أين أنصار أمتنا اليوم
الحمدُ للهِ القائل ِفي مُحكم ِالتنزيل ِ: ( لا يستوي منكم مَنْ أنفقَ من قبل ِالفتح ِوقاتلَ أولئكَ أعظمُ درجة ًمنَ الذينَ أنفقوا من بعدُ وقاتلوا، وكلا ًوَعَدَ اللهُ الحُسنى ، واللهُ بما تعملونَ خبير{10}) الحديد .
ويقول: ( والسابقونَ السابقونَ {10} أولئكَ المقربونَ {11} في جنـَّاتِ النـَّعيم {12} ثلة ٌمنَ الأولينَ {13} وقليلٌ منَ الآخِرين {14} ) الواقعة.
في هاتين ِالآيتين ِالكريمتين ِيُبيِّنُ سبحانهُ وتعالى بعضاً مِمَّا استحقتهُ الثـُّلة ُالمؤمنة ُ المُصطفاة ُمنَ السابقين الأولينَ , منَ الأنصارِ والمهاجرينَ ،
وقد بَذلتْ ما وَسِعَهَا منَ النفس ِوالمال ِوالولدِ في ساعةِ العُسرَةِ ،
يومَ بَدْءِ الدعوةِ وقبلَ فتح ِمكة
َوقد كانَ الإسلامُ مطارداً ومحاصراً,
وقد كانَ بذلاً مُنبثِقاً عن خيرٍ اختاروهُ لأنفـُسِهم يومَ اعتنقوا عقيدة َالإسلام ِ وآثروهَا على كلِّ شيءٍ،
وَفدَوْهَا بالغالي والنفيس، بأرواحِهم وأموالِهم وأولادِهِم جميعاً .
إخوتي وأحبَّتي :
في وقتٍ زادَ فيهِ العَداءُ ،
وعَظـُمَ البَلاءُ ،
قلَّ فيهِ اليسيرُ،
وشحَّ فيهِ النـَّصير،
يأبى رسولُ اللهِ صلى الله ُعليهِ وسلمَ إلاَّ أن يُخبرَ عمَّهُ أبا طالبٍ يومَ جاءَهُ وفدٌ من وُجَهاء قريش ٍيُساومونهُ ،
ويَطلبونَ إليهِ الإحسانَ إليهم بكفِّ دَعوَتِهِ عَنهُم , وعَدَم ِتسفيهِ آلِهَتِهم وتعييبـِهَا،
ولهُ من زهرةِ الدنيا ما يطلبُهُ ويتمناهُ ،
فيقولُ لِعمِّهِ : ( واللهِ يا عمُّ ، لو وضعوا الشمسَ في يميني ، والقمرَ في يَساري ، على أن أترُكَ هذا الأمرَ ما تركتـُهُ ، حتى يُظهـِرَهُ اللهُ أو أهلـَكَ دونهُ )
في هذا الوقتِ الذي أمِرَ فيهِ عليهِ السلامُ أن يَجهَرَ بدعوتِهِ ، ويُظهرَ كتلتـَهُ ، وما تكتـَّلَ مَعَهُ يومئذٍ منَ المؤمنين إلاَّ قليلٌ،
ليكونوا هُمُ النواة ُالأمُّ ,
والثـُّلة ُالمختارة ُ، التي ابتاعَتِ الآخرة َ بالدنيا ،
وآثرت رِضَا ربِّهَا على رضا قومِهَا ،
وذلكَ كمَن سَبقهُم منَ المُؤمنينَ الأ ُوَلَ ،
أولئكَ الذينَ ناصَروا رُسُلَ اللهِ وكانوا لهُم سَنداً وَعَوناً .
وفي أيَّامِنا تِلكَ ، وما أشبهَ اليومَ بالبارحةِ !
وكأنَّ التاريخَ يُعيدُ نفسَهُ !!
فقد عَزَّ النصيرُ ،
وعَظـُمَ العَسيرُ ،
وها هُم حُملة ُالدعوةِ القائمونَ برسالةِ نبيِّهم صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وما شَغـَلتهُم واللهِ أنفسُهُم ، ولا أهمَّتهُم مَصالِحُهُم .
يتساءلونَ وهُم يَرونَ تكالبَ أعداءِ الإسلام ِعليهِ وعلى أتباعِهِ ،
حيثـُمَا أقلـَّتِ الأرضُ مُسلماً،
وأظلـَّتِ السماءُ مُؤمِناً .
إنهُم واللهِ ليتساءلونَ !
وقد حُقَّ لهُم ولِلأمَّةِ من بعدِهم أن يَتساءلوا ؟؟؟
أينَ الأنصارُ من أبناءِ هذهِ الأمَّةِ الكريمةِ لِينصُرُوا هذا الدينَ كما نـُصِرَ من قبلُ على يدِ أصحابِ رسول ِاللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ ؟؟ كسعدِ بن ِمُعاذٍ وأسيدِ بن ِحُضيرٍ رضيَ اللهُ عنهما , عِندما أعطوْا رسولَ رسول ِاللهِ مصعبَ بنَ عُميرٍ القوة َ والمَنعَة َ، والبَيعة َوالطاعةِ، نصرُوا اللهَ فنصَرَهُم , ودانتْ لهُمُ الدُنيا .
أينَ الثـُّلة ُالمؤمنة ُالمخلصة ُُالتي تناصرُ وتؤثرُ الإسلامَ على هوى نفسِهَا ، فتـُفني لأجلهِ النفسَ وتقدِّمُ المالَ والولدَ وما قلَّ مثيلـُهُ ،
وإنَّ الواجبَ ليُحتـِّمُ على أصحابِ القوةِ والمَنعَةِ في بلادِ المسلمينَ أن يكونوا أنصارَ اليوم ِ ليفوزوا في الدارين ِ,
ويُخلـَّدُوا في سِجلِّ الرجال ِالرجال ,
بصحائِفَ من نور، ليرضى عَنهُم رَبُّهُم كما رَضيَ عَن أسلافِهم .
أينَ ثلة ُالآخرينَ ليسطـِّروا ما سطـَّر السابقينَ الأولينَ ,
فيكونَ لهُمُ السَّبْقُ في عَودَةِ الإسلام ِ،
وإعزازِهِ بسلطانِهِ ،
حتى تكونَ لهُمُ اليدُ الطولى في كلِّ خير ،
فينالوا من ربِّهمُ الحُسنى ,
والدَّرجاتِ العُلى ,
وقد رُزِقوا التـُّقى ،
وليكبروا اللهَ على ما أنعمَ عليهم بهِ ,
فتهتفُ معهمُ الأرضُ ,
وما عليها ومَنْ عَلوهَا , وموقنينَ: ( إنا لننصُر رُسُلـَنا والذينَ آمنوا في الحياةِ الدُنيا ويومَ يقومُ الأشهاد {51} )غافر .
فقوموا إخوتي في اللهِ وأحبتي : لِنصرَةِ هذا الدين ِ،
واعمَلوا مَعَ العامِلينَ لتكونوا خيرَ خلفٍ لخيرِ سلفٍ
إذ يُبشـِّرُكـُمُ الهادي عليهِ السلامُ فيقول: ( إنَّ من ورائِكـُم أياما ، الصبرُ فيهنَّ مثلُ القابض ِعلى الجمر، للعامل ِفيهنَّ مثلُ أجرِ خمسينَ رجلا ًيعملونَ مثلَ عملِكـُم ، قالوا يا رسولَ الله : أجرُ خمسينَ مِنـَّا أم مِنهم ؟ قال : بل أجرُ خمسينَ منكم ) .
ويعني أنَّ الذي يعملُ مَعَ العاملينَ اليومَ لتحقيق ِوعدِ اللهِ وإظهارِ دينهِ ،
وإعزازِ أمـَّتِهِ ،
وقد تكالبت عليها الأممُ وتناوَبَت،
وتوالت عليها المصائبُ تترى ،
ما أطمعَ عَدُوَّهَا فيها .
في هذا الوقتِ ،
والحالة ُهذهِ ،
كانَ لمن يعملُ ما يماثلُ أجرَ خمسينَ من صحابةِ رسول ِاللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ مُجتمعين بالأجر لا بالفضل .
فأينَ انتم يا أهلَ الحجازِ، يا أهلَ مَهبـِطَ َالوحي ِ، يا أصحابَ مَنبَع ِالهُدى ، ويا أسَّ الإسلام ِ، يا أنصارَ محمدٍ قبلَ الهجرةِ وبعدَهَا .
أينَ أنتم يا أهلَ الشام ِ، زهرةِ بلادِ الدنيا ، أحفادَ خالد , وضرارَ, وأبي عبيدة َ، وشدادَ , وشرحبيلَ , وعبادة َ، وصلاحَ الدين ِ, ونورَ الدين ، أينَ أنتم وقد تـَحَسَّرَ من تحتِ أرجُلِكـُمُ الثـَّرى ، وقد تخضَّبَ بدماءِ الصحابةِ الكرِام ، تـَحسَّرَ لِطول ِبُعدِهِ عن ِالخلافةِ وقد داستهُ أقدامُ الغزاةِ المُستعمرين .
بيتُُ المقدس ِ، أرضُ الخلافةِ الراشدةِ الثانيةِ الموعودينَ بها قريباً بإذنهِ ,
إذ يقولُ عليهِ السلامُ: (فإذا كانت ببيتِ المقدس ِفثمَّ عقرُ دارها ).
أينَ أنتم يا عصائبَ العراق ِوقد أتتكم أبدالُ الشام ِفتبايعونَ الإمامَ بينَ الركن ِوالمقام ِ, فيَقسِمَ بينَ الناس ِفيـْأهُم, ويعملَ فيهم بسنةِ نبيِّهم , ويُلقي الإسلامُ بجِـرَانِهِ إلى الأرض . أي : تلقي الأرض ما في باطنها من خيرات .
أينَ أنتم يا أمدادَ اليمن ِيا قبائلَ قرن ٍمن مُرادَ القرنيِّ أخرجوا لنا أويساً جديداً ، يستغفرُ لنا ويقودُ جيشـَنا، ليحررَ من الظلم ِوالإستبداد والإستعباد بلادَنا، ويُخرجَ العبادَ من جَورِ الأديان ِوظلمِها، إلى عدل ِالإسلام ِونوره ِ.
فتنعمَ الأرضُ بالأمن ِوالأمان ِ، وقد فـُقدناهم بفقدان ِالإمام.
أين أنتم يا أهلَ الكِنانةِ ، يا أبناءَ عمروٍ بن العاص ، ألا فلتـُجَدِّدُوا لنبيِّكمُ البيعة َ، وقد استوصى بكم خيرا، فهبُّوا لِنصرةِ دينِكـُم واستوصوا بأمتهِ خيرا .
أينَ أنتم يا أهلَ خراسانَ يا أحفادَ سَلمان ِالفارسيِّ ، والبخاريِّ ومسلمَ والترمذيِّ والنـَّسائيِّ أعلامُ الحديثِ وأساطينُ الفقهِ .
وأينَ أنتم يا أهلَ المغربِ العربيِّ أحفادَ الفاتح ِالمِغوارِ عقبةَ َبن ِنافع ٍ لتكونوا في الصفوفِ الأ ُوَل ِلفتح ِروما وتطهيرِهَا من الشركِ والأوثان , كما بَشـَّرَ خيرَ ولدِ عدنان ِ , إمامُ الأئمةِ , وخيرَ الأنام .
أينَ أنتم يا أبناءَ المجاهدِ الأول ِمحمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ , فيا أصحابَ التيجان ِالعسكريةِ والنياشينَ ,
أينَ أنتم أيُّها الضباط ُ البواسل , والجيوشُ الأشاوس . ألم يأن ِلكُم لتـُبايعوا أميراً للجهاد ؟ ليرفع عنكمُ الضيمَ , ويمحقَ الطغيان .
أينَ أنتم يا أهل القوةِ وأصحابَ المنعةِ, أملَ الأمةِ, وحُسنَ رجائِـها, ومحط َّ أنظارها. أما تاقت لتكبيرةٍ في سبيل ِاللهِ أنفسُكُم تـُرهبونَ بها عدوَّ اللهِ وعدوَّكُم.
أينَ أنتم يا أحفادَ بن ِمَسلمَة َوسعدِ بن ِأبي وقاص ِوالقعقاع ِلتغزوا الكفارَ في عقرِ دارهم. فتنسُوهم وساوسَ شيطاتهم ؟
أينَ أنتم يا أحفادَ القائدِ الأشـَمِّ قتيبة َبن ِمسلم ٍالباهليِّ. لتنتقموا للمسلماتِ في البوسنةِ, وأبي غريبٍ, وغيرِها الكثيرَ الكثيرَ, ليقولَ لعلوجـِهم , واللهِ لن تـُروَّع َفيكم بعدَ هذا اليوم ِمسلمة ٌ أبداً .
أينَ أنتم يا أحفادَ محمدٍ الفاتح ِصاحبِ قسطنطينية َالذي أخبرَ عنهُ وأثنى عليهِ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ يومَ بشـَّرَ بفتحها فقال : نِعمَ الأميرُ أميرُها , ونِعمَ الجيشُ جيشـُها .
وأينَ أنتم يا إخوانَ محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ وقد بلـَّغـَكـُمْ سلامَهُ يومَ قال: سلامي على إخواني , قالوا أوَ لسنا إخوانـَكَ يا رسولَ الله ؟ قال بل أنتم أصحابي ، إخواني يأتونَ بعدَكم ، وفي روايةٍ أنتم تجدونَ على الحقِّ أعواناً وهم لا يجدون ، ويُحاطونَ بالظالمينَ من كلِّ جانب .
فأينَ أنتم يا إخوانَ رسول ِاللهِ في كلِّ مكان ٍتحتَ أمِّ الضياءِ ،
وفوقَ أمِّـنا الحنواء ،
لتناصروا إخوانـَكم العاملينَ لإعزازِ هذا الدين ِونصرتِهِ ، حتى يُظهرَ اللهُ دينـَهُ على الدين ِكلهِ ,
فقوموا , فانفضوا عنكمُ غبارَ التقاعس ِوالخُـذلان،
وناصروا العالمينَ العاملينَ بإخلاص ٍلإعادةِ سلطان ِالله في الأرض ،
فتفوزوا في الدارين
وفي الختام ِمسكُ الختام ، قول اللهِ تباركَ وتعالى: ( ألم يَأن ِللذينَ آمَنوا أن تخشَعَ قلوبُهُم لذكرِ اللهِ وما نـَزلَ مِن الحقِّ{61}) الحديد .
إيّ وربِّي قد آن ،إيّ وربِّي قد آن ، إيّ وربِّي قد آن .
فالعُمُُر قصيرٌ،
والحسابُ قريب،
فإمَّا يسيرٌ وإمَّا عسير .
فاستعدوا لهُ وشمِّرُوا عن سَواعِدِكـُم،
وأخلِصوا النيَّة َ لِربِّكـُم،
وشدُّوا عضُدَ إخوانِكـُم .
فلم يبقَ واللهِ للعاملينَ غيرُ سيوفِ أهل ِالنصرةِ وقد شـُرِّعتْ ،
وَمَنـَعَة ٌمن أهل ِالقوَّةِ لو أعطيت ،فقد هاجرنا إلى ربِّنا ،
كما هاجرَ من قبلُ نبيـُّنا ، فناصرَهُ الأنصارُ ، فأينَ أنصارُ أمَّتِنا اليومَ ؟
فماذا تنتظري يا أمَّة َالإسلام ِ, يا أمَّـة َخيرِ الأنام ِ, وسيدِ الرسل ِالكرام ِأوَ لم تحِنـِّي لأيام ِعِـزٍّ غابرٍ, ومجدِ ظافر .
وما الحياة ُالدنيا إلاَّ سويعاتٍ وتنقضي .
فأينَ أنصارُ أمتنا اليومَ ؟ أينَ أنصارُ أمتنا اليومَ ؟ أينَ أنصارُ أمتنا اليومَ ؟ أيُّها المُسلمون ؟
أخوكم في الله العم الغالي والمعلم العامل
الداعي إلى الله
بيت المقدس ــ القدس الشريف
أين أنصار أمتنا اليوم؟!
للاستماع والتحميل:
انقر بواسطة الزر الايمن من الفأرة ثم احفظ بأسم
http://www.eqraa.com/forums/index.php?act=Attach&type=post&id=20311