من مميزات الشخصية الغربية بشكل عام، التركيز على الافكار اكثر من الافراد. و ينسحب هذا على النظم الادارية بدرجات متفاوتة، حيث يكون من المقبول ان يتكلم الصغير و الكبير موجود، او ان يتم مقاطعة المتكلم، او طرح اراء مخالفة تماما لما يريده من هو اعلى رتبة. و هو ما يخالف اساليب التربية الشرقية (مثل اليابان و كوريا الجنوبية) أو حتى المنطقة العربية. و تجد في الجيوش و المؤسسات الامنية الغربية قنوات لمناقشة الافكار حتى و ان لم يقتنع بها القائد، و ربما لتجاوزه ان لزم الأمر. و مثال ذلك قصة استخدام القوات البرية في البحث عن الصواريخ العراقية.
بدأ نقاش هذا الخيار بين لوائين في البنتاغون: اللواء واين داوننغ (مسؤول الوحدات الخاصة في قاعدة في ولاية نورث كارولينا) و اللواء كيلي: قائد العمليات الخاصة للاركان المشتركة. كان الموضوع حساسا لدرجة ان داوننغ لم يخبر رئيسه عن هذه الزيارة "الودية". تم طرح المعلومات الجديدة عن تقديرات استخبارية بوجود 3 نطاقات عراقية لاطلاق الصواريخ غرب العراق كما ذكرنا في الحلقة السابقة. و ان الحل الانسب هو التوغل بالقوات الخاصة للتحرش بتلك المناطق.
مبدأيا، كانت القوات الخاصة غير منشغلة بأي مهما محددة. فقد كان هناك خطة لتحرير موظفي السفارة اﻷمريكية المحاصرين في الكويت عن طريق القوات الخاصة، و جرى التدرب على الموضوع في صحراء نيفادا، و لكن شوارتزكوف كان مترددا في استفزاز بغداد لبدء القتال قبل الوقت المناسب له. و بالتالي بقيت الخطة بانتظار ساعة الصفر، و التي لم تأتي بسبب سماح العراق للموظفين بالخروج من السفارة و السفر ﻷمريكا في شهر ديسيمبر.
المشكلة اﻷكبر التي كانت تواجه مثل هذا النوع من العمليات هو الصراع الفكري بين الجيش التقليدي و القوات الخاصة. يؤمن الجنرالات بشكل عام ان الحرب لا تكسب بعمليات يقوم بها بعض الافراد الخارقين للعادة، بل انت تكسب الحرب عندما يكون "معدل" اداء قواتك افضل من اداء قوات عدوك على المدى الطويل. و كانت الصفعة التي تلقتها قوات الدلتا في عملية تحرير رهائن السفارة الايرانية مثال مفضل على خطورة هذا الاسلوب من العمل.
نضيف لذلك ان موضوع العمليات الخاصة برمته يقع تحت يد الجنرال كارل شتاينر Carl Stiner و الذي تصارع مع شوارتزكوف حول استخدام وسيلة العمل الغير تقليدي منذ اول يوم من العمليات. و كان شوارتزكوف ينظر بتوجس من ان استخدام بضع مئات من الجنود داخل حدود العراق قبل بدء الحرب سيؤدي لمشاكل سياسية و عسكرية هو في غنى عنها. و بمجرد ان طرح شتاينر فكرة انشاء مقر عمليات في الرياض صار موضوعا في القائمة السوداء للجنرال شوارتزكوف، و من هنا كان قرار نائبة داوننغ ان يسير بهذا المشروع دون علم شتاينر خوفا من فيتو شوارتزكوف!
المشكلة الثانية كانت بريطانيا، فقد كانت قوات ال SAS موجودة في غرب العراق، حيث ان قائد الحملة البريطانيا كان قائدا للقوات الخاصة فيما سبق و كان من انصار اسلوب هذا العمل، و قد اقنع شوارتزكوف فيما ما فشل فيه شتاينر! ادخال بعض الوحدات لغرب العراق لاعمال التخريب و التشويش قبل بدء الحرب الجوية بيومين. و كانت فكرة ان شوارتزكوف سمح للقوات الخاصة البريطانية و منع قوات الدلتا سبة في نظر كل ضباط هذا التشكيل، لكن هذه القوات في النهاية تعتبر احتياطي خاص لغرفة العمليات التي يقودها شوارتزكوف.
و من ناحية اخرى، شكل احراج صواريخ العراق فرصة لمثل هذا المخطط ان يتجاوز تعسف شوارتزكوف. فقد اصبح الموضوع شاغل القيادتين السياسية و العسكرية للتحالف. و صارت التقارير تطلب كل ساعة عن حجم الغارات الجوية التي نفذت على الصواريخ العراقية و النتائج. عرضت الفكرة على كولن باول و رد "مثير للاهتمام لكن ليس بعد، مزيد من الدراسات". و لكن الحظ يتدخل هذه المرة، فقد نجح صاروخ عراقي في تجاوز الباتريوت و دمر 1700 شقة في ضاحية رامات غان في اسرائيل و قتل 3 بالصدمة القلبية و جرح حوالي 100.
و قد ابلغ دوننغ شتاين بالخطة التي طبخت من وراء ظهرة، و تجاوز شتاين عن هذه الطعنة و صار داعما للخطة في اوساط القرار. و بينما كان شوارتزكوف يقول للصحافة ان مساحة غرب العراق كبيرة جدا و لا تستطيع وحدات القوات الخاصة عمل اي فارق، كان وراء الاكمة ما و رائها. و اضاف شوارتزكوف ان كل مواقع الاطلاق الثابتة تم معالجتها و تم ضرب 16 منصة متنقلة. و بينما كان الشق الاول المتعلقة بالمنصات الثابتة صحيحا، كان الشق الثاني لا يسنده غير تقارير طيارين مبالغة في التفاؤل. و رفضت استخبارات الجيش تأكيد تدمير اكثر من منصتين و رفضت المخابرات المركزية تأكيد اي تدمير للمنصات المتحركة!
كان هناك فرصة كبيرة للولايات المتحدة لدراسة الصواريخ العراقية في اثناء حرب العراق مع ايران. و يعرف الامريكيون ان صواريخ الحسين و صواريخ الحجارة(؟) كانت اطول مدى من السكود و لكن بدون اي قدرات توجيهية بعد الاطلاق. المشكلة كانت في معرفة تفاصيل عمليات الاطلاق العراقية، و ما هو تسلسل القيادة و عدد المنصات. و كانت التقديرات بوجود 18منصة متنقلة، و تم رفع الرقم ل 36 بعد بدء الحرب بعد ان ادرك المحللون سهولة تصنيع منصة اطلاق متنقلة! و كان العراقيون ماهرون في تمويه الشاحنات لدرجة ان مفتشي الامم المتحدة لم يكونوا قادريين على التمييز بين المنصات الحقيقية و المزيفة دون الاقتراب لمسافة 20 متر على الأرض!
و بالتالي اختفت نبرة الثقة حيال هذا الموضوع، و بعد البدء ب 24 طائرة ف-15 لمواجهة المنصات المتحركة تم اضافة 24 طائرة ف-16 و 24 طائرة A-10 بدون اي فائدة! و كان الطيار يشاهد الصاروخ يخترق الفضاء و لا يستطيع ان يجد من اطلقه قبل دقائق. و كانت قمة البؤس التخطيطي ان طلب من الطائرات المحلقة رمي قنبلة كل نصف ساعة على مواضع اطلاق محتملة لاخافة العراقيين! و بعدها تم اقتراح ان يتم توجيه 200 طائرة لقصف كل غرب العراق لثلاثة ايام و ملئه بالالغام. سأل شوارتزكوف: هل سيخفف هذا الضغط عن بغداد؟ الجواب كان نعم. هل سيقصر امد الحرب؟ الجواب كان لا. و تم رفض الاقتراح.
و بالتالي نكون قد غطينا اكثر جوانب العمليات الجوية الامريكية للاسبوع الاول للحرب، النجاحات و الفشل، و بعض المحاور التي طرحت. سوف ننهي الاسبوع الاول بالحديث عن اداء القوات الجوية البريطانية في هذا الاسبوع قبل الانتقال لمنتصف الحملة الجوية.
المصدر: Crusade, R.Atkinson