سابعا : السد قانونيا :
قاعة محكمة العدل الدولية التي شهدت الانتصار المصري علي اسرائيل في قضية طابا هل تشهد انتصارا مصريا اخر ضد اثيوبيا هذه المرة ؟ .
فيما يلي عرض لاهم المعاهدات والاتفاقيات القانونية والتي تثبت عدم صحة موقف السد من ناحية القانون الدولي من جانب ، وصحة الموقف المصري من جانب اخر :
1- بروتوكول روما الموقع فى 15 إبريل 1891م بين كل من بريطانيا وإيطاليا التي كانت تحتل إريتريا فى ذلك الوقت -بشأن تحديد مناطق نفوذ كل من الدولتين فى أفريقيا الشرقية ، وتعهدت إيطاليا فى المادة الثالثة من الاتفاقية بعدم إقامة أية منشآت لأغراض الري على نهر عطبرة يمكن أن تؤثر على تصرفات النيل ، والواقع ان هذه الاتفاقية من وجهه نظرنا تعتبر ذات اهمية بالغة جدا ، فاثيوبيا دائما ماتقول في تصريحات مسئوليها ان هذه الاتفاقيات غير ملزمة لها لانها وقعت في عصور الاحتلال ، ولكن بالنظرة الي هذه الفترة نجد ان اثيوبيا في هذه الفترة لم تكن تسمع مايملي عليها وتنفذه بخضوع وخنوع بل كان لها سيادة وكانت تعارض الدول الكبري ، بل تحاربها وتنتصر عليها وتفرض ارادتها ويتضح لنا ذلك جليا فيما يلي :
اولا : في العام 1887 اي قبل توقيع الاتفاقية بأربعة سنوات فقط ، وجه " منليك " ملك الحبشة وقتها خطابا للدول الخمس العظمي المهتمة بالمنطقة وهي " بريطانيا العظمي - فرتسا - روسيا القيصرية - ايطاليا - المانيا " حدد فيه حدود اثيوبيا ، ووقع فعليا مع ايطاليا معاهدة " أوتشيالي " في مايو 1889 لترسيم حدود بلاده.
ثانيا : نجحت اثيوبيا في الفترة بين عامي 1881 : 1889 في توسيع ملكها وسط كل هذه الدول الكبري وبشكل يفصح عن امتلاك قرار وقوة فعلية فنجد انها ضمت كل مايلي ذكره من اقاليم : " كفا وجما عام 1881 ، عروسي 1882 ، للجا 1886 ، هرر وايليبابور عام 1887 ، جوراج عام 1889 ، بالي وسيدامو عام 1891 ، جوفا وولامو عام 1894 ، الاوجادين عام 1897 ، ثم بوني وشانجول عام 1898 .
ثالثا : حصلت اثيوبيا علي املاك مصر الخديوية في البحر الاحمر بتلك المناطق ، حيث وقعت انجلترا مع الملك الاثيوبي " يوهانس " اتفاقا تمنحه الاملاك المصرية بمقتضاه ، بما في ذلك الحاميات العسكرية في المرتفعات الاريترية وهضبة كرن ، وانسحب المصريون من هرر عام 1885 ، واستولت الحبشة علي اقليم الاوجادين كله في نفس العام ، ولو سرنا علي نفس النهج الاثيوبي ، فيمكن اذن للحكومة المصرية ان تقول ان هذا الاتفاق وقع ابان الاحتلال الانجليزي لمصر واننا لانعترف به ولايلزمنا ونذهب لاحتلال تلك المناطق لنكون علي مرمي حجر من سدهم .
رابعا : وقع خلاف بين اثيوبيا وايطاليا في تفسير المادة 17 من معاهدة " أوتشيالي " ، فكان النص الايطالي يلزم علي اثيوبيا ان يكون اتصالاتها مع الدول الاخري عبر ايطاليا ، بينما كان النص الامهري يجعل ذلك اختياريا ، ورفض " منليك الثاني " ملك الحبشة التفسير الايطالي ، والغي المعاهدة ، وقامت الحرب ، وانتهت بنصر اثيوبيا ، نعم نصر اثيوبيا ، فلما تتحدث اثيوبيا الان عن تلك المعاهدات وكأنها كانت مكرهه ، بينما التاريخ يقص علينا انهم عندما كانوا يرفضون المعاهدات لمجرد اختلاف حول تفسير طريقة الاتصال كانوا يلغونها ويدخلون حروب وينتصرون ، فهل كانوا يسكتون حول المياة ؟؟؟ .
2 - اتفاقية أديس أبابا الموقعة فى 15 مايو 1902م بين بريطانيا وإثيوبيا ، تعهد فيها الإمبراطور منيليك الثاني امبراطور إثيوبيا وقتذاك بعدم إقامة أو السماح بإقامة أي منشآت على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل إلا بموافقة الحكومة البريطانية والحكومة السودانية مقدماً ، وكل ماتقدم من براهين تدحض الحجة الاثيوبية ينطبق علي هذه المعاهدة ايضا لوقوعها في نفس التاريخ ولكن نري ان هناك عامل اخر يكشف ضعف الموقف الاثيوبي وهو انه قد تم النص في مقدمة الاتفاقية علي كونها ملزمه علي ملوك اثيوبيا ومن يتبعونهم في الحكم .
الإمبراطور منيليك الثاني امبراطور إثيوبيا
3 - اتفاقية لندن الموقعة فى 13 ديسمبر 1906م بين كل من بريطانيا وفرنسا وإيطاليا ، وينص البند الرابع منها على أن تعمل هذه الدول معاً على تأمين دخول مياه النيل الأزرق وروافده إلى مصر .
والدول الثلاثة المذكوره والموقعه لهذه الاتفاقية وقعتها للتعاون معا ففي هذا الوقت كان هناك اراضي تحتلها كل دولة من الدول الثلاث في مناطق القرن الافريقي ومن الضروري التعاون فيما بينهم ، ويلفت النظر في هذه الاتفاقية مايلي :
اولا : نصت الدول الثلاثة فيها علي انها وما سبقها من اتفاقيات لاتشكل اي اعتداء علي الحقوق السيادية لامبراطور الحبشة " اثيوبيا حاليا " .
ثانيا : عندما نص في المادة 4 البند أ من الاتفاقية علي مراعاة مصالح مصر وبريطانيا التي كانت تفرض حمايتها علي مصر وقتها وضع بين قوسين العبارة التالية " مع الاخذ في الاعتبار الحرص علي مراعاة المصالح المحلية ) ومن هنا يمكننا الانطلاق ، ان المعاهدة وضعت نصب اعينها مصالح اثيوبيا وليست مجحفة لها كما يصدعون ادمغتنا ليل نهار ، وان في الامكان عدم المساس بمصالح مصر المائية مع تحقيق مصالح اثيوبيا ، وهذا موقف حكومة القاهرة ولكن كما يقولون لدينا في مصر " العند يولد الكفر " .
ثالثا : عندما نص في العديد من المواد التالية علي انشاء السكك الحديدية والتي تستفيد منها اثيوبيا الي يومنا هذا ، هل من المنطقي او المعقول ان تطالب الدول الثلاث الحكومة الاثيوبية الان بتسديد المبالغ التي دفعوها في انشائه علي اعتبار ان المعاهدة من عهود الاحتلال ويجب ان لانعتد بها ، هذا الموقف الغير عقلاني بتاتا هو ماتفعله اثيوبيا اليوم وكأن القانون الدولي عدم قاعدة " المراكز القانونية المستقرة " .
رابعا : اليس من المتناقض ان نقول انها معاهدة من عهد الاحتلال وان اثيوبيا لم تكن ذات قرار وفرضت عليها وينص في المادة 9 من الاتفاقية ان الحكومة البريطانية في حالة الضرورة لها الحق في الاستفادة من الاذن الذي منحه الإمبراطور منيليك الثاني امبراطور إثيوبيا في انشاء السكك الحديدية في الثامن والعشرين من اغسطس 1904 ، اي ان البريطانيين قبل انشاء الخط كانوا قد تفاوضوا مع الامبراطور واخذوا منه الاذن ، مع الاخذ في الاعتبار ان انشاء السكك الحديدية كان سيجر العديد من الفوائد علي اثيوبيا ومع ذلك لم تقم اقوي امبراطوريات العالم وقتها ببناءه الا بعد اخذ اذن امبراطور اثيوبيا ، فكيف لاثيوبيا بعد ذلك ان تتدعي انه قد تم الافتاءت علي حقوقها المائية ؟ .
4 - اتفاقية روما وهى عبارة عن مجموعة خطابات متبادلة بين بريطانيا وإيطاليا فى 1925، وتعترف فيها إيطاليا بالحقوق المائية المكتسبة لمصر والسودان فى مياه النيل الأزرق والأبيض وروافدهما، وتتعهد بعدم إجراء أى إشغالات عليهما من شأنها أن تنقص من كمية المياه المتجهة نحو النيل الرئيسى .
موسوليني كان رئيس الوزراء ووزير الخارجية الايطالي وقتها .
ولنري وجهه النظر البريطانية في ذلك الوقت معا فهي تكشف لنا الكثير من الحقائق في خطاب السفير البريطاني في روما الي رئيس الوزراء الايطالي فنجده يقول في بعض اجزاء خطابه : " ان فخامتكم تدرك الاهمية الكبري بالنسبة لمصر والسودان في ان يحافظا علي حجم المياة الواصل اليهم ، ان لم يكن زيادته ، وكما تعلم فقد اجريت حكومة صاحبه الجلالة - الحكومة البريطانية - مفاوضات مع الاثيوبيين في اديس ابابا لانشاء هذا الوابل ، ولكن لم يتم الوصول الي نتيجة حتي الان ، ويجب ان تكون ايطاليا الي جانب الاعتراف بحقوق مصر والسودان في المياة ، وان لاتشارك في اي عمل علي النيل الازرق او النيل الابيض او اي من روافده تؤدي الي التأثير علي تدفق المياة الي النهر الرئيسي ، ومن المفهوم ان ذلك لن يمنع الاثيوبيين من ان يقيموا مشاريع توليد طاقة كهربائية واستخدام المياة في الزراعة " نفس الموقف المصري الحالي " ، فهل تخطئ بريطانيا ومصر وتصيب اثيوبيا ؟ .
وانه ليس من المتقبل ان تتحكم قوة اجنبية في مياة النيل والتي تمثل امرا حيويا جدا لازدهار بل لوجود مصر والسودان ، ولكن بناء علي علاقات الثقة المتبادلة بيننا فأنه يشرفني ان اطلب منكم ان تساعدونا للحصول علي امتياز بناء هذا الوابل " الحاجز " الذي تريد اثيوبيا بناءه في مقابل دعم الحكومة الايطالية في مسعي الحصول علي امتياز بناء السكك الحديدية من حدود اريتريا الي الحدود الايطالية في الصومال "
وكان الرد الايطالي ان الايطاليين يوافقون علي دعم الحكومة البريطانية لبناء الوابل علي بحيرة Tsana ، في مقابل دعم الحكومة البريطانية لحصول ايطاليا علي امتياز السكك الحديدية من حدود اريتريا الي الحدود الايطالية في الصومال ، واننا نعترف بحقوق مصر والسودان في مياة النيل ونتعهد بعدم اقامة اي مشروعات تؤثر علي تدفق المياة الي البلدين .
الملاحظ من الخطاب :
اولا : ادراك البريطانيين ان حجم المياة وقتها سيحتاج الزيادة ان عاجلا او اجلا .
ثانيا : كان الاثيوبيين وقتها يريدون حاجزا لحجز المياة عند بحيرة tsana ولمن لايعلم فهذه البحيرة هي اكبر بحيرة في اثيوبيا ومنبع النيل الازرق ، ولقد بني فعليا فيما بعد " وهذا هو بيت القصيد وهذا ماتثبته هذه المعاهدة ومافات من كل المعاهدات المذكوره من حقيقة ان اثيوبيا لم تظلم وان اثيوبيا عندما كانت تريد ان تفعل شئ تفعله ، وان انجلترا سعت الي تنفيذ ماتريد بل سعت للحصول علي امتياز البناء .
5 - اتفاقية 1929 وهى عبارة عن خطابين متبادلين بين كل من رئيس الوزراء المصرى آنذاك محمد محمود وبين المندوب السامى البريطانى لويد، وكلا الخطابين موقعين بتاريخ 7 مايو 1929 ومرفق بهما تقرير للجنة المياه الذى سبق إعداده فى عام 1925. ويعد هذا التقرير جزءاً من هذه الاتفاقية، وكان توقيع بريطانيا على هذه الاتفاقية نيابة عن كل من السودان وأوغندا وتنجانيقا (تنزانيا حالياً) وجميعها دول كانت تحتلها بريطانيا آنذاك وأهم ما ورد فى تلك الاتفاقية:
أ- ألا تقام بغير اتفاق مسبق مع الحكومة المصرية أعمال رى أو توليد قوى أو أية إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التى ينبع منها سواء فى السودان أو فى البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذى يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أى وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر.
ب- وتنص الاتفاقية أيضاً على حق مصر الطبيعى والتاريخى فى مياه النيل .
6 - اتفاقية 1929، وتنظم تلك الاتفاقية العلاقة المائية بين مصر ودول الهضبة الإستوائية،كما تضمنت بنوداً تخص العلاقة المائية بين مصر والسودان وردت على النحو التالى فى الخطاب المرسل من رئيس الوزراء المصرى والمندوب السامى البريطانى: حيث جاء فيه: "إن الحكومة المصرية شديدة الاهتمام بتعمير السودان وتوافق على زيادة الكميات التى يستخدمها السودان من مياه النيل دون الإضرار بحقوق مصر الطبيعية والتاريخية فى تلك المياه، وتوافق الحكومة المصرية على ما جاء بتقرير لجنة مياه النيل عام 1925 وتعتبره جزءاً لا ينفصل من هذا الاتفاق، وألا تقام بغير اتفاق سابق مع الحكومة المصرية أعمال رى أو توليد قوى أو أية إجراءات على النيل وفروعه أو على البحيرات التى تنبع سواء من السودان أو البلاد الواقعة تحت الإدارة البريطانية من شأنها إنقاص مقدار المياه الذى يصل لمصر أو تعديل تاريخ وصوله أو تخفيض منسوبه على أى وجه يلحق ضرراً بمصالح مصر، وتقدم جميع التسهيلات للحكومة المصرية لعمل الدراسات والبحوث المائية لنهر النيل فى السودان ويمكنها إقامة أعمال هناك لزيادة مياه النيل لمصلحة مصر بالاتفاق مع السلطات المحلية .
7 - اتفاقية 1959، وقد وقعت هذه الاتفاقية بالقاهرة فى نوفمبر 1959 بين مصر والسودان، وجاءت مكملة لاتفاقية عام 1929 وليست لاغية لها، حيث تشمل الضبط الكامل لمياه النيل الواصلة لكل من مصر والسودان فى ظل المتغيرات الجديدة التى ظهرت على الساحة آنذاك، وهو الرغبة فى إنشاء السد العالى ومشروعات أعالى النيل لزيادة إيراد النهر وإقامة عدد من الخزانات فى أسوان. وتضم اتفاقية الانتفاع الكامل بمياه النيل على عدد من البنود من أهمها: "احتفاظ مصر بحقها المكتسب من مياه النيل وقدره 48 مليار متر مكعب سنويًّا وكذلك حق السودان المقدر بأربعة مليارات متر مكعب سنوياً، وموافقة الدولتين على قيام مصر بإنشاء السد العالى وقيام السودان بإنشاء خزان الروصيرص على النيل الأزرق وما يستتبعه من أعمال تلزم السودان لاستغلال حصته .
8 - إطار التعاون الذى تم توقيعه فى القاهرة فى الأول من يوليو 1993م بين كل من الرئيس المصرى السابق ورئيس الوزراء الإثيوبى الراحل ميليس زيناوى، وتضمن هذا الإطار التعاون بين مصر وإثيوبيا فيما يتعلق بمياه النيل فى النقاط التالية: عدم قيام أى من الدولتين بعمل أى نشاط يتعلق بمياه النيل قد يسبب ضرراً بمصالح الدولة الأخرى، وضرورة الحفاظ على مياه النيل وحمايتها، واحترام القوانين الدولية، والتشاور والتعاون بين الدولتين بغرض إقامة مشروعات تزيد من حجم تدفق المياه وتقليل الفواقد .
وفي النهاية وبعيدا عن كل هذه المعاهدات وتعليقنا عليها ، تجب الاشارة الي ان اثيوبيا انشأت وتنشأ العديد والعديد من السدود علي طول البلاد وعرضها ، تستطيع من خلالها توليد طاقة كهربائية ضخمة تمكنها من تلبية احتياجها من الطاقة بشكل كامل بل وتصدير كميات مهولة الي الدول المجاورة ، وان هذا السد كما ثبت ليس افضلها او اكثرها نجاحا ، وانه من الممكن الاستغناء عن انشائه تماما ، وفي المقابل فأن مصر لاتملك اي مصدر للمياة سوي مياة نهر النيل ، وهنا النقطة الابرز في الموقف القانوني لمصر ، وهو عدم حاجة اثيوبيا ، في مقابل انهيار الكثير من اساسيات مصر في حالة بناء هذا السد الكارثي وهذا مايجعل القانون الدولي والعدالة في صالح مصر .
وهذا مايؤكده الخبير القانوني الدولي المصري / مفيد شهاب ، احد اعضاء فريق اساطين القانون المصري الظافر علي نظيره الاسرائيلي في قضية " طابا " واحد خبراء مصر في هذا المجال ويوضح ناسفا السد نسفا ليس بصاروخ او قنبلة وانما بقانون ومعاهدات دولية :
تعتمد فكرة الحقوق التاريخية والمكتسبة لمصر فى مياه نهر النيل على مجموعة من القواعد والمبادئ القانونية المستقرة، لعل أهمها ما يلى:
(١) مبدأ عدم الإضرار:
يستند هذا المبدأ على قاعدة مستقرة فى القانون الرومانى تفيد: «استعمل ما هو مملوك لك دون الإضرار بالآخرين». مفاد ذلك أن كل دولة مشتركة فى نهر دولى من حقها استخدام الجزء الذى يجرى بإقليمها دون إلحاق ضرر بدولة شريك فى ذات النهر. الأمر الذى جسدته المادة ٢١ من إعلان استكهولم بشأن البيئة والتنمية لعام ١٩٧٢، حيث نصت صراحة على ضرورة تأكد الدول من أن الأنشطة التى تقوم بها فى إقليمها أو تتم تحت سيطرتها لن تتسبب فى إلحاق أى ضرر للأقاليم التى تجاوز حدود إقليم الدولة التى تقوم بالنشاط أو المشروع. كما يتأكد هذا المبدأ صراحة فى المادة ٧ من اتفاقية الأمم المتحدة بشأن استخدامات المجارى المائية الدولية فى غير الشؤون الملاحية لعام ١٩٩٧. ويشترط فى الضرر المقصود هنا أن يبلغ درجة من الأهمية يسهل معها اكتشافه وإثباته بأدلة موضوعية، وأن تتأثر معه معيشة السكان على ضفاف النهر لانتقاص نوعيتها أو تغييرها. وبتطبيق هذا المبدأ على وضع مصر يتضح أن المساس باستخداماتها القائمة يمثل ضرراً بالغاً لها، فى ضوء حقيقة عدم وجود موارد بديلة.
(٢) مبدأ الاستخدام العادل والمعقول:
يعد هذا المبدأ من أهم معايير تقاسم مياه الأنهار الدولية، ويقصد به الحصول على أقصى المنافع الممكنة لجميع الدول المشتركة فى النهر الدولى، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذا لا يعنى بأى حال التساوى الحسابى لأنصبة الدول المشتركة فى النهر الدولى. فهناك عوامل عدة ذكرتها تفصيلاً مختلف تقنيات قواعد استخدام مياه الأنهار الدولية مثل قواعد هلسنكى ١٩٦٦ واتفاقية الأمم المتحدة لعام ١٩٩٧ وقواعد برلين ٢٠٠٤ يستند إليها فى تحديد النصيب العادل والمعقول، ومن أهمها الاستخدامات القائمة، والتى تمثل سنداً أساسياً من أسانيد مصر فى حماية استخداماتها لمياه نهر النيل.
(٣) مبدأ الطبيعة العينية لاتفاقيات الأنهار الدولية:
يؤكد الفقه والقضاء الدوليان على الطبيعة العينية لمعاهدات تقاسم مياه الأنهار الدولية. وقد قررت لجنة القانون الدولى عند صياغة اتفاقية عام ١٩٩٧ اعتبار معاهدات الأنهار الدولية من طائفة المعاهدات العينية التى لا تتأثر بالتغييرات التى تحدث فى شكل الدولة أو نظامها، فضلاً عن تأكيد محكمة العدل الدولية لذات المعنى فى حكمها الصادر فى ٢٥ سبتمبر ١٩٩٧ فى النزاع المجرى- السلوفاكى، حيث أقرت بالطبيعة العينية لمعاهدات استخدام مياه الأنهار الدولية فى غير أغراض الملاحة وخضوعها لنص المادة (١٢) لاتفاقية فيينا لعام ١٩٧٨، والتى تؤكد عدم تأثر الاتفاقيات ذات الطابع الإقليمى بالتوارث الدولى. ويبطل هذا المبدأ أى قول بعدم التزام دول حوض النيل بالاتفاقيات السابقة على اعتبار أنها قد أبرمت فى عهود الاستعمار.
وفى ضوء المبادئ الحاكمة لفكرة الحقوق التاريخية، يمكن القول إن مبدأ الحقوق التاريخية قد استقرت عليه مبادئ القانون الدولى ذات الصلة، وأكده الفقه الدولى، وجرى عليه القضاء الدولى وأحكام المحاكم الوطنية، سواء فيما يتعلق باكتساب الإقليم والسيادة عليه فى البر والبحر، أو فيما يتعلق بحقوق الاستخدام والاستغلال، مادامت قد توافرت فيه شروط الظهور وطول المدة وعدم اعتراض ذوى المصلحة، وهى الشروط التى انتهت إليها محكمة العدل الدولية فى حكمها الصادر بشأن قضية المصائد النرويجية لعام ١٩٥١، حين قررت أن ثمة شروطاً ثلاثة يتعين توافرها للاعتداد بهذه الحقوق، وهى: وجود ممارسة ظاهرة ومستمرة للحق، يقابلها موقف سلبى من الدول الأخرى، مع استمرار هذا الموقف السلبى لفترة زمنية كافية لاستخلاص قرينة التسامح العام، والذى يبين- هذا المبدأ- الكيفية التى ارتضتها الدول المشتركة فى النهر الدولى فى اقتسام مياهه على مدى تاريخها، وهو ما يعد أمراً شديد الأهمية لتحقيق السلم والأمن الدوليين، لصلته الوثيقة بالمصالح المباشرة للدول التى تعتمد على مياه النهر فى نموها الاقتصادى والاجتماعى.
ومن هنا فإنه يتعين التأكيد على أن تمسك مصر بحقوقها التاريخية فى مياه النيل ليس مرده إلى ما ورد بشأن هذه الحقوق فى اتفاقياتها المبرمة مع دول حوض النيل ولاسيما اتفاقيتى ١٩٢٩ و١٩٥٩ فقط، وإنما هو أبعد من ذلك بكثير. فمرده أساساً إلى استعمال ظاهر لمياه النيل لآلاف السنين، دون وجود عائق، ودون وجود بديل حقيقى لهذه المياه، ودونما اعتراض من أى أحد كان مقيماً طوال هذا التاريخ على ضفاف النهر، ولا سيما أن المقيمين عليها خارج مصر كانوا فى غير حاجة إليها لإفراط المطر لديهم.
والواقع أنه ليس من المنطق فى شىء أن تتفق الدول الأفريقية حديثة العهد بالاستقلال فى أوائل الستينيات من القرن الماضى- عند إنشائها لمنظمة الوحدة الأفريقية- على التسليم بالحدود المتوارثة عن الاستعمار، بالرغم مما بها من عيوب وتشوهات، حفاظاً على الاستقرار فى العلاقات الدولية، ثم تشكك بعض دول حوض النيل فى صحة اتفاقيات النهر، بزعم أنها اتفاقيات استعمارية وأنها غير ملزمة بها، ومتناسية أن حقوق مصر ليس مردها إلى هذه الاتفاقيات فحسب، وإنما إلى استعمال دائم ومستمر وظاهر ومستقر لآلاف السنين، وأن التشكيك فى ذلك يهدد فعلاً الاستقرار والعلاقات بين دول الحوض.