على عكس القيادة اﻹستراتيجية، أظهرت القيادة التكتيكية تراجعا واضحا عن مستواها عام 1948. هذا اﻷداء التكتيكي لم يكن متماثلا في سوئه. في بعض نواحي العمليات كان أداء الجيش اﻷردني ككل مستمرا في اﻷداء الجيد. إضافة لذلك، أظهرت اعداد صغيرة من الوحدات قدرا معقولا من الكفاءة في مستوى عام من العمليات العسكرية.
على الجانب اﻹيجابي، استمر اﻷردنيون في إبراز مهارات عسكرية على مستوى الجندي من الطراز اﻷول. كجنود و كطيارين منفردين، استمر اﻷردنيون على ادائم الممتاز و قاموا بكل ما هو متوقع منهم بشكل عام. كان الجنود شجعان و منضبطين، مع بعض اﻹستثناءات مثل اﻹنسحاب المذعور لسرية دبابات باتون للواء 60 في منطقة تل الفول و تفكك الوحدات اﻷردنية حول تل الرادار. دقة النيران اﻷردنية كانت جيدة جدا، رغم وجود تباين في اﻷداء: حيث كان المشاة ممتازين في استخدام اﻷسلحة الفردية مع جودة اقل بالنسبة لأطقم الدبابات و المدفعية. و على نفس المنوال، بناءا على المعلومات المحدودة المتوفرة، يبدو ان طيارين اﻷردنيين كانوا على مستوى معقول في اشتباكات الجو، على عكس ما بدى من مهارات القصف البري خلال المهمة الوحيدة التي نفذت اثناء الحرب.
كان هناك تباين كبير في تماسك الوحدات اﻷردنية. في بعض الحالات تماسكت الوحدات و قاتلت في ظروف صعبة. مثال ذلك اللواء 40 المدرع و القوات المدافعة عن تل الرادار و تل مفتار و جبل ابو طور و جنين. و لكن توجد عدد من الوحدات التي انهارت بعد اشتباكات بسيطة مع اﻹسرائيليين. مثال ذلك اللوائين اﻷول و الثاني مشاة اللذان دافعا عن تقاطع طولكرم-قلقيلية و منطقة اللطرون على الترتيب. حيث استسلمت كلتا الوحدتين أو هربوا قبل حسم المعارك بوقت طويل. و بينما نفذ اللواء 40 و بعض الوحدات اﻷخرى تكتيكات القتال التراجعي على أحسن مستوى بعد امر الإنسحاب العام من الضفة، انهار اللواء 29 مشاة والكتيبة 10 مدرعة شمال الضفة بسرعة و هرب افرادهم تاركين معظم معداتهم عند وصول امر اﻹنسحاب. وعلى الرغم من انه في بعض الحالات، تبين ان بعض الضباط قد تركوا وحداتهم، فإن ذلك لم يرتبط بضعف تماسك تلك الوحدات: حيث يبدو ان العديد من الوحدات قد تماسكت و حاربت كوحدة حتى عندما هرب قادتهم. و على الرغم من استحالة التحقق من النقطة التالية، فإنه يبدو هناك بعض التمايز في الأداء بين الوحدات البدوية و الحضرية. فاللواء 40 دروع و اللواء 3 مشاة كانت كلتاهما بدوية التكوين، و كلتاهما اظهرت تماسكا ممتازا. أما الواء اﻷول، الحضري التكوين، فقد انهار مع اول محاولات جس النبض اﻹسرائيلية. و لسوء الحظ، لا يمكن التوسع في هذه الملاحظة على بقية الوحدات بسبب نقص المعلومات حول الوحدات اﻷردنية اﻷخرى.
اﻷداء اﻷردني التكتيكي تراجع على مستوى الوحدات اﻷعلى من حظيرة أو فصيلة. و معظم هذه المشاكل يمكن نسبها لفشل على مستوى القيادة. حيث لم يكن الموضوع ان الجنود اﻷردنيين لم يكونوا يستطيعوا العمل معا، لكن كان هناك مشاكل بالنسبة لتنسيق عمل الضباط معا. و لم يبد ضباط الصف اﻷردنيين غير درجة قليلة من الخيال، و التعامل مع الظروف، أو المبادرة. و كانت الركيزة اﻷساسية لأسلوب القتال اﻷردني كان صب نيران شديدة ضد أي هجوم امامي اسرائيلي، و لكن بمجرد ما ان يخترق الهجوم الخطوط الأردنية، و يبدأ في تطهير المواقع الحصينة، تعدم القوات اﻷردنية أي استجابة. في بعض الحالات، قام اﻷردنيون بتنظيم هجومات مضادة صغيرة، لكنها كانت متأخرة. و لكن في اغلب الحالات فشل الضباط في تنظيم هجوم مضاد. بل فضَلوا البقاءفي المواقع الدفاعية دون خطوات لإعادة تموضع القوات أو شن هجمات مضادة. وعليه، حتى في معارك مثل تل الذخيرة، بطش اﻷردنيون بالقوات المظلية اﻹسرائيلية عندما قاموا بهجومهم التعرضي ضد خطوطهم الدفاعية. و لكن بمجرد ان اخترق اﻹسرائيليون الخطوط اﻷردنية و بدأوا في تطهيرها من اﻷجناب، كانت المعركة في حكم المحسومة بسبب عدم قيام اﻷردنيين بإعادة توزيع قواتهم لصد اﻹختراقات اﻹسرائيلية. و بما يعزز هذا اﻹنطباع كان اكتشاف لجنة الرصد اﻷمريكية ان معظم الدبابات اﻷردنية التي تم تدميرها ضربت من الجانب و ليس اﻷمام. مما يشير إلى تغلب اﻹسرائيليين بالمناورات مرة تلو اﻷخرى.
و على نفس المنوال، و استنادا على المعلومات المحدودة المتوافرة، كان الطيارون اﻷردنيون على مستوى جيد من الكفاءة في القتال الجوي، لكن لم يظهروا المهارة المطلوبة عند تنفيذ غارتهم الجوية الوحيدة.
تماسك القوات اﻷردنية كان متباينا بشكل كبير. ففي بعض الحالات تماسكت الوحدات و قاتلت فيظروف بالغة الصعوبة. و تميزت في هذا المجال اﻷولية: الأربعين المدرع، و الوحدات المدافعة عن تل الذخيرة و المفتار، و أبو طور، و جنين. و لكن يسجل ايضا انهيار بعض الوحدات اﻷردنية تحت ضغط خفيف من اﻹسرائيليين. على سبيل المثال اللوائين اﻷول و الثاني مشاة، المدافعين عن طولكرم-قلقيلية و اللطرون على الترتيب. حيث انهار اللوائين و هرب و استسلم افرادهم قبل حسم المعارك بفترة طويلة. وبينما قام اللواء 40 و بعض الوحدات اﻷخرى بمناورات انسحاب من الدرجة اﻷولى بعد صدور اوامر اﻹنسحاب العام، فقد انهارت وحدات اللواء العاشر المدرع و اللواء 25 مشاة و هربت تاركة الكثير من معداتها الثقيلة عندما صدر امر اﻹنسحاب. و على رغم تسجيل بعض حالات الهروب للقادة اﻷردنيين من وحداتهم، فإن هذا لم يترافق مع انهيار تلك الوحدات: فقد صمدت بعض الوحدات و تماسكت، اما بعضها اﻷخر فقد تفكك. و على الرغم انه قد يكون من المستحيل التحقق من هذا، فإنه تم ملاحظة علاقة بين تماسك الوحدات و اصول افرادها (بادية او حضر). فاللواء 40 و اللواء الثالث كلاهما بدوي و قد اظهروا قدرا ممتازا من التماسك. بينما انهار اللواء اﻷول مشاة، الحضري، عند اول تماس مع اﻹسرائيليين. و لكن من الصعب تثبيت هذه الملاحظة بسبب عدم معرفة تركيب اﻷلوية اﻷخرى في الجيش اﻷردني.
اﻷداء التكتيكي انخفض بشكل كبير على مستوى الوحدات. بمجرد ان اصبح تنظيم الوحدات اكبر من حظيرة أو فصيل، كانت المشاكل التنظيمية و القصور في معاجتها اكبر من ان تحصى. و كانت تقارير اﻹسرائيليين ان الجيش العربي القدير قد تراجع مستواه ليلحق بباقي الجيوش العربية. و صار غير قادر على تنفيذ مناورة على مستوى فصيل، مع بقاء قدراتهم العالية في قصف المدفعية المحمولة و تنفيذ هجمات فعالة على مستوى الحظيرة محل احترام.
و على الغالب، كانت هذه المشاكل تعود لضعف في اداء القيادات الصغرى. حيث ان الجنود اﻷردنيين لم يعزهم القدرة على العمل الجماعي، لكن ضباط الصف كان عندهم صعوبات في تنسيق القوات التي كانت تحت ايديهم. الركن اﻷساسي في اسلوب القتال اﻷردني كان في ان تطلق القوات كمية نيران كبيرة ضد اي هجوم تعرضي اسرائيلي. و لكن بمجرد ان يتم اختراق الخطوط اﻷردنية و تطهيرها، يصبح اﻷردنيون عاجزين عن القتال. و عليه، حتى في معارك مثل تل الذخيرة، حيث بطش اﻷردنيون بالمظليين اﻹسرائيليين اثناء هجومهم التعرضي على خطوطهم الدفاعية. و لكن بمجرد ان اخترق اﻹسرائيليون الدفاع اﻷردني من نقطة، و بدأ القتال لتطهير الخنادق. أصبحت المعركة في حكم المنتهية كون اﻷردنيين لم يقوموا بتغيير تمركز قواتهم و القيام بهجوم مضاد لصد الإختراق اﻹسرائيلي. و اثبت المسح اﻷمريكي للمعركة ان معظم الدروع اﻷردنية تم تدميرها من الأجناب. مما يثبت نجاح اﻹسرائيليين المرة تلو اﻷخرى في مناورة القوات اﻷردنية.
واجهت قوات المملكة مشاكل كبيرة كلما واجهت مواقف غير متوقعة او معارك ديناميكية سائلة. كان التعاون بين مختلف افرع الجيش جيدا طالما كان القتال من مواضع الجيش الدفاعية المعدة سلفا. اما حين اصبحت المواجهة مفتوحة انهار هذا التعاون. خذ مثلا معارك وادي دوتان. عندما كان الجيش اﻹسرائيلي يهاجم مواقع دفاعية اردنية محصنة، عملت المدفعية و المشاة و فرق صائدي الدبابات إضافة للدروع اﻷردنية بشكل جيد معا و اوقفت الهجوم اﻹسرائيلي. و أول ما تظاهر اﻹسرائيليون باﻹنسحاب، انطلقت دبابات الباتون اﻷردنية خلفهم بدون مساندة. مما اتاح المجال لدبابات السوبر الشيرمان لتحطيمهم في معركة دبابات و من ثم التركيز على المشاة اﻷردنيين. كانت المدفعية اﻷردنية غير قادرة على ملاحقة تقدم اﻹسرائيليين السريع في الضفة. و حتى في القدس، حيث امتلك اﻷردنيين 19 عاما للتحضير لمواضع قصف المدفعية، لم تتمكن المدفعية اﻷردنية من توفير الدعم في الوقت المناسب عندما قام اﻹسرائيلييون بخطوات غير متوقعة. ادّت الدروع اﻷردنية بشكل معقول في احسن اﻷحوال. حيث نجحت دبابات السوبر شيرمان و الشيرمان اﻹسرائليية في التغلب على الباتون اﻷردنية المرة تلو اﻷخرى. فاللواء 60 المدرع كان من المفروض - قياسا على عدته و عدده - ان يدمر اللواء 10 الميكانيكي. و بدلا من ذلك فقد هزم بسهولة. و على نفس النهج، فإن القوة الميكانيكية اﻹسرائيلية قرب جنين خدعت الكتيبة 12 المدرعة و اخرجتها من مواقعها الحصينة لتشتبك معهم في قتال متكافئ في وادي دوتان و تهزمهم بسهولة.
اﻹستثناء الرئيسي في هذا النمط التكتيكي للجيش اﻷردني كان اللواء 40 المدرع. حيث حاربت هذه الوحدة بشكل افضل بكثير من باقي الوحدات. و لكن هذا المديح ينبغي وضعه في سياق من خلال نقطتين: رغم تميز اللواء 40 عن باقي وحدات الجيش اﻷردني، فإنه يبدو ضمن معدل اداء وحدات الجيش اﻹسرائيلي ان لم يكن اسوأ قليلا. فمثلا عند قباطيا كان لهم اﻷفضلية العددية بالضعف مقارنة مع اﻹسرائيليين، و امتلكوا الباتون 48 ضد السوبر شيرمان اﻹسرائيلية، و كذلك كان الموقع ممتاز من الناحية الدفاعية. و قد هجم اﻹسرائيليون بتعرض امامي مرتين دون اي نجاح كما كان مفروضا بسبب ميزات الطرف اﻷردني في تلك المعركة. و عند طريق جنين-طوباس، كان اللواء 40 يدافع عن موقع من شبه المستحيل اختراقه. و هنا هاجم اﻹسرائيليون بشكل مباشر مرتين دون نجاح. ولكن الخسائر اﻹسرائيلية كانت قليلة بسبب ان قوات دروعهم هذه المرة كانت مكافئة للدرع اﻷردني (حيث كانوا يستخدمون السنتوريون ثقيلة التدريع).
اﻹستثناء الرئيسي الثاني هو ان اللواء 40 كان هو اﻹستثناء الذي اثبت القاعدة بالنسبة للجيش اﻷردني. العميد الجازي كان قائدا استثنائيا: فكل ضابط غربي و أردني و اسرائيلي ذكر بأنه كان يفوق بدرجات القادة اﻷردنيين اﻷخرين في اندفاعه القتالي و المهارات التكتيكية. و قد ادى اللواء 40 بشكل جيد عندما كان تحت قيادته المباشرة. على تقاطع قباطيا، استخدم اﻷردنيون القوة النارية و المناورة لحصار القوة اﻹستطلاعية اﻹسرائيلية. وعندما تم حصار تلك القوة، فصل الجازي قواته الرئيسية و ارسلها شمالا لتنفيذ المهمة الرئيسية: الدفاع عن جنين. و قد ارسل قوات استطلاعية قامت بتنبيهه لتقدم الدروع اﻹسرائيلية، و عندها قام بترتيب قواته بوضع اﻹخفاء الجزئي (Hull-down) على تل مطر على الطريق بما يشكل موقعا ممتازا للدفاع. و عندما هجم اﻹسرائيليون تم صدهم. و قام الجازي بمحاولة ملاحقتهم للقضاء على القوات المهاجمة لكن تم منعه بالتغطية المدفعية اﻹسرائيلية. و أخيرا عندما تبين ان قواته على وشك الوقوع في الحصار و ان موقعه لم يعد من الممكن الدفاع عنه قام باﻹنساحب بالوقت المناسب قبل ان يتم حصاره و تدميره. قارن هذا اﻷداء من الطراز اﻷول مع الكتيبة اﻷخرى من اللواء نفسه على طريق طوباس جنين. و التي تم مفاجئتها من قبل اﻹسرائيليين في الليل و تم هزيمتها بدبابات السنتوريون اﻹسرائيلية رغم حصانة موقعها الدفاعي! و بالتالي بدون قيادة الجازي المباشرة، حتى وحدات اللواء 40 قاتلت بشكل سيئ. اﻷلوية اﻷردنية اﻷخرى لم تكن حتى قريبة من مستوى اﻷداء هذا.
يتبع في الحلقة القادمة