ساحة المعركة:
الحدود الجنوبية الكويتية السعودية. و بالحديد الشريط الحدود المستقيم من البحر لغاية اقصى غرب الحدود (تسمى نقطة المراقبة 4، و فيها مركز قيادة القوة الحدودية مع 30 جندي امريكي و بعض افراد الجيش السعودي لاحظ الخارطة في الاسفل). قررت القيادة العراقية التقدم على محورين: جنوبي شمالي على الساحل لدخول مدينة الخفجي الحدودية، و شمالي جنوبي اقصى غرب الحدود لاحتلال النقطة 4.
انتشرت قوة من 1200 من المارينز لتغطية المنطقة كاملة حول النقطة 4 لتكون ستار حماية لفرقة المارينز الاولى المتمركزة في منطقة كبريت على بعد 50 كم جنوبا.
كانت مهمة القوات الامريكية مراقبة العراقيين و توجيه ضربات التحالف الجوية لو لزم الامر. و باستثناء حادث دهس قتل فيه 3 جنود من الطرف الامريكي، لم يشهد اول اسبوعين من الحرب الكثير. يوم 26 يناير بدأ العراقيون بالتشويش على اللاسلكي الامريكي، شمل التشويش موجات UHF , VHF و HF. و بالتالي انعزلت كتبيتي الحراسة باستثناء نظام SINCGARS الذي يقوم بتغيير ذبذبات الارسال بسرعة حتى لا يتم التشويش عليه. تم انذار القوات و حاول المقدم Cliff Myers الاتصال بالقيادة العليا بدون اي نجاح. و ماهي الا دقائق حتى نبهتهم وحدات اخرى الى حركة القوات العراقية على الجانب الكويتي. و تم تنبيه العقيد الى تقدم حوالي 50 اليه عراقية الى موقعه. و قام الخط الامامي - 7 جنود مع رشاشات و بضعة صواريخ TOW - بتحضير مواضع دفاعية و انتظروا العراقيين.
انتظر الامريكان حتى وصلت القافلة العراقية لمسافة 100 متر قبل بدء الاطلاق. تم اصابة دبابة T-55 و تعطل التقدم العراقي قليلا، و اطلق الخط الدفاعي الاول اشارة ضوئية للاستغاثة. لمح المقدم الاشارة من مركز القيادة و ارسل كامل السرية نحو الخط الدفاعي (كانت الاليات تبعد 5 كم غرب النقطة). و اصبح للامريكان 7 مدرعات مسلحة بتاو حراري مع مناظير ليلية و 13 مدرعة مسلحة برشاشات 25 مم بدون قدرات رؤية ليلية. و عليه تم ابقاء مدرعات الرشاشات في الخلف. و اطلق اول 3 صواريخ تاو بدون اي اصابات عراقية، بل ان الصاروخ الثالث ضرب مدرعة امريكية مواجهة للعراقيين و قتل 4 امريكان.
نتوقف لحظة لدراسة هذا التحرك العسكري العراقي:
هدف التحرك: حسب كتاب (قبل ان يغادرنا التاريخ) للفريق الحمداني، فقد زار الرئيس صدام حسين الفيلق الثالث بقيادة اللواء صلاح عبود. و طلب منه شن هجوم بمستوى فرقة لاحتلال الخفجي لجر العدو للحرب البرية، و تم اختيار الفرقة الالية الخامسة بقيادة العميد ياسين المعيني و اسناد الفرقة المدرعة الاولى (العميد حسين زيدان) و الفرقة الالية الاولى (العميد حسين حسن) (مصادر اخرى تذكر انها كانت الفرقة الالية الثالثة و الخارطة توضح دور الفرقتين في الهجوم واحدة للجنوب و الاخرى للغرب).
و كانت هذه الفرق من افضل فرق الجيش العراقي، و شاركت بشكل مهم في سلسلة الهجمات في اخر سنتين من الحرب العراقية الايرانية. و كانت الخطة ان تتقدم الفرقة الالية على طول الحدود و تشتبك مع العدو بحثا عن نقطة ضعف. و الاشتباك مع القوات العربية المسؤولة عن الدفاع عن القاطع، و بينما تكون قوات المشاة بتثبيت القوات المدافعة، تقوم الفرقة الالية بالهجوم عليها من الجهة الغربية لحصر القوات المدافعة بين المشاة الالية العراقية شمالا و الفرقة المدرعة العراقية من الغرب و شاطيء البحر من الشمال. و بعدها يتم الانسحاب.
و نتابع مع الهجوم العراقي الرئيسي، حيث تقع مدينة الخفجي جنوب الكويت بحوالي 10 كم، و كانت مدينة حدودية صغيرة يسكنها 15 الف نسمة. غادروها اول ايام الحرب بسبب القصف العراقيى. و كانت توجد قوة نخبة امريكيى عدد 20 للرصد و تحديد مواضع قصف الطيران. و تقع قوة اكبر على بعد 50 كم جنوبا. و امضى كلا الطرفين اول اسبوعين من الحرب بضرب الصواريخ و استدعاء الطيران و التحرش النيراني. و كانت اكبر ضربة جوية امريكية ادت لمقتل العشرات من الجنود العراقيين يوم 26 يناير.
بعدها بثلاثة ايام بدأ فريق الرصد يتابع نشاطا عراقيا مكثفا. و شملت الحركة - على غير العادة تحريك دبابات و شاحنات في وضح النهار في مساحة مشجرة تدعى غابات الوفرة. و تم استدعاء طائرات A-10 و طائرات الهاريير. و لا حظ الامريكان العراقيين كانوا حريصين على ازالة اي حطام مدمر عن الطرق الحدودي. و استسلم 3 جنود للامريكان و اخبروهم عند الاستجواب ان الضباط الكبار في الفرقة قد هربوا شمالا (و على الارجح كان الامر مدبرا لخداع الامريكان). و بالتالي استبعد الامريكان اي هجوم على المدى القريب.
عند المساء استمر الامريكان في الرصد بالمناظير الحرارية. و تم رصد تحرك اكثر من 100 عربة عراقية تتقدم تجاه الحدود. طلبت القوات الامريكية دعما جويا، لكن كل الطائرات المتوفرة كانت مشغولة بالتعامل مع الهجوم العراقي المموه من الجهة الغربية (النقطة 4 و الهجوم الغربي). و خلال ساعة عبرت طليعة القوات العراقية الحدود و انسحب الجنود الامريكان من الموقع. في موقع اخر مجاور استطاع الامريكان توجيه عدة غارات من طائرات الكوبرا المروحية قبل ان ينسحبوا بدورهم.
و توالت التحذيرات و الانسحابات من القوات الامريكي و القوات السعودية من النقاط الحدودية و شمال ووسط المدينة و تم التجمع على حدودها الجنوبية عند محطة تحلية المياه التي تحوي برجا مرتفعا، حيث يمكن رصد الاربع طرق الرئيسية المؤدية للمدينة. و من الجدير بالذكر، ان الامريكان تركوا بعض معداتهم و خرائط عسكرية! و لم ينتبه العراقيون او لم يتح لهم الوقت لتفتيش المقار و الحصول على هذه المكاسب بدليل ان الامريكان وجدوا كل شيء على حاله عندما عادوا بعد بضعة ايام! و بعد تقدير حجم القوة العراقية تم الانسحاب لمدينة المشعاب جنوبا. لقد نجح العراق في احتلال مدينة الخفجي السعودية. الجدير بالذكر انه بقي للامريكان 12 جندي في المدينة (مجموعتين من 6 افراد) كانوا ينفذوا مهام اخرى و لم يتمكنوا من سماع تعليمات الانسحاب. و عندما اتضح الموقف كان القرار ان تبقى هذه القوات مختفية داخل المدينة و تقوم بتوجيه النيران بدل ان تنسحب معرضة نفسها للخطر.
من جهة قيادة الاركان الامريكية فقد كان هناك مفاجأة و حيرة و صدمة:
المفاجاة كانت من حسن التخطيط العراقية و من سرعة و حجم الهجوم، اضافة للمستوى العالي التكتيكي للقوات المهاجمة (وهذه شهادة تقدير للضباط في تلك الفرق).
الحيرة كانت من دوافع الهجوم العراقي، فمدينة الخفجي لا قيمة استراتيجية لها. و احتلالها لن يأتي بأكثر من فرقعة اعلامية لا تستحق التضحية بفرقة الية كاملة ستكون معرضة للتدمير بمجرد ان يبدأ طيران التحالف التعامل معها. و لكن هذا قد لا يتم قبل يوم او يومين، و بالتالي امام القوات الامريكية المدافعة مهمة التعامل مع القوات العراقية بمعركة ندية حتى ذلك الوقت، و اهم خطوات ذلك هو توقع مدى الهجوم العراقي، تحريك 3 فرق لاحتلال مدينة صغيرة ام ان العراق سوف يدخل اعمق للجنوب. و هنا نأتي للصدمة:
الصدمة تأتي عندما نعرف ان جنوب الخفجي تقع مدينة المشعاب التي تحوي ميناء مهم و مخازن للتزويد للامريكان و على عجل تم زرع 500 كغم من المتفجرات على الطريق بين الخفجي و المشعاب عند النقطة التي يمر فيها الطريق من مستنقعات لتعطيل حركة العراقيين لو ارادوا الهجوم. الخيار الثاني للعراقيين، و الاكثر قلقا للامريكان كان قاعدة كبريت العسكرية، فهي لا تبعد عن الحدود اكثر من 20 كم و فيها مستودعات هائلة للسلاح وضعها الجيش الامريكي للتحضير للعملية البرية. نعم عزيزي القاريء، لو عرف العراق بسر هذه القاعدة ( الغير محمية ضد اي هجوم) لتم احباط الهجوم الامريكي البري ﻷسابيع طويلة! و هو مثال على سوء تخطيط امريكي على مستوى العمليات اللوجستية، و برهان على ان اهم سلاح في الحرب هو المعلومة. و قي بدايات المعركة تمكن الامريكان من صد معظم الهجمات العراقية باستثناء الجهد الرئيسي باتجاه الخفجي. و بالتالي حقق الجيش العراقي المطلوب، و لكن الساعة تدق بسرعة قبل عودة طيران التحالف. يتبع
المصادر:
R. Atkinson - Crusade
K. Pollack - Arabs at War
الحمداني - قبل ان يغادرنا التاريخ