بقلم
اللواء الطيار الركن متقاعد
علوان حسون علوان العبوسي
عام
تعتبر حرب 6 تشرين 1973 (العاشر من رمضان) من اهم المساهمات التي ساهم بها الجيش العراقي عبر سفره الخالد في تاريخه الحديث .... هذه المشاركة التي تمت دون إشعار أو تخطيط أو تنسيق مسبق لذلك تعتبر ضرب في البطولة والشعور الوطني والقومي تجاه قضايا ألامه العربية وعدوها التقليدي ( الكيان الصهيوني ) ....
كنا ضباط أصاغر برتب نقيب ورائد طيار نتساءل لماذا أرسلت أسراب طائرات الهنتر السادس والتاسع والعشرون إلى مصرفي نيسان 1973 وكان الجواب لأغراض التعاون مع القوات الجوية المصرية وكنا نفرح لذلك ونتوسط من اجل شمول أسراب قوتنا الجوية الأخرى ...وبعد مضي الوقت وصادف عودة بعض الطيارين من مصر إلى العراق للتمتع باجازة قصيرة كنا نلتقي بهم ونسألهم نفس السؤال ؟ يكون جوابهم لأغراض التعاون مابين القوتين الجويتين.
أخيرا أتضح لنا السبب جليا بعد سماعنا من الراديو مساء يوم 6تشرين (اكتوبر1973 خبر هجوم 200 طائرة مصرية ومعها 24 طائرة هنتر عراقية في الساعة 1400 لمواقع العدو الإسرائيلي في شرق القناة والمتمثلة ( بالمطارات في سيناء تماده وراس نصراني والمليز ... ومواقع القيادة والسيطرة وبطريات الصواريخ ارض جو ثم توغل القوات البرية شرق القناة بعمق 5 كلم).... وقد تزامن مع هذا الهجوم هجوم 200 طائرة سورية ضد الأهداف الاسرائيلية في الجولان لاستعادة الأراضي التي احتلها العدو عام 1967.
إجراءات القيادة السياسية العراقية
في مساء نفس اليوم اجتمعت القيادة السياسية والعسكرية العراقية برئاسة رئيس الجمهورية احمد حسن البكر وبعد التشاور مع القيادة السورية أصدرت قرار المشاركة في الحرب وأوعزت للسربين التاسع والحادي عشر (ميج 21 ) التوجه فورا إلى سوريا كما أوعزت إلى الأسراب الهجوم الأرضي الأول والخامس والثامن سوخوي 7 والسرب السابع ميج 17 التوجه تباعا إلى سوريا كما أوعزت إلى الفرقة المدرعة الثالثة بقيادة العميد الركن محمد فتحي امين (ألويتها ل مدرع 12 بقياده العقيد الركن سليم شاكر الامام ول مشاة ألي 8 بقيادة العقيد الركن محمود وهيب ول مدرع 6 بقيادة المقدم الركن غازي محمود العمر ) والفرقة المدرعة السادسة (ألويتها ل مدرع 30 ول مدرع 16 ول مشاة 15 ) واللواء الآلي من فرقه المشاة الآلي 20 بقياده العقيد الركن سلمان باقر واللواء المشاة5 من الفرقة المشاة الرابعة بقيادة المقدم الركن عبد الجواد ذنون.
إعادة العلاقات وإبرام معاهدة عدم اعتداء مع إيران ليتسنى سحب القطعات المتواجدة على الحدود الايرانية …. أضافه إلى تاميم حصة هولندا النفطية وتقليل حصص دول العدوان وكذلك فعلت الدول العربية النفطية الأخرى .
الالتحاق إلى سوريا
كنت على التو قد أنهيت دورة في القتال الجوي على الطائرات المقاتلة ومتمتع في أجازه نهاية الدورة وصادف أن أكون مع عائلتي في احد أسواق بغداد عندما سمعت خبر الهجوم بالراديو .. قلت لعائلتي اعتبر أن إجازتي انتهت…. في صباح يوم 7 أكتوبر التحقت في قيادة القوة الجوية طالبا تتسيبي لأحد الأسراب المقاتلة وتم تتسيبي إلى السرب الخامس سوخوي 7 في قاعدة كركوك الجوية آمره الرائد الطيار سالم سلطان البصو يعاونه الرائد الطيار حازم حسن قاسم وكنت أنا آمرا للرف الأول في السرب المذكور … التحقت في السرب مساء بعد ان اقلني اخي الرائد الطيار موفق سعيد عبد بسيارته الخاصه ( شوفرليت موديل 1959 ) كما التحق معنا النقيب الطيار يوسف محمد يوسف وهما كانا في دورة آمري الاسراب الحتميه المفتوحه بجناح الدورات الجويه وقد وجدت السرب قد هيىء مستلزمات التنقل صباح يوم 8 أكتوبر.
صباح يوم 8/10/1973 اوجزنا الرائد الطيار هشام عطا عجاج بمهمة القوات الجويه العراقيه في سوريا موضحاً خط رحلة اسراب الهجوم الارضي المنطلقه من قاعدتي كركوك وابي عبيده واوضح لنا من ان اسراب المتصديات قد تم ارسالها منذ صباح يوم 7 منه ، وقد اوصانا بالصمت الاسلكي كجانب امني مهم لسلامة تشكيلاتنا ، بدأنا بالتنقل إلى سوريا من قاعدة كركوك الجويه في الساعه 1000 من نفس اليوم و على شكل مجموعات رباعية بفاصل خمسة دقائق بينهما ، كان معي بالتشكيل كلا من الملازم الاول فيصل حبو شعيب والملازم الاول حسن عبيد والملازم الاول محمد السعدون ، تسلق التشكيل الى ارتفاع 6000 متر باتجاه قاعدة الوليد الجويه ، بعد مدينه حديثه بدءنا بالانحدار التدريجي تحسباً للكشف الاسرائيلي الممتد عبر الاراضي العراقيه لحين وصولنا مدينة الرطبه بارتفاع 100 متر، تم هبوطنا بقاعدة الوليد الجويه التي كانت مزدحمه باسراب السوخوي والميج 21 وبعد تناول وجبه خفيفه اقلعنا مره اخرى باتجاه سوريا على ارتفاع منخفض جداً 30 -50 متر حيث تقرر هبوط السرب الخامس في قاعدة (بلي) الجويه ، قبل وصول القاعده اتصل بنا احد الضباط الجويين العراقيين واعتقد كان مقدم نجدت النقيب محاولا اعطاء بعض الدلالات لهذه القاعده وفعلا كانت مفيده لنا ، في اقل من 5 دقائق بعد وصولنا القاعده هبطت طائراتنا فيها بسلام وادخلت الطائرات فوراً داخل الملاجىء المحصنه ، اما السرب الأول فهبط في مطار ( دمشق الدولي ) والسرب الثامن في مطار الضمير وسبق أن هبط السربان التاسع والحادي عشر (ميج 21 ) في مطاري سيكال والناصرية أما السرب السابع فهبط في مطار الضمير ، في المساء التقى بنا آمر القاعده واوجزنا بالمنطقه وسياقات العمل المتعارف عليها ، في قاعدة بلي التقينا بالرائد الطيار العراقي سمير زينل حيث كان منسب آمراً لاحد اسراب الميج 17 السوريه وقد سبق له ان شارك بالعديد من الطلعات منذ اليوم الاول للمعركه ،كما التقينا بعدد من الطيارين ممن كانوا معنا في روسيا عام 1967 منهم عبد الرحمن وكمال وغيرهم لااذكر اسمائهم الان ، المهم جرى توزيع الخرائط علينا وتسليمنا للكلمات الشفريه التي اعتاد السوريين العمل بموجبها في الجو وجرى دراسة المنطقه جيداً وفق هذا الوقت القصر على خرائط مجسمه تظهر طبيعتها الجغرافيه ، بعد تناول وجبه عشاء خفيفه ولشدة تعبنا هذا اليوم خصصت لنا اسرة للمنام في داخل مقر السرب التعبوي تحت الارض حيث سنبدأ الطيران ضد الاهداف الاسرائيليه غداً 9/10/1973 انشاء الله .
لقد ساهمت طائرات النقل نوع (انتونوف 12 و 24 ) بنقل مستلزمات كل الأسراب المساهمه رغم ظروف الحرب الصعبة كما ساهمت طائرات الهليكوبتر بأعمال إعادة التمركزات لوسائل الدفاع الجوي والأسراب وفقا للموقف الجديد .... لم يبقى في العراق سوى السرب 14 لحماية بغداد وبعض مفارز من طائرات السوخوي والميج 21 لاعادة تاهيل الطيارين المتواجدين في كليه القوه الجوية وكلية الأركان بغرض زجهم بالمعركة بعد ذلك .
موقف واجراءات تنفيذ القوة الجوية العراقية واجباتها في سوريا
في 10 أكتوبر أصبح موقف القوه الجوية العراقية في سوريا ماياتي: ( 50 طائره سوخوي هجوم ارضي و36 طائره متصدية و8طائره ميج 17 ) .... نسبة الطيارين إلى الطائرات 2: 1 للاستعواض . اما تنفيذ الواجبات فكان كما يلي :
ا . باشر السربان 9 و 11 متصديات الطيران ( الاعتراضي ) مع الطيران السوري منذ اليوم الأول لوصولهم في 7 أكتوبر واستمر حتى وقف إطلاق النار في 23 أكتوبر واستطاع كلا من الطيارين التالية أسمائهم اسقط 3 طائرات اسرائيلية( المقدم الطيار الركن محمد سلمان حمد والرائد الطيار الشهيد نامق سعد الله والنقيب الطيار شهاب احمد ) ...
ب. باشرت أسراب الهجوم الأرضي 1 و 5 و 8 و 7 الطيران منذ 9 أكتوبر وحتى وقف إطلاق النار .
ج . لقد واجهت أسراب الهجوم الأرضي ظروف صعبة بسبب قلة الاستحضارات وعدم التعرف على المنطقة بشكل جيد بعد زجها بشكل مباشر في المعركة أدى إلى وقوع خسائر غير مبررة بالطيارين خاصة وان امكانية الطائرات الروسية القتالية آنذاك لم تكن بالصورة التي عليها ألان فالطائرة تحتاج إلى طيار يقودها إلى الهدف على عكس الطائرات الغربية حيث الطائرة هي التي تقود الطيار إلى الهدف بواسطة ما تحتويه من أجهزه ملاحيه وقصف دقيقه، ولما كانت المعلومات غير متوفرة والطيارين لم يسبق لهم ممارسة الطيران في سوريا قبل هذا الوقت لذلك كانت الخسائر غير مقبولة في المفهوم التعبوي ومع ذلك فقد أعجب الطيارين السوريين بكفاءة الطيار العراقي رغم كل الظروف التي أشرت إليها أنفا وقد أفدناهم في أمور أساليب الاستخدام القتالي أثناء تنفيذ الواجبات مما ساهم في تقليل نسب الخسائر بالطيارين وأصبحوا يقولون لو كنتم معنا قبل هذا الوقت لأبلينا بلاءا حسنا معكم ....
ماهية واجبات القوةالجوية السورية
أ. التخطيط للواجبات لم يكن بمستوى تخطيط العدو الإسرائيلي فقد تمكن من كشف الخطط السورية مبكرا ومن ثم نصب كمائن في طريق ذهاب الطائرات إلى أهدافها وإسقاطها بل العدو كان يعلم بالخطة أساسا(السبب أن خرائط الطيارين كان قد ثبت عليها كل الأهداف المعادية وأسلوب الذهاب والعودة إلى الهدف وعندما يقذف الطيار من الطائرة بسبب اصابة طائرته من قبل الدفاعات الجويه الاسرائيليه يلقى القبض عليه ويستولي العدو على هذه الخرائط يستدل منها على الخطط التعبويه للاستخدام .
ب . اقتصرت الخطه الجوية على عمليات الإسناد الجوي القريب وبعض أهداف التجريد لمواقع التحشد والتموين وقد خلت الخطة من أهداف الحركات الجوية المقابلة لأهميتها القصوى في المعركة ...
ج .الأهداف كانت ( القنيطرة ,تل عنتر , سعسع , مجدل شمس , منطقه طبريه , جسر بنات يعقوب , ارتال متقدمه تجمعات , إسناد القوات ألبريه في انسحابها من الأهداف التي احتلتها في بداية الحرب ).
د .استمر زخم طائرات الهجوم الجوي العراقي حتى يوم 10 أكتوبر .... بعدها توجه العدو إلى الجبهة السورية بعد أن احكمت القوات ألمصريه مواقعها في سيناء وذلك لخطورة هذه الجبهة بعد أن استعادت سورية كافة أراضيها في الجولان.... ففي الهجوم المقابل الإسرائيلي ... كان العدو يقوم منذ الصباح الباكر واعتبارا من 11 أكتوبر شل كافة القواعد الجوية السورية وتلغيمها بالقنابل الموقوتة لكي تتفرغ في هجومها المقابل تجاه القوات السورية. لذا كنا نعاني من ذلك كثيرا ونحن نسمع من غرف العمليات تقهقر القوات السورية بعد تحقيقها هزيمة للقوات الاسرائيلية في بداية الحرب .... وقد أوعز السوريين ذلك في نقص بالقوات وتأخر وصول الجيش العراقي حتي 13 أكتوبر حيث كانت القوات السورية قد أكملت انسحابها ....
قرار القوة الجوية العراقية في سوريا
نتيجة للخسائر الكبيرة بالطائرات والطيارين السوريين والعراقيين اقترحت القيادة العراقية في سوريا المؤلفة من المقدم الطيار محمد جسام الجبوري والمقدم الطيار صباح صالح والمقدم الطيار نجدت النقيب وبعد استشارة قيادة القوة الجوية في بغداد تعديل الخطة الجوية السورية بما ينسجم ومتطلبات الموقف الجديد .... ووضعت خطه تحوي على أهداف استراتيجية مهمة بغرض شل القوه الجوية الاسرائيلية والقيام بهجوم مقابل أخر بالمساهمة مع القوات البرية العراقية التي وصلت على التو سوريا واستكملت تحشدها في 17 أكتوبر ... من حيث المبدأ وافقت القيادة العسكرية على الخطة ولكن القوة الجوية والدفاع الجوي السوري لم يوافقان عليها ... وعلى أية حال استمرت قوتنا الجوية وفق الخطة السورية حيث زادت نسب خسائرنا بالطائرات والطيارين وكذلك بالنسبة للسوريين تجاه أهداف لم يكن تأثيرها واضح في المعركة .
خسائرنا في سوريا
بلغ إجمالي خسائرنا في سوريا فقط 15 طيار وأسيران و 15 طائرة سوخوي 7 وطائرتان ميج 17 و5 طائرات ميج 21 ..... كما بلغت عدد الطلعات ألمنفذه بطائرات الهجوم الأرضي حوالي 200 طلعة وضعف هذا العدد بالنسبة للطائرات المتصدية .
العودة إلى العراق
في 14 أكتوبر قرر الرئيس المصري أنور السادات تطوير الهجوم شرق قناة السويس إلى المضائق بالرغم من ممانعة القادة العسكريين ذلك مما أدى إلى تحرك القوات المصرية ومعها وسائل الدفاع الجوي باتجاه الشرق سبب ذلك من حدوث ثغره في الكشف الراداري المصري وقد استغل ذلك من قبل إسرائيل تسللت عبرها مجاميع من الطائرات الاسرائيلية باتجاه الغرب وبالتالي إيجاد منفذ لعبور القوات الاسرائيلية غرب القناة في منطقة الدفرسوار وتطويقها الجيشان الثاني والثالث وتهديد منطقة الاسماعيلية والسويس مما أدى وقوع خسائر كبيرة بالجيش المصري. قررت كلا من مصر وسوريا وقف القتال بناء على قرار مجلس الأمن 338 ....اقترح العراق استمرار المواجهة إلا أن سوريا رفضت ذلك .... عادت القوة الجوية العراقية إلى قواعدها في العراق بعد 23 أكتوبر وهي بذلك تسجل أروع صفحة من صفحات البطولة في تاريخها الحديث المشرف نفتخر به على مر الأجيال ولا يجب أن ننسى هذا الدور لكون الذي حدث في ظروف غير طبيعية من السكون إلى الحركة مباشره وثم الاشتباك مع العدو دون معرفة تفاصيل الخطط وقبلنا بالخسائر من اجل المبادىء وإحياء اللحمة العربية تجاه كيان غاصب متعجرف.
وهكذا أسدل الستار على دور الجيش العراقي في حرب أكتوبر 1973 الذي أعطى درس لكل الأعداء من أن الوطن العربي وطن واحد مهما حدث من مشاكل بين الأخوة وان العراق يجب أن يبقى عصيا على الأعداء قويا على مدى العصور ومهما حصل ولكل جواد كبوة .... رحم الله شهداء القوة الجوية العراقية الأبطال وشهداء القوات البرية العراقية الأبطال التي أبلت بلاءا حسنا في هذه .
سرد عام للامور الشخصيه جرت اثناء حرب تشرين 1973
جرى التطرق بصوره عامه سابقا للسرد ، وكما تم تحريره في احدى مقالاتي بمناسبة الذكرى 35 لحرب تشرين ساتطرق الان لبعض التفاصيل العامه التي حدثت معي فعلا :
في اليوم الثاني لوصولنا (9/10/1973) وكان الموقف لايزال لصالح مصر وسوريا ونشاط الطيران الاسرائيلي ضعيف تجاه الجبهة السوريه ، عليه يجب ان نستغل ذلك من اجل فرض وجود الطيران السوري على جبهة الجولان وتشتيت جهد الطيران الاسرائلي مابين مصر وسوريا ، في منتصف النهار وبعد قراءة الخرائط المجسمه والتعرف على بعض المعالم السوريه جرى الاتفاق ان تكون الطلعات الاوليه لنا بقيادة الطيارين السوريين للتعرف على المنطقه بصوره عامه ، صدر امر ضربة جويه بستة طائرات سوخوي 7 على تجمع لدبابات العدو في الجولان على ان يقود التشكيل المقدم السوري عبد الرحمان ابو عوف والباقي من الطيارين العراقيين ، تالف التشكيل من الرائد سالم سلطان وانا و الملازم الاول فيصل حبو شعيب و الملازم الاول عماد لفته والملازم محمد احمد مطلوب ، تمت عملية التشغيل بصمت لاسلكي تام باستخدام الاشارات فقط واحياناً الكلمات الشفريه التي اتفق عليها ( عباره عن قائمه من الكلمات مع اعضاء التشكيل ومع الدفاع الجوي ) ، اقلع التشكيل كما يلي ، عبد الرحمن ومعاه عماد انا ومعي فيصل حبو وسالم ومعه محمد مطلوب ( نوع الحموله 4 قنابل x 500 برشوتيه وبعض الطائرات 4 x 500 عنقوديه ) ، كان الاقلاع على شكل تشكيل ثنائي مفتوح ، بعد الاقلاع ورفع العجلات بصوره غير طبيعيه ( دفع الطائره الى الامام وزيادة السرعه بشكل مباشر) والبقاء على ارتفاع 20 متر، بعد الاقلاع ترأت امامنا والى الخلف المتصديات السوريه المرافقه لنا كحمايه ضد المتصديات الاسرائيليه والتي تشعرك بالامان من التهديد الجوي ولو بنسبه مقبوله ، لم يمضي وقت طويل حتى دخلنا الحدود الاسرائيليه ومنذ لحظتها بدأت الاسلحه ضد الجو تنهال علينا بشكل لايصدق ولم نعتد عليه سابقاً فهذه هي اسرائيل وما الحل المناسب سوى البقاء على ارتفاع واطي وسرعه عاليه 900 كلم / ساعه والمناوره اذا اقتضى الامر عند توفر الوقت لذلك ولكن الوقت الى الهدف لم يستغرق سوى 15 دقيقه عليه استقر التشكيل على شكل تشكيل صحراوي مفتوح ، قبل الهدف شعرت بصاروخ ارض جو قد يكون محمول على الكتف متوجه نحوي وبسرعه دفعت عصا القياده الى الامام ولم يكن لدي سوى امتار قليله كادت طائرتي تصطدم بالارض ( حوالي 5 متر ) عندها شعرت مروره باعلى طائرتي بامتار قليله ثم انفجر فوقي محدثاً اهتزاز شديد بالطائره ولكن الحمد لله لم تصب طائرتي باذى ، دقائق ونكون فوق الهدف ، نادى قائد التشكيل ( الهدف في الساعه 1100 يسار اجابه الجميع بضغط عتلة زر الراديو دلاله على الاتصال بالهدف بالرؤيا ( الهدف عباره عن دروع متخندقه داخل ملاجىء محصنه واخرى خارج الملاجىء ) سحب شديد الى الاعلى بفواصل زمنيه 2 ثانيه بين طائره واخرى والانقضاض بدرجه 10 – 15 ْ ثم القاء القنابل والانسحاب خارج الهدف بحارق خلفي وزيادة السرعه الى 1100 كلم / ساعه بارتفاع 10 -15 متر ، نادى قائد التشكيل التفرق للتشكيل والعوده كل طائرتين على حده |، وما هي الا دقائق محدوده حتى وصلنا القاعده وهبط تشكيلنا بشكل فردي وادخلنا الملاجىء بسرعه لاحتمال ضربه جويه على طائراتنا من قبل اسرائيل ، كان الوقت المستغرق حوالي 35 دقيقه ، استقبلنا المقدم صباح صالح وباقي الطيارين بالاحضان مهنئينا على سلامة الوصول ، تم اشعار السرب ان الاصابات كانت مؤثرة جداً ( من الامور التي افتخر بها موقف المقدم الطيار صباح صالح هذا الرجل كانت عيناه تنطق لما في دواخله من حب وتقدير لنا سواء بعد التنفيذ او قبله فهو يشجع الجميع على الطيران ، وفي احدى المرات اخذ طائره ومعه احد الطيارين السوريين وقام يتنفيذ واجب الا ان القياده الجويه السوريه اعادت التشكيل بعد اقلاعه لكون شعرت ان هناك تهديد من المتصديات اللاسرائيليه فوق الهدف وعند نزوله من الطائره انزعج جداً وقال انا روحي ليست اعز من باقي الطيارين لماذا اعادونا ولم ننفذ الواجب وكان يعتقد ان هناك تعمد في اعادة تشكيله ولكن فعلا كان هناك العديد من المتصديات الاسرائيليه فوق الهدف المكلف به ، كان هذا الرجل كتله متقده من الحماس الوطني وهكذا هو دائماً رغم كبر سنه ، كان عباره عن صوره حيه حقيقيه عندما تنظر اليه تقول انا اطير بدلا عنك سيدي وكان لايقبل بذلك طالما هو طيار عليه ان يطير رغم عدم مطالبة القياده له بالطيران ... ) .
استنتاج عام
من خلال الطيران لعدد من الطلعات قام بها طيارونا سواء في قاعدة بلي او مطار دمشق الدولي ظهر لنا ضعف استعداد الطيران السوريين للمعركه لاسباب عديده منها ، عدم ايجاد التكتيكات التعبويه لمواجهة القوه الجويه الاسرائيليه والمفروض بسبب قربهم من اسرائيل قد تعلموا منها الكثير واختيار الاساليب المناسبه لمواجهتها سواء كطائرات هجوم ارضي او متصديات تسبب عن ذلك كثرة خسائرهم بالطائرات لاهداف لاتتناسب وعمل القوه الجويه ،اسلوب الطيران والمناوره اثناء التقرب الى الهدف ، في الحقيقه كنا عون لهم بذلك فقد بذلنا جهد موضحين بعض هذه التكتيكات اثناء الملاحه الى الهدف واثناء الهجوم والانسحاب وقد اجابونا ليس السبب نحن كطيارين ولكن المفروض بالقيادات السياسيه السعي بالتعاون مع باقي القوات الجويه العربيه للتعرف عن كثب معها وتبادل الخبرات في هذا الصدد ، من الامور الاخرى هي الطيران دون ايجاز لايضاح بعض الامور المهمه في الطيران في حالة القذف او الاسر ، التخطيط للضربات غير مجدي فالخرائط معده سلفاً وموضوع عليها الاهداف وكل خارطه تحوي 5 – 10 اهداف وطريق الذهاب والعوده وعندما تنظر الى الخارطه لم تفهم منها شيىء وهي بقياس 1/1000000 مما جعلنا نقوم بعمل خرائط جديده موضحين عليها الاسلوب المثالي للضربات الجويه ، لذلك عند الطيران كان العدو على علم مسبق باسلوب التقرب واي الاهداف سوف تهاجمها القوه الجويه السوريه عليه كانت تضع كمائن للطيارين وتتمكن نم اسقاط طائراتهم بسهوله مما ابدت القيادة العراقيه تحفظها عن هذه الاساليب التي يمكن ان اطلق عليها بالاساليب الجاهله البدائيه الغير موازيه للطيران الاسرائيلي المتفوق على الطيران السوري ، شعرنا ونحن في غرفة الطيارين ان هناك احد الخبراء الروس متواجد معهم يرشدهم لما يعملون اثناء الطيران وكانت اساليبه دفاعيه اكثر منها هجوميه والطيران السوري في موقف الهجوم عليه كنا لانتفق معه البته ، المهم لم يكن الوقت ملائم للتغيير ولكن بالقدر الذي يؤمن عودة التشكيلات سليمه على الاقل تجاه اهداف اسناد جوي قريب او تجريد ...خلاصة ما توصلنا اليه ان الطيارين السوريين شجعان جدا وقريبين من الطيارين الانتحاريين دون داعي تجاه مثل هذه الاهداف التي ضحت سوريا فيها بمظم طياريها اذن شجاعه دون تخطيط ، هو ضرب من الجنون والفوضى الغير مقبوله .
ما جرى يوم 10/10/1973
بعد يوم صعب من الطيران نفذه الطيارين العراقيين ، انذرتنا غرفة عمليات القوات المسلحه احتمال قيام العدو شن ضربات جويه على كافة القواعد والمطارات السوريه يوم 10/10/1973 لكونه قد تضرر في الايام السابقه من اجل احداث التوازن الذي اختل على الجبهتين المصريه والسوريه في محاوله لتغييره ليصبح لصالحه خاصة بعد ان اكتمل حشد الاحتياط الاستراتيجي الاسرائيلي ....استيقظنا صباح هذا اليوم قبل الضياء الاول وارتدينا ملابس الطيران وجلست انا واخي الرائد حازم حسن قاسم في غرفتنا نتداول الحديث بمجريات امور الطيران الصعبه وطريقة زجنا في هذه الحرب بهذه السرعه ولكن ما العمل وهذا هو واقع الحال حيث المفروض من القياده السوريه التفكير ملياً قبل الحرب استدعاء ولو بعض الطيارين العراقيين وبعض قادة الجيش الاخرين للتعرف على ظروف عملهم ريثما تبرز الحاجه لهم في المستقبل وان لانكون بهذا الموقف المحرج ، على اية حال ونحن في هذا النقاش دوت صافرة الانذار معلنه بقدوم غاره جويه اسرائيليه ، خرجنا مسرعين خارج مقر السرب الحربي باتجاه الملجأ القريب المحصن جيداً وتكدس الجميع فيه ، وفي اقل من 5 دقائق استهدف العدو مقرنا بصوره مباشره وجعله ركاماً واثراً بعد عين ولله الحمد كان الجميع خارج المقر ولم يصب احداً منا سوى تدمير حاجياتنا الشخصيه وكل ما موجود بالمقر ، لقد ملىء الغبار نتيجة الانفجار الشديد للقنابل هذا الملجأ وكاد الجميع ان يختنق ونحن ننتظر انتهاء الغاره التي استهدفت المدرج الرئيسي للمطار وملاجىء الطائرات ومقر السرب الحربي ، الموقف الان بعد انتهاء الغاره ، انفجارات شديده للقنابل والصواريخ المنتشره هنا وهناك ، قام العدوا بتلغيم المطار بالقنابل الموقوته التي باتت تنفجر بين الحين والاخر مما شلت اي حركه في المطار ، استمر بقائنا اكثر من 3 ساعات داخل الملجأ بعد ذلك تم نقلنا الى غرفة عمليات القاعده الموجوده في عمق احد الجبال المحيطه بها والتي استمر بقائنا فيها حتى نهاية الحرب ، لقد كانت الغاره مؤلفه من 4 طائرات فانتوم وطائرتين سكاي هوك ، استخدمت قنابل ضد المدارج وقنابل دقيقه اخرى ضد مقر السرب حيث كان مسارها من شباك التهويه الخارجي للسرب ، خسائرنا كانت 3 طائرات سوخوي 7 وتدمير عدد من الملاجىء المحصنه ، استقر بنا المقام في غرفة العمليات المشار اليها آنفاً ولم يتم تنفيذ اي واجب للطيران من قاعدتنا حتى يوم 13 /10 ، مما اضطر بعض الطيارين السوريين الانتقال الى مطار دمشق الدولي للتنفيذ من هناك ، فجعنا مساء هذا اليوم باستشهاد اخي وحبيبي الملازم الاول الطيار البطل سلام محمود ايوب بعد تنفيذه احدى الطلعات على جسر بنات يعقوب قرب بحيرة الحوله ،كما فجعنا باستشهاد كل من الملازمين رضا جميل وعصام جانكير والمقدم الطيار السوري عبد الرحمن بعد طيرانهم من مطار دمشق الدولي اضافه الى بعض الطيارين السوريين وهي خسائر غير مقبوله بسبب سوء الادارة والتخطيط السوري ...،
في يوم 12/10/1973 بدأت طلائع القوات البريه العراقيه بالوصول الى دمشق اولها اللواء المدرع 12 بقيادة العقيد الركن سليم شاكر الامامي ، وقد زجت فوراً بالقتال وقد واكتملت تقريباً يوم 20 /10/1973 .
بلغ تعداد القوات البريه العراقيه ماياتي
أ . الفرقه المدرعه الثالثه . بقيادة العميد الركن محمد فتحي امين وهي مؤلفه من اللواء المدرع بقيادة العقيد الركن سليم شاكر الامامي ،واللواء المشاة الالي 8 بقيادة العقيد الركن محمود وهيب ، واللواء المدرع السادس بقيادة المقدم الركن غازي محمود العمر .
ب .الفرقه المدرعه السادسه . المؤلفه من ( اللواء المدرع 30 / اللواء المدرع 16 / لواء المشاة 15 ) .
ج .فرقة المشاة الالي الخامسه . منها اللواء الالي /20 بقيادة العقيد الركن سلمان باقر .
د .فرقة المشاة الرابعه . منها لواء المشاة /5 بقيادة المقدم الركن عبد الجواد ذنون .
الطلعه الثانيه في 13/10/1973
استمر العدو الصهيوني بالتعرض على قاعدتنا ( بلي ) للايام 10 ،11،12، منذ الصباح الباكر ولم نتمكن من الطيران لهذا السبب حيث ايقن ان الاسراب العراقيه لاتزال نشطه وبامكانها احداث متغيرات ومفاجآت جديده قد تؤثر على مجرى العمليات القادمه ، في هذه الايام وبعد اشتراك القوات البريه العراقيه بالمعركه بدأ العدو هجومه الشامل على القوات البريه السوريه ادى الى تقهقرها من المناطق التي احتلتها في بدايه المعركه والتي استرجعت كافة اراضيها في الجولان وحتى بحيرة طبريه ، لقد كانت حالتنا النفسيه سيئه بعد سماعنا الاخبار عن زحف القوات الاسرائيليه باتجاه دمشق الهدف السوقي الخطير، اما السرب السوري المتواجد معنا في بلي فلم يبقى منه سوى النقيب كمال عبد الله وعدد محدود من الطيارين السوريين الجدد وعليه شددنا الاحزمه وطلبنا من مجموعة تصليح المدرج الاسراع باعدادته للطيران وفعلا بعد ظهر هذا اليوم اصبح المدرج جاهز للطيران وتم توزيع الواجبات على الطيارين وكانت حصتي مع احد الطيارين السوريين لقصف القوات الاسرائيليه المشتبكه مع القوات السوريه على محور القنيطره – دمشق والتي يشاغلها اللواء المدرع 12 من الفرقه الثالثه العراقيه ، كانت طلعتنا الاولى على المدرج الذي لم يجف تصليحه ولم اتمكن من مشاهدة قائد التشكيل بسبب الغبار الا بعد الاقلاع حيث توجهنا للواجب المكلفين به وبه دقائق محدوده شاهدنا الدروع الاسرائيليه وهي تتقدم على المحور المشار اليه آنفاً وتم معالجتها بالقنابل العنقوديه باصابات مباشره وعدنا ادراجنا الى القاعده والمتصديات الاسرائيليه تلاحقنا حتى وصولنا القاعده الا ان المتصديات السوريه ادت دورها ببساله في مواجهتها وثنيها عن واجبها ، كان نزول التشكيل مساءً ، استقبلني زملائي بالترحاب على راسهم المقدم الطيار صباح صالح والرائد سالم سلطان والرائد حازم حسن وآخرين ، استمر طيراننا لهذا اليوم حتى غروب الشمس وكان الهدف هو ايقاف زحف القوات الاسرائيليه نحو دمشق وقد ابدع اللواء الثاني عشر المدرع العراقي في تصديه لهذه القوات ومنعها من التقدم نحو دمشق .
الموقف لايبشر بخير ابداً والقوات الاسرائيليه باتت قريبه من دمشق بعد ان دمرت القوات البريه السوريه التي ابلت بلاءً حسناً في بدايه الحرب ، كنا في اشد حالات الحزن والاكتئاب ونحن نشاهد من قمة الجبل الذي يطل على ارض المعركه الانفجارات وتقهقر القوات السوريه ، اقترحت ومعي الرائد حازم حسن قاسم على الرائد سالم البصو فكرة الطيران الليلي خاصة نحن جاهزين لمثل هذه الواجبات وفعلا درس هذه الفكره وطرحها على السوريين ولكن يبدوا ان القاعده غير مجهزه لهذا الغرض ومع ذلك كنت انتظر اي امر بهذا الخصوص طوال ليلة 13 /14 ولم تاخذ عيني النوم ، الموقف خطير جداً حيث يحتمل احتلال المنطقه التي كنا فيها لقربها من منطقة العمليات البريه ، كانت الاخبار التي تردنا باستشهاد عدد آخر من الطيارين العراقيين المتواجدين في مطار دمشق الدولي ومطار الضمير والسيكال حيث بلغ تعداد الطيارين ممن استشهدوا 11 طيار ، الايام 14 ،15 كانت اشد كأبه علينا ونحن نتفرج ولا نستطيع فعل عمل مؤثر يرفع من معنوياتنا المحبطه .
موفد قيادة القوه الجويه الى سوريا
كان تلفزيون العراق قد عرض صور للطيارين الذين استشهدوا في المعركه منهم الشهيد سلام محمود ونامق سعد الله وكامل سلطان ورضا جميل وعصام جانكير وابراهيم كاظم واحمد صالح واسماعيل احمد سليمان وآخرين وصور للاسرى من مصر منهم الملازم الطيار عبد القادرخضر والنقيب عماد عزت والملازم دريد عبد القادر وآخرين ايضاً وقد اثار هذا الموضوع شجون الشارع العراقي واهالي الشهداء ، في يوم 12 /10/1973 زارنا العميد الطيار حميد شعبان التكريتي مدير الحركات الجويه العراقي موفداً من قبل قائد القوه الجويه العراقيه اللواء الطيار الركن حسين حياوي التكريتي لتفقد احوالنا ، وقد فوجىء باوضاعنا الاداريه المزريه منها موضوع السكن بعد ان قصف مقر السرب الحربي وايوائنا جميعاً في غرفه لم تتجاوز مساحتها الكليه 30 متر وهي مليئه بالاسره المتراصه مع بعضها البعض فهي لاتكفي سوى 5-7 اشخاص بينما نحن حوالي 20 شخص معنا الضباط المهندسين والفنيين ، وملابسنا وسخه ولحانا قد طالت بسبب فقدان ادوات الحلاقه وملابسنا اثناء قصف المقر ، وعلى الفور صرف مبلغ 1000 دينار الى آمر السرب لشراء الاحتياجات الضروريه من ملابس داخليه وبيجامات للنوم وادوات حلاقه ومعاجين اسنان واحذيه وغير ذلك وقد تم تشكيل لجنه من الفنيين برآسة الملازم الفني مهند عبد الرزاق لتامين ذلك وكذلك شراء مواد ووجبات طعام للفنيين الذين اصبحوا في العراء بعد قصف ملاجىء الطائرات التي كانت تاويهم ، وقد اثنى حميد شعبان على الجهود المبذوله من قبلنا وابلغ الجميع تحيات قائد القوه الجويه العراقيه لكل فرد منا وحثنا على التحمل والصبر واشار انه ستردكم بعض الاوامر في الايام القادمه لعلها تحدث تغييراً لهذا الواقع ، وقد تسائلنا ماهي هذه الاوامر واعتقد انها الخطة الجويه العراقيه الجديده لاسلوب العمل المقترح للواجبات القتاليه للمرحله القادمه .
الخطه الجويه العراقيه الجديده
بعد زيادة نسبة الخسائر الغير مقبوله بالطيارين والطائرات تجاه واجبات ليست ذا تاثير مهم في سير المعارك بعد ان تمكن العدو الاسرائيلي استعادة كافة الاراضي التي احتلتها القوات السوريه في بداية المعركه فليس للطيران تغيير هذا الواقع الا اذا تم تجاه اهداف اسرائيليه مهمه في العمق البعيد ، الاجراء الذي اتخذه القائد الجوي المقدم محمد جسام الجبوري بعد التشاور مع هيئة ركنه المقدم نجدت النقيب والمقدم صباح صالح والرائد سالم البصو والقياده العامه للقوات المسلحه العراقيه الممثله بالفريق عبد الجبار شنشل هو ايقاف الطيران العراقي في سوريا ثم وضع خطه جديده للعمل تتضمن توجيه الضربات الجويه في العمق الاسرائيلي لتخفيف الزخم عن جبهات القتال( قواعد جويه ، منشآت اقتصاديه ، اهداف حيويه ...الخ) ، وتم تقديم الخطه الجويه العراقيه الى القياده العامه للقوات المسلحه السوريه لكنها لم توافق عليها لااسباب كثيره منها احتمال ايقاف القتال قريباً ، اضطرت القياده الجويه العراقيه الاستمرار بالقتال على النمط السوري وذلك لكون ان معظم الطيارين السوريين قد قتلو واصبح لامناص من تركهم وهم بهذه الحاله ...( اثناء تواجدنا ضمن غرفة عمليات الدفاع الجوي السوري التقينا بالنقيب الطيار السوري كمال عبد الله وكان معاون آمر السرب السوخوي السوري الذي فقد معظم طياريه ولم يبقى سواه وعدد قليل من الطيارين الاحداث قال لنا لاتتخلوا عنا فلم يقى سوى اعداد قليله من الطيارين ، نحن نعرف ان قيادتنا لم تحسن استخدام سلاحنا الجوي ولكن ما العمل والحرب لاتزال قائمه وكان يتكلم وعيناه تدمعان حزناً لما جرى ، قال له صباح صالح نحن قدمنا من اجلكم فكيف نتخلى عنكم بل سنستمر وامرنا الى الله ...)
الطلعه الثالثه يوم 15 /10/1973
في يوم 15/10/1973 كلفت بواجب اسناد قريب ومعي احد الطيارين السوريين باتجاه اهداف معاديه وبعد التشغيل والتهيىء للاقلاع اتصلو بنا للعوده فوراً الى ملجأ الطائرات حيث احتمال ضربه جويه على المطار، وفعلا ما هي الا دقائق محدوده وكانت ضربه جويه على وسائل الدفاع الجوي القريبه من المطار وقد الغي الواجب وعدت وانا حزين لعدم اكماله ، بعد عودتي الى غرفة الطيارين في غرفة العمليات اخبرني المقدم الطيار صباح صالح بامر الطيران فوراً الى العراق ومعي كلا من النقيب غالب كمونه والملازم الاول محمد نبيل احمد ايوب والملازم الطيار رمزي شاكر شعبان والملازم الطيار شامل صالح لجلب طائرات السوخوي 20 التي يتم تهيئتها في قاعدة الرشيد ببغداد ، لم يفرحني هذا الامر بل احزنني وانا اترك زملائي هنا في سوريا وهم في اشد حالات الاكتئاب، جهزت الطائرات والخطة الجويه للطيران وكان معي الملازم الاول شامل صالح ، اما الباقين فطيرانهم سيكون من مطار دمشق الدولي ، ودعت زملائي الذين عشت معهم الايام الماضيه كما ودعت ما تبقى من الطيارين السوريين ، ثم توكلت على الله اقلعنا في الساعه 1700 باتجاه قاعدة الوليد الجويه .
العوده الى العراق
123 . كما اشرت آنفاً بلغت بالعوده للعراق في عصر يوم 15/10/1973 ومعي من السرب الخامس الملازم الاول شامل صالح ومن السرب الاول كل من النقيب غالب كمونه والملازم الاول محمد نبيل احمد ،في الساعه 1730 اقلعنا انا وشامل صالح من مطار بلي باتجاه قاعدة الوليد الجويه بعد ان انتظرنا خلو الجو النسبي من الطائرات المعاديه التي محتمل ان تطاردنا حتى الحدود العراقيه ، طلب منا الدفاع الجوي السوري الطيران الواطي الى اقل ارتفاع ممكن تجنباً للتهديد المعادي الذي قد يظهر في اي لحظه ، استمر طيراننا بارتفاع 100 – 50 متر حتى مسافة 100 كلم عن قاعدة الوليد ، وفي هذا الوقت نادى الدفاع الجوي كلمة بركان التي تعني تهديد معادي وطلب منا اجراء مناورة المقص ( SISSAR) قمت بمنادات شامل (BRACK) يعنى دوران شديد الواحد باتجاه الاخر وتغيير الاماكن لكل منا والاستمرار بهذا الاجراء لحين التاكد من عدم وجود التهديد المعادي وفجأة لفت انتباهي صاروخ جو – جو قد انزلق من بيننا ثم انفجر امام طائراتنا بعد ارتطامه بالارض بسبب ارتفاعنا الواطي جداً في تلك اللحظه ، اتصلت بالدفاع الجوي لاخبرهم بما جرى وقد تبين لي ان من اطلق علينا صواريخه هي طائرة ميج 21 يقودها الملازم الاول اسعد دكسن من مسافه قريبه دون ان يميز طائراتنا عندها صرخت به !!! هل انت اعمى الم تشاهدنا وتميز طائراتنا وقد شاهدته انا وهو يبتعد عنا باتجاه سوريا ولم يجبني ، لقد كان حدثاً فريداً كان يمكن ان يستشهد احدنا بسببه دون ان يدقق احداً ذلك وتسجل للطيار المهاجم اصابه على انها طائره اسرائيليه ويمنح وسام شرف بذلك ، المهم وصلنا قاعدة الوليد الساعه 1815 وكان قد سبقنا غالب ومحمد نبيل وقد علموا بما حصل لنا في الجو من قبل طائراتنا قلت لهم اين رمزي شعبان قالوا انه في بغداد ،قضيت ليلتي في قاعدة الوليد حيث نمت نوماً عميقاً بعد حوالي10 ايام ، ولكن اصوات انفجارات يوم 10 /10 لاتزال تدوي في اذناي وبقيت هكذا زمناً طويلا ، صباح يوم 16 /10/1973 ارسلت لنا طائرة (هرن) يقودها الرائد هشام عطا عجاج حيث نقلتنا الى قاعدة كركوك الجويه وهناك استقبلنا المقدم الطيار الركن واثق عبد الله آمر القاعده مهناً بسلامتنا .
عودتي الى بغداد
قضيت ليلتي في قاعدة كركوك الجويه ونحن نقص على الضباط المتواجدين هناك ماجرى في سوريا واساليب الطيران المفروض ان يتعلمها الطيار الذاهب الى جبهة القتال ( كان في القاعده طيارين سوخوي 7 سبق ان كانو في كلية الاركان والبعض الاخر كمدربين في كلية القوه الجويه وبعض الطيارين الاحداث حيث يجري اعدادها كاحتياطي للحرب اذا تطلب الامر ذلك ) ، صباح يوم 17/10/1973 اقلتنا طائرة دوف حضرت الى القاعده منذ الصباح الى قاعدة الرشيد الجويه ، هناك التقينا بالمقدم حاكم الاعرجي الذي اوكل باعداد طائرات السوخوي 20 الجديده التي لم يباشر الروس اعدادها للطيران فهي لاتزال مرزومه في صناديقها وقد رحب بنا كثيراً فهذا الرجل لنا معه ذكريات جميله لاتنسى ابد الدهر لمواقفه التربويه و الشجاعه المشرفه ، وقد هيىء لنا اماكن للمبيت في بهو ضباط القاعده ريثما يتم ادخالنا دوره على الطائره من قبل الطيارين الروس المرافقين للطائره ، لقد سمح لنا حاكم الاعرجي النزول الى بغداد للقاء عوائلنا ، لقد التقيت بعائلتي بعد ان ذهبت الى داري في زيونه حيث التقيت هناك بجيراني بيت المقدم عبد الكريم الحمداني ( يشغل آمر فوج في اللواء 8 الالي من الفرقه الثالثه المدرعه ) وكذلك التقيت بجاري العقيد الطيار خالد ساره الذي حضنني وقبلني فرحاً بمساهمتي بالحرب ضد اسرائيلي ( قالت لنا زوجته انه يبكي لعدم مساهمته بهذه الحرب وقال بالحرف الواحد اذبح ابني فداء لفلسطين قلت لها لقد ادى دوره (سابقاً في حرب حزيران بعد ان طار لمطاردة الطيران الاسرائيلي واصيب طائرته اصابات شديده كادت ان تؤدي بحياته ...) هؤلاء هم قادتنا يتوحدون عندالشدائد وعندما تصبح قضيتهم مصيريه ، لقد اخبرتهم ان الامور بالنسبه لنا جيده رغم خسائرنا بالطيارين والطائرات ، في داري شغلت سيارتي الشوفرليت 1967 وانطلقت بها الى بيت عمي بالكراده وانا لازلت ارتدي بدلة الطيران التي علق بها تراب الجولان بعد الضربه الاسرائيليه يوم 10/10 ، وصلت دار عمي الساعه 1800 وقد استقبلني ابني احمد وعيونه تشع بالفرحه بالاحضان اما ابنتي فرح فكانت لاتزال صغيره حضنتهم مع امهم واخذنا نبكي من شدة الفرحه بالعوده سالماً بعد الاخبار التي اشارة الى الكثير من الشهداء العراقيين ، اما العمه نوريه ( ام زوجتي ) قالت ان احمد كل يوم يذهب الى الجامع ويصعد على المناره يقول للمؤذن ادعي لبابا يعود بالسلامه ، بعد استراحه قصيره في دار عمي وانا اقص عليهم ما جرى في سوريا قصص الحرب .
الفتره 19 – 28 /10/1973
كانت الفتره المذكوره حرجه بالنسبه لنا في بغداد والاخوان في سوريا لايزالون يقاتلون العدو ونحن نسمع الاخبار في بغداد ولكن الاوامر لايمكن التجاوز عليها راجعت الاخ حاكم الاعرجي وقلت له ماذا نفعل والطائرات لاتزال في صناديقها وتاخذ وقتاً طويلا لكي تكون جاهزه ، عليه اقترح علينا السفر الى كركوك لكي نقوم بتهيئة طياري السوخوي الذين الحقوا من الوحدات الغير فعاله باساليب القتال المتبعه في سوريا ، التحقت الى قاعدة كركوك الجويه ومعي الاخوان غالب كمونه ومحمد نبيل احمد ايوب وقمنا وفق منهج مكثف تدريبهم على هذه الاساليب منها ( الطيران الواطي جداً ثم السحب الشديد الى الاعلى 30-40ْ والانقضاض على الهدف في ميدان رمي بشير والرمي بزاويه 7 -10 ْ والاستمرار بالارتفاع الواطي بعد القصف وسرعه عاليه 900 -1000 كلم /ساعه وبهجوم واحد فقط ) على ان لاتزيد فترة الهجوم الكليه عن 30 ثانيه ، وقد تخلل هذا الوقت بتاريخ 21 /10/1973 صدر امر لي بجلب طائرتين من قاعدة الشعيبه وفعلا ذهبت ومعي شامل صالح بواسطة طائرة المواصلات ( دوف ) وهناك اطمئننت على اهلي بواسطة الهاتف وفي المساء طرت بطائره مزدوجه وشامل بطائره منفرده اضطررت الى انزاله بقاعدة الكوت بسبب حلول الظلام لكونه لم يكمل منهج الطيران الليلي واستمررت انا الى قاعدة الرشيد حيث حصل حادث انفجار الاطار الامامي للطائره بسبب اختلاف زاوية التقرب لكون الطائره مزدوجه ولم يجري وضع اكياس رمل للموازنه فيها ، في الصباح عاد شامل من الكوت وطرنا سويا الى كركوك ، وهناك استمر طيراني مع الطيارين الاحداث او المنقطعين فتره طويله عن الطيران لحين صدور امرسحب القوات العراقيه من سوريا والذي جاء بعد وقف اطلاق النار في 20 /10/1973 .
عودة القوه الجويه العراقيه من سوريا
بتاريخ 22/10/1973 صدر قرار انسحاب القوات العراقيه من سوريا وبدأت هذه القوات بضمنها القوه الجويه بالتهيىء للانسحاب ، بدأت اسراب القوه الجويه العراقيه من سوريا ، وفي هذا الصدد خصصت لي طائرة ( AN -24 ) ذهبت بها الى سوريا للمساهمه بنقل ما تبقى من الطائرات هناك في حينها التقيت باخي خلدون خطاب حيث قضينا وقت ممتع تجولنا فيه داخل سوريا في سوق الحميديه تسوقنا منه بعض الاحتياجات والهدايا وقضينا الليل في فندق القوات المسلحه حيث التقينا بالمقدم محمد جسام الجبوري وكان ساخطاً لقرار وقف اطلاق النارومتاسفاً لاشتراكنا بهذه الحرب التي دماء شهدائنا لم تجف بعد رغم الموقف العراقي باشراك ثلثي قواته المسلحه ، في يوم 25 /10/1973 بدأت قوتنا الجويه بالانسحاب التدريجي الى قواعدها في العراق ، في يوم 28 /10/1973 طرت بآخر طائره سوخوي 7 عراقيه الى قاعدة الوليد الجويه ومنها الى قاعدة كركوك الجويه ضمن تشكيل السرب الخامس الذي تحول تسليحه من سوخوي 7 الى سوخوي 20 .
بعض الملاحظات والدروس المستنبطه تخص القوه الجويه عن حرب تشرين 1973
لقد افرزت حرب تشرين 1973 العديد من الدروس على المستوى الاستراتيجي والتعبوي والتكتيكي اهمها ، ان اشراك الجيش العراقي بهذه الحرب بشكل فجائي دون سابق انذار لها سواء على المستوى التخطيط اوالاستحضارات والتنفيذ واساليب التعاون المحتمله يعتبر ضرب من البطوله والتضحيه والمبدئيه التي اعتاد عليها جيشنا العراقي عبر سفرتاريخه النضالي ضد الهيمنه والاستعمار، وكان لها ان تحقق اهدافها على الجبهتين السوريه والمصريه على السواء لو تم لها ذلك الا انها اراد لها ان تكون حرب تحريك وليس تحريركما اطلق عليها ، كما ان سرعة التحشد والمشاركه من السكون خاصة قوتنا الجويه في وقت يعتبر قصير جداً اجبر العدو على تحويل جهده الاكبر الى الجبهه السوريه واستعادة الاراضي التي احتلتها سوريا خلال الايام الاولى للحرب ، لقد دخل الجيش العراقي الحرب على الجبهه السوريه في ارض لم يجري استطلاعها مسبقاً ونفذ واجباته من الحركه دون حشد مخطط له ( معارك تصادميه ) التي تعتبر من اصعب اشكال الحروب واكثرها تعقيداً ادناه اهم الدروس التي حاولت استذكارها وانا في المهجر لعدم توفر مصادري التي تركتها في داري ببغداد بعد تهجيري منها : -
أ . كفاءة الدفاع الجوي السوري . لقد اثبتت منظومة الدفاع الجوي السوري كفائتها تجاه الطائرات المعاديه بدءً من نقاط الرصد الارضي ومنظومة الانذار والسيطره والتصدي سواء بالطائرات او الصواريخ ارض – جو او المدفعيه المضاده للطائرات ، اما موضوع التعاون ما بين القوه الجويه والدفاع الجوي فكان مدعاة مفخره واعتزاز ، لقد تسبب الدفاع الجوي السوري في اسقاط العديد من طائرات العدو الاسرائيلي الذي كان يتحسب كثيراً منها ، كانت الطائرات المتصديه ترافق طائرات الضربه مما يعطي حاله من الاطمئنان النسبي لها اثناء الضربات الجويه ( حسب المصادر السوريه اسقاط 249 طائره اسرائيليه للفتره من 6 -22 /10/1973 ).!!!!!!!!!!!!!
ب .مهام الاسناد الجوي القريب
شاركت قوتنا الجويه في حرب تشرين 1973 بتوجيه الضربات الجويه لعمليات الاسناد الجوي القريب فقط ( وهذا الواجب يعتبر من الواجبات الغير رئيسيه للقوه الجويه ) بسبب عدم اشراك هذه القوه منذ البدايه مع الضربات الجويه الشامله المشتركه مع القوه الجويه السوريه ليومي 6 ،7 تشرين اول ، وقد كانت خسائر قوتنا الجويه والقوه الجويه السوريه كبيره جداً في مثل هذه الواجبات ففي معدل 120 طلعه قتاليه مثلا بلغت عدد الطائرات المصابه 35 طائره والمدمر منها 21 طائره ، ناهيك ان تاثير هذه الضربات في هذا النوع من المهام لم يكم متناسباً مع هذه الخسائر وذلك بسبب عدم تعرف وتعود طيارينا على المنطقه بشكل جيد ، لقد وصلنا مساء يوم 8 /10/1973 وشاركنا صباح يوم 9 منه وهذا وقت قليل جداً لم يتح لنا فرصة التعود على سياقات عمل القوه الجويه في ظروف الحرب ولا على طبيعة المنطقه ، كما ان مستوى الطيارين السوريين عموماً كان وسط ، نعم هناك طيارين جيدين لكنهم فقدوا في الحرب منذ الايام الاولى بسبب فوضى سياقات العمل المتبعه من قبل القوه الجويه السوريه .
ج .المحاور الملاحيه . لقد حددت القوه الجويه السوريه المحاور الملاحيه ( خطوط الطيران ) لطائراتها مسبقاً وحددتها بثمان او عشر محاور وكلها مرسومه على الخرائط الملاحيه منذ اليوم الاول للحرب لكي يتجنبها الدفاع الجوي السوري دون احتساب المتغيرات التي يمكن حدوثها اثناء سير المعارك ، وقد ادى ذلك الى كشف الخطط السوريه من قبل العدو الاسرائيلي وقام بنصب الك