أفهم جيداً أن الانترنت أصبحت فضاءً موازياً لكثير من الأنشطة والخدمات الإنسانية الحديثة، بما في ذلك خدمات أجهزة المخابرات والاستخبارات الدولية وأعتقد أن وجود مثل هذه الأجهزة عبر الشبكة العالمية ربما لإثبات حضور وتواصل مع الجمهور وإعطاء مفاهيم جديدة للتواصل قد تعني في بعض صورها أن هذه الأجهزة خاصة في ميدانها الوطني لم تعد تلك المثقلة بالحُجب والأسرار التي يغلب على عملها الغموض والسرية، بقدر ما هي أدوات لحماية البلاد والعباد.
الخارج عن المألوف في هذا السياق خبر استوقف الكثيرين في شهر أبريل المنصرم حول إعلان من وكالة الاستخبارات الإسرائيلية «موساد» التي أطلقت حملة عبر شبكة الانترنت وبالتحديد عبر شبكات التواصل الاجتماعي لضم مهنيين إلى صفوفها، وقال الإعلان: إن الموساد مستعد لقبول الأشخاص الذين يتمتعون بالعبقرية، والذكاء، والشجاعة والتأثير على الناس، ومن خدموا في المخابرات العسكرية في بلدانهم، خصوصاً من يتقنون اللغتين العربية والفارسية! حملة طلب تجنيد لعملاء كهذه لا أستطيع أن أقول عنها سوى: إنها غريبة ولا أعرف حقيقية أبعادها وما المقصود منها، ومن المؤكد أنها غير بريئة، لكن السؤال الذي قد يكون أكثر خطورة: هل استخدامنا اليومي شبكة الانترنت آمن وبعيد عن أنظار أجهزة الاستخبارات الدولية ؟ وهل مظاهر التواصل الاجتماعي الالكتروني الحديثة بعيدة عن أعين وتحليلات تلك الأجهزة ؟ يفيد بعض الدراسات الخاصة بأمن الانترنت وأمن المتصفحين انه لا يمكن الجزم بسلامة ملايين عمليات المحادثة الالكترونية التي تتم يومياً ويذهب بعض التحليلات إلى أن السيل المتدفق من المعلومات والحوارات التي غالباً تكون متحررة من كثير من الضوابط تكون محل رصد وتحليل من قبل أجهزة متخصصة في التتبع والتجنيد لأشخاص بعينهم تتوافر لديهم صفات معينة ويعانون نقاط ضعف واضحة في بلدانهم مثل الإقصاء السياسي وتآكل مستوى الحريات في محيطاتهم الطبيعية، علاوة على دوافع البطالة والغرائز وغيرها. الرقابة التقليدية للدول على ما يعرف بالأمن الوطني، أو الأمن القومي ضد التجسس ولاختراق يعاني تآكلا مستمراً في ظل تطور وسائل الاتصال الحديثة، والنتيجة لمقاومة هذا الخطر تحمل لغزاً كبيراً في طياتها، فالشركات التي تقدم خدمات الانترنت قد تكون هي من تبيع للدولة أجهزة الحجب! أو المتابعة، وأعتقد أن دول العالم الثالث المستهلكة فقط لتكنولوجيا الاتصال الحديثة وسبل الحماية من أخطارها ليست إلا دول مستهلكة للمنتج في صورته الأولية، وأما قضية الآثار السلبية والحد منها، فليست إلاَّ تحصيل حاصل وإرضاء للضمير لا أقل ولا أكثر،
ويفيد بعض القراءات المتعمقة في موضوع الانترنت والجاسوسية بأن كل إنسان قادر على استخدام الشبكة العنكبوتية فهو عميل محتمل، بمعنى أن هناك من يبحث عنه ويتوقع الاستفادة منه، تزيد نسبة هذه الاحتمالية كلما كان ذلك المرء صغيرا نسبياً في السن، وكلما كان من المترددين على المواقع التي تتعمد إثارة هذه الفئة العُمرية، وفي ذات الوقت تمنحهم مساحة أكبر من الحوار الذي لا يجدونه في واقعهم المعاش. أما المراحل اللاحقة من التجنيد والمتابعة فيتولاها عادة خبراء في علم السلوك والنفس والاجتماع وخبراء أمن، وقد يؤسس لذلك إدارات وهيئات وفروع، والهدف من وراء كل ذلك هو الإيقاع بهذا المخلوق بالفرص غير المسبوقة في دنيا الاتصال.
المصدر