الجزء الخامس من : ( اسكود يتحدي باتريوت ) ( عمليات عاصفة الصحراء ) : تحليل أوجه القصور وأسبابها : لاتقاس الكفاءة القتالية لسلاح ما من وجهة النظر الفنية فقط لان الناتج القتالي لاي منظومة حربية هو حصيلة مجموعة من العوامل ، تشمل التخطيط الجيد وكفاءة الاطقم في استخدام السلاح اضافة الي الخواص الفنية للسلاح علاوة علي مجموعة أخري من العوامل ، وفيما يلي تحليل لاسباب القصور من النواحي الفنية والتكتيكية والتدريبية فقط : أ. الأسباب الفنية : ( 1 ) لم تكن التعديلات التي أدخلت علي منظومة patriot كافية لكي تحقق الكفاءة المطلوبة للاشتباك بالصواريخ الباليستية ، فقد ظلت قدرة جهاز الارسال أقل مما يجب وحساسية جهاز الاستقبال دون المطلوب لالتقاط الاشارات المنعكسة من الصواريخ الهجومية من مسافات بعيدة ، كما كانت قوة دفع المحرك أقل من اللازم واستطرادا كان مداه قصيرا ، وعلاوة علي ذلك فقد ثبت أن الطريقة المستخدمة في التوجيه وهي طريقة التوجيه عبر الصاروخ لاتلاءم الصواريخ الباليستية علي الرغم من أنها مناسبة جدا للتعامل مع الطائرات وذلك لان سرعة الطائرة أثناء الهجوم تقل عن سرعة الصوت ، بينما سرعة صاروخ scud تزيد علي أربعة أمثال سرعة الصوت .
( ذكرت بعض المصادر أن سرعة صاروخ سكود = 5.8 ماخ ، وذكرت مراجع أخري أن سرعته = 2.8 ماخ ، وفي هذه الدراسة حسمت السرعة المتوسطة لصاروخ سكود وليس القصوي = 4.2 ماخ ) . ( 2 ) وثمة عيب اخر وهو أن سرعة صاروخ patriot لاتتجاوز 5 ماخ ، والمفروض أن تكون سرعة الصاروخ الدفاعي المعترض أكبر مرة ونصف المرة علي الاقل من سرعة الصاروخ الهجومي حتي يستطيع ملاحقته . ( 3 ) واضافة الي ماسبق فان صاروخ patriot يعتمد علي الشظايا الناجمة عن انفجار الرأس الحربي لتدمير الهدف المعادي ولم يكن وزن الشظية كافيا لتدمير صواريخ سكود .
( 4 ) وأخيرا فقد كان هناك عيوب في برامج تشغيل الحاسب الالي ( software ) أدت اضافة الي عدم خبرة أطقم القتال الي حدوث مجموعة من الاخطاء ، فمثلا كانت اتعكاسات المنشات وغيرها تظهر علي شاشات أجهزة الرادار كما لو كانت أهدافا حقيقية ومن ثم كان يتم اطلاق صواريخ patriot اليها من دون طائل والدليل علي ذلك كثرة الصواريخ التي استهلكت في العمليات ( 157 صاروخا ) مقارنة بعدد مرات الاعتراض التي تمت ( 51 عملية ) ، كما أدي هذا القصور في البرامج الي عجز بطاريات patriot عن التمييز بين الصاروخ وحطامه وكانت تتعامل مع كل جزء من الحطام علي أنه هدف قائم بذاه ولهذا كان الرأس الحربي للصاروخ scud يفلت من الاعتراض في كثير من الحالات وتتجه الي هدفها وقد تم اكتشاف هذا القصور وجري تعديل برامج الحاسب في 4 فبراير 1991 ثم أجري تعديل اخر في 26 فبراير أي قبل نهاية العمليات بيومين فقط ، زد انه لايمكن اعفاء أطقم القتال من المسؤولية عن هذا الخطأ ، فلو كان مستواهم أعلي من ذلك لكان في مقدورهم التمييز بين الاهداف الحقيقية وغيرها .
ب . الاسباب التكتيكية : (1) كان الافتقار الي الانذار المبكر الكافي واحدا من أهم أسباب القصور في أداء الباتريوت ، اذ ان أي سلاح أرض/ جو ، يحتاج الي وسيلة لاكتشاف الأهداف مبكرا وتتبعها والانذار منها واستمرار الامداد بمعلوماتها الي أن تدخل في مجال كشف جهاز الردار الخاص بهذا السلاح ، وقد اعتمدت القيادة الأمريكية في هذة المهمة علي أجهزة رادار صواريخ patriot ثم علي شبكة الأنذار الاستراتيجي المبكر DSP ومدي جهاز رادار الباتريوت 170 كم ، بينما مدي صاروخ سكود المعدل 600-650 كم ، وهذا يعني أن الانذار الذي ستوفره أجهزة الرادار لن يكون مبكرا بالقدر المطلوب ، وبما أن سرعة صاروخ SCUD تساوي 4.2 ماخ فانه يقطع مسافة 170 كم في أقل من دقيقتين وهذا هو أقصي زمن انذار تستطيع أن توفره أجهزة رادار منظومة باتريوت .
أما شبكة الانذار الاستراتيجي المبكر (dsp) التي تستخدم الأقمار الصناعية فقد صممت علي اساس مجموعة مختلفة من العوامل من أهمها أن زمن طيران الصاروخ عابر القارات الذي صممت أساسا لاكتشافه وتوفير الانذار منه يراوح بين 25و30 دقيقة بينما متوسط زمن طيران صاروخ scud هو سبع دقائق ونصف ولهذا السبب كان زمن الانذار الذي استطاعت هذه الشبكة أن توفره من صواريخ scud يراوح بين 90 و 120 ثانية فقط وهو زمن غير كاف ، فهناك معادلة تقضي بأن زمن الانذار من الصاروخ المعادي يجب ألايقل عن مجموع الأزمنة اللازمة لتقدير الموقف واتخاذ القرار وعمل حسابات الاشتباك والتجهيز للاطلاق واطلاق صاروخ الاعتراض زيادة علي زمن طيرانه الي أن يصطدم بهدفه علي أقصي مدي ، وذلك حتي يمكن الاشتباك به غير مرة ، وتدميره بعيدا عن المنطقة المدافع عنها لكي لايتساقط حطامه فوقها .
ونظرا الي عدم تحقيق هذة المعادلة فقد كانت بطاريات patriot مجبرة علي اعتراض صواريخ scud علي مسافات قريبة وارتفاعات منخفضة ولهذا فقد كان حطام الصاروخين يتساقط فوق المنشات والمناطق السكنية ويزيد من الخسائر وذلك في حالة نجاح عملية الاعتراض .
(2) كان المفروض أن ينظم الدفاع علي أنساق في المستويين الأفقي والرأسي بمعني أن يتم الاعتراض في البداية بوساطة خط الدفاع الأول بأسلحة ذات مدي بعيد وارتفاع عال يلي ذلك دفاع المرحلة الثانية علي مسافات وارتفاعات أقل ، وأخيرا تتم متابعة الصواريخ الهجومية التي تفلت من النطاقين ، الأول والثاني بوساطة أسلحة النطاق الثالث ولكن ماحدث هو أن العبء كلة قد ألقي علي عاتق صواريخ patriot بسبب الافتقار الي أسلحة أخري مضادة للصواريخ الباليستية .
(3) وثمة سبب اخر لفشل نظام patriot في اسرائيل هو أن النظام لم يكن مصمما لحماية المناطق السكنية الكبيرة (دفاع منطقة) بل كان مصمما للدفاع عن نقاط محددة مثل القواعد الجوية والمنشات النفطية ومراكز القيادة .
(4) كانت خطة الدفاع عن اسرائيل غير مناسبة ، فقد نشرت المواقع خلف المدن وبالقرب من البحر وكان ذلك سببا في عدم تحقيق أقصي استفادة من المدي المحدود لمنظومة patriot .
(5) أعلن الجيش الأمريكي في تبرير حادثة الظهران في 25فبراير 1991 التي لم يتم فيها اعتراض صاروخ scud أن سرعة طيران هذا الصاروخ بالذات كانت خارج حدود المتغيرات التي وضعت في برامج الحاسب الالي ، ولهذا فان البطارية لم تستطع اكتشاف الهدف ، وقد توجه طاقم من الخبراء الي الموقع وظلوا أسبوعا يدرسون ويحللون الي أن اكتشفوا السبب وقاموا بتعديل البرامج .
وهذا غير صحيح لان هناك بطاريات أخري في الشمال اكتشفت هذا الصاروخ علي شاشاتها وأبلغته الي قيادة وحدات باتريوت بالصوت وبوصلة البيانات ، وعليأي حال فان حدوث الأعطال أمر وارد ، وكان من المفترض أن تقوم القيادة بتخصيص وحدة أخري بهذا الهدف الصاروخ scud ولكن البطارية المجاورة كانت تقوم بأعمال الصيانة الدورية ، وهذا خطأ واضح ويتنافي مع مبادئ القتال ، اذ من المفترض أن يكون هناك موقع بديل واحد علي الاقل جاهزا للاشتباك أثناء العمليات ولاسيما في مثل هذه المناطق المعرضة للقصف .
ج. الأسباب التدريبية : (1) كانت أطقم التشغيل الأمريكية والاسرائيلية تنقصها خبرة القتال علما بأن هذه الاخيرة قد استدعيت علي وجه السرعة قبل أن تتم تدريبها في مدرسة الدفاع الجوي للجيش الامريكي في fort bliss , texas كما أنها المرة الأولي التي تكلق فيها القيادات والأطقم بالقتال وهناك فرق كبير بين الخبرات المكتسبة بالتدريب في ميادين الرماية وتلك المكتسبة بالقتال الفعلي .
(2) استخدم في اسرائيل نوعان من صواريخ patriot وهما الجيل الاول PAC-1 والجيل الثاني PAC-2 وكان هناك بطاريتان من الجيل الأول لم تتمكنا من تدمير صواريخ scud وانما جعلتاها فقط تنحرف عن مسارها لتسقط فوق اهداف حيوية أخري وتصور قادة الأطقم أن في امكانهم التغلب علي هذه المشكلة لو استخدموا الطريقة اليدوية في توجيه صواريخ patriot بدلا من الطريقة الالية وكان هذا خطأ واضحا ، ومع هذا فقد استمروا في استخدام هذا الاسلوب الذي يناسب الاهداف البطيئة نسبيا .
(3) وفي اسرائيل كذلك تأخرت الاطقم خلال عمليات الاعتراض الاعتراض الأولي في تجهيز المواقع للاشتباك مما أدي الي اطلاق أربعة صواريخ باتريوت ضد صواريخ يكود علي ارتفاعات منخفضة فسقطت داخل المدينة .
ونتيجة للخبرات المكتسبة ابان حرب تحرير الكويت ، قامت شركة raytheon بتطوير منظومة باتريوت كما بدأ الجيش الأمريكي برنامجا شاملا لبناء منظومة حديثة مضادة للصواريخ أرض-أرض الباليستية .