في أبريل عام 1965 استضافت مدينة بورت سموث البريطانية الساحلية الزعيم السوفيتي نيكيتا خروشوف الذي وصل في زيارة رسمية إلى المملكة المتحدة على متن الطراد السوفيتي "أوردجونيكيدزي" الذي كان أحدث سفينة حربية في ذلك الوقت. وهنا لابد من الإشارة إلى أن نيكيتا خروشوف كان يحب الإثارة، وهذا ما بدا واضحاً من خلال السفينة التي كانت تقل نيكيتا والتي ظهرت وكأنها مالكة البحار.
وهكذا تحولت زيارة الزعيم السوفيتي الرسمية من مجرد زيارة عمل إلى تحد للبحرية البريطانية.
عقد الوفد السوفيتي محادثاته في لندن، في الوقت الذي رست سفينة "أوردجونيكيدزي" بانتظار الزعيم في بورت سموث. كان الانكليز مهتمون بتصميم المراوح الجديدة لهذا الطراد السوفيتي وكان من الضروري الغوص تحت الماء لمعرفة شكلها الجديد، وهذه مهمة حساسة لان الطراد ليس مجرد سفينة وإنما وسيلة نقل الزعيم السوفيتي وهو الآن ضيف المملكة المتحدة، وإن أي خطأ سوف يتسبب بفضيحة دولية مدوية. ولهذا قامت وكالة مي-6 باستدعاء أفضل سباح عسكري في الأسطول البريطاني للقيام بهذه المهمة وهو بطل الحرب العالمية الثانية الكابتن ليونيل كريب. وبالفعل في صباح التاسع عشر من شهر نيسان/أبريل غاص كريب تحت الماء متجهاً نحو طراد "أوردجونيكيدزي"، ولكن... اختفى السباح البريطاني دون أثر!
لقد كان ذلك فشلاً كبيراً حيث أحبطت العملية وفقد أفضل رجال الضفادع في بريطانيا، وبدأ أقرباؤه يدقون ناقوس الخطر. وفي محاولة لحفظ ماء الوجه صرحت وكالة مي-6: "لقد أصبح كريب في عداد المفقودين عندما كان يسبح في محاولة منه للعثور على جهاز اختفى على بعد ألاف الأميال من بورت سموث. ولكن بعد ذلك برق نبأ كالرعد وسط سماء صافية عندما أعلن الجانب السوفيتي بأن طاقم الطراد "أوردجونيكيدزي" شاهد مقاتلاً من قوات الضفادع بالقرب من السفينة! وهنا طالب خروشوف الحكومة البريطانية تفسير ما حدث على الفور واندلعت فضيحة رهيبة. في هذه الأثناء بدأ رئيس الحكومة البريطاني أنطوني إيدين الذي كان لا يعرف شيئاً عن مهمة كريب بإجراء التحقيقات ووجه توبيخاً لرئيس المخابرات جون سينكلار وأقاله على الفور، أما رئيس الوزراء البريطاني فقد اضطر للاعتذار من خروشوف وتقديم شرح لنواب البرلمان، حيث صرح إيدين أمام مجلس العموم بأن المصالح البريطانية الحكومية تتطلب حالياً عدم الإفشاء عن ظروف اختفاء الكابتن ليونيل كريب.
بدا وكأن الحدث قد انتهى. ولكن بعد عام فقط تم العثور على جثة مشوهة لغطاس بالقرب من المياه الساحلية وبدا جسده دون رأس وأيدي، وقد كان من المستحيل تقريباً تحديد هوية الجثة. ولكن صرح زميل كريب وهو أيضاً سباح في قوات الضفادع البريطانية سيدني نولز بأنه تعرف على جثة كريب من خلال ندبة موجودة على ركبته. وفي صيف عام 1957 نشرت صحيفة ديلي تلغراف رسالة قصيرة حول دفن الكابتن ليونيل كريب في بورت سموث علماً أن ممثلي الأسطول البريطاني وأجهزة المخابرات لم تشارك في هذه الجنازة.
وبعد مرور عامين صدر كتاب للمؤلف جون هوتون في لندن تحت عنوان "عمل لا يصدق من أحد رجال الضفادع"، حيث ادعى المؤلف بأن الكتاب يستند إلى معلومات وردت في وثائق المخابرات البريطانية. وبحسب فرضية هوتون فإن الشخص الذي تم دفنه ليس هو كريب! أما ليونيل كريب الحقيقي تم اعتقاله وأسره من قبل قوات الضفادع السوفيتية التي كانت تحرس الطراد "أوردجونيكيدزي" وتم نقله إلى الاتحاد السوفيتي على متن هذه السفينة، وهناك جند جهاز الاستخبارات "كي جي بي" كريب وأصبح مدرباً للضفادع البشرية السوفيتية في إحدى القواعد العسكرية السرية. أما المسؤولون البريطانيون فقد نفوا هذه المعلومات وصرحوا بأن ما قاله هوتون هو محض خيال وكذب وافتراء.
ولكن بعد مرور 50 عاماً من اختفاء كريب أي في عام 2006 تحدث فجأة سيدني نولز، ذلك الشخص الذي حدد هوية زميله من خلال التعرف على ندبة كانت في ساق كريب، حيث صرح بأن كريب قال له ذات مرة في عام 1956 بأنه يشعر بتعاطف مع الاتحاد السوفيتي، واعترف أنه يريد الهروب إلى روسيا. هذا الحديث نقله نولز لرئيسه العقيد في جهاز الاستخبارات البريطانية مي-6 مالكوم الذي وعده بأن يمنع كريب تحقيق هدفه هذا. وبالتالي فإن عملية جهاز المخابرات مي-6 كانت مخططة ليس ضد الطراد "أوردجونيكيدزي"، ولكن من أجل القضاء على هذا المنشق! وبالتالي كان المطلوب وضع كامل المسؤولية على الروس في مقتل كريب. وبطبيعة الحال عارض أصدقاء وعائلة كريب بالإجماع هذه الفرضية وأكدوا بأن الكابتن كان وطنياً يحب بلاده واستبعدوا بشكل قطعي فرضية الخيانة.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما الذي حدث بالفعل مع الكابتن كريب؟ ومن هي الجثة التي دفنت في بورت سموث، ولماذا تم تشويهها؟ وكيف علمت الضفادع البشرية السوفيتية بزيارة كريب إلى السفينة؟ كما يبدو واضحاً أنه لم يحن الوقت لمعرفة الأجوبة على هذه الأسئلة...
...المزيد: http://arabic.ruvr.ru/2014_03_23/270095925/