يمكننا القول دون اية مبالغة انه ليس هناك عميل اجنبي في اليابان غداة
الحرب العالمية الثانية وابانها تمكن من جمع المعلومات بهذه الدرجة من
الاهمية مثل رجل المخابرات السوفيتية ريهارد زورغا.
لقد خدم ريهارد زورغا ابان الحرب العالمية الاولى في الجيش الالماني، ثم
تخرج من جامعة هامبورغ ودافع عن اطروحة الدكتوراه في كلية علم السياسة.
تعارف زورغا عام 1919 بالشيوعيين الالمان فالتحق بالحزب الشيوعي الالماني ،
وزار عام 1924 موسكو حيث تم تجنيده للخدمة في الاستخبارات السوفيتية.
تم ارساله في عام 1929 الى الصين حيث عمل على جمع المعلومات
الاستخباراتية وتنظيم شبكة من المخبرين. وانتقل عام 1930 الى مدينة شنغهاي
الصينية حيث عمل صحفيا ألمانيا اطلق عليه اسم رامزاي. فتعرف على مسؤولين
المانيين في الصين والتحق بالحزب النازي الالماني ، ثم انتقل الى اليابان
حيث عمل مساعدا للسفير الالماني في اليابان.
بعد غزو القوات اليابانية لاقليم مانشوريا في شمال الصين عام 1931 تغير
توازن القوى في القارة الاسيوية تغيرا جذريا. وراهنت اليابان على ان تلعب
دور دولة اسيوية كبرى. لذلك اولت قيادة الاستخبارات السوفيتية اهمية خاصة
الى عميلها السري زورغي، فامرته بان يعود الى ألمانيا ليقيم هناك علاقات
مع الاستخبارات الالمانية ويتوجه بعد ذلك الى طوكيو بمثابة مراسل لبعض
الصحف النازية. وهكذا اصبح زورغي صحفيا المانيا رائدا في اليابان، وكانت
مقالاته تنشر في اهم الصحف الالمانية. وحظي ريخارد زورغي بسمعة صحفي دولي
ومحلل سياسي ممتاز مما ساعده في انشاء شبكة واسعة من العملاء ، وبينهم
العامل اللاسلكي الالماني برونو فيندت والصحافي اليوغوسلافي برانكو
فوكيليتش ومراسل مجلة /في/ الفرنسية الشيوعي الياباني الفنان يوتو مياغي .
وتمكن زورغي من اقامة علاقات صداقة مع الملحق الالماني في طوكيو ايجن اوت
الذي اصبح بالنسبة اليه مصدرا هاما للمعلومات حول الوضع في الشرق الاقصى
والصناعة الحربية لليابان وقواتها المسلحة.
في عام 1935 قام أوريتسكي رئيس الادارة الرابعة في الاستخبارات السوفيتية
باستدعاء زورغي الى موسكو حيث تم تكليفه بمهمة جديدة ، وهي التأكد من مدى
استعداد اليابان للاعتداء على الاتحاد السوفيتي.
مما
يجدر الذكر انه كانت هناك شفرة خاصة استعان بها عامله اللاسلكي كلاوزن ،
وكانت الشفرة عبارة عن ارقام والفاظ واردة في تقارير سنوية كان يوزعها
الرايخ الالماني. ولم تتمكن اية مخابرات يابانية كانت او غربية من فك تلك
الشفرة.
في عام 1936 تغير الوضع السياسي في اليابان نتيجة محاولة انقلابية فاشلة
قام بها فريق من الضباط اليابانيين بهدف الاطاحة بحكومة الاميرال اوكادا.
وقام زورغا باعداد تقرير عالج فيه احتمالات نشوب الحرب ضد الاتحاد
السوفيتي انطلاقا من توازن القوى السياسية في اليابان . ولم يوجه زورغي
هذه الدراسة الى موسكو فقط ، بل والى برلين عن طريق الملحق العسكري
الالماني. ولقي تقرير زورغي تثمينا عاليا لدى الاستخبارات الالمانية
النازية التي رفعت طلبا الى وزارة الخارجية بتعيين ايجن اوت سفيرا لالمانيا
في طوكيو، وقد تمت المصادقة على هذا الطلب . ان تعين أوت بهذا المنصب
الرفيع زاد من نفوذ زورغي ضمن اعضاء الجالية الالمانية في اليابان.
تمكن زورغا في منتصف عام 1938 من اقامة علاقات وثيقة مع الامير كونوي رئيس
الوزراء الياباني الجديد، وذلك عن طريق سكرتيره الشخصي اودزاكي اوسيبا
الذي كان من احسن العملاءالسريين لدى زورغي، الامر الذي ساعد زورغي في
اطلاع موسكو على كل ما يحدث في السلطة اليابانية والقرارات المتخذة هناك.
وبعد استقالة اوسيبا تم تعيينه في منصب احد مدراء السكة الحديدية في اقليم
مانشوريا، مما مكن الاستخبارات السوفيتية من الحصول على معلومات تخص
تنقلات وحدات الجيش الياباني والعمليات الارهابية المحتملة ونشاط العملاء
اليابانيين في اقليم الشرق الاقصى السوفيتي.
عرض السفير ايجن أوت على زورغي في سبتمبر/ايلول عام 1939 ان يتولى منصب
مسؤول دبلوماسي في السفارة الالمانية. لكن زورغا تملص من هذا الاقتراح ،
ووافق على اصدار صحيفة يومية مخصصة للجالية الالمانية في طوكيو مما اتاح له
الفرصة للاطلاع على مضمون آخر البرقيات الواردة من برلين الى السفارة.
عرف زورغا في شهر مايو/آيار عام 1941 خطط ألمانيا للاعتداء على الاتحاد
السوفيتي واحاط موسكو بها ، وحتى انه اخبر القيادة السوفيتية بالتاريخ
الدقيق للهجوم الالماني المرتقب على الاتحاد السوفيتي وهو يوم 22
يونيو/حزيران عام 1941. لكن ستالين لم يصدق ما ذكره زورغي لانه شك فيه
واعتبره عميلا مزدوجاً يعمل في مصلحة الجانبين السوفيتي والالماني.
في اكتوبر/تشرين الاول عام 1941 القت المخابرات اليابانية القبض على احد
المرؤوسين لاودزاكي بتهمة انتمائه الى الحزب الشيوعي الياباني والذي اطلع
المخابرات على اصدقاء مديره وبينهم العميل مياغي الذي قامت المخابرات
بتفتيش منزله حيث اكتشفت اوراقا سرية تفضح شبكة زورغي وعملائه. ثم تم
اعتقال كل من كلاوزن وفوكيليتش وزورغي نفسه في 17 اكتوبر/تشرين الاول عام
1941.
تمت محاكمة اعضاء شبكة زورغا في مايو/آيار عام 1943 . واصدرت المحكمة حكم الاعدام بحق زورغا وزملائه ، ما عدا كلاوزن الذي حكم بالسجن المؤبد لتعاونه مع التحقيق الياباني.
وكا آخر ما نطق به زورغي قبل اعدامه ما يلي:" ليعش الجيش الاحمر والاتحاد السوفيتي".
ولم يعرف الشعب السوفيتي مصير بطل استخباراته الا في عام 1964 فقط بعد منح زورغا رسميا وعلناً لقب بطل الاتحاد السوفيتي.
لم يتوصل المؤرخون لحد الآن الى استنتاج عما اذا كان دور زورغا حاسما في
اتخاذ ستالين لقراره بنقل الوحدات السوفيتية من منطقة الشرق الاقصى الى وسط
البلاد لزجها في معركة موسكو او لا.
لكن مما لا يثير اي شك هو ان المعلومات التي بعث بها زورغا الى موسكو حول
عدم استعداد اليابان للدخول في الحرب مع الاتحاد السوفيتي عام 1941 وقبله
ساعدت الجيش السوفيتي في التغلب على الجيش الالماني في هذه المعركة
الحاسمة.
المصدر
http://www.يمنع وضع روابط منتديات دون اذن من الادارةm/showthread.php?t=3011