القضية اكثر تعقيدا مما يتصوره الكثير ....
لا يجب النظر الى الامور و التحليل بسطحية دون الرجوع الى نقطة البداية .....
من يعتقد بان باكستان طفرة او استثناء فهو اكيد مخطئ !
سوف نغوص في اعماق صراع جيواستراتيجي عظيم عرفه العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية حيث عرفت هذه الحقبة ظهور مايسمى بالعالم الجديد الذي تميز باختفاء دول و ظهور دول جديدة و انقسام اخرى ...الخ
كذلك عرفنا ميلاد معسكرين عملاقين تمكنا من اقتسام الخارطة فيما بينهما و اندلاع حرب باردة و استخباراتية ليس لها مثيل في تاريخ البشرية !
مهندس النظام العالمي الجديد و بلامنازع كانت بريطانيا التي تمتلك نفوذا خطيرا في كافة ارجاء الكرة الارضية لكنها في نفس الوقت منهكة و مدمرة داخليا و لا يسعها التأثير المباشر فيما عدا استخدامها للسليلتها امريكا التي فيمابعد خرجت عن سيطرتها و اصبحت الامر الناهي عليها.
الهند كانت تمثل قاعدة اقتصادية محورية بالنسبة لبريطانيا و انتفاضها فيما بعد شكل ضربة موجعة لها من ناحية الضرر الاقتصادي و كذلك قطع ذراع بريطانيا التي كانت تسير بها منطقة اسيا و هذا بالتأكيد لن يمر مرور الكرام ! بريطانيا التي تركت بنية اقتصادية مهمة بل و شاركت في تخرج عشرات الالاف من العلماء و المهندسين الهنود في جامعاتها العريقة ! مما يجعل من الهند عملاق نائم باتم معنى الكلمة و كل مايلزمه هو الامكانيات المادية للنهوض .. و هذا ما حصلت عليه بعد مرور بضع سنوات من الاصلاحات الاقتصادية .. و هنا ظهرت قوة الهند الصاعدة و المشكل الاخطر هو عدم انتماءها لاي كيان او معسكر اظافة الى خصوصيتها الداخلية المتمثلة في المعتقدات الهندوسية التي تجعل السيطرة الخارجية على الشعب تقريبا شبه منعدمة !
في ظل هذه المعطيات الجديدة و من اجل كبح جماح الدولة الصاعدة تم التفكير في دعم صراع داخلي عن طريق استخدام التنوع الطائفي و ارتفاع نسبة المسلمين هناك .. طبعا بريطانيا بارمادتها من الالاف من الخبراء المستشرقين الذين اوجدتهم من اجل السيطرة على العالم العربي و الاسلامي استطاعة تغذية مطامع الطائفة المسلمة و دفعهم بطريقة مباشرة او غير مباشرة الى تبني فكرة الثورة و المطالبة باستقلال اقليم باكستان و الذي تم تزكيته من طرف حلفاءها من العرب و المسلمين الذين اعتبروا الامر مكسبا جديدا للعالم الاسلامي !!!! لكن ... ؟
هل هذا هو الهدف الحقيقي ؟؟؟ ... لنتابع
استقلال باكستان ضربة موجعة للهند لان الامر امتد الى اقليم ثان و هو كشمير و يعتبر مدا استراتيجيا من المستحيل للهند ان تتخلى عنه ! لذا و بعدما احست بالخطر المحدق بها اصبح الحل الذي لا مفر منه و هو تطوير سلاح ردع استراتيجي من اجل اعادة الامور الى نصابها ! فتصبح باكستان لقمة صائغة و سيتم اعادة الولد المشاغب الى البيت مجددا !
هل تذهب كل هذه الجهود سدى .. ربما تنقلب الهند و تلتحق بالمعسكر السوفياتي و تصبح خطرا على امريكا ؟ اكيد لا ! ما هو الحل يا ترى ؟ ... يجب تدخل امريكا الحاسم ...
الخطة : التدخل الغير مباشر باستخدام حليف تقليدي ...
العرب !
العرب اغنياء مخلصون و لا يحبون المشاكل و وجع الدماغ و يحبون الشعارات البراقة و الاحلام الوردية !!!
اسم الخطة : القنبلة النووية الاسلامية ! تم زرع الفكرة و فتحت الخزائن و بقي التطبيق !
لكيلا لا يشك احد في المؤامرة .. تم اقتناء مفاعل صغير يعمل بالماء الثقيل من كندا !!! كندا الدولة المسالمة التي ليس لها صراع مع احد و لا تتدخل في شؤون الغير و لن يشك احد في وجود نوايا مبيتة ! ليظهر بعد ذلك الاسطورة عبد القدير خان ! رجل ظهر من العدم و استطاع في ظرف قياسي اتمام دورة التخصيب !!!!! تصميم القنبلة !!!! انتاج البلوتونيوم !!!! فجأة القيام بتجربة انفجار نووي و اعلان باكستان تصنيع اول قنبلة نووية لتدخل الى النادي النووي من بابه الواسع !!!!! عبد القدير خان ابو القنبلة النووية ... بعدها بفترة .. تجارب صاروخية ؟؟؟ مجددا مخابر عبد القدير خان اصبحت تنتج صواريخ بالستية قصيرة المدى (طبعا تكفي لضرب الهند) .... معقول ؟؟؟ و اين العرب من كل هذا ؟ الم تكن الخطة هي صنع قنبلة نووية اسلامية مشتركة و كل دولة تحصل على التقنية و التصنيع المحلي ؟ و لماذا بعض الدول العربية انسحبت من المشروع في بداية المشوار ؟ هل يمكن رفض فرصة مثل هذه ؟؟؟؟
الدول التي بقيت في المشروع مثل العربية السعودية و ليبيا على ماذا حصلت ياترى ؟؟؟ الاخوة السعوديون قد اعدوا العدة و من شدة استعجالهم للامر استبقوا الاحداث و اشتروا صواريخ باليستية من الصين و لم يبقى سوى وصول دفعة من الرؤوس النووية من باكستان !
هل حصلت عليها ياترى ؟؟؟ الله اعلم و المستقبل هو الوحيد الكفيل بالاجابة على هذا السؤال بالرغم من ان المواقف الرسمية للسعودية لا تدل على انها دولة تمتلك رادعا نوويا !
ليبيا حصلت على بعض المخططات و التجهيزات البسيطة و حاولت ان تستثمر فيها بواسطة خبراء من كوريا الشمالية لعلها تحصل على فائدة مرجوة لكن .... لا شيء
لينتهي المسلسل و تحذف الادوار و يسدل الستار عن المسرحية بواسطة مسرحية اخرى التي سميت ب شبكة عبد القدير خان الدولية ( عبد القدير خان مجددا
) شبكة اجرامية لتهريب و بيع الاسرار النووية !!!! طبعا يعترف الاخ عبد القدير بذنبه و يورط ليبيا التي سارعت الى الاعتراف بالذنب و تسليم البرنامج و التجهيزات لامريكا من اجل تفادي مصير العراق ! المسكينة ليبيا تتحول من شريك اساسي و ممول الى مجرم و عدو يهدد الامن العالمي !
الهدف الجديد : ايران ! عبد القدير خان يعترف بمساعدة ايران في الحصول على التقنية النووية بالرغم من ان البرنامج الايراني معروف بانه مبني على التكنولوجيا الروسية !!!! و هنا كذلك تبدا قضية ايران ...
التعاون الباكستاني الصيني ...
بعد ظهور التقارب الهندي الروسي اصبحت باكستان في خطر و يجب التفكير في حل وسط يجنب ادخال روسيا طرفا في الصراع لمساعدة الحليف الاستراتيجي الجديد الهند ! ... انظروا الى قمة المكر السياسي و الدهاء الخارق !!!
التودد الى الصين ذلك العملاق الشره الذي يحاول التوغل في اي بقعة من العالم حتى و لو كلفه الامر الدوس على بعض المبادئ الشيوعية ! ... تعاون عسكري .. شراء اسلحة ... رخص تصنيع لاسلحة صينية لاتزال تحضى بسمعة سيئة في انحاء الكرة الارضية ... ليتطور الامر الى شراكة شبه استراتيجية و تصنيع مشترك !
عصفورين بحجر واحد ! الروس سوف يغضون البصر عن باكستان لانها حليف للاخت الشقيقة الصين و هذا ما يضطر روسيا الى لعب دور رجل المطافئ في حالت حصول توتر هندي باكستاني من اجل الحفاظ على مصالح جميع الشركاء النقطة الثانية حصول امريكا على عين على الصين قد تسمح لها بالحصول على كم هائل من المعلومات باستخدام عملاء باكستانيين يتحركوا تحت غطاء التعاون العسكري مع الصين (من احد الاسباب التي بسببها يتم تسويق نظرية قوة الاستخبارات الباكستانية).
تطوير الصواريخ :
من يتابع تطور الاحداث سيلاحظ حتما وجود فارق زمني غير مبرر لتطوير القدرات الصاروخية الباكستانية الذي انطلق بسرعة جبارة في اصعب سنواتها بينما يتأخر في مرحلة احسن نسبيا ؟؟؟ اكيد يوجد بعض علامات الاستفهام الغير منطقية ! باكستان طورت صواريخ مداها يغطي ايران ! و هي الان في مرحلة تجريب صواريخ تصل اسرائيل !!!! حجة جيدة تجعل بعض الدول العربية تواصل المساعدة و التمويل لان باكستان تظهر على انها حامية العرب و سوف تكون جاهزة لتكشير انيابها في حالة الخطر !!!! (حصلت اخطار كثير و كثيرة كادت تهلك العرب لكن لا بأس لايزال هناك فرص جديدة في المستقبل لا يجب التسرع في الحكم
).
نتجه الان الى التحليل و المقارنة :
- العراق اهلك بمجرد انه حول تطوير سلاح ردع و قدرة صاروخية بالرغم من انه كان مسلما عربيا و ساهم في وقف المد الايراني الذي كان يزعج العرب و الغرب ! بينما سمح لباكستان التسلح و هي بلد مسلم من المفروض يشكل خطر على اسرائيل و يحتوي على العديد من الطوائف و الجماعات المتشددة و حقوق الانسان هناك تبلغ مستويات تحت الصفر على عكس العراق البلد المتحضر و الشعب المثقف !!!!!!.
- عبد القدير خان الذي من المفروض نظرا لما قام به .. على الاقل ان لم يحول على محكمة العدل الدولية ..سيكون معتقلا في جوانتانامو ! بينما هو يتمتع بعيشة هنية في فيلا فخمة !.
- القنبلة الاسلامية من المفروض ان ينطلق المشروع في دولة عربية مسلمة بما ان التمويل عربي و في ذلك الوقت كانت مصر و العراق تمتلكان كل الكفاءات و المقومات اللازمة لذك فهما تمتلكان المئات من امثال عبد القدير خان ! لماذا باكستان البعيدة و الفقيرة ؟؟؟.
- المخابرات الباكستانية تخلق ما يسمى بحركة طالبان و تدعمها و تسلحها و تدخلها الى افغانستان و لما تحكم السيطرة عليها .. تأتي امريكا لمحاربة طالبان العدو اللدود و كذلك انطلاقا من باكستان (لا ادري ان كان اسم مخابرات باكستان هو CIA او ربما مجرد اسم دلع لها نظرا لقوتها الاسطورية !) اليست افغانستان دولة مسلمة و شعبها المسكين لا يستحق كل هذه المأسي ؟.
- باكستان حليفة امريكا و الحاصلة على رضا الغرب كله و تتسلح من الصين ؟؟؟ الجملة تبدو مشوهة على ما اعتقد ؟؟؟ و كاننا نحاول جمع الماء و النار في اناء واحد !
- لماذا تركيا التي تشهد استقرارا و تطورا و قدرات تكنولوجية و علاقات حميمية مع الغرب و اسرائيل و مشتركة في برنماج تطوير الاف35 لم تحصل على السلاح النووي مثلما فعلت باكستان الفقيرة و الحديثة و المليئة بالتوترات ؟؟؟
- لماذا باكستان لا تتدخل عندما تحصل المذابح في فلسطين ؟ بما انها دولة نووية عظمى ! ممكن على الاقل تضغط او تهدد مثلما تفعل الصين و روسيا و فرنسا و بريطانيا و الهند و سوسو بما انهم اعضاء النادي النووي ؟؟؟ اليسوا اعضاء في نفس النادي و يحترمون بعضهم البعض ؟.
- لماذا لا نرى اي حرارة و دفء في العلاقات العربية الباكستانية ؟ زيارات نادرة .. اتفاقيات ثنائية شبه منعدمة و ربما اكثر المبادلات اهمية يتمثل في ارسال العمالة الى دول الخليج ! لكن هل شاهدنا تبادل خبرات و ارسال بعثات علمية ؟؟؟ لا اعلم ...
- توجد بعض القواعد الامريكية في بلدان غربية كبيرة بموجب بعض الاتفاقيات المشتركة بعد الحرب العالمية و بما ان امريكا تحب لعب دور شرطي العالم فان هذه القوى العظمى لم ترى مانعا في ابقاءها على اراضيها لانها لا تشكل اي خطر يذكر ! لكن بموجب اي اتفاقيات او سبب منطقي يبرر تواجد قواعد امريكية عسكرية و استخباراتية في باكستان !! و لما اقول استخباراتية فهذا يعني كل الاجهزة (CIA,NSA,FBI...الخ) و للعلم هي متواجدة منذ عشرات السنين و لا علاقة لها بقضية افغانستان.
باكستان و كوريا الشمالية وجهان لعملة واحدة ! تضارب المصالح الاستراتيجية جعل منهما وسيلتين للضغط على اطراف ما ولن يحصل اكثر من ذلك و يوما ما ينتهي دورهم و يتم تجريدهم من كل هذا ... كوريا الشمالية سمح لها بالنووي من اجل الضغط على المعسكر الغربي الذي يسيطر على كوريا الجنوبية و اليابان فقط ! لماذا لم تحصل فيتنام على النووي ؟ لماذا لم تحصل كوبا على النووي لماذا لم تحصل فنزويلا على النووي .. لماذا بولندا و يوغسلافيا و التشيك و هم احد اهم اركان المعسكر الشرقي و لا احد يشك في قدراتهم التقنية ... بينما كوريا الشمالية الفقيرة المنهكة تحصل عليه.
قد لا يعجب كلامي الكثير لكن الحق يجب ان يقال ! ما بني على باطل فهو باطل و لا يجب بناء المستقبل على اسس وهمية و احلام وردية لاننا مررنا بعدة تجارب و محن مريرة و لم نجد اي احد يسند ظهرنا و سيتكرر الامر مستقبلا الى غاية ان نستخلص العبر و ننهض بسواعدنا لصنع سلاحنا الخاص بقدراتنا الخاصة.
تحياتي.