يوسف الكويليت
عاش العرب عالة على استيراد أسلحة الشرق والغرب، والتي ارتبطت بشروط تصل
إلى أن تكون دون ما تصدره لإسرائيل، أو لمتحالفين مع الدول الشرقية، وبصرف
النظر عن البائع والمشتري في أمور استراتيجية حساسة، فإن إسرائيل استطاعت
خلال عقود أن تصل إلى دولة مصدرة للأسلحة لقلاع متقدمة مثل أمريكا وأوروبا
والصين والهند وغيرها، ونحن لا نقول إن هناك معجزات في امتلاك هذه
التقنيات، عندما ننظر إلى البرازيل، والهند وأندونيسيا وباكستان وتركيا،
كيف طورت صناعاتها العسكرية، ووصل بعضها إلى امتلاك الأسلحة النووية..
المملكة وتركيا هما من يستطيع خلق ظروف سلمية في المنطقة، لأن لكلّ
منهما مصدر قوته، وزيارة سمو ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز لتركيا
لم تأت للبحث عن محاور، بل تكامل في العديد من القضايا الصناعية والتجارية
والسياحية، وعندما تم الاتفاق على بناء صناعات دفاعية بين البلدين، فإنما
يأتي ذلك لكسر الاحتكار الذي أقامت متاريسه الدول الموردة الأساسية، ونعرف
كيف واجهت المملكة حرباً كبيرة، مع صفقة «الأواكس» والصواريخ الصينية
«رياح الشرق»، والاتفاقية لصناعة الأسلحة مع السويد، أي أن الأمر يدار بروح
الوصاية، وعملية الاستقلال بصناعاتك أياً كان هدفها واتجاهها، هي قرار
سيادي، وهو حق طبيعي سعت له جميع الدول التي يحاط أمنها بمصادر تهديد
مستمر، ومنطقتنا واحدة من مواقع التوتر الدائم، وسباق التسلح عربياً أو
إقليمياً أصبح إحدى وسائل استنزاف مقدرات تلك الدول..
قطعاً لا يعني هذا الوقوف على هذه الحدود بالتسلح سواء من أمريكا أو
الدول الأوروبية، بما فيها التوسع مع دول أخرى كخيارات ضرورية، لكن توطين
تقنية السلاح أحد أهم الاتجاهات التي تركز عليها المملكة، دون إيقاف مصادر
الأسلحة المتقدمة..
لم تكن زيارة سمو ولي العهد تقف عند هذه الحدود، فهناك الهموم السورية
والمنطقة بأسرها، وكذلك التداخل في المجالات الأمنية والسياسية مع قوى
الخارج، ولا يقتصر الأمر على بند واحد يُتفق عليه كإطار للعمل، ولكن هناك
مساحات تم التحاور وتلاقي الأفكار حولها..
فتركيا والمملكة هما أقوى اقتصادين في المنطقة، وهو سبب أدخلهما نادي
العشرين لأقوى اقتصادات العالم، وعملية أن توضع استراتيجية طويلة الأمد
لتعاون مفتوح يتسع لمشاريع استراتيجية كبيرة بين البلدين، فإن ذلك ليس
أمراً سرياً، فقد تمت اتفاقات مع دول عديدة في صناعات البتروكيماويات،
والتعدين، وتوطين تقنيات أخرى مثل مشروع اليمامة مع بريطانيا في حقل صناعات
«الجو فضائية» إضافة إلى تدريب العديد من الفنيين السعوديين..
لا شك أن المملكة ضد أن تُرسم الخرائط والحدود بالقوة، وضد التحالفات
أياً كان منشؤهاً، ومع السلام القائم على الاحترام المتبادل، لكن ذلك يبقى
ضمن المثل العليا، ولذلك ما لم تحمِ هذه الأفكار والمواقف قوة ذاتية، فإن
وضع المنطقة معقد وصعب عاشته لأكثر من نصف قرن، رغم تغير موازين القوى في
العالم، وتعدد الأقطاب، إلاّ أن الوضع العربي، والإقليمي بقيا مصدر التنافس
على تفجير الأوضاع داخلياً وخارجياً..
الزيارة سجلت نجاحاً كبيراً، وهذا أحد أهدافها إذا ما علمنا أن المشاريع
المشتركة بين تركيا والمملكة تحكمها أطرٌ ومواثيق دامت لأكثر من ثمانين
عاماً، وتتجدد مع مرور الأيام والسنين..
http://www.alriyadh.com/2013/05/23/article837436.html