"العلويون"(1) هم فرع من غلاة الشيعة انشقوا عن الطائفة الإمامية الاثني عشرية، ينُظر إليهم في النصوص الإمامية الاثني عشرية الفقهية باعتبارهم "كفاراً"، وهذا ما يقيم جداراً شاهقاً بين الأصل وانشقاقه، ولم يكن من المحتمل أن تقوم أية علاقة بين العلويين والشيعة الاثنى عشرية لأسباب دينية محضة حتى وقت قريب.
الانتماء إلى أقلية دينية(2) من هذا النوع كان له عمق كبير في شخصية حافظ الأسد، وعلى الرغم من انتمائه اليساري (فهو من الفصيل اليساري لحزب البعث) فإنه "كان يشارك أبناء طائفته عواطفهم في السخط على الماضي (...) وكان عليه أن يعمل بجد لإقناع المتشككين بأنه قد خلف عُقَدَ الأقلية وراء ظهره، وبأنه ملتزم جسداً وروحاً، قلباً وقالباً بالتيار القومي الرئيسي العام"(3). لكن الأحداث أثبتت أنه كان غير ذلك، فقد كانت غريزته الطائفية أقوى من قوميته بما لا يقاس؛ إذ عمل الأسد ورفقائه في "اللجنة العسكرية" على علونة حزب البعث وعلونة السلطة، وقد بدأت عملية تطييف الجيش والبعث منذ انقلاب البعث في 8 آذار/مارس 1963، واشتدَّت مع تسلُّم الأسد وزارة الدفاع في عهد "نور الدين الأتاسي" (ظل "صلاح جديد") (1966-1970)(4)، وبلغت ذروتها بعد انقلاب الأسد، واستيلائه على السلطة، وكان لذلك أن يستثير الغريزة الطائفية السنية التي تتم عملية إزاحتها من الجيش والسلطة، ويفجر أسوأ أحداث عنف شهدتها سورية في تاريخها بين عامي (1978-1982) وما يزال أثرها قائماً إلى اليوم.
أولاً: "القومي" الذي كان ضد القومية! (1970- 1982)
لم تلتق الأقليتان السوريتان (أكبر أقلية دينية "العلويين النصيريين" وأصغر أقلية دينية "الشيعة الاثنى عشرية"( الواقعتان بحجمهمها على طرفين متقابلين من المجتمع؛ فما تزال الأصول الاعتقادية النصيرية ـ بالنسبة للشيعة على الأقل ـ خارج دائرة الإيمان "الصحيح"، ، تؤكد الدراسة التي أجراها "المجلس الوطني للحقيقة والمصالحة في سورية" أن الشيخ العلوي "عبد الرحمن الخيِّر" (1903-1982م/1322-1402ﻫ) أول من بدأ حركة التشييع في سورية عبر نشر التشيُّع في طائفته العلوية النصيرية، غير أن هذا ليس دقيقاً، من جهة يجب التمييز بين التشيُّع وبين حركة إصلاحية تتوسل بأصولها الشيعية لفك عزلتها، ووفقاً لتأريخ الشيخ الخيِّر "ليقظة العلويين" فإن تاريخ هذه الحركة يرجع إلى منتصف ثمانينيات القرن التاسع عشر!
ومن جهة ثانية فإن كتابات الخيِّر أيضاً، وكتبه المنشورة لا تشير إلى تبشير شيعي بالمعنى الدقيق، بقدر ما تشير إلى محاولة إكساء العقائد العلوية قدراً من الشرعية في المجتمع السني الإسلامي الكبير عبر شرحها بمفاهيم ومصطلحات شيعية جعفرية، فمعظم مؤلفاته هي تعريف بالعلويين وعقائدهم، وهي تُوزع بكثافة مثيرة للانتباه في الأكشاك العامة والمكتبات في دمشق وبعض المدن الأخرى، كل ما يمكن قوله بصدد الشيخ الخيِّر وجهوده، أنه عمل على محاولة كسر الجليد بين الطائفتين (النصيرية والإمامية الاثنى عشرية)، ولا يبدو أنه مارس تبشيراً شيعياً صرفاً، فقد كان حريصاً على بقاء الطائفة العلوية واستمرارها عبر ضخ الدم الشيعي فيها، وحاول أن يمدها باسباب البقاء نظرياً، كما الكثيرين قبله؛ مثل أستاذه "الشيخ سليمان الأحمد"، وإن كان ذلك لا يعني أن هذه التصورات الجديدة لم ئؤدِّ إلى إعادة قسم من الطائفة إلى أصلها الشيعي، وأن الشيخ الخيِّر ذاته ربما تشيّع رسمياً وإن ظل يتحدث باسم الطائفة النصيرية.
الأقليتان (العلوية النصيرية والشيعة الاثني عشرية)
في مطلع السبعينيات وفي ظل استقطاب سياسي سني ـ مسيحي واحتقان طائفي نظر فيه الشيعة والدروز لأنفسهم على أنهم الطرف المحروم من الكعكة السياسية التي حُصِرت بين "السنة" و"المسيحين الموارنة" في لبنان كان الأسد يرنو بنظره إلى هناك متطلعاً إلى نفوذ فيه، فلطالما كانت لبنان معقل تخطيط الانقلابات السورية. ثم إن الأسد كان قد استفاد من دروس حربي 1967 و1973 مع الإسرائيليين، فبعد خسارة الجولان عرف أن الخاصرة الرخوة لسورية بالنسبة للعدو الإسرائيلي تكمن في لبنان، لهذ السبب كان حريصاً على مد علاقاته مع القوى والزعامات الدينية والسياسية في لبنان.
لا أحد يعرف بالضبط كيف تعرف الأسد على رئيس المجلس الشيعي الأعلى في لبنان "الإمام موسى الصدر"(5) (الإيراني اللبناني) وانعقدت بينهما صداقة حميمة، وليس من المستبعد أن تكون زعامات دينية من الطائفة العلوية (مثل الشيخ الخيِّر) هي التي كانت سبباً في هذه العلاقة؛ فقد كانت للصدر علاقات جيدة بهم، وقد زار جبال العلويين مراراً، لكن من الواضح أيضاً أن العلاقة كانت ذات أبعاد سياسية يحاول الأسد من خلالها دعم الشيعة لاقتسام الكعكة السياسية وأخذ نصيبهم منها، فيما هو يسعى لنفوذ داخل القوى الناقمة، فالأسد أقام علاقات صداقة مع المسيحين الموارنة، ولديه بطبيعة الحال علاقات مع بعض الأطراف الفلسطينية، وقد استثمر ذلك كله في الدخول إلى لبنان عام 1976 (بموافقة أمريكية وتبعاً إسرائيلية، كما تشير الوثائق) عشية اندلاع الحرب الطائفية.
سرعان ما احتاج الأسد إلى "موسى الصدر"، ففي 31 كانون الثاني/يناير 1973 نُشرت مسوَّدة الدستور السوري الجديد، الذي صممه الأسد ليكون أساساً لحكم طويل المدى، ويعتبر من أسوأ الدساتير التي وضعت في تاريخ سورية منذ نشوئها كدولة وطنية، حذفت في هذا الدستور المادة التي تشترط أن يكون "رئيس الجمهورية مسلماً"، فأثار ذلك موجة احتجاجات عمت سورية، لا سيما في مدينة حماة (التي سيكون لها تاريخ دموي رهيب مع قوات الأسد)، وعلى الرغم من تراجع الأسد عن حذف المادة إياها، فإنه واجه مشكلة فيما بعد تتلخص في أن العلويين لا يعتبرون مسلمين لا عند السنة ولا عند الشيعة!! وبالتالي فالأسد لا ينطبق عليه الشرط الدستوري للرئاسة، وعليه أن يتنحى! أصبح هذا حديث الشارع السوري (ذي الأغلبية السنية) وأحد شواغله الرئيسية، لجأ الأسد إلى صديقه الزعيم الشيعي "الإمام موسى الصدر"، فأصدر له (في تموز/يوليو 1973) فتوى تقول بأن العلويين مسلمون، وهم طائفة من الشيعة(6).
مهما كانت قوة أو ضعف أثر هذه الفتوى على الشارع السوري، إلا أن مصطلح "شيعي" برز لأول مرة في المجال السياسي السوري وطرق أسماع السوريين بهذه الفتوى.
ـ وفود عمائم الشيعة
في مطلع السبيعينيات لجأ إلى سورية عدد من رجال الدين الشيعة هرباً من بطش النظام العراقي (البعثي اليميني) إلى دمشق (حيث النظام البعثي اليساري)! كان من بينهم الشيخ "حسن مهدي الحسيني الشيرازي"(7)، الذي عانى في السجون العراقية إلى أن تمكن من الخروج إلى سورية بعد لأيٍ. أقام الشيرازي في قرية سنية بجوار مقام كان لا يزال غير معروف بشكل واسع في ذلك الوقت، هو مقام السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب، الذي أصبح فيما بعد أشهر مقامات الشيعة وربما أهمها بعد النجف وكربلاء، وأسس حسن مهدي الشيرازي عام 1976 حوزة علمية للتعليم الديني، عُرفت بـ"الحوزة الزينبية"، وهي أول حوزة للتعليم الديني (العالي) للشيعة في سورية.
كان تأسيس الحوزة ـ من وجهة نظر الشيرازي ـ "في سورية جبراً للتّاريخ الأمويّ والتاريخ الماضي"(8)، و"لإحياء مذهب أهل البيت (عليهم السلام) في عاصمة الأمويّين أعداء أهل البيت (عليهم السلام)"!(9) على حد تعبير حسن الشيرازي نفسه.
تعتبر الحوزة الزينبية الآن أهم الحوزات العلمية في سورية وأكثرها نشاطاً وتأثيراً، وطلابها من لبنان، وشيعة السعودية والخليج، والأردن، والعراق، وسورية، وباكستان، وأفريقيا، وأفغانستان(10)، وكان الشيرازي المناضل الأصولي والمبشر يرى أن "سورية هي بوابة إلى العالم العربي وإلى العالم بأسره؛ فهي كانت ولا زالت جسراً بين العالمين الإسلامي والعربي". فاستثمر الشيرازي هذا الموقع الاستراتيجي بإنشاء الحوزة العلمية في السيدة زينب، واليوم يرى الشيعة أن "يوم افتتاح الحوزة [كان] فتحاً للشيعة ولعلمائهم؛ حيث استطاعوا أن ينفتحوا على العالم (...) فعبر هذه الحوزة أنشئت حوزات في السعودية وأفريقيا ولبنان، حيث استطاعت (...) أن توجد تياراً من العلماء يقومون بأعمال التثقيف والتعليم [الديني الشيعي] في مختلف المدن السورية"(11).
وإذا كانت الحوزة الزينبية بدأت تمارس دوراً خطيراً في التبشير الشيعي في سورية وجوارها منذ ذلك الوقت، فإنه لا يبدو أن الشيرازي استطاع أن يوجه جهده التبشيري للداخل السوري السني بقدر ما وجهه للداخل السوري العلوي، وإلى دول الجوار: لبنان ودول الخليج لمساندة الأقليات الشيعية هناك، ولكنه قام برحلات تبشيرية إلى أفريقيا (سيراليون وساحل العاج على وجه الخصوص)، وتبنى "في هذه الرحلات إيفاد مجموعة من الطلبة للدراسة في الحوزات العلمية في بيروت و[الحوزة] الزينبية ثم العودة إلى إفريقيا لغرض التدريس وتأسيس المشاريع الإسلامية"(12) بهدف التبشير وتنفيذاً لفكرة شقيقه في استعادة الفروع العلوية إلى أصلها الجعفري الإمامي.
بالتأكيد إذاً لا يعود انكفاؤه عن التبشير في الوسط السني السوري لحسن نواياه تجاه أهل البلد المضيف، بقدر ما كان الوضع في المجتمع السوري هو السبب؛ فقد تزايدت نقمة الأكثرية السنية بسبب العلونة الممنهجة للجيش والحزب التي مارسها حافظ الأسد ورفاقه منذ استيلاء البعث على السلطة في 8 آذار 1963 واستيلائهم عليه في الوقت نفسه، وفي هذا الوقت الذي أخذ الاحتقان الطائفي يتصاعد بشدة قدم الشيعةُ مساندتهم للأسد ممثلة بفتوى "موسى الصدر" عن العلوية والشيعة، ولا يبدو أنه كان لدى حافظ الأسد ـ في ذلك الوقت ـ مانع من أي نشاط تبشيري شيعي؛ في ظرف كان يدافع فيه عن شيعية الطائفة العلوية لترسيخ موقعه في الرئاسة، وكان يأمل في الوقت نفسه ربما ـ ولكن على نحو أقل أهمية ـ بمساعدة الطائفة العلوية بإخراجها من عزلتها العقدية الاجتماعية(13).
الثورة الإسلامية في إيران والصدام مع إسلاميي سورية
"لا شيء يحرجنا في هذا البلد، فقد تجاوزنا العقد وتحررنا منها منذ وقت طويل"(14) كان هذا ما قاله الأسد رداً على الانتقادات التي طالته؛ لأنه ذهب إلى لبنان ليواجه المسلمين (السنة والفلسطينيين) حماية للمسيحيين في لبنان، لم يكن بالتأكيد متحمساً للمشروع المسيحي في لبنان، كان متحمساً فقط لوجود قوي وهيمنة سورية على لبنان، وعلى أية حال لعبت ميوله الطائفيه دوراً مهماً في علاقته بآيات الله في إيران، فقد كان "لها أيضاً جذور في خلفيته كأحد أبناء طائفة منشقة من التشيع، وفي شعوره بالتعاطف مع رجل دين من أصول ريفية ومن أقلية كالشيعة المحرومين في لبنان" كما يقول كاتب سيرته وصديقه الشخصي باتريك سيل(15).
في صيف 1976 عندما دخل جيش الأسد إلى لبنان أسدى إليه "موسى الصدر" خدمة أخرى؛ إذ أبقى الطائفة الشيعية اللبنانية خارج ائتلاف كمال جنبلاط اليساري، الذي كان الأسد يحاول كبحه وإخضاعه آنذك(16)، أصبح الأسد مديناً للصدر مرتين، وكان عليه أن يرد الدين يوماً ما.
لعب الصدر دور صلة الوصل بين المعارضة الإيرانية المتمثلة بمعسكر الخميني وبين الأسد، فمدَّ لهم يد المساعدة(17)، وعرض على الخميني النزول في ضيافة سورية في تشرين الأول/ أكتوبر 1978 عندما أُخرج من العراق، ولكنه فضَّل أن يستقر في "نوفل لو شاتوه" قرب باريس. جاءت دعوة الأسد في وقت بدأ يواجه معارضة إسلامية سنية مسلحة.
كان الأسد يشعر بالخوف من المعارضة الإسلامية السنية المتعاظمة في الداخل، وكان يراقب بانتباه انقضاض الإسلاميين الشيعة على الشاه بقيادة الشيخ الشيعي آية الله الموسوي الخميني، لكنه على الرغم من أن دروس المعارضة الداخلية جعلته حذراً من النوم مع الإسلاميين تحت سقف واحد، إلا أنه مع ذلك أقام علاقات استثنائية مع الخميني، فما إن انتصرت الثورة الإيرانية حتى أوفد وزير خارجيته السُّني "عبد الحليم خدام" في آب/أغسطس 1979 مهنئاً وكان قد سبقه وزير الإعلام العلوي "أحمد اسكندر أحمد" بهدية من الأسد؛ هي نسخة من القرآن الكريم مزخرفة بالذهب.
وفي الوقت الذي بنى الأسد علاقته مع الخميني ومتنها لأسباب سياسية بالدرجة الأولى(18) ـ تتعلق بخوفه من عدوه الرئيس العراقي "صدام حسين"، وطموحه، ومعاداة الخميني لأمريكا وقطعه للعلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل؛ والانخراط في استثمار التغيير الاستراتيجي الذي حصل في ميزان القوى بعد سقوط الشاه وتوقيع مصر معاهدة كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل (آذار 1979) وخروجها نهائياً من الصراع العربي والإسلامي مع إسرائيل ـ فإن الأسد كان يفكر في الوقت نفسه بمواجهة وربما معاقبة الدول الإسلامية السنية التي دعمت انتفاضة الإخوان المسلمين التي ظل يعاني منها حتى 1982، خصوصاً الأردن التي آوت قيادات الإخوان، والسعودية. لم يكن ملائماً لشعاراته القومية التي ظل يرفعها على الدوام، وينقضها باستمرار وفقاً لمقتضيات مصالحه السياسية أيضاً.
فشل تصدير الثورة الإيرانية
"إنكم تعرفون ماهية حزب البعث الكافر هذا (...) فإذا أعطيتم الفرصة لهذا الحزب الكافر فسوف لا يمضي وقت طويل إلا ويدمر أضرحة أئمة الإسلام ومشايخ وأئمة الشيعة والسنة، إن عدو هؤلاء الحقيقي هو الإسلام والقرآن، وإن هؤلاء يعتبرون الإسلام منافياً ومخالفاً لهم ولأهوائهم الشخصية. إن عفلق ومؤيديه لا يعتقدون بأي دين ومذهب"(19)، كان هذا جزءاً من كلام الخميني المفترض أنه حليف الرئيس الأسد الذي يحمل صفة الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في سورية!
الواقع أن الأسد ـ على ما يبدو ـ لم يكن متحمساً كثيراً للخميني؛ إذ كان يرى فيه أصولياًَ، والأسد ما كان متديناً أبداً، بل كان علمانياً، وطائفيته طائفية سياسية لا تتعلق بأي قناعات دينية، لهذا السبب فبقدر ما كانت العلاقة مع الزعيم الشيعي الأكبر (الخميني) ذات وظائف سياسية كانت في المقابل لا تتضمن بعداً دينياً، بل إن الأسد حرص على ضبط العلاقة في هذا الإطار.
قام الأسد بمجازر وجرائم إبادة ضد شعبه في المدن السورية (وبشكل خاص: حلب وإدلب وحماة) في سياق محاولة قمعه الإسلاميين قمعاً وحشياً للتخلص منهم دون رجعة، لقي الأسد تغطية أمريكية؛ فقد كان دخل لبنان بصفقة أمريكية إسرائيلية، وقد أسدى ملالي إيران خدمة للأسد بصمتهم المطبق عما فعله من مذابح ومجازر 1980-1982، وذلك على الرغم من أن إيرن رفعت شعار تصدير الثورة ومناصرة الحركات الإسلامية التحررية(20) من الأنظمة الظالمة و"الكافرة" مثل النظام البعثي! ولا بد أن الأسد كان ممتناً ومديناً لهم بذلك بالتأكيد.
كيف يمكن للنظام أن يتبع سياسة في حماة وسياسة أخرى في طهران؟ أكان الصراع مع الإخوان المسلمين بكامله مجرد شيئ صوري فارغ بلا التزامات عقدية؟ أليس مشايخ إيران رجعيين ومتعصبين مثل الإسلاميين الذين قاتلهم الأسد في سورية؟ كانت هذه التساؤلات التي أطلقها الجنرال "رفعت الأسد"(21) (نائب الرئيس، وعضو القيادة القُطرية لحزب البعث، وقائد سرايا الدفاع) بعد أن بدأ يُنحَّى من مناصبه شيئاً فشيئاً إثر محاولته الانقلابية على أخيه في 30 أذار/مارس 1984. كان رفعت محقَّاً، ولكن حافظ الأسد ـ الذي استفاد كثيراً من دعمه لإيران، عبر إقامة محور "سوري ـ إيراني"، بالإضافة إلى محوره المتمم "االسوري ـ الشيعي"(22)، كان يقظاً جداً، فهو بالتأكيد يخشى من فكرة تصدير الثورة، خصوصاً وأن الخمينيين يضمرون أنه بعثي "كافر"، ورغم كل الود الذي أظهره الإيرانيون للأسد، فإن الأسد بقي حذراً لا يأمن جانبهم، ومن المهم ملاحظة أن عشر سنوات من دولة مرشد الثورة الخميني لم تجعل الأسد يزور الإمام الخميني(23) أو يلتقي به لأي سبب كان، على الرغم من التزايد المطرد في تقوية المحور السوري ـ الإيراني.