حديث الساعة وما تتناقله وسائل الإعلام عن تهديدات اسرائيلية لضرب المواقع والأهداف السورية في حال نقل مخزون سوريا من السلاح الكيماوي لحزب الله اللبناني او في حال فقدان السيطرة عليه من قبل الجيش السوري ووصول هذا السلاح لأيادي غيره هذا الحديث له ما يبرره، لا سيما وان المسؤولين الإسرائيليين يتناوبون في الإدلاء بمثل هذه التصريحات والتهديدات التي اعتادوا على اغراق المنطقة بمثلها وسائل الإعلام الاسرائيلية تناولت الموضوع وتوسعت بالحديث عن تحضير الجبهة الداخلية وتجهيز الملاجىء، مما يوحي بأن القيادة الإسرائيلية جادة في هذا التوجه؟ وسائل الإعلام تعكس تركيبة الإئتلاف الحكومي القادم والمتوقع أن يكون أكثر عدوانية من كل الحكومات السابقة لذلك يبقى باب الإحتمالات مفتوح على مصراعية وفي كل الإتجاهات، ومن هذه الإحتمالات تنفيذ هذه التهديدات، ولهذا الإحتمال مؤشراته وهي أن نتنياهو لم يتمكن من الحصول على ما سعى اليه من مقاعد انتخابية تؤهله لتشكيل ائتلاف حكومي ويسيطر على المشهد السياسي وهو الآن مقيد ويحتاج الى هروب من واقعه الضعيف يعوضه باتجاه العدوان ولو يشكل محدود، اضافة الى أن علاقة نتنياهو بالرئيس الأمريكي باراك اوباما متردية والشعب الإسرائيلي لايحتمل الغضب الأمريكي ويعتقد نتنياهو انها تتحسن عبر استشعار الأمريكي بالخطر والتوريط في الحرب لا سيما وأن القيادة الأمريكية لا تتفق مع اسرائيل في مجال العمل العسكري ضد المشروع النووي الإيراني ولو مرحليا، اضافة الى المشاكل والأزمات الداخلية الإسرائلية الأخرى التي تنتظر نتياهو .
بالمقابل ومن الإحتمالات أيضا ان هذه التهديدات تأتي في سياق الإستخدام السياسي والحرب النفسية واضفاء أجواء الحرب وتخويف الجبهة الداخلية من أجل تجاوز أزمته وتمكنه من تشكيل الحكومة، وهذا ما يفسر اجتماع نتنياهو يوم الأربعاء الماضي وقبل ظهور نتائج الإنتخابات مع الأجهزة الأمنية وبحث هذا الموضوع، والذي فضح أمره موظفون كبار في الخارجية الاسرائيلية حين اتهموه بتضخيم الخطر السوري لأغراض انتخابية وان تفاصيل الجلسة هي تفاصيل بسيطة ومعظمها لا يتمتع بدقه وانه لم يتم اختراق الخطوط الحمراء الإسرائيلية بهذا الشأن، وما يعزز هذا الإحتمال ان نتنياهو ضعيف وكما يقال عنه في الداخل الإسرائيلي جبان لأنه ما زال في موقع الإتهام حول فشل العدوان الأخير على قطاع غزة عام 2012 وتحميله مسؤولية مراكمة الإخفاقات العسكرية والأثار السلبية التي ترتبت على العدوان، وكذلك فشله أمام الدبلوماسيه الفلسطينية ونجاح التصويت لصالح فلسطين كدولة غير عضو في الأمم المتحدة، ومقاطعته لمجلس حقوق الإنسان وهروبه من المراجعة الدولية في حين نشرت الصندي تايمز كاريكاتيرا يظهر نتنياهو يبني جدارا من دماء الفلسطينيين، وتصنيف اسرائيل في التقرير الدولي انها من بين الدول التي يضرب الفساد مؤسستها الأمنية، وتعبير رؤساء شاباك سابقين عن قلقهم على مستقبل اسرائيل وذلك في الفيلم الوثائقي The Gate Keepers وتشبيه احدهم وهو ابراهام شالوم المولود في النمسا الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية بالإحتلال الألماني لأوروبا، ومن عوامل ضعف نتنياهو الأخرى التوجه نحو تقليص الإنفاق العسكري لمواجهة عجز الميزانية، وازدياد عزلة اسرائيل الدولية بسبب مجمل سياسات نتنياهو التي جلبت بحسب الاسرائيليين الويلات وهي ما أكدها الرئيس الأمريكي باراك اوباما حين قال نتنياهو لا يعرف مصلحة بلده، إضافة الى ما صدر من مواقف من موسكو وطهران وحزب الله تعتبر العدوان على سوريا عدوان عليها، رافق ذلك مناورات وتحركات ووجود عسكري روسي في البحر الأبيض المتوسط، قابل ذلك الإعلان عن الموقف الأمريكي المرتبك وهو ما تحسب له قيادة اسرائيل جيدا وتقلص من خيارات نتنياهو العسكرية.
لاشك ان قدرات اسرائيل العسكرية لم تتغير بل تضاعفت والمخازن الأمريكية مشرعه لكن الجيش الاسرائلي وجنوده وضباطه قد تغيروا فهم لا يصلحون إلا لمعاقبة الفلسطينيين على الحواجز والإستقواء على المعتقلين الفلسطينيين داخل السجون وهم مهرة في اقتحام البيوت واهلها نيام وفي حماية الجرافات وهي تهدمها وهم ايضا يفرون من على آلياتهم العسكرية أمام الإرادة الفلسطينية كما حدث مؤخرا في مدن ومخيمات وقرى فلسطين فكيف يكون آدائهم في مواجهة المقاتلين المدججين بالسلاح والإرادة، خاصة في ظل المتغيرات في المنطقة المعلوم منها والمجهول، نتنياهو يدزك ان اسرائيل اليوم غير اسرائيل الأمس، وان المغامرات العسكرية لا تجلب لهم إلا الهموم، وأنه يستطيع الدخول في الحرب لكنه لا يستطيع الخروج منها، بل ربما يفتح عليه أبوابا من الصعب إغلاقها ومع ذلك يبقى احتمال قيام نتنياهو بمغامرة واردا مستغلا امكانيات الجيش الإسرائيلي العسكرية.
والسيناريو المحتمل هو السيطرة الجوية على منطقة الموقع الرئيسي اوالمواقع المحتملة التي يخزن فيها السلاح الكيماوي على الاراضي السورية بالتزامن مع عمليات انزال للكوماندوز الإسرائيلي والعمل على نقل ما يمكن نقله من السلاح وتدمير ما لايمكن نقله ولاسرائيل سوابق كثيرة في هذا المجال ومنها على سبيل المثال (مطار عنتيبي في اوغنده عام 1976 كهدف بعيد، ومن الأهداف القريبة عمليات الإنزال على حرش النبي طاهر في جنوب لبنان 1979 - 1981 وظهر القضيب شمال بيروت في 19 حزيران وخلال عدوان 1982 وانزال بعلبك قرب مستشفى دار الحكمة خلال عدوان 2006 على جنوب لبنان وغيرها من العمليات ومعظمها فشل).
والسيناريو الثاني وهو ما ألمح اليه قائد سلاح الجو الإسرائيلي أمير ايشل حين قال ان سلاح الجو الاسرائيلي مستعد لمواجهة اي تطور وهو يتمثل بقيام الطائرات الإسرائيلية بقصف شامل لمواقع الصواريخ والسلاح الكيماوي وبقذائف خاصة على غرار قصف المفاعل العراقي 1981 وموقع دير الزور شمالي سوريا 2007 (حيث قصفت الموقع 8 طائرات ب 17 طن متفجرات بحسب المجلة الامريكية نيويوكر والصحيفة الاسرائيلية يديعوت احرونوت) ومصانع السودان والقافلة 2011 – 2012 وفي هذا السيناريو تخشى اسرائيل من فشل القضاء الكلي على السلاح الكيماوي.
والسيناريو الثالث وهو ما تحدثت عنه بعض الوسائل الإعلامية بأنه قائم ويعمل به عبر قيام الخلايا السرية والوحدات الخاصة المؤلفة من مجموعات صغيرة وتسليح نوعي ومعدات وتجهيزات متطورة بالبحث والمراقبة والإستطلاع لمواقع السلاح الكيماوي تمهيدا لتنفيذ عمليات خاطفة وسريعة وتدمير للمواقع بمساندة الطائرات العامودية والحربية التي تبقى خلال تنفيذ العملية تحت الطلب وبعد التنفيذ لإخلاء المجموعات، وعند تنفيذ هذا السيناريو تخشى اسرائيل الوقوع في مصائد المغفلين.
نتنياهو يقف الآن على مفترق طرق بين ضربة سياسية وإن لم تفلح فعسكرية، وإن اختار الثانية فربما يعتبرها الفرصة ويذهب أبعد من أهدافه المعلنة على اعتبار أنه غير قادر على توجيه ضربة لإيران
المصدر
عدل من طرف: f22 raptor