سيتم عرض الاجزاء تباعا و ساحاول الانتهاء من ذلك بسرعة كلما امكن ذلك
خالص تحياتى و تمنيانى باستفادة اكثر و قراءة متانية اكثر امتاعا
-----------------------------------------------------------------------------------------------------
جند من السماء
من معرفة المصادر
غلاف الكتاب
محتويات
- 1 إهــــــــــداء
- 2 شكـــر وتقـديـــر
- 3 الفصـل الأول شمعة أضاءت مصر كلها
- 3.1 نوبـة صحيـان
- 3.2 إسرائيل ونشوة الانتصار
- 3.3 شمعة أضاءت مصر كلها
4 الفصل الثاني الهزيمة أكبر مُعلم 4.1 اصطياد القرش الإسرائيلي 4.2 هم يبنون بارليف ونحن نبني حائط الصواريخ
5 الفصل الثالث حرب الاستنزاف 500 يوم قتال 5.1 السياسة الأمريكية فى خدمة إسرائيل 5.2 العين بالعين .. والقصف بالقصف
6 الفصل الرابع: تصعيـد إسرائيـل .. ورد مصر 6.1 وأخيراً .. تحرك الدب السوفيتي 6.2 صواريخنا تقطع الذراع الطويلة 6.3 الجيش الإسرائيلي يترنح
7 الفصل الخامس هدنة .. ثلاث سنوات 8 الفصل السادس 8.1 الطريق الى الحرب 8.2 دقت طبول الحرب 8.3 بشائر النصر القادم 8.4 نبضات من قلب أكتوبر 8.5 العد التنازلي للحرب 8.6 هل فاجأناهم ؟ .. أم سبقناهم ؟
9 الفصل السـابع عظيمــة يا مصــر 9.1 اليوم المشهود 6 أكتوبر 9.2 مقارنة القوات يوم 6 أكتوبر 9.2.1 جمهورية مصر العربية 9.2.1.1 القوات البرية 9.2.1.2 القوات الجوية 9.2.1.3 قوات الدفاع الجوي= 9.2.1.4 القوات البحرية
9.2.2 الجمهورية العربية السورية 9.2.2.1 القوات البرية 9.2.2.2 القوات الجوية 9.2.2.3 القوات البحرية 9.2.2.4 القوات البرية 9.2.2.5 القوات الجوية 9.2.2.6 القوات البحرية
9.2.3 القوات المصرية المهاجمة علي جبهة القتال
9.3 الخطط الإسرائيلية 9.3.1 خطـة "برج الحمام" 9.3.2 خطـة " القلب الشجاع "
9.4 المرحلة الافتتاحية للحرب 6/7 أكتوبر 9.4.1 الضربة الجوية
9.5 مصر تعزف سيمفونية الحرب
10 المصدر
|
إهــــــــــداء
بسم الله الرحمن الرحيم فليُقاتل في سَبيل الله الذين يَشرُونَ الحياةَ الدُنيا بالآخرةِ ، ومَن يُقاتِل في سَبيل الله فـُيقتَل أو يَغلِب فسَوف نؤتيـه أجراً عظيماً. (74) النساء (صدق الله العظيم)
إلي المصريين حقاً . الذين أدوا واجبهم ثم انصرفوا في صمت وأولهم الشهداء ..الذين قدموا أرواحهم ، ودمـاءهم ، وعرقهم فداء لتراب هذا الوطن . لا أجد ما أقوله لكم إلا قول عظيم من أحد أبناء مصر البسطاء:
هَـديل حَمَـام الحِمـا.... ترَاتيل أسـاميكـم ياننـّي عـين الوطـن ... قلبي يناديـــكم صلـّي الحَمَام وانجلا... صلـّي الحَمَام وانجلاالله يجازيكم
(كابتن غزالي)
شكـــر وتقـديـــر
أصدق آيـات الشكر والتقدير أقدمها ، لكل من ساهم في ظهور هذا الكتاب .. بداية من القادة الذين كانوا في مواقع تتيح لهم معرفة الكثير.. وقد حظيت منهم بشرف اللقاء مرات عديدة. وقراءة وثائقهم ، مما أتاح لي الوصول إلى حقيقة ما جري من أحداث . أيضا الزملاء من الضباط والصف رجال الصاعقة ، والمشاة ، والبحرية ، والمدفعية ، والطيارين الذين اشتركوا وساهموا في صناعة الأحداث، ومنهم عرفت أكبر قدر من الحقيقة التي أسعى لتقديمها للقارئ الكريم. والشكر واجب للمؤسسات التي قدمت المعلومات والوثائق التي أفادت الكتاب وهي
- أكاديمية ناصر العسكرية - الهيئة العامة للاستعلامات وأشكر الأستاذة/ سمر محمود حسن. والسيد/ أكرم حنفي محمود . وحمدي عبد الحميد. والسيد/محمد حسان، لما قاموا به من جهد في الإعداد والتنسيق والتصحيح. وأدعو الله سبحانه وتعالي أن يكون علما ينتفع به. وفقنا الله جميعا لخدمة مصر دائما مقدمــة
"إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة" كانت هذه الكلمات هي الصيحة التي أطلقها الرئيس جمال عبد الناصر بعد هزيمة يونيو 67. فكانت خير تعبير عن خطة مصر المستقبلية والتي تحولت إلى جهد وعرق استمر لسنوات، دفع فيه آلاف من شباب مصر أرواحهم ودماءهم رخيصة في قتال شرس مع العدو الصهيوني حتى تحقق لهم النصر. وثبت للعالم كله وأولهم العدو الإسرائيلي أن في مصر رجال لديهم من العزم والإصرار ما يجعلهم قادرين على حماية مصر ضد أي عدو.
ولأن النصر الإسرائيلي في حرب 67 كان أكبر بكثير مما يتوقعون، ولأن النصر لم يكن نتيجة جهد إسرائيل فقط، بل كان الجزء الأكبر منه تقصير وإهمال مصري، فقد صدقت إسرائيل كلها قادة وشعباً أن مصر لم تعد تقدر على فعل شيء سوى الاستسلام. كان انتصارهم كبيراً فحجب عن أعينهم حقيقة مصر وشعب مصر.
أفاق الرئيس عبد الناصر من الوهم الذي كان يعيشه كما قال هو. اكتشف حقائق بديهية كان أهمها وأولها أن القيادة السياسية لابد وأن تعمل بتنسيق وتناغم مع القوات المسلحة .. وأن السياسة عليها أن تحدد الأهداف بوضوح تام وتخطط استراتيجيا لها، ثم توفر للقوات المسلحة ما يجعلها تحقق هذه الأهداف بأعلى قدر من الكفاءة .. كما تيقن الرئيس عبد الناصر أن القوات المسلحة جزء من الشعب وأداة من أدوات الدولة وليست كيان مستقل عنها.
سنعرض في الكتاب ماذا حدث خلال أعظم وأروع ست سنوات في تاريخ مصر (1967- 1973) .. وسنعرض كيف استطاعت مصر أن تحقق خلال السنوات الست خلاف ما كان العالم كله يجمع عليه وهو أنه لن تقوم لمصر قائمة إلا بعد 20-30 عام. فمن بقايا قوات مسلحة مهزومة في نظر العالم أجمع تمكنت مصر بعد أيام فقط أن تواجه العدو الإسرائيلي في رأس العش جنوب بورفؤاد. وكانت هذه المعركة هي أول شمعة تضئ الظلام الذي حل على مصر منذ الخامس من يونيو. وتوالت بعدها شموع كثيرة ومعارك شرسة ظهر فيها المقاتل المصري بحق.
إن حرب الاستنزاف 1969 وقد استمرت أكثر من 500 يوم أصبحت في التاريخ صفحات مضيئة. تشهد على أن شعب مصر يمكن أن يقهر المستحيل فعلاً وليس مجازاً. فقد بدأت بمعارك المدفعية ثم تطورت إلى عمليات عبور لقناة السويس ومهاجمة العدو الإسرائيلي في خط بارليف، ثم مهاجمته في أعماق بعيدة عند إيلات والعريش. ثم لما ألقت إسرائيل بقواتها الجوية في حرب الاستنزاف لكسر إرادة مصر، تصدت لها القوات الجوية المصرية وهي مازالت في طور البناء فأوقعت بها خسائر لا يستهان بها، ثم جاءت قوات الدفاع الجوي في نهاية حرب الاستنزاف لتؤكد لإسرائيل أن قواتها الجوية التي تلقب بالذراع الطويلة يُمكن أن تقطع هذه الذراع فوق السماء المصريـة.
سنرى في مرحلة حرب الاستنزاف الدور الرائع الذي قامت به القيادة السياسية المصرية لدعم القوات المسلحة والجهد الخارق الذي بذلته لتوفير احتياجات القتال اللازم لها.
وسنرى دور العسكرية المصرية الحقيقي حين أصبح الهدف واضحاً. فبعد قتال شرس وعنيف مع العدو الإسرائيلي لأكثر من عام براً وبحراً وجواً، تم إجبار إسرائيل على أن تطلب من أمريكا الحليف التاريخي لها أن تقوم بمبادرة لوقف إطلاق النار والتي عرفت باسم مبادرة روجرز في أغسطس 1970.
ثم نتعرض لفترة التحضير لحرب أكتوبر 1973 وسنعرف أن وصف "أحد أهم المعارك في التاريخ" لم يطلق عليها من فراغ .. وأن مصر طوال ست سنوات كانت تدافع وتبنى قواتها المسلحة، وتخطط لاسترداد سيناء في وقت واحد .. وكانت إسرائيل تزيد الأمر صعوبة كل يوم حتى يدب اليأس في قلب مصر. فقناة السويس عسكرياً من أصعب الموانع المائية في العالم، فأنشأت الساتر الترابي على شرق القناة لتزيد صعوبة العبور ثم أنشأت النقاط الحصينة التي عرفت باسم خط بارليف الشهير. والتي كانت تدعى أنه غير قابل للاختراق. ثم أضافت مواسير نابالم لتحول سطح مياه القناة إلى نيران لا تنطفئ. لكن مصر لم تتردد في التجهيز للحرب، فكانت تنام وتصحو على أن النصر آت ولا ريب. وتحقق هذا فعلاً وسقط الخط الشهير بحصونه وجنوده في أيد جنود مصر الذين كانوا يملكون مع السلاح الإيمان والعزم والإصرار على قهر العدو الإسرائيلي.
ثم نعرض لملحمة التخطيط للعبور وكيف تم تدريب وحدات القوات المسلحة عليها ؟ وكيف تمت دراسة أدق التفاصيل التي تتعلق بعملية العبور؟ وكيف تم التغلب على صعوبات عديدة ؟ وكيف دارت المعارك بين قوات مصر المسلحة والعدو الإسرائيلي ؟ وسيتأكد لنا دور الطائرة والقوات الجوية في حروب مصر وإسرائيل التي بلغت خمس جولات، وأنها السلاح الحاسم الذي يرجح النصر بصورة كبيرة، لمن يستطيع أن يستخدم قواته الجوية بالصورة الصحيحة. سنشهد كيف تم بناء القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي وسط أصعب الظروف، وكيف شارك أبناء مصر جميعاً في بناء هذه القوات، حتى العمال والفلاحين الذين كان دورهم عظيماً ولا يقل عن دور الجنود. شاركوا في مرحلة البناء بالجهد والعرق بل واستشهد منهم الكثير جنباً إلى جنب مع الجنود المقاتلين في مرحلة بناء حائط الصواريخ في منطقة قناة السويس. كما شارك المدنيون في القتال أثناء حرب 1973 حين قاموا بالدفاع عن مدينة السويس وأجبروا العدو على الانسحاب منها واستشهد العديد من أفراد المقاومة المدنيين حتى لا تقع مدينة السويس في أيد العدو.
وسنعرض خلال فترة التحضير للمعركة وفترة القتال دور القيادة السياسية التي تولاها الرئيس أنور السادات بعد رحيل الرئيس عبد الناصر. كيف خطط للمعركة مصريا وعربياً ؟. كيف تعامل مع الاتحاد السوفيتي الحليف الأهم قبل وأثناء المعركة ؟ كيف شارك في خطة الخداع الرائعة التي أذهلت إسرائيل ؟ ثم كيف تدخل في مرحلة القتال؟ وبماذا انعكس دور القيادة السياسية إيجاباً وسلباً على حرب أكتوبر1973 ؟
كانت حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر تختلف تماماً عن الجولات الثلاثة السابقة بين مصر وإسرائيل (1948-1956-1967). حيث كانت القوات المسلحة المصرية تجد نفسها مدفوعة إلى قتال مع العدو الإسرائيلي دون إعداد أو تخطيط، وإنما تنفيذاً لقرار سياسي لا يتوافق مع قدرة وكفاءة القوات المسلحة. فكان الطبيعي أن تنتصر إسرائيل في الجولات الثلاثة. لكن الموقف اختلف تماماً في حربي الاستنزاف وأكتوبر73 بما سمح بظهور قدرة القوات المسلحة. وهذا سيجعلنا نستعرض الصورة بشكل أكبر بما يوضح دور المقاتل المصري في مختلف الأسلحة (مشاة - بحرية - صاعقة - مهندسين ...الخ) في كافة المواقع وعلى مدار سنوات امتدت من يونيو67 وحتى أكتوبر1973.
وإن كنا سنعرض لبعض الأحداث والمواقف في مراحل القتال المختلفة بالتفصيل وبأسماء أصحابها من الشهداء والأبطال، فإننا لا ننسب الفضل لهؤلاء وإنما هم نموذج فقط يعبر عن مئات الآلاف من شعب مصر الذين قاتلوا وحاربوا وهزموا العدو الإسرائيلي بعد ست سنوات فقط وليس 20 عاماً كما كان يقول الجميع.
وسنعرض للمواقف المضيئة خلال حرب أكتوبر 1973 والتي رغم كل ما كتب عنها لم تنـل حقها من الدراسة والتحليل بالصورة الكافية خاصة في مصر. وأرجو أن يكون ما كتبته في هذا الكتاب جزء بسيط يساهم في إظهار الحقيقة التي تستحقها "أحد أهم المعارك في التاريخ" حرب أكتوبر 1973.
الفصـل الأول شمعة أضاءت مصر كلها
دفعت مصر قيادة وشعباً ثمناً غالياً نتيجة لهزيمة 67. لكن ما أن صمتت المدافع وتوقفت النيران حتى فوجئ العالم كله بأغرب موقف في التاريخ.. أعلن الرئيس عبد الناصر تنحيه عن الحكم كرئيس للجمهورية وانسحابه من كافة المواقع التي يشغلها، وهذا أمر طبيعي من أي رئيس أو قائد ُهزم في معركة مع العدو. لكن الشعب المصري كان له رأى وفكر آخر لم يخطر على بال أحد.
ففي مشهد مثير ومذهل اندفعت الجماهير المصرية إلى الشوارع بعد الخطاب مباشرة تطالب الرئيس عبد الناصر بالبقاء كرئيس لمصر.. وشاهد العالم كله أغرب موقف في التاريخ حيث يتمسك شعب ويصر على بقاء قائد مهزوم !!! انتفضت أغلبية شعب مصر شباب ونساء وشيوخ، مؤيدين ورافضين، مساء التاسع وصباح العاشر من يونيو يعلنون رفضهم للهزيمة. كان الكل يشعر في قرارة نفسه أن تنحى عبد الناصر هو إثبات لهزيمة مصر، وهم جميعاً غير مصدقين أو مقتنعين أن مصر قد ُهزمت.. اندفعت الأسئلة، الكل يريد أن يعرف كيف ولماذا ُهزمنا ؟؟ كانت الصدمة كبيرة وقاسية، والانكسار هائلاً. لكن ظهر شيء عجيب ومحيّر في هذا الشعب. فمن جراحه التي مازالت تنزف انفجرت إرادة غير متوقعة ترفض الهزيمة أو تقبل الاستسلام. لم يسأل أحد عن مصير الأخ أو الزوج أو الأب الذي مازال في سيناء تحت رحمة النيران الإسرائيلية.
كان الموقف مذهل للجميع، وكان أول وأكثر من ُذهل هو الرئيس عبد الناصر الذي توقع أن يفعل به الشعب أي شيء.. إلا أن يتمسك به قائدا.. وبعيداً عن الذهول والعجب كان موقف الشعب المصري عبقرياً وبسيطاً في نفس الوقت. فالهزيمة الحقيقية أن نستسلم للعدو الإسرائيلي، والكارثة أن تسقط مصر الوطن. ولأن الشعب كله يرفض هذا فلم يجد في هذه اللحظة تعبيراً أوضح من تمسكه بقائده حتى ولو كان مهزوماً في تلك المعركة.
خرجت مصر بعد هزيمة 1967 تلملم أشلاءها وتمسح أحزانها، أصابع الاتهام عالمياً وعربياً تشير إليها بأنها أشعلت الحرب ونالت من إسرائيل ما تستحقه من هزيمة.. وانفجر شلال هادر من الحرب النفسية في الإعلام الغربي والإسرائيلي. حملة مكثفة مليئة بالسخرية والمهانة لمصر وجيش مصر.. أصبحت أحاديث وصور قادة إسرائيل تتصدر كل وسائل الإعلام في العالم. شرح مستفيض عن كيف كان إعداد الجيش الإسرائيلي ؟ وكيف كان التخطيط العبقري للحرب ؟ وكيف أنهم كانوا واثقين من النصر ؟ وكيف قاتلوا بشراسة ؟ - وهذا لم يحدث فلم يكن هناك معارك حقيقية - إضافة إلى صور وأحاديث للأسرى المصريين. كانت تلك الحملة المليئة بالإذلال تهدف إلى سحق الإرادة المصرية والخضوع أمام قوة العدو الإسرائيلي الذي ظهر أمام العالم أنه قوة لا تقهر.
وتحمل الرئيس جمال عبد الناصر عبء كبير من هذه الحملة، فقد تناسى الجميع أن الأزمة بدأت من سوريا بتلك المعلومات الكاذبة عن الحشود الإسرائيلية، وأن سوريا والأردن تخليا عن مصر أثناء القتال ولم يقدما إلا أقل القليل مما كان يجب أن يقدم.. كانت الشعوب العربية كلها تقريباً تقول إن الرئيس عبد الناصر أضاع الأمة العربية كلها. كان هذا الاتهام الظالم هو قدر مصر الذي لا مفر منه ، وأسقط العرب عجزهم وتقصيرهم على مصر . فالمغرب والكويت واليمن على بعد آلاف الأميال من أرض المعركة لكنهم جميعاً ُهزموا حين ُهزمت مصر رغم أنهم لم يشاركوا في قتال أو معركة مع العدو الإسرائيلي.
وبنظرة غير منحازة نجد أن الصراع العربي- الإسرائيلي كان محكوماً لصالح إسرائيل دون منازع حتى قبل أن تقوم الحرب في يونيو1967. فمنذ الجولة الأولى في الصراع عام 1948 قبل عشرين عاماً والفكر العربي لم يتغير ولو أقل القليل. فكر سياسي محدود، تغلب عليه المصالح الذاتية والنجاحات الشخصية، دون اعتبار للمصالح القومية أو للخطر الإسرائيلي الذي يهدد الجميع. فالاجتماعات التي تمت في مؤتمرات القمة بين القادة والرؤساء العرب لم تسفر عن أي تعاون حقيقي، والقيادة العسكرية العربية الموحدة التي أنشئت بقرار من الملوك والرؤساء العرب ولدت ميتة. فلم تفعل أي شيء يذكر لها خلال ثلاث سنوات قبل حرب 1967.
بل إن التقسيم الذي طغى على الدول العربية وجعل مجموعة منها تسمى بالدول الرجعية وأخرى تسمى بالدول التقدمية، جعل الاتهامات بخيانة قضية فلسطين هو الشغل الشاغل بينهم. وامتد الأمر إلى تدبير المؤامرات ضد بعضهم البعض وكانت أوضح صورها مؤامرة انفصال الوحدة المصرية السورية عام 1961. وإذا ما عدنا إلى كتاب المؤلف(صراع في السماء) عن تحليل حرب 1948 والموقف العربي فيها نجد أنه ينطبق تماماً على ما حدث في حرب1967. مع اختلاف الملوك والرؤساء في الحربين.
في المقابل كانت إسرائيل تعرف طريقها تماماً. الأهداف الصهيونية واضحة، تنفيذها يتوالى بصبر، جيل يسلم جيل، ويبنى فوق بناء السابقين. قيادات واعية بالعمل الجماعي الفرد يكمل بعمله الآخر. بعيداً عن التناحر والسقوط في شرك المصالح الشخصية الضيقة.
وإن كانت الحرب حدثاً مكروهاً ملئً بالأحزان والخسائر، تضيع فيه أرواح، وتهدر أموال. لكن "فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً" النساء- 19 أشرقت شمس 11 /6 /1967 على مصر بحال غير الحال. فالإرادة التي غابت طويلاً وتوارت ظهرت. والنظرة للأحداث والأمور اختلفت. وصوت الأفعال أصبح أعلى من صوت الكلمات والشعارات. أصبح الجميع على قلب رجل واحد. الهدف ساطع وهو استرداد سيناء وهزيمة الجيش الإسرائيلي. والوسيلة لتحقيق الهدف واضحة هي القتال، والقتال ، ثم القتال. الكل يفنى في العمل من أجل الوصول إلى الهدف. تقهقر أهل الثقة بل نقول فروا مذعورين، وتقدم أهل الكفاءة من رجال مصر، معاهدين أنفسهم على تحقيق النصر ومحو تلك الهزيمة أياً كانت تكاليف هذا النصر.
وكما قلنا أن الهزيمة كان لها فوائد، فقد تحولت نظرة معظم الملوك والرؤساء العرب للعدو الإسرائيلي. وتأكد لهم أن الشعارات والكلمات الرنانة عن عدم اعترافهم بإسرائيل، وأنها عصابات صهيونية لم يمنع إسرائيل أو يعطلها عن تحقيق أهدافها خططها. وحدث تحول في مواقف الدول العربية نحو الحرب التي لابد ستقع مع إسرائيل. وهو وإن كان تحول بقدر غير كافي، فالمعركة تحتاج الكثير، لكنه كان خطوة إلى الأمام بدلاً من الوقوف في نفس المكان.
كانت الفترة من1967 وحتى أكتوبر 1973 مليئة ومشحونة بأحداث جسام وجهود عظيمة. فلا نستطيع أن نتحدث عن حرب أكتوبر 73 مباشرة لأن حرب الاستنزاف 1969 كان لها فضل كبير وأثر بالغ في انتصار أكتوبر.. كما وأننا لو قفزنا إلى حرب الاستنزاف مباشرة سنخفى ونهمل أدواراً بطولية قام بها أبناء مصر جميعاً. لذا سنعرض للأحداث بداية من اليوم التالي لتنحي الرئيس عبد الناصر وتمسك الشعب به قائداً.
نوبـة صحيـان
بدأ الرئيس جمال عبد الناصر يوم 11 يونيو بإعادة تنظيم وبناء القوات المسلحة، واتخذ في سبيل تحقيق ذلك عدة قرارات، فقام بإعفاء المشير عبد الحكيم عامر من منصبه وتعيين الفريق أول/ محمد فوزي قائداً عاماً للقوات المسلحة والفريق/ عبد المنعم رياض رئيساً للأركان، وقام بإعفاء قادة القوات الجوية والبحرية والبرية وبعض قادة آخرين. وكان هذا الاختيار موفقاً تماماً في ذلك التوقيت وتلك الظروف.
فالفريق أول/ محمد فوزي كان شخصية جادة لا يتهاون في العمل ومعروف بين الضباط بالشدة والانضباط العسكري وقد يصل إلى حد القسوة، وكان هذا مطلوباً بشدة بعد سريان الاستهتار وعدم الالتزام في القوات المسلحة التي قاربت علي الانهيار نتيجة لحرب اليمن، ولتوزيع بعض الضباط في أعمال مدنية وفى جهات خارج القوات المسلحة، ونتيجة لسياسة المشير/ عامر ورجال مكتبه المقربين.. كما أن الفريق/ عبد المنعم رياض كان من الضباط ذوى الثقافة والاطلاع، واسع الأفق وله نظرة علمية في تحليل المواقف، وهو ما كان يكمل به الفريق أول/ فوزي في أعمال التخطيط والتدريب والعمليات.
وتم تعيين الفريق طيار/ مدكور أبو العز قائداً للقوات الجوية بعد أن أودعت القيادة السابقة في السجن تمهيداً للمحاكمة العسكرية. وكان الفريق/ مدكور هو الرجل الثاني في القوات الجوية حتى عام 1963 ثم أصبح محافظاً لأسوان حتى عاد إلى القوات الجوية مرة أخرى قائداً لها في 11 يونيو 1967.
وجاءت القيادة الجديدة وأمام عينيها هدفان رئيسيان :- الأول : لم شمل القوات المبعثرة ومحاولة تجميعها في وحدات منتظمة وتمركزها في أماكن محددة، حتى يمكنها الدفاع كحد أدنى عن الضفة الغربية لقناة السويس على أن يتم هذا بأسرع ما يمكن. ويذكر للقيادة الجديدة أنها نجحت في هذا أيما نجاح. فمن قوات مبعثرة إلى فرق وألوية كاملة التنظيم والإعداد ولم يستغرق هذا إلا شهور.
الثاني : بث وإعادة الثقة للجندي والضابط والطيار المصري، بعد أن تحمل وحده عبء الهزيمة المعنوي، رغم أنه كان ضحية قرارات سياسية وعسكرية عشوائية مرتبكة وغير مدروسة. ولما وقعت الهزيمة نالت القوات المسلحة خاصة القوات الجوية القدر الأكبر من السخرية والانتقاد رغم بطولات الطيارين التي ذكرناها في (صراع في السماء) لكن الهزيمة وحجمها كانت لا تسمح بظهور تلك البطولات.
وقد نجح الفريق/ مدكور أبو العز في إعادة الثقة إلى الطيارين حيث كان شخصية محبوبة للطيارين رغم جديته الشديدة في العمل وعدم تهاونه مع المخطئ. والأهم أنه كان يتمتع بمصداقية عالية بين الطيارين، وقدرة فائقة على بذل الجهد في العمل. فكان خير نموذجا للطيارين على اختلاف مستوياتهم.
كانت حرب67 مرآة واضحة لعدم تقدير المسئولية واللامبالاة في إعداد القوات المسلحة للحرب. فقد تراجعت أجهزة في الدولة عن أداء دورها مثل مجلس الدفاع الوطني، وانحرفت أخرى مثل المخابرات الحربية عن مهامها، كما أن سلطة المشير/عامر وقراراته كانت أعلى من أي أجهزة في الدولة حتى لو لم تكن تحت قيادته. فكان لزام إصدار قوانين جديدة وإلغاء قوانين قديمة وهذا ما تم فوراً.
وضحت وتحددت المسئوليات والصلاحيات لإعداد الدولة للحرب فمارس مجلس الوزراء مهامه، وظهر دور واختصاصات مجلس الدفاع الوطني، وتحددت قيادة القوات المسلحة ومنصب وزير الحربية والقائد العام.. كما تم إلغاء قيادة القوات البرية، وتم فصل القوات الجوية عن قوات الدفاع الجوي التي أصبح لها قيادة مستقلة، على أن تساهم وتشارك مع القوات الجوية في التصدي للعدو الإسرائيلي المتفوق جوياً بصورة كبيرة. وقد أعطى هذا القرار الفرصة للقوات الجوية كي تسرع في إعادة البناء ورفع الكفاءة القتالية لها.
كما عادت المخابرات الحربية إلى ممارسة مهمتها الطبيعية وأصبح واجبها الأول هو جمع وتحليل المعلومات عن العدو، وتأمين القوات المسلحة ضد أعمال التجسس التي يمارسها العدو على قواتنا حتى أدق وأصغر التفاصيل كما وضح أثناء حرب67. كما تراجعت موضوعات الأمن إلى حجمها الطبيعي بعد أن كان هدفها الأول هو الإيقاع بأكبر عدد من الضباط تحت ستار أنهم من أعداء الثورة ونظام الحكم.
وكان طبيعياً أن يعود الضباط والجنود المنتشرين في أجهزة الدولة المدنية إلى القوات المسلحة لأداء دورهم الطبيعي. وعادت أجهزة وهيئات إلى أماكنها بعد أن كانت تتبع للقوات المسلحة مثل الجمارك التي عادت إلى وزارة المالية ووحدات الزراعة في مديرية التحرير والتي عادت إلى وزارة الزراعة.
أصبحت القوات المسلحة على بداية الطريق الصحيح الذي لابد وأن يُمهد بجهد وعرق الرجال، وكان رجال القوات المسلحة على قدر المسئولية تماماً فلم يكتفوا بتقديم العرق والجهد، وإنما بذلوا الأرواح والدماء طوال ست سنوات، فكان لابد وأن يدين النصر لهم.
في أول اجتماع بين الرئيس عبد الناصر والفريق أول/ فوزي بعد أن أصبح قائداً عاماً للقوات المسلحة وكان موعد هذا الاجتماع مساء 11 يونيو، طرح الرئيس فكره السياسي ونظرته للأمور المستقبلية بصورة شديدة العمق والوضوح. وكانت في شكل توجيهات سياسية وعسكرية لقائد القوات المسلحة المصرية وهي
1- "ضرورة الصمود العسكري بسرعة أمام العدو.
2- السرعة في تماسك الشعب والحكومة مع القوات المسلحة وهنا بين الرئيس نيته في تولى رئاسة مجلس الوزراء، واللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي حتى يباشر أمور الدولة والشعب معا. وأنه سوف يركز مجهوده على إعادة بناء القوات المسلحة على أسس جديدة.
3- قال أنه سوف يسير مع الاقتراحات الدبلوماسية طالما أنها تسعى إلى انسحاب إسرائيل عن الأراضي العربية، كأسلوب زمني يتفق مع أمور تكتيكية. منها أننا لا نستطيع مواجهة العدو عسكرياً الآن. وأظهر الرئيس قناعته بأن استرداد الأرض لا يتم إلا بالقوة. والقوة تحتاج إلى سلاح حديث، وإلى تنظيم وتدريب متواصل عنيف. ومن هنا جاءت الحاجة إلى الدعم الروسي.
4- بالنسبة للوطن العربي أبدى الرئيس ضرورة التعاون والارتباط الوثيق بالدول العربية جميعاً، وقال أن الصراع العربي الإسرائيلي لا يصح أن تكون مصر هي الطرف الوحيد فيه.
5- أما من ناحية الاتحاد السوفيتي فيجب توطيد الصداقة والتعاون معه، كما يجب إشعاره بأنه شريك في الهزيمة حتى يتحمل عبء دعمنا بالأسلحة والمعدات والخبراء والمدربين. ثم استطرد الرئيس قائلاً : ليس أمامي باب مفتوح في هذا الشأن سوى باب الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية معه، ويجب علينا أن نفتح هذا الباب على مصراعيه كي يفتح لنا هو ترسانة أسلحته الحديثة إذ يجب أن تكون نوعية وحجم الدعم مختلفاً عما كان عليه الحال قبل 1967.
6- وعن الواجب العسكري للقوات المسلحة قال الرئيس عبد الناصر طالما أن الشعب رفض الهزيمة، فقد أصبح لزاماً أن نسترد الأرض والسيادة بالقوة وتحرير الأرض، ثم أضاف : من الضروري الدخول مع إسرائيل في صراع سياسي وعسكري عربي حسب قدرتنا، صحيح أنها سوف تستغل تفوقها بأن تقوم هي بالفعل بينما نكتفي نحن برد الفعل، لكن هذا لن يستمر إلا لحين. نبدأ بإعادة مقدرتنا الدفاعية وبالتدريج نقوم نحن بالعمل ضدها أولاً وننتظر ردا للفعل".
كانت توجيهات الرئيس عبد الناصر إلى الفريق أول/ فوزي بمثابة استراتيجية محددة للعمل في الأيام القادمة. موضحاً دور القوات المسلحة بمهمة تحرير الأرض، ثم الدور الدبلوماسي المصري، والتعاون المصري- السوفيتي ثم المصري- العربي. وكان على مصر أن تخطط وتعمل في ظل أوضاع جديدة أصبحت أمراً واقعاً وحقائق قائمة.
أولها : كان احتلال إسرائيل لسيناء والجولان والضفة الغربية، يجعلها تتحدث من مركز القوة ولابد وأن تجني ثمار النصر العسكري. ورسخ في فكر إسرائيل أنه طالما هي الطرف الأقوى فهي التي تملي الشروط على العرب، وليس أمامهم إلا قبول هذه الشروط أو العودة للحرب. وهم غير قادرين عليها الآن أو في المستقبل القريب.
ثانيهما : أن الدعم الأمريكي سياسياً وعسكرياً لإسرائيل قد أصبح سافراً وبحدود عالية لضمان تفوق إسرائيل في مواجهة كل العرب، وأنه لا يبدو في الأفق أي مؤشر على تقليل أو تحجيم هذا الدعم لإسرائيل.
وعلى الفور نزل هذا الفكر السياسي والتوجيهات الاستراتيجية والعسكرية إلى أرض الواقع لكي يتحول إلى دراسة للعدو، وتقدير موقف، وخطط عمل من مستوى قيادة القوات المسلحة حتى مستوى الجندي المقاتل.
كان أول خطوة يجب أن تقوم بها مصر في أسرع وقت، هو كيف سيتم إعادة تسليح القوات المسلحة المصرية ؟ ولم يكن هناك خيار سوى الاتجاه إلى روسيا، وإن كان هذا سيجعل مصر أكثر خضوعاً لها. لكن لم يكن هناك مخرج آخر في هذا الموقف.
ودون تردد تحركت القيادة السياسية المصرية فوصل إلى مصر وفد سوفيتي برئاسة الرئيس بودجورنى ومعه خبراء عسكريون سوفيت على رأسهم المارشال زخاروف رئيس أركان حرب القوات المسلحة السوفيتية في 21/6/1967، وبدأت المباحثات في اليوم التالي مباشرة وضمت القيادة السياسية والعسكرية المصرية مع الوفد السوفيتي.
كانت هذه المباحثات هي الركيزة الأولى التي قام عليها التعاون المصري - السوفيتي لإعادة بناء وتسليح القوات المسلحة المصرية. "وأهمية تلك الجلسة الأولى من المباحثات الرسمية ترجع إلى أنها كانت بداية مرحلة جديدة في العلاقات المصرية السوفيتية، أدت بالتالي إلى تغير تدريجي في سياسة مصر بالنسبة لعدم الانحياز وكان التواجد السوفيتي يزداد كلما ازداد الدعم الأمريكي للاحتلال العسكري الإسرائيلي.
وخلال مباحثات عبد الناصر - بودجورنى يومي 22 ، 23 يونية طلب الرئيس عبد الناصر تحقيق التوازن العسكري بين مصر وإسرائيل، مما يستلزم دعم قواتنا بالأسلحة والخبراء السوفيت وخاصة في مجال الدفاع الجوي. وأوضح للجانب السوفيتي أن ضربة العدو في حرب يونيو قد أثرت على معنويات قواتنا المسلحة بدرجة كبيرة. لذلك فإن الإسراع في تعويض الأسلحة التي فقدناها أمر حيوي تماما.ً سيؤثر كثيراً وبشكل إيجابي على معنويات ضباط وجنود الجيش - عند هذه النقطة علق زخاروف بكلمات موجعة ومهينة لكن الرئيس عبد الناصر لم يعلق -.
وبالنسبة للقوات الجوية أبرز عبد الناصر للجانب السوفيتي، أنه وصل إلى مصر بعد المعركة مباشرة 25 طائرة ميج21 ، 93 طائرة ميج17، وتم الاتفاق على إرسال 40 طائرة ميج21. ومن الناحية الفنية فإن طائرات الميج مداها قصير إذا ما قورنت بطائرات الميراج والمستير التي تملكها إسرائيل والتي يمكن أن تصل إلى العمق المصري، بينما طائراتنا لا تستطيع الوصول إلى عمق إسرائيل. لذلك طلب عبد الناصر نوعاً جديداً من الطائرات المقاتلة القاذفة بعيدة المدى حتى لا تبقى إسرائيل متفوقة وقادرة على ضربنا بينما نحن لا نستطيع الرد عليها - لم يتحقق هذا الطلب حتى انتهاء حرب 1973 رغم تكرار طلبه في كل اجتماع مع السوفيت - وطلب عبد الناصر أيضاً تزويد مصر بصفة عاجلة وبطريق الجو وليس البحر بعدد من طائرات الميج21 لكي تشترك فوراً في الدفاع الجوي عن الجمهورية حيث يوجد لدينا طيارون بدون طائرات.
الطائرة المصرية حلوان-300 (الأسرع من الصوت)
ولابد في هذه اللحظة أن نتحدث عن مشروع إنتاج طائرة مقاتلة مصرية بالاشتراك مع الهند. فمنذ عام 1964 شرعت مصر والهند في إنتاج الطائرة (حلوان- 300) كمقاتلة أسرع من الصوت, وبدأ العمل في مصانع الطائرات المصرية بحلوان. وظل المشروع يتقدم بنجاح مطرد في الدراسات والتصميم، حتى تم إنتاج النموذج الكامل في عام 1966.
وبدأ تجربة الطائرة في الجو بسرعات متوسطة، ثم تطورت حتى وصلت الطائرة إلى سرعة الصوت. وكان هذا نجاحا مذهلا، كان يمكن أن يكون بداية لتحقيق سياسة مختلفة في التسليح المصري. لكن بعد يونيو67 وبضغط من روسيا، تم تصفية المشروع وتحولت مصانع الطائرات المصرية إلى الإنتاج المدني ( غسالات ملابس وثلاجات).
وعن الدفاع الجوي في مرحلة إعادة البناء، كان الرئيس عبد الناصر يفضل أن يكون ذلك في إطار دفاع مشترك أي مصري/سوفيتي، وبذلك يشترك ضباطنا وجنودنا في الدفاع الجوي مما يكسبهم الخبرة من الكوادر السوفيتية، وكان رأى بودجورنى أنه من الأنسب أن يكون الدفاع الجوي مصرياً على أن تقدم له مساعدات سوفيتية.
واستمر عبد الناصر في حديثه قائلاً : "إننا إذا كنا نطلب منكم أن تكونوا معنا في وقت الحرب. فيجب أن نكون نحن معكم في وقت الحرب ووقت السلم. وأمامنا الآن أيام صعبة يتعذر أن نتغلب عليها وحدنا.. ولأن النضال يستهدف هذه المرة تحرير أراضينا بقوة السلاح، فإنه يتحتم علينا أن نتفق مع الاتحاد السوفيتي. ونحن على استعداد لتقديم تسهيلات لسفن أسطولكم من بورسعيد إلى السلوم. وبالطبع فإننا سوف نستمع إلى أشخاص هنا في مصر يقولوا لنا: أنتم أخرجتم الإنجليز من الباب وأدخلتم السوفيت من النافذة. ولكن كل هذا يهون ويمكن تحمله في سبيل تحرير أرضنا".
أقف عند كلمات الماريشال/ زخاروف والتي لم يرد عليها الرئيس عبد الناصر والذي كان أهم سمة في شخصيته هي الاعتزاز بالنفس أمام الأجانب. كان يمكنه الرد بأن القوات الألمانية وصلت حتى موسكو في الحرب العالمية الثانية وُهزم الجيش السوفيتي، لكن نهاية الحرب كانت النصر السوفيتي على ألمانيا. لكن الرئيس عبد الناصر ابتلع كلمات زخاروف وآثر عدم الرد عليها. فمصر وجيش مصر أكبر بكثير من كلمات زخاروف. ويوضح هذا الموقف التحول الكبير في فكر الرئيس عبد الناصر ونظرته الشاملة للأمور.
الرئيس عبد الناصر يعلن رفض مصر شعباً وجيشاً للهزيمة
كانت روسيا تجنى ثمار ما قامت به بدفع مصر إلى الحرب، فالمطالب السوفيتية تم الاستجابة لها، وأهم هذه المطالب كان تواجد الخبراء السوفيت في الوحدات المصرية واستخدام السفن السوفيتية للموانئ المصرية. كان الرئيس عبد الناصر واضحاً ومحدداً في حواره مع السوفيت وبنظرة محايدة في كلمات عبد الناصر نرى أنه لم يكن أمام عينيه سوى شيء واحد.. استرداد الأرض وهزيمة العدو الإسرائيلي، مستعداً في سبيل تحقيق هذا إلى التحالف مع الشيطان كما قالها تشرشل في الحرب العالمية الثانية. كان يوظف السياسة لصالح الجانب العسكري حتى لو أدى ذلك إلى تحول عن مبدأ عدم الانحياز الذي ناضل عبد الناصر من أجله كثيراً. لم يكن أمام عبد الناصر أي منفذ أو مصدر يحصل منه على السلاح سوى روسيا.
كان الرئيس عبد الناصر مقتنعاً تماماً أن إسرائيل لن تتنازل عن شبر واحد من الأراضي التي احتلتها في 67 إلا بالقوة المسلحة، أو يستسلم العرب لشروط إسرائيل المستحيلة.وفى حوار دار بين الرئيس عبد الناصر مع الفريق/ رياض بعد أيام من انتهاء الحرب طلب فيه الأخير أن لا يقبل حتى عودة الأراضي كلها بالجهود الدبلوماسية دون معركة مثل ما حدث في عام 1956. حتى لا تحرم القوات المسلحة المصرية من رد اعتبارها.
فرد عليه الرئيس: "لو عرضوا على كل الأراضي حا أوافق يا عبد المنعم. لكن ما تخافش ما حدش حيعرض علينا أي أرض. وأنا متأكد إن مفيش عمل سياسي حايحقق نتيجة بدون عمل عسكري".. عاد الرئيس عبد الناصر وأكد هذا في اجتماع مع قادة القوات المسلحة يوم 25/11 / 1967 "دعوني أقول لكم بعض الحقائق. فإذا نظرتم إلى ما يفعله الإسرائيليون في المناطق المحتلة سيتضح لكم أنهم لا يعتزمون الجلاء عن هذه المناطق إلا إذا أرغموا على ذلك، وأرجوكم أن تتذكروا ما سبق أن قلته : إن ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وليس هذا بلاغة قول لكني أعنيه تماماً ثم اسمعوا هذا : لقد طلبت من روسيا أن تزودنا بمعدات العبور، وقلت إني أريدها كقرض أو صفقة، والواقع أنني لو كنت مكان أشكول أو دايان لفعلت مثل ما يفعلان، أنهما يريدان التوسع، ويظنان أن الفرصة مواتية للتوسع، بل أرى أنهما لا يستطيعان الانسحاب حتى لو أرادا ذلك لأنهما غذيا شعبهما بآمال ووعود كثيرة. وما يقولانه الآن سيتحول لا محالة إلى سياسة رسمية وسيجدان نفسيهما ملتزمين بها، فلستم بحاجة إلى توجيه أي اهتمام لأي شيء يمكن أن أقوله في البحث عن الحل السلمي".
إسرائيل ونشوة الانتصار
بذلت إسرائيل الكثير ولسنوات عديدة في التخطيط والإعداد لحرب 67 حتى حققت انتصارها المدوي على ثلاث دول عربية محيطة بها. لكن الجهد والإعداد من جانب إسرائيل لم يكن يعطيها النصر بهذا الحجم إلا بالتقصير والإهمال والتفكك العربي سياسياً وعسكرياً. وقد حجب دوى هذا النصر الكثير عن فكر وأعين قادة إسرائيل خاصة العسكريين، الذين أصبحوا نجوم في كافة وسائل إعلام إسرائيل وأمريكيا وأوروبا.
اقتنعت إسرائيل شعباً وجيشاً وصدقت أنها خاضت معارك رهيبة وشرسة حتى استطاعت أن تقضى على جيوش ثلاث دول عربية وتحتل أراضي تبلغ مساحتها ثلاث أضعاف مساحة إسرائيل. وأغفلوا تماماً أن هذه الجيوش كانت شديدة التواضع من ناحية القدرة القتالية. كما أغفلوا أن الفرقة والتشتت كانت هي الغالبة بين الجيوش الثلاثة فلم يدعم أو يساعد أحدها الآخر طوال القتال، فانهزموا بسهولة واضحة للجميع.
كما أغفلوا دور تدمير الطائرات المصرية من اللحظات الأولى للمعركة، وأثر هذا على المعارك التي دارت بين القوات البرية المصرية والإسرائيلية.. لقد قاتلت بعض الوحدات المصرية قتال تعطيلي للعدو، وفور حدوث خسائر في القوات الإسرائيلية يتم دفع الطيران الإسرائيلي لمهاجمة تلك الوحدات المصرية، حتى يسهل تقدم القوات الإسرائيلية.. ثم اشتطت في مبالغتها فادعت بأن مدرعاتها الرهيبة قد أرست قواعد وتكتيكات جديدة ستغير في العلم العسكري وفى التكتيكات الكبرى لاستخدام المدرعات التي كانت سائدة منذ الحرب العالمية الثانية.
وكانت إسرائيل من فرط نشوة الانتصار غير الطبيعي الذي تحقق على مصر بصفة خاصة متأكدة بأن نظام الرئيس عبد الناصر سوف يسقط، وإذا لم يسقط فهو لا يستطيع الدخول في مواجهة عسكرية معها إلا بعد 20 عاماً. ونتيجة للإلحاح الإعلامي المستمر عن قدرة جيش إسرائيل، فقد صدق كثير من المحللين العسكريين مقولات القادة الإسرائيليين، حتى أن الجنرال الفرنسي اندريه بوفر صرح وتنبأ بأن أمام العرب جيل كامل حتى يفيقوا من الهزيمة.
كان الخطأ الأكبر الذي وقعت فيه إسرائيل حكومة وشعباً، جيشاً وقادة، هو أنها صدقت بأن النصر الذي أحرزته في يونيو67 يعود إلى تفوق الجندي والضابط الإسرائيلي كنوعية بشرية على الجندي والضابط المصري.. وهذا ما ركز عليه الإعلام الإسرائيلي محاولاً ترسيخه لدى مصر شعباً وجيشاً كي نقتنع بأننا لا نقدر على التصدي لجيش إسرائيل، مهما كان لدينا من سلاح. لهذا كان الحوار مع الأسرى المصريين يتم صنعه إعلامياً بمهارة وحرفية حتى يتأكد لمـن يشاهده أن جندي إسرائيل (سوبرمان ) لا يستطيع أحد التصدي ل