم" AASM الى وقف الهجوم بشكل كامل. وفي الليلة نفسها، قامت القوات البحرية الأميركية والبريطانية باطلاق 112 صاروخا جوالا من نوع Tomahawk على مواقع دفاع جوية ليبية، وذلك لتسهيل المهمات الجوية للتحالف. وفي شكل شبه متزامن، انطلقت مقاتلات بريطانية من نوع Tornado من قاعدة مارهام وقطعت مسافة 4800 كلم لتطلق صواريخ بعيدة المدى من نوع ستورم شادو Storm Shadow على مواقع قيادة وتحكم ودفاع جوي. وفي الليلة الثانية للتدخل، نفذت ثلاث قاذفات ثقيلة أميركية من نوع "B-2" انطلقت من قاعدة وايتمان الجوية في ولاية ميسوري مهمة دامت 25 ساعة قامت خلالها بالقاء 40 قنبلة من نوع JDAM على حظائر طائرات عسكرية في قاعدة متيجة الجوية قرب العاصمة طرابلس.
اعادة تمركز
تواصلت العمليات العسكرية ل ناتو، لكن طرأ عليها تغييرات ملموسة خلال الأسابيع التي تلت الضربة الأولى. فقد اختارت الولايات المتحدة الاميركية عدم التورط في الأزمة الليبية الا في الحدود الدنيا، تاركة المجال لحلفائها الأوروبيين، وعلى رأسهم فرنسا وبريطانيا، لتحمل معظم عبء العمليات. وأدى ذلك الى سحب طائرات "AC-10" و"AC-130" المتخصصة في قصف الأهداف البرية في ساحة القتال، الى جانب طائرات أخرى من نوع "F-16" و"F-15" وذلك في مطلع شهر نيسان ابريل الماضي. وعلى أثر ذلك، انخفض عدد الطلعات الجوية للناتو بنسبة الثلثين. وفي الأسابيع التي تلت، قامت الدول الأوروبية المشاركة بالتحالف بزيادة عدد الطائرات المستخدمة في مسرح العمليات، فانضمت طائرات من ايطاليا وكندا والسويد واسبانيا وهولندا والدانمارك والنروج وبلجيكا والأمارات العربية المتحدة وقطر الى الجهد الجوي، لكن معظم المهمات الجوية التي نفذتها طائرات تلك الدول كانت مخصصة للسيطرة الجوية والاستطلاع والتزود بالوقود جوا دون خوض مهمات قصف جو-أرض.
من ناحية أخرى، خلال الاسابيع القليلة التي تلت بداية العمليات الجوية ل ناتو، قامت الدول المشاركة باعادة نشر طائراتها القتالية في قواعد أقرب من مسرح العمليات الليبي. وتمثل ذلك في انتقال معظم الطائرات الفرنسية الى قاعدة سولانزارا في جزيرة كورسيكا، ثم انتقال طائرات ال"Mirage 2000" مرة أخرى الى قاعدة سودا باي اليونانية الأقرب الى بنغازي. كذلك، تمركزت حاملة الطائرات الفرنسية الوحيدة شارل دي غول على مسافة معينة من السواحل الليبية، مما مكن طائرات "Rafale" و"Super-Eteindard" المحمولة على متنها ما مجموعه 14 طائرة قتالية من تنفيذ عدد من مهمات أكبر وبوتيرة أعلى. وعلى المنوال نفسه، فتحت أيطاليا قواعدها الجوية في سيغونيللا وتراباني في صقلية وجيويا دل كولي وغيرها في جنوب البلاد لطائرات التحالف.
مسرح عمليات شاسع
من أبرز خصائص مسرح العمليات الليبي امتداده على مسافات شاسعة. فعلى سبيل المثال، تبعد مدينة بنغازي، مقر السلطة الأنتقالية للمعارضة مسافة 900 كلم عن العاصمة طرابلس التي تسيطر عليها القوات الحكومية. هذا دون نسيان أن ثمة مدن وقواعد عسكرية ومواقع قتالية تبعد مئات الكيلومترات في عمق الصحراء الليبية مثل صبحا والحدود الليبية - التونسية في الذهيبة. وعلى هذا الأساس، فان التدخل بفعالية على مسرح عمليات مترامي الأطراف ومتحول باستمرار يتطلب جهدا كبيرا وقدرات عسكرية عالية. يضاف الى ذلك أن قوات القذافي عمدت الى تغيير أساليبها القتالية بعد صدمة الضربات الأولى للناتو، فأخذت تتنقل بمجموعات أصغر مستخدمة شاحنات وسيارات بيك اب عادية، وأخفت المعدات الثقيلة من دبابات ومدرعات وراجمات داخل أبنية وعلى مقربة من منشآت مدنية.
الأسلحة جو - أرض المستخدمة
بما أن تدخل ناتو اقتصر على العمليات من الجو دون تدخل قوات برية، ينبغي دراسة الأسلحة المستخدمة من قبل الطائرات القتالية، بغية معرفة خصائصها وأوجه استخدامها وتقييم مدى الفعالية التي أظهرتها في مسرح العمليات. وسنبدأ بالأسلحة الأثقل وزنا وصولا الى الأسلحة الأصغر.
أطلق سلاحا الجو الفرنسي والبريطاني عددا محدودا من صواريخ سكالب SCALP وستورم شادو STORM SHADOW وهما متقاربان الى حد بعيد البعيدة المدى في بداية المعركة، حيث استهدفت مواقع دفاع جوية حساسة وقاعدة الجفرا الجوية داخل أراضي الجماهيرية. ويبلغ مدى هذه الصواريخ 400 كلم ووزنها عند الأطلاق 1300 كلغ. وهي مزودة برأس حربية مزدوجة خارقة للتحصينات من نوع بروتش. الا أن كلفة هذه الصواريخ الباهظة البالغة أكثر من مليون دولار ومواصفاتها المتقدمة تجعل استخدامها مقتصرا على الأهداف الأستراتيجية ليس الا.
تميز سلاح الجو الفرنسي باستخدام صواريخ AASM صنع شركة "Sagem" من طائرات "Rafale" يمكن للطائرة الواحدة حمل 6 صواريخ و"Mirage 2000D". وقد دخل هذا السلاح الخدمة العملانية في سلاح الجو الفرنسي في عام 2008. ويمكن استخدامه في مهمات الأسناد الجوي، وضرب الأهداف المتحركة، والقصف على أهداف دقيقة مثل الدبابات وعربات الدفاع الجوي. وحسب البيانات التي نشرت، فقد أثبت الصاروخ فعالية فتاكة، حيث أصاب أهدافا تبعد 55 كلم من الطائرة الحاملة وبنسبة نجاح تخطت 90%. وفي احدى المرات، تمكن صاروخ "AASM" من تدمير طائرة ليبية خفيفة من نوع غالب، وهي تستعد للهبوط في مطار مصراتة، في ما اعتبر انجازا نادرا لسلاح جو-أرض. يبقى أن سعر هذا الصاروخ يبلغ نحو 400 ألف دولار، وقد أوصى سلاح الجو الفرنسي على 1600 نسخة منه، وتسلم حتى الآن نحو 600 من الطلبية الأجمالية، مما يضع بعض الضوابط على استخدام عدد كبير منه. ويبلغ وزن هذا الصاروخ 250 كلغ، وتعمل الشركة المنتجة على تطوير نماذج أثقل وزنا واضافة توجيه ليزري. وينتظر أن يدخل النموذج الأخير الخدمة في أواخر العام 2012.
من أكثر القنابل جو - أرض استخداما في المسرح الليبي PAVEWAY التي تنتجها شركة رايثيون RAYTHEON الأميركية. ويعود التصميم الأول الى نهاية الستينات من القرن الماضي، لكن تم تطويرها الى نماذج مختلفة الأوزان وتحسين قدراتها بشكل واسع منذ ذلك الحين. وفي النموذج الأساسي، يتم اختيار الهدف المطلوب اصابته من قبل الطائرة الحاملة للقنبلة، أو من طائرة أخرى مرافقة، حيث ترسل أشعة ليزر نحو الهدف وترتد عنه، فيكشفه نظام التوجيه الليزري في القنبلة، ليقوم كومبيوتر بمعالجة المعلومات وتوجيه مسار القنبلة نحو هدفها. وتوفر هذه القنابل قدرات جيدة بأسعار مقبولة يتراوح ثمنها حاليا بين 40 ألف و70 ألف دولار للقنبلة الواحدة للمقاتلات الغربية. أما مداها، فيتراوح بين 5 و15 كلم وفق النموذج وارتفاع الطائرة الحاملة. واستعملت Paveway على نطاق واسع في حرب كوسوفو عام 1999 وفي حربي الخليج الأولى والثانية، وفي أفغانستان.
خلال السبعينات من القرن الماضي، تم تطوير الجيل الثاني المعروف ب"Paveway 2" الذي يمكن تركيبه على قنابل من فئة 250 كلغ يعرف باسم جي بي يو12 GBU-12 أو جي بي يو 49 GBU-16 عند اضافة عدة توجيه بالجي بي أس والقصور الذاتي GPS/INS، أو450 كلغ جي بي يو 16 GBU-26 أو 900 كلغ جي بي يو 10 GBU-10. ويتميز عن الجيل الأول بالكترونيات أكثر تقدما، وقدرة مناورة أفضل. وتستخدمه طائرات Rafale وMirage 2000D وSuper Eteindard الفرنسية وTornado وTyphoon البريطانية تحمل هذه الأخيرة الطراز بوزن 450 كلغ، الى جانب طائرات "F-16" الأوروبية.
أما الجيل الثالث المعروف ب"Paveway 3"، فيتميز بدقة أفضل ومرونة عملية أكبر . وقد ركب على أجسام قنابل من فئات 250. وتستخدمه طائرات Tornado البريطانية وRafale وMirage الفرنسية. وتمت اضافة عدة توجيه "GPS" وقصور الذاتي GPS/INS على التوجيه الليزري مما يتيح القاء القنابل في ظروف مناخية صعبة وبوجود دخان واجراءات تشويش.
أخيرا، فان الجيل الرابع المعروف ب"Paveway 4" يدخل تحسينات على الصاعق وأمان الأستخدام ويوفر دقة أعلى. ويبلغ وزن القنبلة 250 كلغ وتستخدم حاليا من قبل مقاتلات Tornado. لكنها ليست متوفرة بعد لتسليح طائرات Typhoon البريطانية والأوروبية.
على صعيد آخر، استخدمت الطائرات الأميركية التي اشتركت في المرحلة الأولى من القصف الجوي على القوات الليبية قنابل JDAM. وهذا السلاح موجه في العادة بنظام GPS، لكن أضيف على النماذج الأحدث توجيه ليزري. وعلى غرار قنابل "Paveway"، يمكن تركيب عدة JDAM على هياكل قنابل من فئة 125 و250 و و450 و900 كلغ. وتتميز هذه الأسلحة بقدرتها على العمل في جميع الأحوال الجوية والظروف القتالية، وامكانية اطلاقها من ارتفاعات عالية تجنبا للدفاعات الجوية. وجاء تطويرها كنتيجة لعدم قدرة القنابل الموجهة بالليزر من العمل في ظروف معينة دخان المعركة، صعوبة تصويب أشعة الليزر. وأثبتت نجاحها في حرب كوسوفو عام 1999 حين استخدمت للمرة الأولى، وفي حرب الخليج الثانية عام 2003. وقد تم انتاج أعداد كبيرة منها بحيث انخفض سعرها الافرادي في الآونة الأخيرة الى 25 ألف دولار فقط.
أخيرا، لا بد من الأشارة الى صاروخ Brimstone الذي تنفرد طائرات Tornado البريطانية باستخدامه. ويعتمد في تصميمه الأساسي على صاروخ Hellfire الأميركي المضاد للدروع الذي يشكل التسليح الأساسي لطوافات أباتشي. الا أن Brimstone يختلف عنه من نواح عديدة. يبلغ مدى الصاروخ 10 كلم ولا يزيد وزنه عن 50 كلغ. يتم التوجيه بواسطة رادار بالموجات الميلليمترية Millimeter Wave الى جانب نظام قصور ذاتي ، مما يسمح له باصابة أهداف بدقة متناهية في جميع الظروف الجوية. وفي امكان طائرة واحدة اطلاق عدد منه بشكل متزامن ، بحيث يضرب على سبيل المثال قافلة برية في عدة نقاط بتحليق واحد.
اشارت المصادر العسكرية المتخصصة أن صاروخ Brimstone أظهر فعالية عالية جدا في المسرح الليبي، خصوصا من حيث قدرته على ضرب أهداف عسكرية مختارة على مقربة من أهداف مدنية، نظرا لدقته ومحدودية الدمار الجانبي (Collateral damage)الذي يخلفه. ولعب دورا مهما في قصف القوات التي كانت تحاصر مدينة مصراتة. ونظرا الى استخدامه الواسع ونجاحه العملاني، فقد أوصت وزارة الدفاع البريطانية خلال شهر نيسان أبريل الماضي على أعداد اضافية منه. وأبدت كل من الولايات المتحدة وفرنسا اهتمامها للحصول على هذا الصاروخ لأسلحتها الجوية.
ولم تشهد الحرب في ليبيا أية معارك جو-جو بين طائرات الحلفاء والطائرات الليبية، نظرا الى تفوق ناتو في هذا المجال، وضرب المطارات العسكرية الليبية. وبذلك يمكن القول أن الطيران الليبي حيد من المعركة بشكل شبه كامل منذ بداية التدخل الجوي. من ناحية أخرى، لم تتمكن الدفاعات الجوية الليبية من اسقاط أية طائرة للناتو. واشار الحلف الى أن معظم معدات ورادارات الدفاع الجوي الليبي قد دمرت. لكن يبقى خطر الصواريخ الخفيفة المحمولة لروسية الصنع من نوع "Igla". وقد راجت معلومات أن القوات الليبية الحكومية تملك عددا من النماذج الأحدث منها، وتعرف باسم SA-24 Grinch . وأدى ذلك الى قرار بعدم استخدام الطوافات العسكرية مخافة اسقاطها. كذلك، فان طائرات ناتو تحلق في الأجمال على علو 20 الف قدم لتجنب خطر هذه الصواريخ.
ختاما، أكدت المعارك الجارية في ليبيا أهمية السلاح الجوي ودوره المحوري في المعارك العصرية، خصوصا في المناطق الصحراوية المفتوحة حيث يصعب الأختفاء. الا أن اتساع مسرح العمليات وانسحاب القوات الأميركية باكرا من المعركة وتداخل المقاتلين في مناطق آهلة مثل مدينة مصراتة أظهرت ايضا أن تحقيق الأهداف المرسومة من قبل ناتو يتطلب نفسا طويلا وتنسيقا جيدا مع قوات المعارضة المتواجدة على الأرض.
المصدر مجله الدفاع العربي