بالمنطق
المؤامرة الأمريكية تمتد حتي منابع النيل!
اعتقد أن الرئيس السادات ـ الذي أكن له كل التقدير والاحترام ـ يئن في العالم الآخر لما تشهده مصر الآن من مؤامرات يدبرها منذ سنوات المسئولون الأمريكيون ـ ولا أقول الشعب الأمريكي ضد مصر
والتي وضحت معالمها وانكشفت في إطار ثورة الربيع العربي, وبالمثل أتصور أن الرئيس عبد الناصر ـ الذي أكن له نفس المشاعر ـ يأسف بدوره الآن وهو في العالم الآخر, لأنه بادر باللجوء إلي الاتحاد السوفيتي عندما خذله الأمريكيون بشأن صفقات السلاح التي رفضوا تزويدنا بها, ثم بعد وأكثر من ذلك رفضهم بناء السد العالي الذي أرادت مصر من خلاله الاستفادة من مياه النيل, وتطوير إنتاجها الزراعي ومصادر الطاقة الكهربائية.. اعتقد أن كلا الرئيسين ـ علي اختلاف توجهاتهما ـ يشعر الآن بالندم لأنه بهذه الخطوة من جانب عبد الناصر, وتلك الخطوة من جانب السادات عملتا علي اقحامنا في دائرة الصراع بين الدولتين العظميين, وأن هذا الصراع مازال دائرا حتي يومنا هذا ومازالت آثاره تتفاعل بعنف ودهاء شيطاني فيما يجري لنا, ومن حولنا وامتدت جنوبا حتي منابع النيل! وهنا لن أتناول كل الآثار والنتائج التي أسفر عنها هذا الصراع بين الدول الكبري والذي أقحمنا فيما يفوق طاقاتنا وامكاناتنا المتواضعة.. لن أتناول كل هذه النتائج, وهي عديدة ومتنوعة ولكن سأركز فقط علي بناء السد العالي بواسطة السوفيت, فمنذ بناء هذا السد كان الهجوم الأمريكي مركزا علي الآثار السلبية الخطيرة التي ستنتج عن هذا السد العملاق, وفيما هو أشبه بالسيمفونية الجنائزية السوداء خرجت علينا وسائل الاعلام الأمريكية, علي مدي أكثر من نصف قرن من الزمان, تعزف علي وتر واحد يردد أن الخراب سيلحق بمصر بسبب هذا السد الذي قامت ببنائه القوة العالمية الثانية, وأن مصر التي كانت من فجر التاريخ هي هبة النيل لن تصبح كذلك بسبب هذا السد الكارثي الذي حرم أرضها من الطمي الذي كان يعمل علي خصوبة الأرض وتجديد التربة, وأن الثروة السمكية ستنكمش وسيختفي الجمبري تماما ـ وقد اختفي فعلا بعد أن كان وجبة شعبية في متناول الجميع ـ وأن أراضي الدلتا ستتآكل تدريجيا لتختفي بدورها تماما من فوق أراضينا بعد سنوات قليلة! هذا بجانب أخطار كثيرة ومتنوعة لم تكف وسائل الاعلام الأمريكية, ومن بعدها, وسائل الاعلام الغربية عن ترديدها علي مدي أكثر من نصف قرن من الزمان.. نصف قرن من الزمان عجز عن إسكات ألسنة, وأقلام, وحناجر هؤلاء!
وفي هذا الشأن لن أناقش, ولن أجادل وذلك ببساطة لأنني لا أفهم تماما في علوم البيئة, والطاقة, والهندسة.. الخ, ولكنني أفهم جيدا في أساليب الدول الكبري في الصراع, والتنافس, والتآمر, والكيد الذي يفوق كثيرا كيد النساء كما يقول المثل الشعبي الدارج بيننا.
في هذا السياق, وفي ضوء ما نشهده حاليا من أحداث أبرزها وأخطرها ثورة الربيع العربي, وعملاؤها الناشطون الذين انكشفوا أمام الجميع, وجماعة الإخوان التي تأكد لنا أنه لا علاقة لها بالإسلام, أو أي دين سماوي, وإنما السلطة والحكم هما الهدف الأول, والأخير.. في هذا الصدد لم تقتصر المؤامرة الشيطانية الأمريكية علي ما يسمي بـ الجيل الرابع من الحروب الذي يعمل علي تمزيق الدول المستهدفة ودفعها لتحارب بعضها البعض دون خسارة ولو جندي واحد ـ أمريكي, أو بريطاني, أو فرنسي أو أي من دول العالم الأول.. القاتل والمقتول هما من ذات الوطن العربي والإسلامي, مع أن رسول الإسلام قال لنا, كما لو كان يستشرف آفاق القرن الحادي والعشرين ـ قال لنا: إذا تقابل المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار ولكن يبدو أن جماعة الإخوان المسلمين لم تسمع قط بهذا الحديث النبوي الشريف!
وفي هذا الشأن لم تقتصر المؤامرة الوضيعة علي اضطرابات الداخل, ولكن كانت هناك أبعاد خارجية وعالمية حتي يكتمل الحصار وتقع الجريمة.. في ذلك لم يتوصل تفكيري المتواضع إلي كل أركان وركائز تلك الأبعاد الخارجية للمؤامرة لأنها أعقد بكثير مما دار في الداخل عندنا, ومع ذلك فهناك بعد واضح وضوح الشمس يتفاعل منذ سنوات طويلة ونحن, كالعادة نيام.. نيام! تماما كما حدث عندما قرر العالم الغربي الامبريالي والمنافق أن يتخلص من اليهود الذين كانوا يعيشون بين شعوب هذا العالم الغربي منذ قرون طويلة, تقرر بعدها الخلاص منهم بإنشاء وطن قومي لهم في فلسطين.. وكما نعرف, ولأكثر من ستين عاما, فإن هذا القرار مازال ينخر في أعماقنا جميعا وتسبب في خسائر مادية, ونفسية, وحضارية تفوق ما خسرته ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية!!
والمضحك المبكي في هذا الشأن هو أننا نحن العرب لم نتنبه إلي ذلك إلا بعد أن قام الوطن اليهودي وأصبح أمرا واقعا, بل اننا لم ننتبه أن هناك داهية بريطانيا اسمه بلفور كان إن وعد بما لا يملك لغير من يستحق.. لم, ولا, ننتبه لأشياء من هذا القبيل... حتي لو كان هذا( القبيل) سيعمل علي تقويض آمالنا ومستقبل أبنائنا... من الخليج إلي المحيط!
بالمثل فإننا في مصر لم ننتبه ولسنوات طويلة أنه منذ قرار بناء السد العالي رغم إرادة واشنطن وإكتفينا بفرحة الأغنية الشهيرة( قلنا هنبني ودي إحنا بنينا السد العالي... يا إستعمار.. إلخ) خلال هذه الأفراح الغامرة والساذجة كانت جميع الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ هذا التاريخ تعمل علي تحويل هذا الإنجاز الضخم, وغير المسبوق إلي كارثة تهدد حياة, ومستقبل, ووجود كل من يعيش فوق أرض مصر! ولا أبالغ إذا ما قلت إن تلك الكارثة تهدد بقاء أقدم وأول دولة في تاريخ الإنسانية جمعاء! منذ هذا التاريخ عملت الإدارات الأمريكية المتتالية ـ ولا أقول الشعب الأمريكي, الذي لا حول له ولا قوة, فيما تدبره حكوماته ومؤسساته المخابراتيه من مؤامرات شريرة ومنحطة ـ عملت تلك الإدارات الأمريكية المتتالية, جمهورية كانت أو ديمقراطية, علي تخطيط وتنفيذ بناء ما يسمي بـ( سد النهضة) في إثيوبيا, حيث منابع النيل... مشروع ليس لمصلحة إثيوبيا التي يكفيها ما تتحصل عليه من مياه أمطار غزيرة تفوق ما تتحصل عليه من مياه النيل.. ليس لمصلحة إثيوبيا لأنها أيضا تنتمي إلي دول العالم الثالث الذي تزدريه الحضارة الغربية المتعالية, ولكنه لمصلحة النرجسية الأمريكية التي تزهو بأنها الدولة الأولي فوق الكرة الأرضية, وأنها أقوي دولة في تاريخ العالم.. فكيف يمكن أن تبرز دولة مثل مصر عبد الناصر لتخرج عن طوع واشنطن وتتحداها علانية, وتمضي في بناء السد العالي بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي السابق؟
لقد تم بناء هذا السد عكس إرادة ومكائد واشنطن التي طالت البنك الدولي الذي رفض تمويل بناء هذا السد.. شأنه في ذلك شأن جميع المؤسسات والمنظمات الدولية التي تتشدق بالحياد, والعمل علي إقرار العدالة والسلام بين كل شعوب الأرض دون تفرقة أو انحياز... كيف يمكن تحدي الإرادة السياسية للدولة الأولي في هذا الكون؟ إنه ما لا يمكن أن تقبله واشنطن ابدا, ومنذ هذا التاريخ بدأ التخطيط والاعداد, وإزداد هذا التخطيط, وذلك الاعداد حماسا وإصرارا بعد امتناع مصر مبارك عن توصيل مياه النيل ـ عبر سيناء ـ إلي إسرائيل.. وما أدراك بنوعية العلاقات بين واشنطن وتل أبيب.. وخاصة في مجال المخابرات والمؤامرات.. علاقات قيدت واشنطن وحلفاؤها من التصدي لإسرائيل خلال هجومها الدائم والمتكرر علي الدول العربية, في حين أنه خلال ثورة الربيع العربي, وعندما أبدي القذافي إصرارا علي التصدي والمقاومة إنطلقت علي الفور البوارج وطائرات القتال التابعة لحلف الاطلنطي لتدك قوات القذافي في نفس الوقت الذي تسلل فيه عميل فرنسي ليقتل القذافي بدماء باردة.. وفي تصوري أنهم اغتالوا القذافي انتقاما لاسقاط طائرة الركاب الأمريكية في لوكيربي, وفي تصوري أيضا أنهم أعدموا الرئيس العراقي السابق صدام حسين لأنه قام بإعدام جاسوس بريطاني اسمه( بازوفت) علي ما أتذكر.. إعدام القذافي وصدام لم يكن أبدا لمصلحة الشعبين العراقي والليبي بقدر ما كان عقابا لهما علي التجرؤ علي أسياد الشمال الأوروبي والأمريكي!.
ونعود إلي مصر وسدها العالي ـ الذي كان ومازال رمزا للتعاون المصري السوفيتي البناء في نفس الوقت الذي كان فيه, ومازال, رمزا لتحدي الصلف الأمريكي, وهذه الغطرسة ـ التي لابد أن تقضي علي صاحبها في النهاية, وذلك بجانب كونه شاهدا ضخما يشير إلي خنوع البنك الدولي ـ ناهينا عن باقي هيئات وإدارات منظمة الأمم المتحدة.. هذا الإنجاز الضخم الذي وقف أمامه أحد كبار المسئولين الأمريكيين مذهولا وقال بحسرة بالغة:( كان ينبغي أن نكون نحن وراء إقامة هذا الصرح الهائل) وهكذا ولأنهم لم يكونوا وراءه كان أن خرجوا علينا بفكرة بناء سد النهضة حتي يتحول ذلك السد العالي إلي ما رد عنين وعاجز وعقيم.. دون أي اعتبار أو مشاعر لحياة تسعين مليون نسمة تعتمد إلي حد كبير علي مياه وكهرباء هذا السد, وتخطط لمشروعات أخري ـ علي غرار توشكي ومزارع الصحراء الغربية ـ حتي يمكن أن توفر القوت الأساسي لشعب عاني الكثير من مؤامرات الدول الكبري, وذلك منذ الخمسينيات عندما أصبح هدفا حيويا لمؤامرات وغزوات ابتداء من حرب 1948 مع إسرائيل, وعدوان إنجلترا وفرنسا وإسرائيل في 1965 , ومصيدة حرب اليمن في الستينيات التي كانت تمهيدا لحرب يونيو1967 وهزيمتها الفادحة التي تصور بعدها المتآمرون أنها( الخاتمة) فكان أن خاب ظنهم وأصابهم الذهول والوجم عندما استطاعت مصر أن تقف علي قدميها وتذهل العالم كله بحرب أكتوبر73 التي أجمعت كل الاطراف الدولية والمعاهد الاستراتيجية علي استحالة انتصار المصريين في أي حرب يخوضونها ضد إسرائيل... أو غيرها!.
ولأنهم في الغرب عموما ـ وبصفة خاصة في الولايات المتحدة ـ لا يكتفون فقط بخطة, أو مخطط واحد, ودائما ما تكون في جعبتهم خطة موازية وبديلة يسمونها( الخطة ب) التي يلجأون إليها في حالة فشل الخطة الأساسية.. لأنهم كذلك فقد كانت( الخطة ب) تتفاعل طوال فترة الغزوات والحروب المتكررة التي باءت جميعها بالفشل فما كان إلا أن خرجت علينا ولأول مرة في نفس التوقيت الخطة الأساسية والخطة البديلة:
> الخطة الأساسية: وتتمثل فيما يسمي بـ( الجيل الرابع من الحروب) الذي تم تطبيقه علينا للمرة الأولي في التاريخ متسترا وراء تلك التسمية البراقة والمخادعة التي تقول:( ثورة الربيع العربي).
> الخطة ب: وتتمثل وتتجسد في( سد النهضة) وحرماننا من حقوقنا في المصدر الأساسي للحياة.
وياله من فارق هائل فيما بين سد مائي استهدف الخير لدولة مصب نهر النيل, وسد مائي في دولة المنبع يستهدف الشر والهلاك لجميع دول ما وراء هذا السد( الأمريكي) اللعين... سدود خرسانية, ولكنها تنطق وتفضح نيات وسياسات من يقفون وراءها!.
http://www.ahram.org.eg/News/1067/10/253737/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8/%D8%A8%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%B7%D9%82%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%A4%D8%A7%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D8%B1%D9%8A%D9%83%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D9%85%D8%AA%D8%AF-%D8%AD%D8%AA%D9%8A-%D9%85%D9%86%D8%A7%D8%A8%D8%B9-%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%8A%D9%84.aspx