ولهذا المؤتمر اهمية تاريخية فخلاله حدث الانشقاق العقائدى بين الكتاب الذين يكتبون فى صحيفة الشرارة. واصبح لينين زعيما لمجموعة البولشفيك وكانوا يشكلون الاكثرية-اى من حيث عدد الكتاب المنتمين لهم فى الصحيفة لا من حيث الشعب-واصبح مارتوف زعيما لمجموعة المنشفيك وكانوا الاقلية.
لما قام المنشفيك بثورتهم المجهضة عام 1905 فى روسيا برهن تروتسكى على مقدرة قيادية . وعلى الصعب من غير العارف ان يعلم لماذا فشلت الثورة،فقد كان الثوار يسيطرون على بطرسيرج من كانون الثانى حتى كانون الاول من العام 1905. وكانوا انشؤوا حكومة شيوعية لبطرسبورج. وبقى لينين والعديد من قادته الثوريين الكبار بعيدين عن الاحداث، وكان المنشفيك يعالجون ثورتهم بايديهم.--اود فقط ان اقول ان الثورة المصرية قريب من النموذج الذى حدث فى مصر ولكن التشابه يبدا من عام 1917 كما سنعرف ان شاء الله-.
كان لينين فى جنيف-مهد المؤامرات-يتشاور مع القوى الخفية عندما اندلعت الثورة فى بطرسبورج بعد يوم الاحد الدامى فى كانون الثانى عام 1905. ولم يعد الى روسيا حتى تشرين الاول. والقى ماساة يوم الاحد الدامى على القيصر. ولكن الذين تحروا الحقائق فى الاحداث وجدوا دلائل كافية على ان الحدث كان مخططا له ومنفذا من قبل الجماعات الارهابية بهدف اثارة الغضب ضد القيصر بين جموع العمال غير اليهود. وقد مكنت تلك الحادثة زعماء الحركة الثورية من الاعتماد على الالوف من الرجال والنساء من غير اليهود، الذين كانوا حتى ذلك اليوم الحزين يدينون بالولاء للقيصر ويدعونه "الاب الصغير". وقد اكتسب يوم الاحد الدامى ذاك اهمية تاريخية كبرى.
وهذه قصة يوم الاحد الدامى التى افقدت القيصر كثيرا من شعبيته:-
فى كانون الثانى 1905 كانت روسيا فى حرب مع اليابان . وقطعت المواصلات الحديدية عبر الاراضى الروسية من الشرق الى الغرب. وتوقفت الامدادات التى التى كانت ترسل الى الجبهة الشرقية بسبب التخريب. وقد صدم الروس يوم الثانى من كانون الثانى بالانباء التى قالت ان بورت ارثر قد وقع فى ايدى اليابانيين. وخسروا الحرب ضد من كانوا يعتيرونهم دولة من الدرجة الثانية.
وتبنت الحكومة الامبراطورية ،فى محاولة منها لكسب ود الصناعيين، سياسة تشجيع انشاء نقابات عمالية واتحادات تجارية شرعية. ومنعت العضوية عن الثوريين. ولم تعجب تلك الاصلاحات ،التى قام بها المعتدلون ، الزعماء المتطرفين من الحركة الثورية الذين كانوا يعتقدون ان الوسيلة السريعة الناجحة لتحقيق الاصلاحات الضرورية هى الثورة.
وفى الثانى من كانون حين سرت انباء الهزيمة فى انحاء الامبراطورية بعض الاضرابات العمالية فى معامل بوتيلوف الضخمة فى بطرسبورج،ودعى للاضراب العام ،ولكن احد الناشطين فى احد الاتحادات الشرعية ،نظرا للاحوال العامة قال انه سيحل المشاكل المعلقة بالتحدث مع القيصر. ولقيت الفكرة استحسانا عند سواد العمال ولكنها لم تحظ بموافقة المتطرفين. وفى يوم الاحد 22 كانون الثانى نظم احد الناشطين فى الاتحادات الشرعية مسيرة سلمية كبيرة اشترك فيها الالوف من العمال مصحوبين بنسائهم واطفالهم. واتجهت المسيرة الى ابواب القصر. وبحسب التقارير الصحيحة كانت المسيرة منضبطة ومنظمة تماما. وكان المشاركون فيها يحملون لافتات كتب عليها عبارات الولاء للقيصر. وعلى بوابات القصر،وبدون ادنى انذار، انهالت زخات الرصاص من البنادق والرشاشات حاصدة العمال وناشرة الفوضى فى المسيرة. وتحولت الساحة امام القصر الى فوضى موجعة . ومنذ ذلك اليوم ويعرف ذلك التاريخ (22 كانون الثانى)بيوم الاحد الدامى . هل كان نيقولا الثانى(القيصر)مسؤولا. الحقيقة الثابتة انه لم يكن فى القصر ولا حتى فى المدينة فى ذلك الوقت. ومن المعلوم ان ضابطا من ضباط الحرس هو الذى اصدر امر اطلاق النار الى الجنود . ومن المحتمل ان يكون هذا الضابط منفذا لاوامر رؤسائه الارهابيين. وكان هذا العمل بمثابة الشرارة التى تدير المحرك الذى كان بدوره من قبل الزعماء الثوريين. وتلا ذلك وهج الثورة الشاملة.
بصرف النظر عمن كان المسؤول فقد كانت النتيجة ان انضم عشرات الالوف من العمال ،الذين كانوا يدينون بالولاء للقيصر،الى الحزب الاشتراكى الثورى وامتدت الحركة الى المدن الاخرى. وحاول القيصر ان يكبت المد الثورى ، وامر منذ مطلع شباط باجراء تحقيق فى الحادثة على يد لجنة شيدلوفسكى. وفى آب اعلن ان الاستعدادات جارية لتشكيل مجلس تشريعى ديمقراطى، وعرف هذا بعد تاسيسه بالدوما Duma . وعرض ان يمنح عفوا شاملا لكل السجناء السياسيين. وتحت مفعول هذا الوعد -المشؤوم- عاد لينين وزعماء البلاشفة الى روسيا من سويسرا وغيرها فى تشرين الاول. ولكن لم يستطع القيصر برغم كل ما فعله ان يلجم المد الثورى.
فى العشرين من تشرين الاول 1905 اعلن اتحاد عمال السكك الحديدية الذى يسيطر عليه المنشفيك الاضراب العام. وفى الخامس والعشرين من ذلك الشهر امتد الاضراب وشمل موسكو وسمولنسك وكيرسك وغيرها من البلدان. وفى السادس والعشرين من الشهر تاسست حكومة بطرسبرج الثورية. وكانت تلك الحكومة تحت سيطرة المنشفيك فى حزب العمل الاشتراكى الديمقراطى الروسى مع ان الحزب الاشتراكى الثورى كان ممثلا. وكان اول رئيس له هو منشفيك سبوردفيسك. وقد تم ابداله بسرعة بجورجى نوسار. وهذا بوره خلع على يد تروتسكى الذى اصبح رئيسا اعتبارا من كانون الاول عام 1905. وفى السادس عشر من كانون الاول القت قوة عسكرية القبض على تروتسكى وعلى 300 من اعضاء الحكومة الثورية. ولم يكن بين الموقوفين بلشفى بارز واحد. وهذا يثبت ان لينين كان محميا من قبل القوى البخفية التى كانت تعمل من وراء الحكومة.
ولم تنته الثورة . فى العشرين من كانون الاول-هذا قبل يوم الاحد الدامى فى احداث الثورة المجهضة 1905- استولى يهودى اسمه بارفوس على السلطة فى ادارة ثورية جديدة. ودعا الى اضراب عام فى بطرسبرج واستجاب لندائه 90،000عامل . وفى اليوم التالى اضرب 15،000 عامل فى موسكو. وشملت الاضرابات شيت وكانسك ورستوف. وفى الثلاثين من كانون الاول عادت بعض الوحدات وبعض الضباط الذين كانوا ما يزالون مووالين للقيصر واستعادوا السلطة باعجوبة. وهكذا وضعوا حدا للثورة- قال فى الهامش : لو تدخل لينين واصحاب المصارف العالميون فى ذلك الوقت لصالح المنشفيك لنجحت الثورة. ولا تفسير لوقوفهم على الحياد وتركهم القوات الامبراطورية تستعيد السلطة سوى انه كان لديهم مخططات سرية لم يحن الوقت لتنفيذها بعد. ويبو انهم كانوا يخططون لاشعال الحرب العالمكية الاولى وكان مخططهم يقضى ببقاء روسيا ملكية حتى بعد انفجار الحرب وربما كان هذا هو الاستنتاج المنطقى الوحيد. وقد اثبتت الاحداث ذلك ا.ه- وهكذا وضعت هذه الوحدات من الضباط والجنود الذين كانوا لا يزالوين محتفظين بالولاء للقيصر وضعوا حدا للثورة. وحافظ القيصر نيقولا الثانى على وعده وتم انشاء الدوما وانتخاب المجلس التشريعى.
فى عام 1907 عقد المؤتمر الخامس لحزب العمل الاشتراكى الديمقراطى الروسى فى لندن. ومثل البلاشفة فى المؤتمر لينين و91 مندوبا ، وتمثل المنشفيك ب89 مندوبا. ومثل 44 مندوبا حزب روزا لوكسمبورج الاشتراكى الديمقراطى البولندى . وكان للعصبة اليهودية التى يقودها رافايل ابراهاموفيتش. وكان الباقى من جماعة الرفيق هرمان (دانيشفسكى) الديمقراطية الاشتراكية. وكان عدد المؤتمرين 312 منهم 116 كانوا فى ذلك الوقت-او سابقا- من العمال.
دعى هذا المؤتمر لدراسة ثورة 1905 المجهضة . والقى لينين تبعة الفشل على انعدام التعاون بين المنشفيك وبقية الزعماء الثوريين من المجموعات الاخرى واخبر لينين المندوبين ال312 ان المنشفيك قد تولوا الامر كله وخلقوا الفوضى العامة فى الامور،ودعا الى سياسة موحدة والى عمل موحد. واحتج بان العمل الثورى يجب ان يخطط له قبل زمن طويل وان عنصر المفاجاة يجب ان يستغل لاقصى حد لمصلحة العمل االثورى.
ورد مارتوف-زعيم المنشفيك- رد الضربة للينين، واتهمه بانه قصر فى تقديم المعونة المفروضة عليه لثورتهم. واتهمه خاصة بحجز المعونة المالية عنهم. وكان ما يثير الازعاج لدى مارتوف وغيره من الزعماء اليهود مثل ابراهاموفيتش وروزا لوكسمبورغ هو ان لينين قد استطاع تامين المال اللازم لحضور هذا العدد الكبير من المندوبين فى المؤتمر. واتهموه بانه يقوم بتمويل الحزب البلشفى عن طريق النهب والخطف والتزوير والسرقة . ووبخوه لرفضه ان يكتتب بجزء معتبر من امواله المنهوبة لصالح منظمة الوحدة المركزية. وقد ضحك الحاضرون كثيرا عندما قام احد المنشفيك باتهام لينين بتزويج احد كبار مساعديه من ارملة ثرية لتغذية خزينته.
واعترف لينين بذلك وقال انه فعل ذلك لاجل القضية ، واكد ان ذلك المساعد الذى تزوج تلك الارلة كان رجلا وسيما قويا وصحيح البنية. "واعتقد ان الارملة قد حصلت على ما يقابل قيمة اموالها تماما". وكان فى هذا المؤتمر ان اصبح ستالين ، الذى كان شخصية ثانوية جدا ، شديد التعلق بلينين. واتفق المؤتمرون فى النهاية على وجوب ايجاد تعاون اوثق بين القادة الثوريين وقرروا اختيار من سيقوم بتحرير صحفهم. والقوا اهمية كبرى على العاية. ووضعوا فى ذلك المؤتمر الاسس لاعادة تنظيم ماكينتهم الدعائية مع التشديد على ان كل ما ينشر فى الصحف يجب ان يكون ضمن سياسة الصحيفة التى تلتزم بخط الحزب.
وفى العام 1908 بدا البولشفيك اصدار صحيفتهم "البروليتاريا" وكان المسؤولون عن التحرير فيها هم لينين ودبروفينسكى وكامينيف . واصدر المنشفيك "جولوس سوسيتال ديموقراطا". وكان المحررون فيها : بليخانوف ،اكسلرود، مارتوف، دان ، ومار تينوف. بينما اصدر تروتسكى مطبوعة شبه مستقلة سماها "فيينا برافدا"'Vienna Pravda".
وفى العام 1909 حصل لينين على التاييد غير المشروط من زعيمين يهوديين هما زينوفييف وكامينيف. واصبحوا يعرفون "بالتلرويكا" اى الثلاثى،
يتبع...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
http://www.waqfeya.com/book.php?bid=6114