عندما يتم اغتيال الادب
بتفجير سيارة
وقاحه
عرفته جماهيرنا صحفياً تقدمياً جريئاً، دخل السجن نتيجة جرأته في الدفاع عن القضايا الوطنية أكثر من مرة.
لا تخلو سيرته الذاتية من أحدات و مواقف عظيمة تشهد على حب نَسَجَتْهُ قساوة الحياة و حرقة الفراق لدولة هي رمز للكفاح و النضال"فلسطين" إنه الشهيد الأديب غسان كنفاني.
النشأة و الولادة:
هو غسان كنفاني ولد في مدينة عكا بفلسطين عام 1936، وهو عضو المكتب السياسيللجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، كان لوالده ذلك الرجلالعصامي ذو الآراء المتميزة أثر كبير في حياته، حيث كافح و اجتهد حتى تخرج محاميا يترافع في قضايا معظمها وطني خاصة أثناء ثوراتفلسطين واعتقل مرارا كانت إحداها بإيعاز من الوكالة اليهودية.
فما كان لغسان إلا أن يسير على درب أبيه و يدافع عن أرضه بقلمه و روحه.
و غسان في طفولته كان يلفت النظر بهدوئه بين جميع إخوته وأقرانه ولكن كنا نكتشف دائماً أنه مشترك في مشاكلهم ومهيأ لها دون أن يبدو عليه ذلك.
وفاته:
تم اغتيال غسان الكنفاني صباح يوم السبت8/7/1972 على يد المخابرات الإسرائلية(الموساد)بعد أن انفجرت عبوات ناسفة كانت قد وضعت في سيارته تحت منزله في منطقة الحازمية قرب بيروت مما أدي إليموته مع إبنة شقيقته لميس حسين نجم (17سنة) و كان عمره آنذاك 36 عاما.
كان غسان شعباً في رجل ، كان قضية ، كان وطناً ، ولا يمكن أن نستعيده الا إذا استعدنا الوطن.
مسيرته الدراسية و العلمية :
قضى غسان طفولة مليئة بالصعاب حيث اضطر للانتقال من مدرسة إلى أخرى في مرحلة الابتدائية من مدرسة الفرير بيافا فلسطين، إلى لبنان ثم إلى سوريا حيث استقر لكن ظروفهم العائلية كانت صعبة مما اضطره للعمل هو و أخوه رغم صغر سنهما. و بعدما تحسنت أحوال الأسرة أخذ هو إلى جانب دراسته يعمل في تصحيح البروفات في بعض الصحف وأحياناً التحريرواشترك في برنامج فلسطين في الإذاعة السورية وبرنامج الطلبة وكان يكتب بعض الشعروالمسرحيات والمقطوعات الوجدانية.
أثناء دراسته الثانوية برز تفوقه فيالأدب العربي والرسم وعندما أنهى الثانوية عمل في التدريس في مدارس اللاجئينوبالذات في مدرسة الاليانس بدمشق والتحق بجامعة دمشق لدراسة الأدب العربي وأسندإليه آنذاك تنظيم جناح فلسطين في معرض دمشق الدولي وكان معظم ما عرض فيه من جهدغسان الشخصي.ذلك بالإضافة إلى معارض الرسم الاخري التي أشرف عليها، وفي هذاالوقت كان قد انخرط في حركة القوميين العرب.
مرحلة ما بعد الدراسة:
في أواخرعام 1955 التحق للتدريس في المعارف الكويتية وكانت شقيقته قد سبقته في ذلك بسنواتوكذلك شقيقه.وفترة إقامته في الكويت كانت المرحلة التي رافقت إقباله الشديد والذييبدو غير معقول على القراءة وهى التي شحنت حياته الفكرية بدفق كبير فكان يقرأبنهم لا يصدق.كان يقول انه لا يذكر يوماً نام فيه دون أن ينهي قراءة كتاب كامل أوما لا يقل عن ستمائة صفحة وكان يقرأ ويستوعب بطريقة مدهشة.
وهناك بدأ يحرر فيإحدى صحف الكويت ويكتب تعليقا سياسياً بتوقيع "أبو العز" لفت إليه الأنظار بشكلكبير خاصة بعد أن كان زار العراق بعد الثورة العراقية عام 5819.
في الكويت كتب أيضاً أولى قصصه القصيرة "القميص المسروق" التي نالعليها الجائزة الأولي في مسابقة أدبية.في هذه الفترة بدأت تظهر عليه بوادر مرض السكري.
عام 1960 حضر غسان إلى بيروت للعمل فيمجلة الحرية. تزوج بعدها بفتاة دانمركية و رزق منها بفايز و ليلى.
أصيب بعدها بالنقرس و هو مرض يسبب آلاما مبرحة تقعد المريض أياما و لكن كل ذلك لم يستطع يوما أن يتحكم في نشاطه أو قدرته على العمل.
غسان الأديب و فلسطين:
أدب غسان وإنتاجه الأدبي كان متفاعلا دائما معحياته وحياة الناس وفي كل ما كتب كان يصور واقعا عاشه أو تأثر به.
"عائد إلىحيفا"، عمل وصف فيه رحلة مواطني حيفا في انتقالهم إلى عكا؛ وقد وعي ذلك، وهو مايزال طفلاً يجلس ويراقب ويستمع. ثم تركزت هذه الأحداث في مخيلته فيما بعد من تواترالرواية.
"أرض البرتقال الحزين"، تحكى قصة رحلة عائلته من عكا وسكناهم فيالغازية. "موت سرير رقم 12"، استوحاها من مكوثه بالمستشفي بسبب المرض. "رجال فيالشمس" من حياته وحياة الفلسطينيين بالكويت وإثر عودته إلى دمشق في سيارة قديمة عبرالصحراء، كانت المعاناة ووصفها هى تلك الصورة الظاهرية للأحداث أما في هدفها فقدكانت ترمز وتصور ضياع الفلسطينيين فى تلك الحقبة وتحول قضيتهم إلى قضية لقمة العيشمثبتاً أنهم قد ضلوا الطريق.
فى قصته "ما تبقي لكم"، التي تعتبر مكملة "لرجال فيالشمس"، يكتشف البطل طريق القضية، في أرض فلسطين وكان ذلك تبشيراً بالعملالفدائي.
قصص "أم سعد" وقصصه الاخري كانت كلها مستوحاة من ناس حقيقيين. في فترةمن الفترات كان يعد قصة ودراسة عن ثورة 36 في فلسطين فأخذ يجتمع إلى ناس المخيماتويستمع إلى ذكرياتهم عن تلك الحقبة، والتي سبقتها والتي تلتها، وقد أعد هذه الدراسةلكنها لم تنشر (نشرت في مجلة شؤون فلسطين) أما القصة فلم يكتب لها أن تكتمل بلاكتمل منها فصول نشرت بعض صورها في كتابه "عن الرجال والبنادق".
كانت لغسان عينالفنان النفاذة وحسه الشفاف المرهف فقد كانت في ذهنه في الفترة الأخيرة فكرة مكتملةلقصة رائعة استوحاها من مشاهدته لأحد العمال وهو يكسر الصخر فى كاراج البناية التىيسكنها وكان ينوى تسميتها "الرجل والصخر".
كان غسان أول من كتب عنحياة أبناء الخليج المتخلفة ووصف حياتهم وصفاً دقيقا مذهلا وذلك في قصته "موت سريررقم 12".
فى أوائل ثورةالـ 58 بالعراق أيام حكم عبد الكريم قاسم زار غسان العراق ورأى بحسه الصادق انحرافالنظام فعاد وكتب عن ذلك بتوقيع "أبو العز" مهاجما العراق فقامت قيامة الأنظمةالمتحررة ضده إلى أن ظهر لهم انحراف الحكم فعلا فكانوا أول من هنأوه على ذلك مسجلينسبقه في كتاب خاص بذلك.
بعد أن استلم رئاسة تحرير جريدة "المحرر" اليومية استحدثصفحة للتعليقات السياسية الجادة.
لاأحد يجهل أن غسان كنفاني هو أول من كتب عن شعراء المقاومة ونشر لهم وتحدث عنأشعارهم وعن أزجالهم الشعبية فى الفترات الأولى لتعريف العالم العربي على شعرالمقاومة، لم تخل مقالة كتبت عنهم من معلومات كتبها غسان وأصبحت محاضرته عنهم ومنثم كتابه عن "شعراء الأرض المحتلة" مرجعا مقررا فى عدد من الجامعات وكذلك مرجعاللدارسين.
الدراسة الوحيدة الجادة عن الأدب الصهيونى كانت لغسان ونشرتها مؤسسةالأبحاث بعنوان "في الأدب الصهيوني". أشهر الصحافيين العرب يكتب الآن عن حالة اللاسلم واللا حرب ولو عُدنا قليلا إلى الأشهر التى تلت حرب حزيران 67 وتابعنا تعليقاتغسان السياسية فى تلك الفترة لوجدناه يتحدث عن حالة اللا سلم واللا حرب أى قبلسنوات من الاكتشاف الأخير الذى تحدثت عنه الصحافة العربية والأجنبية.
إننا نحتاجإلى وقت طويل قبل أن نستوعب الطاقات والمواهب التى كان يتمتع بها غسان كنفاني. هلنتحدث عن صداقاته ونقول أنه لم يكن له عدو شخصي ولا في أى وقت وأي ظرف أم نتحدث عنتواضعه وهو الرائد الذى لم يكن يهمه سوى الإخلاص لعمله وقضيته أم نتحدث عن تضحيتهوعفة يده وهو الذى عرضت عليه الألوف والملايين ورفضها بينما كان يستدين العشرةليرات من زملائه.ماذا نقول وقد خسرناه ونحن أشد ما نكون فى حاجة إليه، إلى إيمانهوإخلاصه واستمراره على مدى سنوات في الوقت الذى تساقط سواه كأوراق الخريف يأساًوقنوطا وقصر نفس.
كان غسان شعباً في رجل، كان قضية، كان وطناً، ولا يمكن أننستعيده إلا إذا استعدنا الوطن.
صور الشهيد الاديب
شعراء الثورة