منذ الظهور الاول للغواصات كاداة عسكرية كان تركيز المصممين علي جعلها اكثر هدوءا و اطول مدة غطس هما التحديين الاكبيرين عندهم , علنا جميعا نذكر كيف كانت طائرات الدورية البحرية للحلفاء تصطاد ذئاب U-Boat الالمانية بتقنيات بدائية معتمدة علي ضرورة صعود الغواصات الالمانية للسطح و باستمرار , انتهت الحرب العالمية و بدأ عصر جديد لعالم الغواصات , عصر الدفع النووي عصر القوي الخارقة للغواصات الذي اجتذب القوي الكبري في العالم لفترة طويلة تاركين صناعة غواصات الديزل تواجه الخمول , لكن بعد نمو الطلب العالمي لغواصات قادرة علي العمل باريحية في المياه الساحلية القريبة من الشواطئ , ظهرت فكرة الدفع اللاهوائي للغواصات.
كي نفهم اليات الدفع اللاهوائي للغواصات , علينا اولا ان نوجز الية عمل غواصات الديزل و الكهرباء اولا:
كما يوحي الاسم , تعمل هذه الغواصات بالديزل و الكهرباء , حيث يقوم محرك الديزل بشحن البطاريات علي شرط ان تكون الغواصة طافية علي السطح و عند اكتمال الشحن تستطيع الغواصة الغوص بالاعتماد علي البطاريات المشحونة , و يرجع ذلك الي ضرورة توافر الاكسجين اللازم لعملية الاحتراق في المحرك الامر الذي لا يكون متوافرا في الاعماق.
هذه التقنية تجعل الغواصات التقليدية الدفع بالكاد قادرة علي الغوص من 4 الي 5 ايام فقط , الامر الذي يجبر الغواصة علي الصعود للسطح معرضة اياها للكشف السهل من قبل رادارات العدو حتي مع طلاء الجزء الظاهر بالمواد الماصة للاشعاع , كما يعرضها للكشف ايضا عن طريق اجهزة الاستشعار الخاصة بالديزل , لكن تظل فقدان ميزة التخفي و المفاجأة للغواصة اكبر خسائر الدفع التقليدي للغواصات.
هنا يظهر الاحتياج الي نظام يمكن الغواصة من اعادة شحن بطارياتها دون تشغيل محرك الديزل سامحا لها بمواصلة الابحار تحت الماء لاطول فترة ممكنة مع الابقاء علي عناصر التخفي و المفاجأة و البصمة الصوتية المنخفضة (عندما تغطس غواصة ديزل و كهرباء تحت الماء تعتمد علي البطاريات و بالتالي تكون صاحبة بصمة صوتية قليلة لانه ببساطة لا يعمل المحرك).
تظهر مرة الغواصات النووية كخيار اكثر فعالية و تحمل و سرعة بمراحل من غواصات الديزل و الكهرباء حتي تلك المعتمدة علي نظام الدفع اللاهوائي , فما الذي يجعل نظام الدفع اللاهوائي مطلوبا اذن؟
سؤال بديهي يطرئ علي الخاطر مباشرة , و حتي نجيب علي هذا التساؤل يجب ان نشير الي بعض النقاط التكتيكية المتعلقة بنظام AIP :
*الغواصات النووية غير قادرة علي التكيف في البيئات الساحلية عكس غواصات الديزل.
*تكلفة مالية كبيرة و متطلبات صيانة و امان لا تقارن بتلك الغواصات التقليدية.
*غواصات الديزل قادرة علي ايقاف محركاتها بالكامل (الامر الذي يكفل عوامل الكمون و التربص للغواصة) علي عكس ذوات الدفع النووي.
هذه المزايا التكتيكية جعلت تشغل غواصات نووية جنبا الي جنب غواصات الديزل و الكهرباء , بل في بلدان اخري صارت غواصات الدفع اللاهوائي بديلا حقيقيا للغواصات النووية كما في الحالة الاسترالية (غواصة ديزل و كهرباء مزودة ب AIP ذات ازاحة كبيرة و تسليح معتبر و مدي ابحار ممتاز و تنافس علي الصفقة غواصات Soryu اليابانية , تايب 216 الالمانية و الفائزة بالصفقة الفرنسية Chortefin Barracuda التي تم اشتقاقها من الغواصة النووية الفرنسية Barracuda).
قبل البدء في الحديث عن اليات و انواع عمل انظمة الدقع اللاهوائي AIP سنتوقف قليلا مع بعض المصطلحات الهندسية التي سنحتاج اليها لاحقا
* Closed Cycle Engine محرك الدائرة المغلقة : محرك حراري تكون المادة المستعملة فيه مستمرة و لا تحتاج الي تجديد (دورة مغلقة لا تتجدد).
*Steam Turbine توربينة بخارية : نوع من التوربينات حيث تستخدم مضخة لضخ البخار بسرعات عالية لتدوير ريش و شفرات التوربينات و بالتالي تدور محور او عمود , هذه الحركة تستخدم لتوليد الكهرباء او لتحريك مراوح السفينة او الغواصة (الرفاص).
* Working fluid سائل العمل : غاز مضغوط او سائل يستخدم لامتصاص و نقل الطاقة في النظم الحرارية الحركية (تحويل الحرارة الي حركة).
- اليات و انواع عمل انظمة الدفع اللاهوائي AIP :
*CLOSED CYCLE DIESEL ENGINE محرك الدائرة المغلقة*
تعتمد هذه التقنية علي تخزين كميات مناسبة من الاكسجين السائل داخل خزانات لتوفير كمية مناسبة لعملية الاحتراق , علي ان يتم خلط الاكسجين بغاز خامل (عادة ما يكون الارجون) و بالتالي يتم ارسال هذا المزيج (الاكسجين و الارجون) الي المحرك كي تتم عملية الاحتراق , و من ثم يتم تبريد عوادم الاحتراق لتنقيتها و استرداد الاكسيجين و الارجون مرة اخري , علي ان التخلص من باقي العادم عن طريق خلطها مع مياه البحر و التخلص منها خارج الغواصة.
و يتمثل التحدي الاساسي في هذه التقنية في التخزين الامن للاكسجين المساعد بطبيعته علي الاشتعال الامر الذي يضاعف من خطر الحريق داخل الغواصة , لقد استخدم الروس في الستينيات هذه التقنية لكن لاخطارها تم التخلي عنها رغم انها ارخص انواع الدفع اللاهوائي و ابسطها في الوسائل اللوجيستية (تحتاج وقود الديزل).
*CLOSED CYCLE STEAM TURBINES التوربينات البخارية ذات الدائرة المغلقة*
يتم استخدام مصدر الطاقة (مزيج من الاكسجين و الايثانول) لتسخين المياه و تحويله الي الحالة الغازية (بخار) و وضع هذا البخار تحت الضغط و من ثمة يستخدم لتشغيل التوربينة , و هذه التقنية هي اساس النموذج الفرنسي الحالي للدفع اللاهوائي MESMA) Module d’Energie Sous-Marine Autonome) , و تشبه الي حد بعيد تقنية الدفع النووي في الغواصات باستثناء استخدام الذرة في توليد الحرارة اللازمة بدل مزيج الاكسجين و الايثانول.
تتوفر هذه التقنية علي اعلي معدل لانتاج الطاقة الامر الذي يتيح سرعات اعلي تحت الماء لكنها اقل كفاءة و معقدة للغاية مقارنة بانواع الدفع اللاهوائي الاخري.
*STERLING CYCLE ENGINES محرك الاستيرلنج*
محرك الاستيرلنج يعتمد الدورة المغلقة لسائل العمل الذي يدور بشكل دائم في النظام , حيث يستخدم خليط من الاكسجين السائل و الديزل لتسخين سائل العمل الذي يستخدم لتحريك المكابس و تشغيل المحرك , و يتم ربط المحرك بمولد كهربائي يستخدم لشحن البطاريات. و بالتالي استمرار اكثر زمنا للغطس.
يتمتع هذا النظام الذي تنتجه شركة ساب السويدية بميزات عديدة اهمها استخدام وقود الديزل الاقل كلفة مالية و يتمتع ايضا بهدوء و صمت اكثر من النظام الفرنسي MESMA , كفلت هذه الميزات انتشارا اوسع خارج السويد حيث تعاقد اليابانيين (Soryu) و الصينيين (Yuan) عليه لتزويد غواصاتهم بهذه التقنية.
اما بالنسبة لعيوب هذا النظام فانها ايضا تتعدد في
* صوت اعلي بالمقارنة مع تقنية خلايا الوقود بسبب وجود عدد كبير من الاجزاء المتحركة.
*اقتصار العمق التشغيلي للغواصة علي 200 متر فقط عند استخدام النظام.
* اكبر في الحجم.
*FUEL CELLS خلايا الوقود*
خلية الوقود هي نظام يحول الطاقة الكيميائية الي طاقة كهربية باستخدام وقود (الهيدروجين) و مؤكسد (الاكسجين) , عن طريق قطبين احدهما ايجابي و الاخر سلبي (الانود و الكاثود) مفصولين عن بعضهما و عند توصيلهما ينتج تيار كهربي يستخدم لشحن البطاريات.
ابرز انظمة خلايا الوقود هو النموذج الالماني Siemens PEM Fuel Cell و هو الرائد عالميا في هذه التقنية الحديثة و القابلة للتطور بتطور الخلايا و المواد المصنوعة منها , لذلك حققت المانيا اعلي معدلات التصدير عالميا لنظم الدفع اللاهوائي اعتماد علي النظام Siemens PEM Fuel Cell.
مميزات هذه التقنية كثيرة لعل اهمها
* اكثر انظمة الدفع اللاهوائي تقدما و تفضيلا لدي العملاء الدوليين.
* مزايا اكبر في توليد الطاقة.
* البصمة الصوتية الاقل بين نظرائها في تكنولوجيا الدفع اللاهوائي لعدم وجود اي اجزاء متحركة.
* كفاءة تصل الي 80%.
* مرونة واضحة في حجم الخلايا علي اختلاف ازاحات الغواصات.
* مرونة واضحة في ربطها بنظم معينة في الغواصة كنظام التبريد و فصل الغازات.
* صديقة للبيئة و لا ينتج منها غازات و بالتالي لا حاجة لانظمة لطرد الغازات المتولدة كما في الانظمة الاخري.
*قابليتها للتطور بالنظر الي تطور المواد المستخدمة.
*صاحبة الرقم القياسي في البقاء تحت سطح الماء لمدة 18 يوم و قد حققته الغواصة الالمانية U-32.
*الامر الوحيد الذي يعيبها هو ارتفاع سعر التكلفة كونها تستخدم تقنية معقدة.
يتجه العديد من دول العالم حاليا للاعتماد علي هذه التقنية اهمها روسيا , الهند , اسبانيا و حتي فرنسا نفسها قررت الاتجاه اليها و كان لها ما اردت بنموذجها من الجيل الثاني لخلايا الوقود Fuel Cell of second generation - FC-2GAIP sub الذي من الممكن تركيبه علي السكوربيون و الاوشن SMX و بالطبع التحفة الجديدة SMX 3.0 التي تم الاعلان عنها في اليورو نافال 2016.
النظام الفرنسي الجديد من المنتظر ان يصل بفترة الغوص للغواصة الي 3 اسابيع (21 يوم) و هذا النظام يعمل فعليا في احد مختبرات شركة DCNS العملاقة تحت نفس ظروف و جوده في الغواصة تحت المياه , كما تجدر الاشارة ان شركة DCNS تنتج بطاريات ليثيوم للاستخدام علي الغواصات علي ان يتم تركيبها في الغواصة علي هيئة قسم بدن مستقل علي مثال وحدة MESMA مع الحفاظ علي بطاريات الرصاص التقليدية لترفع من بقائية الغواصة الي نحو اسبوع و تكسبها سرعة 12 عقدة لمدة 24 ساعة.
*محددات عمل انظمة الدفع اللاهوائي AIP*
* التكلفة المادية العالية سواء للشراء او للصيانة.
* باستثناء نظام خلايا الوقود , تحتوي الانظمة الاخري علي قطع متحركة التي تسبب ارتفاع في البصمة الصوتية للغواصة و هو بالطبع امر غير مطلوب.
* السرعة البطيئة للغواصة , بحيث تحتاج غواصة للسير بسرعات اقل من عشر عقد في الساعة للاستمرار غاطسة مدد تتراوح بين 14 ال 18 يوم , علي عكس الغواصات النووية صاحبة السرعات العالية حوالي 30 الي 35 عقدة.
* النهاية*
- الغواصات المزودة بتقنية الدفع اللاهوائي عادة ما تبحر من دون استخدمه الا في بعض الحالات الخاصة كتنفيذ مناورة او مهمة رسمية , اما في الاحوال العادية فعوامل التكلفة من وقود و مؤكسدات مرتفعة الثمن تقيد استخدامها.
- مستقبل الغواصات يتعمد علي عاملين هامين الاول انظمة الدفع اللاهوائي و الثاني البطاريات , و كلا العاملين يشهدان ثورة تكنولوجية كبيرة , الامر الذي يرفع من توقعات جدواهما مستقبلا , فمن الوارد ان نري غواصة ديزل كهربائية قادرة علي البقاء غاطسة لمدد طويلة شهور مثلا او حتي اكثر.
AIP + البطاريات = كعب اخيل للغواصات النووية
المصادر
1
2
3
4
6