يلخص هذا التقرير جملة المواقف الإسرائيلية الرسمية تجاه الثورة السورية على مدى عامين ونيف من عمر الثورة. ويركز التقرير المطوّل على عدد من المحاور الأساسية، منها: الاحتمالات المتوقعة في سورية وتأثيرها كل منها على إسرائيل، الخيارات الإسرائيلية في التعامل مع الوضع الجديد في الجولان (جدار عازل، منطقة عازلة، "ميلشيا لحد" جديدة)، الموقف من وصول الجيش الحر إلى حدود الجولان المحتل، قضية الإسلاميين ومن يسمون بـ"الجماعات الجهادية" في سورية، الموقف من تسليح الثوار السوريين، ملف الأسلحة الكيماوية في سورية وحديث إسرائيل عن التدخل لضبطها، مدى القناعة بإمكانية انهيار نظام بشار الأسد، الموقف من الأزمة الإنسانية في سورية. وفي نهاية التقرير يمكن الاطلاع على خلاصة تُجْمِل الموقف الإسرائيلي بناء على المعطيات المستخلصة في سياق هذا التقرير.
لم يكن الموقف الإسرائيلي غائباً عن أحداث الثورة السورية منذ انطلاقتها، وإن كان الصمت بادئ الأمر هو الموقف الرسمي مع بعض التصريحات بين فترة أخرى تركز بشكل أساسي على الخطر الذي يتهدد الهدوء على الحدود في الجولان المحتل نتيجة ضعف نظام بشار الأسد، إلى جانب الإيحاء بأن إسرائيل ترفض القتل في سورية. لكن كان واضحاً منذ البداية أن إسرائيل لم تكن لتشعر بالارتياح تجاه أزمة تعصف بنظام الأسد في دمشق، تحسباً لانتهاء عصر الهدوء الذي حافظ عليه الأسد الأب والابن لأكثر من أربعة عقود على حدود الجولان، وهو ما عبر عنه بوضوح مسؤولون سياسيون وأمنيون إسرائيليون مراراً تدعمهم في ذلك تقارير استراتيجية إسرائيلية تعدد الاحتمالات المتوقعة في سورية وتفرزها بحسب خطورتها المتوقعة على إسرائيل.
وفي هذا السياق، جاءت الإشارة المباشرة لرامي مخلوف (ابن خال بشار الأسد) في مقابلته الشهيرة مع صحيفة نيويورك تايمز بتاريخ11/5/2011، حينما حذر من أنه "إذا لم يكن هناك استقرار هنا في سورية فمن المستحيل أن يكون هناك استقرار في إسرائيل. ولا توجد طريقة ولا يوجد أحد ليضمن ما الذي سيحصل بعد، إذا لا سمح الله حصل أي شيء لهذا النظام".
التطبيق العملي لتهديد مخلوف جاء بعد أقل من شهر، وتحديداً في ذكرى النكبة الفلسطينية في 15 من أيار/ مايو 2011 ثم دفعة أخرى من محاولات الاقتحام في ذكرى النكسة (حرب حزيران) في 5/6/2011، عندما وجه النظام السوري والفصائل الفلسطينية المرتبطة بالنظام أنصارهم لاقتحام الحدود عبر الجولان، فيما رفعت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام السوري حواجزها على الطرقات المؤدية إلى الجولان لتسهيل عبور "الرسائل البشرية" إلى إسرائيل عبر الجولان المحتل. ورغم أن القوات الإسرائيلية المرابطة في الجولان ردت بقوة على الحشود المقتحمة وقتلت ما لا يقل عن 27 شخصاً منهم، ثم انعكس ذلك القتل غضباً بين الفلسطينيين على النظام السوري ممثلاً بقوات الجبهة الشعبية – القيادة العامة بقيادة أحمد جبريل في مخيم اليرموك في دمشق، إلا أن ذلك كان بمثابة كابوس يمكن أن يصبح حقيقة إن تخلت قوات الأسد عن التزامها تجاه إسرائيل في حماية الحدود، وهذا هو الاعتبار الأول في السياسة الإسرائيلية تجاه سورية.
وقد بدا هاجس ضبط الحدود واضحاً لدى إسرائيل عندما اصطحب وزير دفاعها موشي يعلون نظيره الأمريكي تشاك هيغل بجولة بطائرة هليوكوبتر فوق الجولان المحتل؛ لإطلاعه على المعارك الجارية على الطرف الآخر من الحدود وإقناعه بأن إسرائيل بحاجة للمساعدة في هذه المناطق وأنها لا تستطيع العودة إلى حدود ما قبل 1967 لأسباب دفاعية!
وتنبع أهمية دراسة الموقف الإسرائيلي تجاه الثورة السورية من كون إسرائيل هي المفتاح الأهم للسياسة الأمريكية والغربية عموماً تجاه الشرق الأوسط. وقد قالها الرئيس الأمريكي باراك أوباما صراحة في سياق حديثه عن الموقف الأمريكي تجاه تسليح الثوار السوريين، مقيداً ذلك بمصالح الأمن القومي الأمريكي والدول المجاورة لسورية، وأشار بشكل خاص إلى إسرائيل التي أكد أن الامريكيين على تشاور مستمر معها بهذا الشأن. وتأكيداً لهذا الموقف الأمريكي، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني في في 8 شباط/ فبراير 2013 أن أوباما رفض بالفعل العام مقترحات لوزير خارجيته السابقة هيلاري كلينتون وزير دفاعه السابق ليون بانيتا لتسليح المعارضة السورية، موضحاً أن الأولوية بالنسبة لواشنطن هي ضمان عدم وقوع السلاح في أيدي من يمكن أن يهددوا أمن "الولايات المتحدة وسورية أو إسرائيل". وبالطبع هذا الموقف أيضاً هو ما عبر عنه الإسرائيليون صراحة، وهو ما سنتطرق إليه لاحقاً في هذا الدراسة.
يعتمد هذا التقرير/ الدراسة على التصريحات الإسرائيلية الرسمية، وليس على تحليلات الصحف أو آراء المحللين أو حتى السياسيين غير الرسميين مع استثناءات محدودة. كما أن هذا التقرير لا ينبغي قراءته كتقييم للموقف الإسرائيلي تجاه الثورة السورية أو النظام السوري (مثلاً سيئ أو جيد)، وإنما هو محاولة لتأطير التصريحات والمواقف الإسرائيلية الرسمية ووضعها في سياقها الزمني والواقعي، ثم يمكن للقارئ أن يستنيج الخلاصات حول هذه المواقف بحسب السياق. على أننا في نهاية التقرير سنضع خلاصة تمثل تصوراً للموقف الإسرائيلي (بناء على المقدمات) من وجهة نظر معدي هذا التقرير.
ولتحديد إطار تقريرنا هذا، يمكن تقسيم مسار دراسة الموقف الإسرائيلي تجاه الثورة السورية (والنظام السوري في ظل الثورة) إلى خطين عريضين: الخط الأول هو خط تاريخي يرصد عدداً من الأحداث التي أصابت إسرائيل مباشرة، ضمن التطورات في سورية عبر الفترة الزمنية الممتدة لأكثر من عامين من عمر الثورة، وكيفية تعامل الحكومة الإسرائيلية معها، ثم دلالات هذه الأحداث وردة الفعل الإسرائيلي عليها. والخط الثاني يسجل تطور الخطاب السياسي الإسرائيلي تجاه الوضع في سورية ومحاور اهتمامه في هذا الصدد.
أولاً: أحداث وردة الفعل الإسرائيلي عليها:
ضمن هذا الإطار يمكن تحديد أربع محطات أساسية. وربما لا تكون هذه الإحاطة مكتملة، لكنها تغطي أحداثاً ذات دلالة بالنسبة لإسرائيل بشكل خاص، وبالتالي فإن طريقة التعاطي معها تشي بالموقف الإسرائيلي تجاه تطورات الأوضاع في سورية.
1- اقتحام الحدود (خط الهدنة) في الجولان المحتل بتحريض أو ترتيب من النظام السوري والفصائل المرتبطة به (كما ذكرنا سابقاً). وفيما كانت تعليقات الصحف الإسرائيلية أكثر اقتراباً من جوهر القضية، مثل صحيفة معاريف التي كتبت بتاريخ 6/6/2011 أن "رامي مخلوف قال وفعل"، جاء الرد الإسرائيلي الرسمي، وعلى غير عادة إسرائيل في مثل هذه الحالات، مقتصراً على توجيه رسالة إلى الأمم المتحدة تحمل فيها النظام السوري مسؤولية "انتهاك الحدود والاتفاقات الدولية وقرارات الامم المتحدة"، كما اعتبرت الرسالة أن "المواجهات لم تكن لتحدث دون علم النظام في دمشق، وأن هدف النظام هناك هو لفت الانتباه الدولي عما يجري داخل الأراضي السورية"، وفق ما جاء في الرسالة التي وجهها نائب رئيس البعثة الإسرائيلية في الأمم المتحدة حاييم فاكسمان في 7/6/2011. الرسالة الإسرائيلية تضمت تحذيراً لطيفاً بأن على "المجتمع الدولي أن يقوم بتمرير رسالة واضحة إلى سورية مفادها بأن هذه المؤمرات من شأنها أن تؤدي إلى التصعيد، ولذلك يجب أن تتوقف".
وفي وقت لاحق (منتصف تموز/ يوليو 2011) اتهمت الأمم المتحدة في تقرير لها حول القوات الدولية العاملة في الجولان؛ قوات النظام السوري التي كانت تقف على مقربة من مواقع تقدم المتظاهرين بأنها سمحت، على الأقل، بوصول الآلاف من الفلسطينيين والسوريين إلى الحدود.
2- كما تكررت حوادث سقوط بعض القذائف في الجولان المحتل خلال اشتباكات بين قوات النظام السوري والجيش الحر في القنيطرة، بدءاً من تموز/ يوليو 2012. ورغم أن دلائل تشير إلى القذائف كان مصدرها قوات النظام السوري التي كانت تقصف حواجز ومقرات أمنية استطاع الجيش الحر السيطرة عليها في هذه المناطق، إلا أن إسرائيل لم تعلن صراحة مصدر النيران، مكتفية برسالة احتجاج أخرى للأمم المتحدة وقواتها العاملة لمراقبة خط الهدنة تقول فيها إن "تسرب النيران من سورية الى إسرائيل لن يكون مقبولاً". وفي حالات أخرى (منها في في 12/11/2012) أعلنت إسرائيل أنها ردت على مصادر النيران و"أصابتها إصابة مباشرة"، ولكن دون أن تحدد هذه المصادر وأماكن تمركزها. وفي 24/3/2013، أُعلن أن الجيش الإسرائيلي أنه أطلق صاروخاً من طراز "تموز" الذي يتميز بدقته؛ على موقع تابع لقوات النظام السوري في الجولان بعد تعرض سيارة عسكرية إسرائيلية لإطلاق نار.
ورغم أن موشي يعلون نائب رئيس الوزراء الإسرائيلي (في حينها) اعتبر في بيان بتاريخ 9/11/2012، تعليقاً على سقوط قذائف في إحدى المستوطنات في الجولان المحتل، أن "النظام في سورية مسؤول عما يحدث على طول الحدود" و"أننا (الإسرائيليين) نعرف كيف ندافع عن مواطنينا في دولة إسرائيل وعن سيادة دولة إسرائيل"، أشار إلى أن سورية "تصرفت بشكل مناسب" من قبل بعد تلقيها مثل هذه الرسائل. وقال: "آمل أن يكون هناك أحد في سورية يسيطر على الأمور في هذه الحالة أيضاً".
وفي 4/3/2013، وجه المندوب الإسرائيلي في الأمم المتحدة رون بروسور رسالة إلى مجلس الأن، على خلفية سقوط 4 قذائف على إحدى المستوطنات في الجولان، اعتبر فيها أن إطلاق القذائف من الأراضي السورية يمثل انتهاكاً لاتفاق الفصل بين القوات الموقع بين إسرائيل وسورية عام 1974. وقالت الرسالة إن "إسرائيل لن تقف مكتوفة ألأيدي بينما تتعرض حياة مواطنيها للخطر على أيدي حكومة طائشة في سورية".
3- وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2012 اخترقت ثلاث دبابات تابعة لقوات النظام السوري كانت تشارك في قتال في قرية بير عجم السورية في مواجهة الجيش الحر؛ المنطقة المنزوعة السلاح في الجولان. مرة أخرى، تقدمت إسرائيل بشكوى للقوات الدولية في المنطقة.
غير أنه من المعتقد أن اختراق الدبابات لهذه المنطقة لم يكن ليمر بهدوء دون موافقة إسرائيلية أو غض طرف على الأقل. وهذا يذكّر بما قيل في بدايات الثورة السورية عن موافقة إسرائيلية عندما تقدمت قوات النظام السوري بأسلحتها الثقيلة والدبابات لاقتحام بلدات تقع ضمن المناطق المنزوعة السلاح بموجب اتفاقية وقف إطلاق النار مع إسرائيل. وقد أكد هذا بالفعل نائب وزير الخارجية السورية فيصل المقداد في 15تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي؛ عندما أعلن أن قوات نظامه تحركت ضد من قال إنها "مجموعات إرهابية" و"إسلامية" في هضبة الجولان بعد حصولها على موافقة قوة الامم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك "اندوف"، مما يعني ضمناً موافقة إسرائيل لأن قوات الأمم المتحدة تعمل كقوات مراقبة وليس كقوات حفظ سلام، وبالتالي لا بد من الحصول على موافقة إسرائيل بموجب اتفاقية وقف إطلاق النار، علماً بأن إسرائيل لم تحتج إلا مرة واحدة على دخول الدبابات إلى المنطقة المنزوعة السلاح رغم أن الأمر تكرر مراراً – كما أشرنا آنفاً –
بل إن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يوءاف مردخاي قال في أيلول/ سبتمبر 2011 عبر صحيفة الراي الكويتية؛ رداً على سؤال عن قصف الدبابات السورية درعا وغيرها من المدن السورية وما إذا اجتازت الحد المسموح حسب اتفاقية الهدنة: ان "اسرائيل ترى بكل وضوح ان هناك تحركات عسكرية داخلية وليست باتجاه اسرائيل".
4- التحرك الإسرائيلي الأبرز خلال هذه الفترة تمثل في غارة داخل الأراضي السورية (منطقة جمرايا في ريف دمشق) في30/1/2013. لكن من المُعتقد أن الغارة موجهة بالأساس لحزب الله اللبناني وليس للنظام السوري، بالنظر إلى طبيعة الهدف الذي تعرض للقصف والذي يُرجح أنه صواريخ يفترض أنها كانت تُعَد لنقلها إلى حزب الله.
الإسرائيليون - كعادتهم – تركوا الغموض مخيماً على الغارة، مع إشارات غير مكتملة من قبيل تلك التي أطلقها وزير الدفاع الإسرائيلي (في ذلك الوقت) إيهود باراك خلال مؤتمر أمني في ميونخ في 2/2/2013 بأن "ما حصل قبل أيام (...) يثبت أنه حين نقول شيئاً إنما نلتزم به. لقد قلنا إننا لا نعتقد أنه يجب السماح بنقل أنظمة أسلحة متطورة إلى لبنان".
ولم يتضح حتى الآن ما إذا كان القصف استهدف موقعاً واحداً أو موقعين منفصلين (موقعاً عسكرياً وقافلة للصواريخ قرب الحدود اللبنانية).
وفي هذا السياق، يقول مسؤول أمريكي لوكالة فرانس برس إن "هذا الامر حصل في ريف دمشق"، موضحاً ان الطيران الاسرائيلي استهدف "صواريخ ارض- جو" روسية الصنع من طراز "اس ايه 17" كانت موضوعة "على آليات"، إضافة الى مجموعة من المباني العسكرية المتجاورة والتي يشتبه بأنها تحوي أسلحة كيميائية، وهو الموقع الذي وصفه النظام السوري بأنه مجرد "مركز عسكري للبحوث العلمية" في ريف دمشق.
وبما أن الغارة تندرج في إطار سياسة "الرسائل المتبادلة" بين النظام السوري وإسرائيل، لم يخرج رد بشار الأسد عن حدود اتهام إسرائيل، و"بالتعاون مع القوى الخارجية المعادية وأدواتها على الاراضي السورية"، بالعمل "لزعزعة استقرار سورية وإضعافها"، دون أن يفوته التأكيد على قدرة نظامه "على مواجهة التحديات الراهنة والتصدي لأي عدوان".
لكن وزير دفاعه ونائب القائد العام لجيشه العماد فهد جاسم الفريج؛ لم يترك مجالاً للتأويل حول الرد المتوقع على الغارة الإسرائيلية الثالثة على الأقل خلال السنوات العشر الماضية وتقع ضمن سلسلة طويلة من الاانتهاكات الإسرائيلية للأجواء السورية، ليرد على من يطالب نظامه بالرد على إسرائيل بالقول: "العدو الإسرائيلي هو الذي ردّ.. عندما يرى أن أدواته لا تحقق نتائج يقوم بالتدخل (نيابة عنها) كما قلنا.. أيضاً الغارة هي رد على عملنا العسكري ضد العصابات المسلحة، فهو (العدو) الذي رد على الجيش العربي السوري البطل، والذي أثبت للعالم أنه جيش قوي.. جيش مدرب.. جيش لا يمكن أن ينكسر". ليتابع: "لو رأينا عدد المرات التي هاجمت فيها العصابات المسلحة هذا المركز من أجل تدميره والاستيلاء عليه لوجدناها عشرات المرات، ولما فشلوا وجدت إسرائيل أن عليها القيام بالمهمة".
رد النظام السوري، لا سيما ما جاء في تصريح الفريج بعدم الرد، يعيد للأذهان ما قيل سابقاً من أن القصف الإسرائيلي استهدف بالأساس أسلحة وصواريخ متطورة كانت يمكن ان تقع بأيدي الثوار السوريين، علماً بأن إسرائيل حذرت مراراً بأنها لن تسمح وستتدخل لمنع خروج أسلحة خطرة، ومنها الأسلحة الكيماوية، عن سيطرة النظام السوري. ويتعزز هذا الاعتقاد مع معلومات نشرتها صحيفة نيويورك تايمز في3/2/2013 نقلاً عن مسؤول أمريكي لم تسمه؛ أن المنشأة التي قصفت هي منشأة للأسلحة الكيماوية والبيولوجية وأن القصف أدى إلى انفجار صواريخ وآليات كانت تحملها داخل المنشأة.
التبني الإسرائيلي الصريح للغارة جاء مع تعيين يعلون وزيراً للدفاع، ليؤكد بتاريخ 22/4/2013، ولأول مرة بشكل رسمي، بأن الجيش الإسرائيلي قصف قافلة أسلحة متجهة نحو لبنان، موضحاً أن إسرائيل تحركت لمنع وصول أسلحة متطورة إلى أيدي حزب الله أو مجموعات أخرى.
ثانياً: مراحل الخطاب السياسي الإسرائيلي تجاه تطورات الثورة السورية:
في هذا القسم سنحاول رصد تطور الخطاب الإسرائيلي الرسمي وشبه الرسمي. بالطبع لا نستطيع تحديد مراحل منفصلة عن بعضها بشكل حدي (أي أن تنتهي مرحلة ثم تبدأ أخرى)، ولكن هناك ملامح بارزة في كل مرحلة تعبر في مجملها عن الموقف الإسرائيلي تجاه الثورة السورية الذي هو في محصلته موقف يصفه المؤيدون للثورة السورية بأنه "سلبي"، وهو قائم أساساً على مفهوم الاستقرار على الحدود الذي أسلفنا الحديث عنه في المقدمة.
1- في الأسابيع الأولى للثورة السورية التزم الإسرائيليون الرسميون الصمت. وبلا شك أراح هذا الصمت مؤيدي الثورة الذين لم يكونوا ينتظرون تأييداً إسرائيلياً لأن مثل هذا التأييد سيكون بمثابة طعن بالثورة ودعماً لنظام بشار الأسد. لكن بدا فيما بعد أن الصمت الإسرائيلي لم يكن أكثر من فترة ترقب ودراسة للموقف على الأرض السورية، وهو ما يعبر عن عنصر المفاجأة الذي خلفته الثورة السورية التي انطلقت بشكل لم يكن متوقعاً.
2- ورغم أن الصحف الإسرائيلية كان تتناول الشأن السوري مع التحليل؛ إلا أن الأهم في هذا السياق هو تعبيرات مسؤولين أمنيين كبار عن نظرتهم تجاه الحالة السورية، وخصوصاً مع اقتراب الجيش الحر من حدود الجولان المحتل وانسحاب قوات النظام السوري من كثير من المواقع الحدودية.
ومن المفيد هنا الإشارة إلى ما كتبه العميد احتياط وقائد ركن القوات الإسرائيلية في الشمال رافي نوي في صحيفة يديعوت أحرنوت بتاريخ12/11/2012، حينما أكد أن "من ناحية اسرائيل، نظام الاسد أفضل من الثوار، الذين لا يعرف أحد ما الذي يختبئ خلفهم، ونحن لا نعرف على أي دولة سنحصل بعد أن يستولوا على الحكم". ولا يفوت الضابط الإسرائيلي أن يستخدم اتهامات النظام السوري تجاه الثوار، مكرراً الحديث عن "عن جماعات من الارهاب الدولي، بعضها تحت تعريف القاعدة، بعضها منظمات سلفية ومنظمات اسلامية متطرفة أصولية"، ليصل إلى أن "مسيحيين ودروزاً وأقليات أخرى يخشون مما يختبئ خلف تلك المنظمات" حسب قوله.
ويضيف: "من تجربتي أعرف بأنه بشكل عام خطوات من هذا النوع لا تحسّن وضعنا ولا تجعل المنطقة أكثر هدوءاً، بل العكس. نحن نرى ذلك في اماكن عديدة، حين تغيّر الحكم في أعقاب الربيع العربي في الدول في منطقتنا.. والواقع هناك بات أكثر عداء لإسرائيل".
ويذهب الضابط الإسرائيلي إلى حد الإعلان بأن "مصلحة اسرائيل، دون الخروج بتصريحات عن ذلك، هي ان يبقى الحكم العلوي في دمشق. صحيح، انه توجد نقطة واحدة تشكل بالنسبة لنا عقبة في نظام الاسد، وهي الجسر الذي يستخدمه هذا النظام بين ايران وحزب الله، لكن لا يزال الوضع يمكن ان يكون أسوأ بعد تغيير الحكم"، مفسراً موقفه بأن "سورية بقيادة بشار الاسد هي صاحبة حكم، دوافعها قومية وليست دينية اصولية. وليس أقل أهمية من ذلك: نحن نعرف عما يدور الحديث، ونحن نعيش مع هذا النظام منذ عشرات السنين، بنجاح وبهدوء نسبي".
هذا الموقف الذي عبّر عنه الضابط الإسرائيلي بدا أنه الموقف السائد في إسرائيل، بما في ذلك أوساط المخططين أو الباحثين الاستراتيجيين الذي يمثلون عادة بوصلة تسترشد بها الحكومات الإسرائيلية. ومن ذلك مثلاً التقرير المعروف باسم "التقرير الاستراتيجي" الصادر بالانكليزية في تموز/ يوليو 2011. يطرح التقرير أربعة سيناريوهات يتوقعها في سورية، ليخلص إلى أن بقاء نظام بشار الأسد هو السيناريو "المرغوب فيه أو على الاقل أهون الشرور". ويستند التقرير بهذا الصدد إلى موقف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق أرئيل شارون الذي رفض في العام2005 مبادرات اُقترحت عليه لاستغلال الضعف السوري المؤقت - عقب اغتيال الحريري والضغط لإخراج القوات السورية من لبنان - والعمل باتجاه إسقاط الاسد، لأن شارون رأى حينها أن السيناريوهات البديلة ستكون أسوأ لإسرائيل. والفكرة هي أنه "إذا ما بقي الاسد في الحكم سيضطر الى استثمار جل جهوده في تعزيز حكمه من الداخل، وكذلك في تعزيز شرعيته الدولية".
أما السيناريوهات الثلاثة الأخرى التي يرى فيها التقرير أكثر خطراً على إسرائيل فهي: دخول سورية في حالة عدم استقرار بعد سقوط نظام الأسد وهو ما يمثل تهديداً لحدود إسرائيل، أو وصول جماعات دينية للحكم تتبنى الكفاح ضد إسرائيل وتحاول استرجاع الجولان بالقوة، أو وصول حكومة بانتخابات ديمقراطية، لكن ليس هناك ضمانة بأن هذه الحكومة ستكون أكثر وداً تجاه إسرائيل، بل على العكس، "كل نظام عربي جديد سيضمن نفسه اذا ما اتخذ موقفاً معادياً تجاه إسرائيل".
هذا الموقف الذي يعبر عنه التقرير يميل لكونه موقفاً رسميا نظراً لهوية معدّه، وهو الجنرال احتياط غيورا آيلاند، الباحث في معهد أبحاث الأمن القومي (تابع للجيش) والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي.
وهذا ما يؤكده أيضاً الجنرال إيتاي بارون، رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية والمسؤول عن التقديرات الاستخباراتية التي تقدم للقيادات السياسية في إسرائيل. فقد تحدث بارون مؤخراً عن التحولات السياسية التي عصفت في منطقة الشرق الأوسط، قائلاً إن "الأحزاب الدينية هي الرابحة من التحولات التي شهدتها المنطقة". وأشار إلى أن "الدِّين أصبح ذا ثقل في اتخاذ القرارات السياسية". وقال إن المنطقة تشهد صعود معسكر الدول السنية، واصفاً هذا المعكسر بأنه "معاد لإسرائيل" (الشرق الأوسط 24/4/2013).
مرة أخرى، يلخص لنا المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي يوءاف موردخاي الموقف منذ الأشهر الأولى للثورة؛ بالتعبير عن "قلقها" إزاء احتمال سقوط نظام بشار الاسد "لأنه على جبهة مغلقة منذ سنين طويلة". وعبارات القلق هذه على نظام الأسد لم تتمكن من التواري خلف عبارات أخرى من قبيل أن "اسرائيل لا تتدخل بالسياسة الداخلية لسورية، لا مع المعارضة ولا مع الاسد، الشعب هو الذي يقرر"! بالطبع "القلق" على نظام الأسد لازم كل المسؤولين الإسرائيليين وعلى كافة المستويات القيادية، وصولاً إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. كل هذا خلال الأشهر الأولى للثورة وقبل أن تصبح السمة العسكرية هي السمة الغالبة على الثوار.
ولنتذكر هنا حديثاً للسفير الروسي في إسرائيل سيرجي يعقوبييف الذي قال إنه تحدث إلى نتنياهو لإبلاغه بأن بقاء بشار الأسد في الحكم هو لصالح إسرائيل وليحذره من وصول الإسلاميين إلى الحكم في الدول المحيطة بإسرائيل. ويقول يعقوبييف: "لقد تحدثت مع رئيسك (نتنياهو). وقلت له لو كنت مكانك شخصياً لأيدت الأسد حتى لو كان سيئاً، بدلاً من أن يأتينا رجل جيد من الإخوان المسلمين. وأنت تعرف المشاكل ولا أحد يعرف ما الذي سيحصل في مصر.. إيران.. لبنان.. تركيا.. سورية. الطريق الأوحد (لإسرائيل) سيكون الأردن، هذا إن بقي ملك الأردن.. هذا هو الزلزال العربي"!
حديث السفير الروسي لم يكن علنياً بل كان خلال لقاء خاص جمعه بمسؤولين إسرائيليين بينهم نائب وزير التعاون الإقليمي (حينها) أيوب قرا، لكن تم تسجيلاً للقاء تم تسريبه لوسائل إعلام إسرائيلية في شباط/ فبراير 2012 كما نشر على اليوتيوب.
3- تبع ذلك تحذير إسرائيلي من تكاثر المجموعات "الجهادية" في مناطق قريبة من الجولان المحل. ولعل أبرز ما جاء في هذا السياق تصريح لنتنياهو بتاريخ 14/11/2012؛ اعتبر فيه أن إسرائيل تواجه "تحدياً" جديداً في سورية لوجود "قوى تابعة للجهاد العالمي" معادية لإسرائيل.
غير أن الأمر بالنسبة لإسرائيل لا يبدو مختصاً بالمجموعات "الجهادية"، وإنما بقوات الجيش الحر أو الثوار بشكل عام، وهذا يبدو بوضوح من "القلق" الذي عبّر عنه وزير الدفاع الإسرائيلي (حينها) إيهود باراك بعد سيطرة الجيش السوري الحر على قرى مقابلة للجزء المحتل من الجولان. وقد دفع هذا "القلق" نتنياهو وباراك لزيارة المنطقة سراً قبل ساعات من تصريح نتنياهو المشار إليه آنفاً، كما حضرا قبل ذلك تدريبات عسكرية مكثفة في المنطقة.
هذه الذريعة الإسرائيلية ليس جديدة، فقد كانت بمثابة لازمة منذ الأشهر الأولى للثورة السورية، وحتى قبل أن تصل كتائب الجيش الحر إلى الجولان، عبر التحذير من مخاطر "الإسلاميين" الذين يمكن أن يخلفوا نظام الأسد. وهذا ما وضعه رئيس الطاقم السياسي بوزارة الدفاع الإسرائيلية عاموس جلعاد ضمن إطار "كارثة" تقضي على إسرائيل، معتبراً أن بديل الأسد ولادة إمبراطورية إسلامية في منطقة الشرق الأوسط في مصر والأردن وسورية. ونقلت إذاعة الجيش الإسرائيلي عن عاموس في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011؛ أن "تشكيل إمبراطورية للإخوان يهدد إسرائيل بالخطر، وذلك لأن هذا تنظيم يسير وفقاً لأيديولوجية معلنة تدعو إلى محو إسرائيل من الوجود". كما اعتبر أن هدف الإخوان المسلمين هو إقامة إمبراطورية إسلامية تحيط بإسرائيل من كل جانب، الأردن وسورية ومصر.
ولعل تصريحاً لرئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية الجنرال أفيف كوخافي في وقت مبكر؛ يكشف النظرة الإسرائيلية الحقيقية تجاه ما يجري في سورية. فلم يكتف كوخافي بالتعبير عن المخاوف من سقوط نظام الأسد وصعود آخر قد يناصب إسرائيل العداء، بل ذهب إلى حد تبني رواية النظام السوريّ بشأن ما يجري، معبراً عن اعتقاده بأن نظام الأسد "يقول الحقيقة هذه المرة عندما يتحدّث عن عصاباتٍ تهاجم قوّات الجيش وأن نسبة الجنود من بين القتلى تصل إلى نحو الثّلث". وشدد كوخافي على أن "الهدوء الذي ساد في الجولان طيلة عشرات السنين، منذ حرب أكتوبر 1973، لم يعد مضموناً. فالمعارك الدائرة في سورية بين جيش النظام وبين الثوار يقترب كثيرا من الحدود مع إسرائيل. والنظام السوري يفقد سيطرته على مناطق كثيرة، بينها منطقة الجولان. وهناك قوى من تنظيمات القاعدة والجهاد العالمي تستغل الوضع وتصل إلى الجهة الشرقية من الجولان. والأمر يخلق تحديات جديدة أمام إسرائيل، عليها أن تستعد إليها جيداً وتكثف جهودها لمجابهتها".
وفي فترة لاحقة (أيار/ مايو 2012) حاول كوخافي تعديل موقفه، متحدثاً خلال لقاءات في الأمم المتحدة في نيويورك عن أن رؤية الموساد الإسرائيلي لما يجري في سورية قد تغيرت. وقال إن إسرائيل كانت تعتقد بأن بقاء نظام الأسد يخدم مصلحتها، لكنها باتت تفضل اليوم زوال ذلك النظام، حسبما نقلت عنه صحيفة هآرتس.
لكن الأمر بالنسبة لإسرائيل لا يبدو أنه بهذه السهولة، وخصوصاً مع ما نقل عن مسؤولين إسرائيليين تعبيرهم عن الخشية من انهيار القوة الأممية في الجولان، وبالتالي فإن هناك احتمالاً لسيطرة مقاتلين من تنظيمات "جهادية"، وفي مقدمتها "جبهة النصرة"، على مواقع قريبة من خط وقف إطلاق النار الذي يشكل حدودا بين إسرائيل وسورية في الجولان، وبين هذه المواقع وموقع الجيش السوري في جبل الشيخ، بحسب ما أوردته صحيفة معاريف بتاريخ 11/4/2013.
لذلك فإن إسرائيل، وحسب رئيس الأركان الجنرال بيني غانتس "قد تكون الهدف القادم للتنظيمات الارهابية وجماعات المعارضة في سورية التي تنشغل حالياً بمحاربة نظام بشار الاسد" وفق ما جاء في كلمة غانتس أمام مؤتمر هرتزليا الأمني في آذار/ مارس الماضي.
4- وما يؤكد الهاجس الإسرائيلي بشأن استقرار الحدود مع تخلخل نظام بشار الأسد في سورية، بدأت إسرائيل ببناء جدار عازل معزز بوسائل مراقبة الكترونية على طول الحدود في الجولان المحتل. هذا القرار جاء بعد تمكن عناصر الجيش السوري الحر من السيطرة على مناطق في القنيطرة، قرب الجولان المحتل، ثم انسحاب أعداد كبيرة من قوات الأسد من معسكرات قرب الجولان باتجاه مناطق أخرى مثل دمشق. ووصف مصدر عسكري إسرائيلي في أيلول/ سبتمبر 2012 هذا التطور بأنه "درامي"، وأن "أحدا لا يعرف من الحاكم الحقيقي في المنطقة".
وأبلغ رئيس الاستخبارات العسكرية الجنرال افيف كوخافي الكنيست في تموز/ يوليو الماضي بأن "الاسد نقل العديد من قواته التي كانت في هضبة الجولان الى مناطق النزاع" في سورية. وقال كوخافي "انه (الأسد) ليس خائفاً من اسرائيل في هذه النقطة لكنه يريد تعزيز قواته حول دمشق".
الجدار الأمني الذي بدأ الجيش الإسرائيلي ببنائه أواخر العام الماضي يمتد على المنطقة الحدودية بين الجولان المحتل وبقية الأراضي السورية في منطقة لم تكن مدرجة إسرائيلياً سابقاً ضمن المناطق الخطرة.
وحسبما أورده مراسل قناة "العربية" بتاريخ 2/1/2013؛ فقد بدأت إسرائيل فعلياً في إقامة السياج الحدودي، على غرار ما فعلته عند بلدة "مجدل شمس" في الجولان المحتل. وقال إن السياج الأمني- بارتفاع 8 أمتار- هو سياج حديث لاستبدال السياج الذي كان قائماً على مدى أربعة عقود في المنطقة. وأضاف أن السياج يبدأ من منطقة "الحِمة" جنوباً إلى معبر "القنيطرة" الحدودي شمالاً في الجولان المحتل.
وأكد أن إسرائيل بالفعل تبدو كمن يسابق الزمن في هذا الموضوع، حيث إن التعليمات العسكرية التي صدرت من وزارة الدفاع تقضي بضرورة استكمال هذا الجدار على امتداد 54 كيلومتراً تقريباً في أسرع وقت ممكن، خوفاً من انهيار النظام السوري قريباً وتحول المنطقة الحدودية، لا سيما منزوعة السلاح، إلى ما يشبه ما يحدث في سيناء المصرية، بمعنى أن تكون منطلقاً للتسلل لشن هجمات على أهداف إسرائيلية.
ووصف متحدث باسم الجيش الإسرائيلي المشروع بأنه "إجراء وقائي"، مضيفاً: "الواقع في سورية لم يعد كما كان عليه منذ خمس أو 10سنوات ، فمن الواضح أن الواقع سيتغير بطريقة أو بأخرى ، وأيا كان هذا التغيير، فإن الوضع لن يبقى كما كان عليه من قبل".
وقبل البدء ببناء الجدار الالكتروني، عززت القوات الإسرائيلية تواجدها في الجولان، إضافة إلى زراعة حقول الألغام في المنطقة. كما تم "حفر كل أنواع الحفر، للحيلولة دون تقدم السيارات، ويوجد طائرات عسكرية وقناصة أكثر من العادة". وبحسب ما ذكره مسؤول أمني إسرائيلي في تموز/ يوليو الماضي، فقد تم إرسال العديد من الجنود إلى الجولان، "للتدرب ظاهرياً، ولكنهم سيكونون هناك في حال وقوع شيء".
وتحدث مصدر أمني آخر، عن تعزيزات أمنية، بالقرب من السياج الفاصل، موضحاً أن ذلك يهدف إلى منع "محاولات لزعزعة الاستقرار من قبل منظمات إرهابية"، وأضاف: "سنوفر ملجأ مؤقتًا للاجئين المعرضة حياتهم للخطر".
5- وانسجاماً مع الموقف الإسرائيلي بشأن عدم الثقة بأي مجموعات عسكرية قد تخلف قوات الأسد في الجولان، عبّر الإسرائيليون عن معارضتهم لتسليح الثوار السوريين. وأحدث المواقف في هذا السياق ما صرح به نتنياهو بعد لقائه رئيس الوزير البريطاني ديفيد كاميرون في 18/4/2013، تعليقاً على إعلان بريطانيا وفرنسا عزمهما على تسليح الثوار السوريين، من أن إسرائيل تملك الحق في منع وقوع الأسلحة في الأيادي الخطأ في سورية، محذراً من وصول أسلحة خطرة قد تغير قواعد اللعبة.
وقبيل زيارة نتنياهو للندن، نقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مسؤول إسرائيلي قوله إن "نتنياهو سيحذر من أنه بسبب وجود جهات من الجهاد العالمي، بين المتمردين (يقصد الثوار)، فإنه ينبغي التدقيق بحرص في نوايا المتمردين قبل تزويدهم بالسلاح". وقال المسؤول الإسرائيلي إن إسرائيل "لا تعارض بالمطلق تسليح الدول الغربية المتمردين في سورية، وذلك على ضوء الحقيقة بأن دولا مثل السعودية وقطر تسلح مسلحين إسلاميين متطرفين في سورية، لكن إسرائيل تتخوف من أن يتم تسليح المتمردين بشكل متسرع ومن دون التأكد من هوية الجهات التي ستحصل على السلاح" حسب قوله.
وهذا "التخوف الإسرائيلي نابع أيضاً من أن السلاح الذي يطلبه المتمردون ليس ذخيرة وبنادق فقط، وإنما يطلبون سلاحا متطوراً مثل قذائف مضادة للدبابات وصواريخ كتف مضادة للطائرات"، بحسب وسائل إعلام.
وفي هذا السياق، عبّر مسؤولون في الحكومة الإسرائيلية عن مخاوفهم من انهيار قوات الأمم المتحدة في هضبة الجولان ومغادرتها لهذه المنطقة، وذلك على ضوء مطالبة بريطانيا وفرنسا بتسليح الثوار في سورية، وفق ما أوردته صحيفة معاريف هذا الشهر. هذا الموقف الإسرائيلي عززه تحذير نائب المستشار النمساوي ووزير الخارجية ميخائيل شبيندليغر، خلال لقائه نتنياهو في القدس؛ من أنه في حال البدء بتسليح الثوار السوريين فإن النمسا ستسحب جنودها العاملين في صفوف قوات الأمم المتحدة في الجولان.
ووفقا للصحيفة، فإن "إسرائيل لا تعارض تسليح مجموعات معتدلة" بين المتمردين في سورية، لكنها تعتقد أنه يجب تنفيذ ذلك بحذر كبير.
6- وانسجاماً مع معارضتها لتسليح الثوار في سورية، وتطبيقاً لفكرة دعم "مجموعات معتدلة"، برزت معلومات عن توجه إسرائيلي لإيجاد قوة لتحل محل قوات الاسد في حماية الحدود، وهو ما سماه الصحفي الفلسطيني المتخصص في الشؤون الإسرائيلية صالح النعامي بـ"جيش لحد جديد في الجولان".
ويلخص النعامي، المعروف باطلاعه الواسع على الشأن الإسرائيلي، المخاوف الإسرائيلية بـ: احتمال تحول الجولان إلى نقطة انطلاق لتنفيذ عمليات ضد العمق الإسرائيلي، استخدام الأسلحة الكيماوية والصواريخ بعيدة المدى الموجودة في الترسانة السورية ضد إسرائيل. وبالتالي فإن "تحقق هذين السيناريوهين يعني استنزافاً غير مسبوق لآلة الحرب الإسرائيلية، لدرجة أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي بيني غانتس شبه الجبهة السورية في حال تحققت هذه المخاوف بأنها ستكون أخطر من جبهة غزة ولبنان عدة مرات".
وينقل النعامي في تقرير على موقعه بتاريخ 22/4/2013 عن رئيس صحيفة هآرتس ألوف بن؛ أن هناك تنسيقاً بين إسرائيل والأردن بشأن تشيكل "قوة من السوريين ترابط في منطقة الجولان وذلك لمنع الثوار من استهداف إسرائيل بالصواريخ بعد سقوط نظام الأسد" ولمنع مجموعات "معادية" لإسرائيل من الاقتراب من الحدود، بالتزامن مع البحث في "إمكانية تدخل أمريكي إسرائيلي أردني للسيطرة على مخازن السلاح الكيماوي في حال ظهرت دلائل على إن النظام يوشك على السقوط".
ويتضح من الجدل الإسرائيلي الداخلي أن "سيناريو الرعب الذي تخشاه المؤسسة العسكرية هو أن يضطر الجيش الإسرائيلي إلى اقتحام (الجزء غير المحتل من الجولان) وإقامة حزام أمني على غرار الحزام الذي أقامه في جنوب لبنان بعد حرب 1982، والذي كانت تجربته بالغة القسوة بالنسبة لإسرائيل". علاوة على ذلك، فإن "إقامة حزام أمني داخل الجولان من قبل الجيش الإسرائيلي يعني استنزاف قوة إسرائيل العسكرية، في الوقت الذي يكون المطلوب منه مواجهة تحديات على ساحات أخرى (غزة، إيران، لبنان)".
والخشية الإسرائيلية ليست فقط من انفلات الأوضاع الامنية على الحدود، بل أيضاً في احتمال الحدود ساحة لإغلاق الحسابات من كل الأطراف التي لديها مشكلات مع إسرائيل.
لذلك "الخيار الأفضل بالنسبة لإسرائيل هو إيجاد قوة محلية سورية تتولى القيام بمهمة الحفاظ على الحدود في الجولان، أي محاولة إيجاد نسخة "مطورة" لتجربة جيش لبنان الجنوبي في الجولان، حيث إنه بخلاف تجربة جيش لبنان الجنوبي، فإن القوة السورية التي يرغبون في دفعها للتمركز في الجولان لن تكون على علاقة علنية بإسرائيل، فلذلك لن تتحمل إسرائيل أي تبعات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية إزائها أو إزاء ما ستقوم به"، ولكن مع بعض الدعم غير المباشر لضمان تفوقها في سورية.[/