تعمل الحكومات الإسرائيلية من خلال ثنائية "الاستيطان والتهويد" على ابتلاع المزيد من الأراضي الفلسطينية، وتقويض هوية وحقوق أبناء الشعب الفلسطيني، بفرض وقائع ديمغرافية استعمارية- عنصرية على الأرض، لا يقاومها الفلسطينيون فقط، بل تقاومها أيضاً أصوات شجاعة داخل إسرائيل.
وشهد شاهد من أهلها، قول ينطبق على السياسات الاستيطانية العنصرية وعمليات التهويد التي تنتهجها حكومات الاحتلال الإسرائيلي في المناطق الفلسطينية المحتلة عام 1967، بالتوازي مع مشاريع طمس هوية ومصادرة حقوق أبناء الشعب الفلسطيني داخل الخط الأخضر، الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية، عبر مخططات تهويد الجليل والنقب، وشرعنة قوانين عنصرية لنفي الذاكرة الفلسطينية، وسلخ فلسطينيي الجليل والمثلث والنقب عن باقي أبناء الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات.
وفي مواجهة هذه السياسات والمشاريع والمخططات مازال الفلسطينيون يخوضون معركة حياة ضد الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة المحاصر ومخيمات اللجوء في الشتات، وضد القوانين والإجراءات العنصرية داخل الخط الأخضر، وإلى جانبهم أصوات إسرائيلية رافضة للاحتلال وما تمارسه الحكومات الإسرائيلية من عنصرية بحق الفلسطينيين، تتجلى أبشع صورها في مخططات التهويد للقدس الشرقية والجليل والنقب.
صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية نشرت في 2 كانون الأول/ديسمبر الجاري افتتاحية تحت عنوان "التهويد عنصرية"، ترجمة مؤسسة الدراسات الفلسطينية، انتقدت فيها بشدة إجراءات حكومة نتنياهو ضد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، ووصفتها بأنها أفعال عنصرية بامتياز. وقالت الصحيفة: "يعيش في إسرائيل أبناء الشعبين اليهودي والعربي، وجميعهم مواطنون في الدولة ومعاملتهم يجب أن تكون متساوية، غير أن هذه الحقيقة التي تشكل حجر الزاوية لأي نظام ديمقراطي مُعرَّضة الآن للتقويض مرة أخرى".
وأضافت الصحيفة: "فقد نما إلى علم صحيفة "هآرتس" أن دائرة الاستيطان في الهستدروت الصهيونية، الذراع التنفيذية للحكومة، بلورت في الآونة الأخيرة مخططاً خاصاً لتهويد الجليل، يهدف إلى إيجاد (توازن ديمغرافي) بين السكان العرب واليهود، ووفقاً لما ورد في تقرير مراسل الصحيفة تسفرير رينات، فإن الغاية من المخطط هي استيعاب 100.000 مواطن يهودي في الجليل، بغية منح تعبير حقيقي للسيادة الإسرائيلية على الجليل من طريق العمل الاستيطاني".
وطالبت الصحيفة بسحب هذا المخطط فوراً، وأكدت أن "الدولة التي تشجع أبناء شعب ما على السكن في منطقة جغرافية ما، وفي الوقت عينه تفرض قيوداً متشددة على تنمية المجمعات السكنية لأبناء الشعب الآخر، هي دولة تتصرف بعنصرية، ولا يوجد أي تعريف آخر لوصف سلوكها هذا".
وأوضحت الصحيفة أن "إسرائيل التي لا تسمح منذ سنة 1948 بإقامة بلدة عربية جديدة في الجليل، في الوقت الذي تتفجر فيه البلدات القديمة من الاكتظاظ نتيجة انعدام احتياطي الأرض، وتُطور بلدات صناعية في البلدات اليهودية فقط، وصادرت الأغلبية الساحقة من أراضي العرب في الجليل منذ سنة 1948، وتدعو على نحو ظاهر إلى تهويد هذه المنطقة بالذات، هي دولة تتصرف بإجحاف وعدم عدالة تجاه مواطنيها..".
الكاتب الإسرائيلي اسحاق ليئور نبه منذ سنوات في مقالة له تحت عنوان "اضربوا العرب.. ليبرمان في خطر"، صحيفة "هآرتس" 27/5/2009، إلى السياسات العنصرية التي تنتهجها الحكومات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. ليئور عرى تلك السياسات بالقول: "يوم الاستقلال فرض بوسائل إضافية على الفلسطينيين الذين تبقوا في بلادهم: الحكام العسكريون أمروا رعاياهم بالخروج من الجيوب للتنزه فوق خرائب قراهم (إذا لم تكن قد استوطنت بعد من المهاجرين الجدد). وما كان محظوراً على طول السنة، كان يسمح به ليوم واحد، للاحتفال به على خرائبهم.. خلف العمى كان دوما التهكم أيضاً: نميز ضدهم في كل مجال ممكن - التعليم، الصحة، المياه، البنى التحتية، الصناعة، التشغيل - وهم سيقبلون العلم في 200 قرية وبلدة يسكنون فيها. اذا احتجوا على التمييز، فسنقول هذا خرق للنظام..".
ويستطرد: "3 في المائة من الأراضي خصصت لهم مع قيام الدولة، منها 2 في المائة فقط للسكن – بمعنى بعد المصادرات الكبرى في الخمسينيات وبعد تشريع سلسلة طويلة ومتلوية من قوانين الأرض والملكية والتي لا تسمح للعرب بشراء الأراضي. "الزيادة الطبيعية لم تكن أبداً مبرراً لتوسيع قراهم إلى ما وراء منطقة الحكم البلدي، التي تقررت عندما كان يبلغ عددهم نحو 150 ألفاً (عن بناء بلدات جديدة لا مجال للحديث). وهكذا فإن مليون نسمة محاصرون في قراهم وبلداتهم المسماة على لسان الجيل العربي الشاب (غيتوات)..".
ويلخص معاناة فلسطينيي الجليل والمثلث والنقب: "فقط من لا يعرف مصاعب الحياة لدى الأقلية العربية في إسرائيل، الفقر المتزايد، العنصرية المستشرية من حوله، المقاطعة (الشعبية) منهم، التمييز والنبذ في المدن المختلطة، وليس السلوك الديني والجميل في يافا بتشجيع من البلدية، رغم أنف الفقراء، ممن لم يحظوا بالبنى التحتية، لا يفهم بأن كل قانون وطني من نوع "قانون النكبة"، حتى لو لم نفرضه، هو ذريعة لتحريض آخر ضد العرب واقتحام آخر إلى حياتهم السياسية والثقافية..".
وسبق لعميرة هاس، الصحفية الإسرائيلية الرافضة للاحتلال، أن وضعت على طاولة البحث معضلة من يرسمون وينفذون السياسات في إسرائيل، لاسيما منذ التوقيع على اتفاق أوسلو عام 1993. وحسب رأي هاس الذي تعبر عنه بالسخرية من السياسات الإسرائيلية "يبدو أن حكومات إسرائيل جميعها قد عرفت منذ 1993 لماذا لا ينبغي المسارعة إلى تحقيق السلام مع الفلسطينيين. فكممثلة للمجتمع الإسرائيلي وكجزء منه، فهمت الحكومات بأن السلام ينطوي على مس شديد بالمصالح الوطنية: مس بالاقتصاد. الصناعة الأمنية غير فرع هام للتصدير الإسرائيلي. السلاح، الذخيرة والتطويرات التي تستخدم كل يوم في ميدان التجارب البيتي: غزة والضفة.. المس بالحياة المهنية الخاصة. صيانة الاحتلال وعدم السلام تشغل مئات آلاف الإسرائيليين: نحو 70 ألف نسمة يعملون في الصناعة الأمنية. المس بجودة الحياة. اتفاق السلام يفترض توزيعاً متساوياً لمصادر المياه في البلاد بأسرها (من النهر حتى البحر) بين اليهود والفلسطينيين وذلك دون صلة بتحلية مياه البحر وتقنيات التوفير. المس بالرفاه. مثلما تثبت الثلاثون سنة الأخيرة، المستوطنات المزدهرة بالتوازي مع تقليص دولة الرفاه. فهي تعرض على الناس من الحاضرة اليهودية ما لا يسمح به راتبهم الحصول عليه في نطاق دولة إسرائيل السيادية، في حدود 4 حزيران/يونيو. أرض زهيدة الثمن، منطقة واسعة من الشقق، امتيازات ودعم حكومي، مجال واسع، مشهد، بنية تحتية من الطرقات الفائقة وجهاز تعليمي مدعوم. كما أن السلام سيخفض، أن لم يخفِ، مفعول الذريعة الأمنية للتمييز ضد مواطني إسرائيل الفلسطينيين – في توزيع الأرض، في تخصيص المصادر للتنمية وأجهزة التعليم والصحة، في أماكن العمل، في الحقوق المدنية (مثل الزواج والتجنس). من اعتاد على العيش كصاحب حقوق زائدة في نظام يقوم على أساس التمييز العرقي، يرى في إلغائه تهديداً على رفاهيته..".
عطفاً على السبب الأخير الذي ساقته هاس في تعرية حقيقة معاداة الحكومات الإسرائيلية، وقطاعات واسعة من المجتمع الإسرائيلي، لتسوية شاملة ومتوازنة مع الفلسطينيين، وبالربط مع ما قالته "هآرتس" في افتتاحيتها، إن العنصرية هي السمة الرئيسية في سياسات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الأرضي المحتلة عام 1967، وضد الفلسطينيين في مناطق عام 1948، من خلال عمليات الاستيطان ومخططات التهويد، وهي عنصرية تكشف عن جوهر ومضمون تلك السياسات، بشهادة العديد من الأصوات الشجاعة داخل إسرائيل.
http://anbamoscow.com/opinions/20131205/387851503.html