شربنا الماء وارتحنا قليلا حتي فوجئنا بصوت دبابة تابعناها من خلف
الأشجار وهي تسير حتي وقفت علي مسافة تقل عن مائة متر من مكاننا، فحبسنا
أنفاسنا ورقدنا جميعا علي وجوهنا، وكان أهم ما لفت نظرنا أن الدبابة كان
خلفها حبل مربوط به عدد من الأسري المصريين، وتزحف بهم فوق الرمال، وعندما
توقفت رأينا ٤ إسرائيليين توجه أحدهم إلي الأسري طالبا منهم الوقوف مستعملا
معهم الركل بالأحذية ، ثم دفع بأربعة منهم أمام الدبابة، وساعده آخر في
ربط أذرعهم خلف ظهورهم ودفعوهم للانبطاح أرضا استعدادا لهرسهم كما حدث مع
الشهداء السابقين ويتم التمثيل بأجسادهم ، كان أحد الإسرائيليين واقفا في
برج الدبابة، والآخر يقف علي رؤوس لأسري المصريين وهم يصرخون من الألم .
لم يتمالك محمد صبري نفسه كان يضطرب بجانبي غضبا وألما , أمسكته في قوة
مانعا إياه من الخروج في مواجهة مباشرة مع الدبابة , كان معنا عشرين طلقة
فقط , أمرت الجنود الثلاثة أن يقوموا بإطلاق النار علي الأربعة جنود , وقمت
أنا ومحمد صبري بإطلاق النار علي الجندي ببرج الدبابة , سقط الأربعة جنود
قتلي وسقط الجندي من برج الدبابة قتيلا .
أسرعنا نفك وثاق الأسري الأربعة، ونحن ننظر إليهم وإلي حالتهم المزرية
من التعذيب، حيث تقطعت أفرولاتهم وأغرقت الدماء وجوههم وصدورهم، وأفواههم
ملأتها الرمال من آثار السحل وسير الجندي الإسرائيلي فوق رؤوسهم , كان محمد
صبري أكثرنا سعادة بهذا النصر , واخذ يساعد زملاؤه في حماسة بالغة , كان
يدندن بلحن ما وهو يسقيهم ويغسل أفواههم ووجوهم من أثار الرمال والدماء ,
شعرنا جميعا بشيء من السعادة ورد الإعتبار , وانتهي من مساعدة زملاءه فألقي
بقارورة الماء أرضا وراح في نوبة غناء بصوت عال وأخذ يرقص في نشوة بالغة ,
كان كمن انفصل عن واقعه وغرق في واقع مختلف خاص به , لم نتمالك أنفسنا
وابتسمنا جميعا حتي المصابين ابتسموا وضحكوا وشاركوه سعادته البالغة التي
لم ندري لها سببا , أعتقد أنه رد فعل حزن وقلق وتوتر الأيام السابقة وجد
متنفسا له أخيرا .
انتهت الحرب وعدنا إلي الديار وبقي أثر معركة خزان (غراب ماء) أمضي
المعارك أثرا في نفسي , لم نصدق ما رأيناه في هذة الأيام , وبقي محمد صبري
الرافع عالقا في ذاكرتي دوما , ولا أخفيكم سرا عندما يضيق بي الحال وأشعر
بقلق أو حزن , أجدني أسترجع تلك اللحظة التي فقد فيها محمد عقله واخذ يغني
ويرقص في خضم الهزيمة والموت , وبشكل ما تلخصت ذكري حرب 1967 عندي في هذة
اللحظة الصغيرة التي غسلت عن نفسي أثر الهزيمة .
المصـــــــــدر