المستشار محمد حامد الجمل: مبارك لم يؤمن باستقلال القضاء ولم يقم بدور الحكم بين السلطات
آخر تحديث:
الخميس 10 مارس 2011 10:29 ص
بتوقيت القاهرة تعليقات:
0 شارك بتعليقك
محمد بصل - المستشار محمد حامد الجمل
اقترب المستشار محمد حامد الجمل من دائرة اتخاذ القرار
فى فترتين مهمتين من تاريخ مصر، الأولى عندما كان مستشارا قانونيا لمجلس
الشعب أواخر عهد الرئيس أنور السادات، حيث أشرف على صياغة التعديلات
الدستورية عام 1980، والثانية من 1990 إلى 1993 عندما كان رئيسا لمجلس
الدولة، وشهدت هذه الفترة صياغة العديد من القوانين التى أثارت جدلا مثل
قانون قطاع الأعمال العام وتكرر خلالها الصدام بين السلطتين القضائية
والتنفيذية ثم تم مد سن تقاعد القضاة. يقص الجمل فى حواره مع «الشروق»
تفاصيل لقاءاته مع الرئيس السابق حسنى مبارك وكيف رفض مبارك تنفيذ حكم
قضائى مخالف لرغبته وتجاهل رأى مجلس الدولة فى مشاريع القوانين، كما يكشف
أسرار تعديل المادة الثانية من الدستور وإنشاء مجلس الشورى، والسبب الحقيقى
لإقالة وزير الإسكان الأسبق حسب الله الكفراوى، ويدلى برأيه فى التعديلات
الدستورية الأخيرة مؤكدا ضرورة إجراء الانتخابات الرئاسية الجديدة قبل
التشريعية.●
كيف بدأت علاقتك بالرئيس السابق حسنى مبارك؟
ــ
التقيت به أول مرة عند أدائى اليمين الدستورية أمامه رئيسا لمجلس الدولة
عام 1990، حيث تم استدعائى مع المستشار كمال أنور، رئيس مجلس القضاء الأعلى
آنذاك، لأداء المراسم فى قصر رأس التين بالإسكندرية، فى حضور رئيس الوزراء
آنذاك د. عاطف صدقى، ووزير العدل آنذاك فاروق سيف النصر، وزكريا عزمى رئيس
الديوان الجمهورى، وعقب أداء اليمين اجتمع مبارك بنا وطالبه أنور بتوفير
الإمكانات ورفع رواتب القضاة، وشكا له عدم تخصيص سيارة لرئيس محكمة النقض،
فأمر بتخصيص سيارتين لى ولأنور.
وتطورت العلاقة بيننا خلال 3 سنوات
هى فترة رئاستى لمجلس الدولة حتى أحلت إلى التقاعد بعد بلوغى سن الستين فى
يونيو 1993، حيث طلبنى مبارك مرة أخرى فى الإسكندرية لمنحى وسام الجمهورية
من الطبقة الأولى تقديرا لعطائى القضائى، فسافرت إلى الإسكندرية بالطائرة
الرئاسية بصحبة فاروق سيف النصر وكان معنا على ذات الطائرة وزير الخارجية
آنذاك عمرو موسى والرئيس الإسرائيلى الحالى شيمون بيريز اللذان كانا مدعوين
على مأدبة إفطار رئاسية.
وكان سيف النصر يحمل طوال الوقت فى يده
ظرفا ورقيا صغير الحجم سلمه لمبارك بعد تكريمى، وعقب عودتى للقاهرة فوجئت
بصدور قرار جمهورى بمد سن تقاعد القضاة إلى 64 سنة، وكان التفسير الوحيد
والمباشر لهذا القرار هو التنكيل بى وبكمال أنور بعدما تصادمنا مرارا مع
الوزير سيف النصر وتكررت مطالباتنا لمبارك بالتدخل لضمان استقلال القضاء.
●
ما حدود تعاملك مع مبارك خلال السنوات الثلاث؟
ــ
كان الرئيس دائم الاتصال بى هاتفيا لأخذ رأيى فى مسائل قانونية تغمض عليه
من أمور تتعلق بالبرلمان والتشريعات الجديدة، ومن أهم المسائل التى استفسر
عن قانونيتها «ازدواج جنسية النواب وضرورة أداء الخدمة العسكرية لخوض
انتخابات مجلس الشعب».
●
وهل كان يأخذ برأيك؟
ــ
لم يحدث أبدا، فمثلا أكدت له صدور أحكام نهائية ومبادئ قضائية من الإدارية
العليا بحظر تعيين مزدوجى الجنسية فى المناصب العليا أو دخولهم مجلس
الشعب، لكنه قبل فيما بعد تعيين وزراء مزدوجى الجنسية ومثل حزبه نواب
مزدوجو الجنسية، وعلمت فيما بعد أنه كان يستشيرنى قبل أخذ رأى مجموعة
قانونية مقربة منه وتنتمى للحزب الوطنى على رأسها د.فتحى سرور رئيس مجلس
الشعب السابق ورئيس الوزراء عاطف صدقى الذى كان فى شبابه قاضيا بمجلس
الدولة.
●
وكيف علمت بأنه يستشير هؤلاء فى المسائل القانونية؟
ــ
عقب إصداره قانون مد سن تقاعد القضاة بقرار جمهورى منفرد، اتصلت بفتحى
سرور وقلت له إن هذا القرار باطل لأن مجلس الشعب كان فى دور الانعقاد ويجب
تمرير القوانين منه فقط، حيث لا يجوز للرئيس إصدار قرارات بقوانين فى غير
إجازة مجلس الشعب.
فرد علىّ سرور قائلا: «يا راجل انت كنت بتدى الريس محاضرات فى التليفون ومكنتش بتريحه، المفروض تقول تمام يافندم وخلاص».
●
نفهم أنك اختلفت معه فى بعض المسائل؟
ــ
نعم.. ذات يوم اتصل بى تليفونيا قائلا: «هناك سفير بالخارجية أنهينا خدمته
لأنه تاجر شنطة ومدمن خمور ومخدرات وأصاب سمعة مصر فى الخارج بضرر جسيم،
ثم رفع دعوى فى القضاء الإدارى لإلغاء قرار فصله.. أنا وعمرو موسى (وزير
الخارجية فى ذلك الوقت) لن نقبل عودته للخدمة»، فأثار الأمر استغرابى لأنه
بذلك يحاول التدخل أو المصادرة على حكم المحكمة وأكدت له أن هذه مسألة
قانونية خاضعة لرقابة القضاء وكلمته نافذة فيها.
انتهت المكالمة
وأرسلت أبحث عن ملف قضية هذا السفير، فوجدت أن المحكمة قضت بإلغاء قرار
فصله فعلا وألزمت وزارة الخارجية بإعادته إلى عمله بذات الدرجة والمزايا،
وبالفحص تبين أن ملفه مشرف وناصع البياض بدون مخالفة تذكر وأنه حاصل على
شهادات تقدير وخطابات شكر عديدة من الداخل والخارج.
وبعد أيام اتصل بى
مبارك مرة أخرى يسألنى عن القضية، فأوضحت أنه لا أثر لأى مخالفات فى سجل
السفير وأن القضاء أعاد له حقه، فثار وقال «بقولك إيه.. الحكم ده مش
هيتنفذ» فرددت «إزاى يافندم.. الحكم واجب النفاذ....» فقاطعنى «أهو كده
احنا مش هنفذ الحكم» وانتهت المكالمة.
●
هل حاول مبارك التدخل فى قضايا أخرى؟
ــ
فوجئت ذات يوم بأحد معاونيه الشخصيين يتصل بى يسأل عن دعوى فى القضاء
الإدارى أقامتها لوسى أرتين، التى أثارت جدلا آنذاك بعلاقتها ببعض رجال
الدولة، فسألته «انت ليه بتسأل عن واحدة زى دى؟ مين بيسأل تحديدا إنت ولاّ
الريس؟» فقال لى «إحنا» وبعدها علمت أن لوسى أرتين أقامت الدعوى للحصول على
تصريح بالسفر مع أبنائها القصر بدون إذن زوجها.
●
هل كان مبارك مسئولا عن تمرير قوانين أو تشريعات خاطئة؟
ــ
مبارك هو المسئول رقم واحد عن تمرير قانون غير دستورى به عيوب خطيرة هو
«قانون قطاع الأعمال العام» ولهذا القانون قصة طويلة تبدأ بأن عاطف صدقى
اتصل بى وطلب منى مراجعة القانون بشكل شخصى، فترأست قسم التشريع بصفة
استثنائية يتيحها لى قانون مجلس الدولة، وأحلته للدراسة بمعرفة مستشار
مساعد حلله قانونيا ومنهجيا واكتشف فيه العديد من العيوب النظرية، ثم بدأت
فى دراسته على انفراد ففوجئت بأن الهدف منه هو بيع القطاع العام المنصوص
عليه صراحة فى الدستور، ولكن بدون إيضاح المصالح أو الشركات التى ستتم
خصخصتها أو كيفية بيعها بالمزاد أم الأمر المباشر أو أسلوب سداد السعر أو
طريقة التصرف مع العمال والموظفين الحكوميين بهذه الشركات.
●
كيف أعلمته بهذه المخالفات؟
ــ
كتبت مذكرة برفض مجلس الدولة للقانون من حيث المبدأ ووافق عليها أعضاء قسم
التشريع بالإجماع، فكتبت رسالة بهذا المعنى مرفقة بالملاحظات وأرسلتها إلى
مبارك وصدقى، فاتصل بى صدقى بعد أيام يبدى غضبه من إرسالى الخطاب مباشرة
إلى مبارك وقال «انت مش بتراعى الزمالة وتشتكينى للرئيس.. كده القانون مش
هيتمرر» فبدا لى أن الرئيس اقتنع برأيى، ثم نشرت صحيفة يسارية خبرا عن رفض
مجلس الدولة للقانون.
بعد أيام تلقيت اتصالا من د.مصطفى الفقى،
سكرتير الرئيس للمعلومات آنذاك، قال لى «أنا جنب الريس ووزير قطاع الأعمال
د.عاطف عبيد بيشتكيك عشان الكلام المنشور فى الصحافة، والرئيس بيقولك إن
رأيك وصله وبيطلب منك تسكت وبلاش تصريحات صحفية منك أو من أى قاضٍ بمجلس
الدولة» وبعد أيام أحال مبارك مشروع القانون المعيب إلى مجلس الشعب بعدما
ألقى بملاحظاتنا فى القمامة.
●
ما المكانة التى كانت تحتلها السلطة القضائية عند مبارك؟
ــ
لم يكن يؤمن باستقلال القضاء، وكان يعتقد أن الهيئات القضائية تابعة
للسلطة التنفيذية ممثلة فى وزير العدل، ولم يكن يؤدى دوره الدستورى كحكم
بين السلطات، فلم يحضر أبدا اجتماعات المجلس الأعلى للهيئات القضائية رغم
أنه رئيسه بنص الدستور، فكان يرأسه دائما الوزير سيف النصر، وكنت دائم
الاعتراض على هذا الوضع على مدار 3 سنوات كانت فيها الاجتماعات تنعقد بدون
جدول أعمال أو محاضر جلسات.
وكان الوزير دائما يتخذ قرارات ضد مصالح
مجلس الدولة ومجلس القضاء الأعلى ويستعين بالنائب العام المعين بقرار منه
ورئيسى النيابة الإدارية وهيئة قضايا الدولة لترجيح كفته.
●
ألم تكن تحاول أن توصل لمبارك مطالبك باستقلال القضاء؟
ــ
حاولت عمليا من خلال إرسال طلبات اعتماد الدرجات القضائية الجديدة
والترقيات إلى الرئيس مباشرة دون تمريرها على وزير العدل، فاتصل بى زكريا
عزمى محتدا «متبعتش تانى مباشرة، العلاقة المباشرة بين الرئاسة ووزير
العدل».
وفى مناسبة أخرى طالبت بتحديد عيد للقضاء مثل عيدى العلم
والشرطة فاتصل بى زكريا عزمى أيضا وقال «ازاى بتقول الكلام ده؟ العيد موجود
فعلا بس احنا مش بنعلن عنه» ولم أجد ردا مناسبا على هذا الادعاء.
●
هل كان مبارك يقابل رؤساء الهيئات القضائية بسهولة؟
ــ
قناة الاتصال بيننا كانت دائمة أحادية الاتجاه، فلم نكن نستطيع الوصول
إليه عندما نحتاجه، بل إن حرسه الشخصى منع المستشار كمال أنور رئيس محكمة
النقض يوما من لقائه بعد نزاع مع رئيس الحكومة.. بدأت القصة بأننى اتفقت مع
أنور على وضع قواعد صارمة لندب وإعارة القضاة منها قصر فترة الإعارة على 4
سنوات تجدد مرة واحدة فقط مع إحالة المخالفين الذين يرفضون العودة إلى
الصلاحية، فأنذر أنور 4 قضاة مخالفين كان أحدهم مقربا من عاطف صدقى،
فاستصدر منه قرارا يسمح بتجديد إعارة القضاة الأربعة.
اتفقت مع أنور
على أن هذا القرار معدوم وباطل قانونا لصدوره من غير ذى صفة لكن صدقى رفض
التراجع وأهمل كلامنا، فطلب أنور لقاء الرئيس أكثر من مرة ولم ينجح، فاستغل
فرصة دعوتنا إلى مناسبة معه فى دار الأوبرا وحاول دخول الاستراحة التى
يجلس بها الرئيس فمنعه الحرس، فأخذ يصرخ «أنا رئيس محكمة النقض ورئيس
السلطة القضائية» فخرج زكريا عزمى من الاستراحة لتهدئته ووعده بأنه سيقابله
قريبا لكن لم يحدث، ولم ينتصر مبارك لرئيس محكمة النقض فى الحق.
●
هل يعنى كلامك أن مبارك يتخذ القرارات الحاسمة بإيعاز من الدائرة الضيقة المحيطة به؟
ــ
بالطبع، وليس فى مجال القضاء فقط بل فى المجال السياسى أيضا وخير دليل على
ذلك قصة إقالة وزير الإسكان الأسبق حسب الله الكفراوى التى بدأت أيضا من
مجلس الدولة، حيث رفع تجار الخضار بسوق روض الفرج دعوى قضائية لإلغاء قرار
الكفراوى بنقلهم إلى سوق العبور الجديد حتى يظلوا فى قلب العاصمة، فأصدرت
محكمة القضاء الإدارى حكما ببقائهم فى روض الفرج، لكنى كرئيس للإدارية
العليا ألغيت حكم أول درجة وأيدت قرار الكفراوى، لأن الدولة كانت قد صرفت
مئات الملايين من الجنيهات على إنشاء سوق العبور وتنظيم نقل التجار إليه.
لكن
أحد محامىّ التجار توسط لدى رئيس الوزراء ورئيس مجلس الشعب لتجاهل الحكم
وعدم تنفيذه لأطول فترة ممكنة، مما أضر بمشاريع الكفراوى التنموية، وتبين
أن جهازا رقابيا أصدر تقريرا يدين المسئولين عن تأخر تنفيذ الحكم النهائى
بالمخالفة للقانون.
وفى يوم كان الكفراوى يركب سيارة مبارك أثناء
تفقده مشروعا سكنيا فسأله عما إذا كان قد اطلع على هذا التقرير الرقابى
وطالبه بإلزام الحكومة بتنفيذ الحكم، فتدخل زكريا عزمى فى الحوار وقال إنه
لم يطلع الرئيس عليه لانشغاله، وبعدها بأيام أقيل الكفراوى.
●
كيف كان التعامل الإدارى بينك وبين الحكومة خلال رئاستك مجلس الدولة؟
ــ
كنا نعانى عدم وجود اعتمادات مالية كافية، فمثلا تسلمت المجلس والمبنى
الرئيسى الحالى بالدقى فى طور البناء منذ 3 سنوات سابقة على رئاستى، فأرسلت
خطابا إلى د.كمال الجنزورى، وزير التخطيط آنذاك، أطلب الاعتماد المالى
المطلوب، فرد على بخطاب مقتضب به 3 أسئلة: من أمر بتعديل مواصفات المشروع
لترتفع القيمة من 7 ملايين جنيه إلى 35 مليونا؟ وماذا تم حتى اللحظة؟ وهل
هناك تعديلات أخرى مقترحة؟
فشكلت لجنة برئاسة المستشار جودت الملط،
نائب رئيس المجلس آنذاك ورئيس الجهاز المركزى للمحاسبات حاليا، لدراسة ظروف
التعاقد وأسباب زيادة القيمة وتعثر الاعتماد، فاتضح أنه تم ترسية المشروع
بالأمر المباشر على شركة المساكن الشعبية وليس لها أى خبرة سابقة لبناء
منشآت المحاكم بقيمة 7 ملايين جنيه ثم زادت إلى 35 مليونا وبناء على
مكاتبات بين الأمين العام للمجلس المستشار يحيى عبدالمجيد، محافظ الشرقية
ووزير شئون مجلس الشورى السابق.
●
على أى أساس رفع يحيى عبدالمجيد قيمة المشروع؟
ــ
تم تعديل المواصفات بتقسيم القاعات والعنابر إلى حجرات وإنشاء مصاعد
إضافية وتكييف المبنى مركزيا وتوسعة الجراج ليكفى 500 سيارة بدلا من 250،
فترتب على ذلك زيادة النفقات نتيجة لتغيير الأحمال على العمدان، فسألت
عبدالمجيد عن الشخص الذى أصدر هذه التعليمات، فقال لى إنهم رؤساء المجلس
السابقون، فاستفسرت منهم فأنكروا وأكدوا أنه لا علاقة لهم بالقرار، وأن
جميع المكاتبات تمت بمعرفة عبدالمجيد.
فأرسلت إلى وزير التخطيط
مذكرة بنتيجة البحث وطلبت تخصيص المبلغ، لكن هذا لم يحدث حتى تقاعدى، كما
أن دوائر السلطة اتهمتنى بفتح ملفات مغلقة من شأنها المساس بسمعة القضاء!
وكان من نتائج هذه الأزمة أن اتخذت قرارا بتعيين أمين عام آخر غير يحيى عبدالمجيد، الذى عاد مرة أخرى إلى منصبه بعد تقاعدى.
●
ما شهادتك على تعديل الدستور عام 1980 بأمر الرئيس السادات كمستشار قانونى للبرلمان فى تلك الفترة؟
ــ
كان السادات مصرا على تعديل يسمح له برئاسة الجمهورية للأبد، فمرر عبر
مجلس الشعب تعديلا للمادة 77 يقضى بجواز التجديد لرئيس الجمهورية «لمدد
أخرى» بدلا من «لمدة أخرى» فاعترضت سياسيا وقانونيا وقلت لرئيس مجلس الشعب
صوفى أبوطالب إن «لمدة أخرى» كافية لفظيا لضمان التجديد التلقائى بعد
انتهاء كل فترة ولاية، فرفض وأصر على «لمدد أخرى» كتعديل قاطع يؤكد إمكانية
ترشيح السادات مدى الحياة.
ورفض السادات كذلك نصا اقترحته فى تعديل
المادة الخامسة بإضافة عبارة «ويحظر نظام الحزب الواحد» كنت قد اقتبستها
من الدستور المغربى، وادعى الرئيس أنه «لا لزوم لها» ليفتح بذلك الباب أمام
تحكم الحزب الحاكم بمسمياته المتعددة فى الحياة السياسية المصرية لثلاثة
عقود.
●
وماذا عن المادة الثانية الخاصة بالشريعة الإسلامية؟
ــ
كانت المادة الثانية قبل هذا التعديل هى «الإسلام دين الدولة واللغة
العربية لغتها الرسمية» فأراد السادات إضافة عبارة «ومبادئ الشريعة
الإسلامية مصدر التشريع» فاعترض النواب الأقباط بمجلس الشعب ومنهم الوزير
ألبرت برسوم سلامة والمحامى حنا ناروز، وقالوا إن أهل الكتاب سيعاملون بهذا
النص بشكل تمييزى فلن يتولوا المناصب العليا ولن ينخرطوا فى صفوف الجيش
وسيجبرون على ارتداء لباس معين وفق الشريعة الإسلامية، فرد عليهم صوفى
أبوطالب بأن «أهل الكتاب لهم ما لنا وعليهم ما علينا» فرفضوا كلامه كضمانة،
وأكدوا أنه لن تقبل شهادة كتابى على مسلم كشكل من أشكال الولاية فى الفقه
الإسلامى، وأعلنوا انسحابهم من اللجنة العامة لمجلس الشعب.
●
ماذا كان رد فعل الرئيس السادات؟
ــ
انزعج للغاية وأوفد وزير الداخلية النبوى إسماعيل لمجلس الشعب لبحث
المسألة معى وعلاج المادة بشكل يضمن ذكر الشريعة الإسلامية ولا يزعج
الأقباط، فاقترحت إجراء تعديل بسيط على العبارة المضافة لتكون «مبادئ
الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع» حيث تدل على وجود مصادر
تشريعية أخرى وضعية غير إسلامية، وكتبت تقريرا يؤكد اتفاق هذه المادة مع
المادة 40 الخاصة بعدم التمييز بين المواطنين والفصل الذى يؤكد استقلال
سلطة القضاء والمحاكم، وأن هذه المادة تتفق مع مادة فى القانون المدنى
المصرى تنص على اللجوء للشريعة الإسلامية فى حالة قصور القوانين الوضعية،
وأن المشرع المصرى استعان بالشريعة الإسلامية فى وضع قوانين عديدة خاصة
«المواريث والأوقاف والأحوال الشخصية».. وانتهت الأزمة باقتناع النواب
الأقباط بالتعديل الذى أدخلته.
●
ما رأيك فى مطالبة البعض الآن بإلغاء هذه المادة؟
ــ
من يطالب بذلك لا يفهمها بشكل صحيح وليس هناك أى مبرر لذلك، بل إن الشريعة
الإسلامية هى التى أرست جوانب القانون المصرى الخاص بالأحوال الشخصية
والأوقاف والمواريث التى تسرى على الأقباط أيضا، لأن شريعتهم قاصرة عن علاج
هذه الأمور وتقتصر فقط على علاقات الزواج والطلاق.
●
وما موقفك من المطالبة بإلغاء مجلس الشورى الذى أقرته أيضا التعديلات التى أشرفت عليها عام 1980؟
ــ
أخبرنى صوفى أبوطالب بضرورة استحداث غرفة برلمانية ثانية، فأعددت مشروعا
اقترحت فيه إنشاء «مجلس الشيوخ» على غرار دستور 1923 له اختصاص رقابى
وتشريعى كامل وموازِ لمجلس الشعب، لكن أبوطالب رفض ذلك، وأخبرنى بأن
السادات طلب أن يكون اسمه «مجلس الشورى» وألاّ يكون له أى اختصاص رقابى
وينحصر اختصاصه فقط فى «حماية مبادئ ثورة يوليو وثورة التصحيح»!!
وتم
إعداد النصوص على هذا الأساس ليتحول هذا المجلس إلى «جراج» لأفراد الحزب
الحاكم الذين فشلوا فى انتخابات مجلس الشعب أو لترضية المسئولين بعد
تقاعدهم، وحاليا أنا أقترح توسيع اختصاصاته ليكون موازيا لمجلس الشعب
بالكامل فتعرض عليه جميع القوانين بما فيها القوانين المكملة للدستور
والموازنة العامة للدولة، مع ترجيح رأى مجلس الشعب إذا تعارض رأيا
المجلسين.
●
ما رأيك فى الوضع الدستورى الحالى الذى تعيشه مصر؟
ــ
هناك فجوة بين الواقع وما كان مفروضا اتباعه عقب نجاح الثورة، فطبقا للفقه
الدستورى عندما تنجح الثورة الشعبية ينشأ وضع دستورى جديد حيث تعود جميع
السلطات للشعب وتسقط جميع طبقات النظام القائم.
●
هل ترى أن المرحلة الحالية تحتاج إعلانا دستوريا مؤقتا؟
ــ
نعم، هذا ما تفتقده مصر حاليا، فالدستور المؤقت كان سيحل محل التعديلات
الدستورية التى أجريت مؤخرا وسيتم الاستفتاء عليها 19 مارس، وكان من شأنه
التمهيد قانونيا لإعداد دستور جديد متكامل بمعرفة جمعية تأسيسية منتخبة،
وكان يمكن أن يستعين الجيش بالدستور المؤقت الذى وضعته حكومة الثورة عام
1953 وعاشت مصر به 3 سنوات مع إضافة مادة تلزم السلطة المنتخبة القادمة
بتشكيل جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد.
كما أن هذا الأمر يتماشى مع
الإرادة الثورية للشعب، فلا أتصور أن يعود دستور 1971 للعمل بعد الاستفتاء
المقبل مطعما ببعض التعديلات التى لم تمس سلطات رئيس الجمهورية من قريب أو
بعيد ولم تلغ المواد التمييزية الموجودة به التى تسمح بوجود كوتة للمرأة
والعمال والفلاحين بالبرلمان ولم تمنح القضاء استقلالا حقيقيا بفصله تماما
عن وزارة العدل.
●
كيف ترى التعديلات التى منحت رئيس المحكمة الدستورية العليا سلطة واسعة؟
ــ
بالنسبة للجنة العليا للانتخابات الرئاسية المنصوص عليها فى المادة 76
فمنع الطعن على قراراتها هو مخالفة صريحة للمبادئ فوق الدستورية والاتفاقية
الدولية للحقوق السياسية واتفاقية استقلال القضاء فى الدول المتمدينة
الموقعة عليها مصر، حيث تمنع الاتفاقيتان أن يكون التقاضى على درجة واحدة،
فما بالنا بمنع الطعن على قرارات اللجنة تماما رغم كونها لجنة إدارية!
وبالنسبة
للفصل فى الطعون الانتخابية، أرى أن هذه السلطة يجب أن تسند لمحكمة النقض
أو المحكمة الإدارية العليا لأن المحكمة الدستورية العليا ليست محكمة وقائع
وعدد أعضائها محدود وقضاتها لا يتمتعون بالخبرة الكافية للتحقيق فى الكم
الهائل المعتاد من الطعون.
●
هل الأنسب إجراء الانتخابات الرئاسية أولا أم التشريعية؟
ــ
يجب انتخاب رئيس للدولة أولا حتى يحل محل المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى
إصدار القرارات السيادية والتنفيذية بشرط وجود مرجعية دستورية قانونية، ثم
تجرى انتخابات مجلس الشعب فى وقت لاحق، ولهذا أيضا سبب سياسى لعدم تمكين
فلول الحزب الوطنى الحاكم سابقا من استغلال نفوذهم القائم لاكتساح
البرلمان.
http://www.akhbarak.net/article/2376250