سألني صديقي كم عمرك؟ فلم أجبه، سكت قليلا وكرر السؤال .. فقلت له لا يهمك إن كان سني30 أو 40 أو 50 سنة ، ومن غير اللاّئق طرح مثل هذا السؤال، لأن أغلب الناس لا يحبذون الإفصاح عن أعمارهم إلا في حالات خاصّة، فقال لي هذا "العنيد" انك تتهرب من الإجابة، فقلت حتى في العصور الخوالي لم يحبّ الناس طرح هذا السؤال فالإمام مالك بن أنس رضي الله عنه سئل عن عمره فقال :" أقبل عن شأنك فليس من المروءة إخبار الرّجل عن عمره، إن كان كبيرا استهرموه وان كان صغيرا استحقروه".
إنّ الأعمار لا تقاس بعدد السنوات بقدر ما تقاس بما يقدمه الإنسان من أعمال خير وخدمات وانجازات لأبناء جلدته - وليس لأولاده لأن ذلك يعد واجبا-، هناك من تتجاوز أعماله عمره بكثير فعلى سبيل الذكر الأمير عبد القادر وعبد الحميد ابن باديس رحمهما الله قدما للأمّة في وقت قصير من عمرهما ما يضاهي ما قدمته أجيالا ، فالأول مات وعمره 75 سنة والثاني مات وعمره 51 سنة، وبالمقابل هناك من عاش دهرا وكأنه عاش ساعة، فلا يتذكره أحد لأنه عاش لنفسه فقط.
إن تبنّي أسلوب العيش "الفردي الأناني" لدى الإنسان يجعله يحيى نكرة ويموت نكرة حتى ولو كان ذو جاه و مال، كنت أنتظر رد فعل صديقي "الصامت" فإذا به يسألني مرة أخرى لم تجبني عن عمرك ؟ فقلت له لقد أجبتك عن عمري، لكن الأجدر بك أن تصحّح صياغة سؤالك لأنّه يحمل خطأ شائعا والأصح أن تقول لي كم مضى من عمرك؟ ، ولأن لا أحد يعرف كم بقي من عمره ، فالحديث النبوي الشريف يقول : "أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين وأقلهم من يتجاوز ذلك"لقد لفت انتباهي هذا الحديث الذي يقدم متوسط عمر المسلم وبحساب بسيط أستطيع أن أعرف ما تبقّى لي من عمري تقريبا لكي أغتنم "الفرصة الذهبية" للإكثار من فعل الخير فيما بقي ليغفر الله لي ما مضى وما بقي من أيام .إن عمر الإنسان قصير مهما طال فاهو سيدنا نوح عليه السلام الذي عاش ألف سنة لما سئل عن عمره قال كأني دخلت من باب وخرجت من أخر. فالإنسان هو بضعة أيام ،كلما انقض يوم انقض بضع منه ، وكما قال الله تعالى "و سارعوا الي مغفرة من ربكم و جنة عرضها السماوات و الارض اعدت للمتقين" لذا لا يجب أن نتسابق على مجهول ولا نتحاسد على زائل ، ليس هناك أمر يشعرنا بهذه الحياة سوى طاعة الله وذكره، لأن في طاعته راحة، وفي ذكره أمل لحياة أخرى غير مربوطة بأجل.